محاكمات طوكيو: محاكم عدل أم محاكم منتصرين؟

سياسة

محاكمات طوكيو وأهميتها السياسية

بدأ الجدل الدائر حول محاكمات طوكيو منذ وقت طويل، تقريبًا منذ بدأت المحاكمات نفسها. إذن ما هي محاكمات طوكيو؟ هل سارت هذه السلسلة من المحاكمات على نحو عادل إزاء المجتمع الدولي فيما يخص ”الضرر الذي لحق بمصالح الشعوب المحبة للسلام“؟ أم هل كان الأمر مجرد ”محاكمة أدارها المنتصرون“، أي الحلفاء، لزعماء الدول المهزومة، أي اليابان؟

والحقيقة هي أنه بعيدًا عن كونها محاكمات بالمعنى القانوني البحت، فقد حملت محاكمات طوكيو معان سياسية.

وتوجد عدة أسباب للاعتقاد بذلك.

أولها هو أن كلا من القضاة والمدعين كانوا من نفس الجانب، مما يلغي إمكانية إصدار حكم موضوعي.

وثانيها أنه تم اعتبار المتهمين من مجرمي الحرب ليس فقط قبل صدور الحكم بالذنب، ولكن حتى من قبل توجيه الاتهامات لهم.

وثالثها أن الدفاع لم يحصل على تمثيل من المحامين بنفس جودة الادعاء. وبينما كان للطرفين نظريًا الحق في إنكار الأدلة والشهادات، ولكن في الحقيقة، حكمت المحكمة لصالح المدعين في العديد من القضايا.

ورابعها، أن النيابة طبقت العقوبات بشكل لاحق على المتهمين الذين لم تتم إدانتهم في حينها. وهذا يعني أن الحكم كان بأثر رجعي. كما استندت صياغة التهم إلى فكرة ”المؤامرة“، في التوصيف القانوني لكل من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو مفهوم لم يكن قد دخل حيز التنفيذ بعد في عرف القانون الدولي.

وخامسها، قيام بعض دول الحلفاء كذلك بأعمال تحملهم مسؤولية الحرب. ولكن تظل هذه الأمور مثلت قضية حساسة تحتاج سياق منفصل لمناقشتها.

وسادسها هو أن محاكمات طوكيو جرت في وقت بدأت فيه الحرب الباردة تتشكل، ويمكن القول أنه بالمقارنة مع محاكمات نورمبرغ، يبدو أن هذه المحاكمات كانت مكانًا للمواجهة السياسية بين الولايات المتحدة وإنجلترا ودول الحلفاء من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى.

التاريخ يكتبه المنتصرون

مثل محاكمات نورمبرج، كانت محاكمات طوكيو شيئًا من المستحيل تجنبه في الوضع السياسي في ذلك الوقت. ومع ذلك، لم تسعى كلتا المحاكمتين إلى منع تكرار الاحتلال العسكري أو الحروب العالمية فحسب، بل حددتا أيضًا مسارًا مستقبليًا. فبينما كانت الحرب الباردة قد بدأت بالفعل، لم يكن أحد في ذلك الوقت يعتقد بعد أن حربًا حقيقية ستندلع مرة أخرى.

وكانتا كلتا التجربتين وسيلة لكتابة حقبة من التاريخ بصياغة تنتصر لصالح المنتصرين. مما جعلها تصاغ كما لو كانت جريمة قامت بها دول المحور، وفي إطار التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، نفذت جميع أنواع ”إعادة تشكيل وعي“ الدول الخاسرة. وبالإضافة إلى ذلك، بدأ استخدام تعبير ”النظرة التاريخية لمحاكمات طوكيو“ في اليابان. ومع ذلك، في السنوات اللاحقة، انتقد كل من مفكري اليسار واليمين هذا الرأي التاريخي بشكل تدريجي وعميق.

هل كانت محاكمات طوكيو عادلة؟

أما بخصوص عدالة محاكمات طوكيو، فإن معظم القضاة والمدعين العامين المشاركين لم يعتقدوا أنهم يفعلون أي شيء مخالف للقانون.

ومن وجهة نظرهم، كانوا يعاقبون المذنبين ويتصرفون بناءً على فكرة أن مهمتهم كانت القضاء على حروب الاعتداء. ومع ذلك، لم يكن هذا هو البند الأكثر أهمية في جدول أعمال المحاكمة. بل كان الشيء الرئيسي بالنسبة لهم جميعًا، كممثلين للحلفاء، هو المضي قدمًا في مهمتهم.

وكان على قادة اليابان المهزومة أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الشعب الياباني عن الحرب وجميع الأمور المرتبطة بها، بداية من الأعمال العدائية، والهزيمة، والمسؤولية عن المضي قدمًا في حرب يمكن اعتبارها عملاً غير مسؤول وانتحاري، وقمع الفكر من قبل توكوبيتسو كوتو كيساتسو (أو قوة شرطة خاصة مصممة للسيطرة على الجماعات والأيديولوجيات التي تزعج النظام العام)، أو الشرطة العسكرية وفرض الحشد العسكري على الشعب الياباني.

من اليسار، الصف الأول، توجو هيديكي و أوكا تاكازومي، والصف الثاني هيرانوما كيئيتشيرو وتوغو شيغينوري، جالسين في قفص الاتهام أمام المحكمة الجنائية العسكرية الدولية للشرق الأقصى، التي تم إنشاؤها في قاعة المؤتمرات السابقة التابعة لوزارة الحرب، إيتشيغايا (طوكيو)
من اليسار، الصف الأول، توجو هيديكي و أوكا تاكازومي، والصف الثاني هيرانوما كيئيتشيرو وتوغو شيغينوري، جالسين في قفص الاتهام أمام المحكمة الجنائية العسكرية الدولية للشرق الأقصى، التي تم إنشاؤها في قاعة المؤتمرات السابقة التابعة لوزارة الحرب، إيتشيغايا (طوكيو)

الابتعاد عن الماسوشية التاريخية

لم يكن الهدف الرئيسي لقيادة قوات الاحتلال هو معاقبة قادة اليابان علنًا بعد هزيمتهم، ولكن كان السعي إلى حرمانهم من سلطتهم وقدرتهم على الانخراط في السياسة أو النقاش الاجتماعي من جديد. ولتحقيق ذلك، قامت قوات الاحتلال ”بتصفية“ القيادة اليابانية.

وبعد توقيع معاهدة سان فرانسيسكو للسلام، وبعد انتهاء الإدارة من قبل قوات الاحتلال، عاد الغالبية العظمى من الأشخاص الذين نجوا من عملية التطهير إلى مناصبهم في الخدمة المدنية أو الحكومة أو الصناعة. وباستثناءات قليلة، كانوا جميعًا مكرسين بشدة لإرساء الديمقراطية في اليابان وإقامة العلاقات مع الولايات المتحدة والتعاون معها.

وهكذا كانت محاكمات طوكيو واحدة من أهم اللحظات التاريخية في القرن العشرين. والآن، بينما نعيش في القرن الحادي والعشرين، ألم يحن الوقت للابتعاد عن الماسوشية وإيذاء الذات التي تمثل وجهة النظر التاريخية في محاكمات طوكيو؟

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإسبانية. صورة العنوان: قضاة المحكمة الجنائية الدولية للشرق الأقصى في طوكيو. رئيس المحكمة الأسترالي ويليام ويب هو الثالث من اليسار، جيجي برس)

الحرب الروسية اليابانية الحرب العالمية الثانية الحرب العالمية الأولى