علاقة اليابانيين بالديانة المسيحية

مجتمع ثقافة

صورة الديانة المسيحية في اليابان بشكل عام إيجابية. وعلى الرغم من ذلك، يشكل المسيحيون أقل من 1% من تعداد السكان. يمكن معرفة أسباب هذه المفارقة الواضحة في التاريخ المعقد لقبول المسيحية في اليابان.

مسيحية بدون المسيح

المسيحية هي الديانة الأكثر انتشارا في العالم حيث يقدر عدد معتنقيها بنحو 2.4 مليار شخص أي نحو ثلث إجمالي سكان العالم. لكن المسيحيين في اليابان أقلية صغيرة. وعلى عكس كوريا الجنوبية الدولة المجاورة لها حيث يعتنق حوالي 29% من السكان الديانة المسيحية، يمثل أتباع هذه الديانة في اليابان 0.8% فقط من إجمالي السكان.

لكن في حين أن أكثر من 99%من اليابانيين ليسوا مسيحيين، إلا أن هذا لا يعني أنهم يكرهون المسيحية أو لديهم صورة سلبية عنها. إنهم بعيدون عنها. في حقيقة الأمر من الإنصاف القول إن الكثير من اليابانيين على دراية بالجوانب المختلفة للثقافة المسيحية. بالطبع سمع الأطفال عن يسوع المسيح. لكن في المدرسة يتعلمون أيضا عن الأشخاص والأحداث المرتبطة بتاريخ وثقافة المسيحية، من مارتن لوثر ودوستويفسكي إلى الأم تيريزا. يهتم الكثير من البالغين بالفن والموسيقى المسيحيين، ويسعدون بزيارة الكاتدرائيات والكنائس أثناء رحلاتهم إلى الخارج. كما أن عيد الميلاد هو فعالية راسخة في اليابان تحظى بشعبية بين الناس من جميع الأعمار والخلفيات، كما يختار الكثير من الأزواج إقامة حفل زفافهم على الطراز المسيحي، حتى لو لم يكونوا يؤمنون بتلك الديانة. الثقافة المسيحية بشكل عام تحظى بصورة إيجابية.

وفي الوقت نفسه، لا يهتم معظم اليابانيين بالعقيدة المسيحية في حد ذاتها أو لديهم اطّلاع طفيف عليها. ومجددا إنهم لا يرفضون التعاليم المسيحية بشكل حاسم بعد دراسة مستفيضة؛ بل إنهم ببساطة غير مهتمين ولا يكترثون أبدا بالاطلاع عليها. تحتوي اليابان على الكثير من المدارس التي أسسها مبشرون ومسيحيون آخرون. وفقا لدارسة إحصائية، يلتحق واحد من كل عشرة يابانيين بمدرسة مسيحية في مرحلة ما في رحلتهم التعليمية الممتدة من رياض الأطفال إلى الكليات. وعلى الرغم من ذلك، ظل عدد المؤمنين بالمسيحية ضئيلا على الدوام. ومن ضمن معتنقي هذه الديانة الصغيرة، يشكل البروتستانت 60% من إجمالي المسيحيين والكاثوليك 40%، لكن الكثير من اليابانيين لن يستطيعوا بسهولة شرح الفرق بين كلتا الطائفتين أو إبداء الكثير من الاهتمام بفهمه. بالنسبة لمعظم اليابانيين، فإن اهتمامهم بالمسيحية هو نسخة من الإيمان الذي تم تجريده إلى حد ما من محتواه العقائدي.

التأثير الاقتصادي والعسكري لأوائل المبشرين

تم التبشير بالمسيحية لأول مرة في اليابان عام 1549 عندما وصل فرنسيس كسفاريوس (1506-1552) مع مجموعة من المبشرين إلى كيوشو. وقد نجحوا إلى حد كبير في تحويل الناس إلى المسيحية، وزاد عدد المسيحيين زيادة كبيرة في السنوات الأولى. ولكن خلال 60 عاما فقط من وصولهم، تم حظر المسيحية. استمر الحظر لمدة 260 عاما، وخلال تلك الفترة تعرض المسيحيون لاضطهاد وقمع بدون رحمة، بما في ذلك التعذيب والإعدام. هناك أسباب عديدة لقمع المسيحية في اليابان بين القرنين السابع عشر ومنتصف القرن التاسع عشر. لكن ربما كان السبب الرئيسي هو أن المسيحية في تلك الأيام لم تكن مجرد ديانة، بل كانت قوة اجتماعية واقتصادية لها القدرة على زعزعة أركان السياسة والمجتمع في اليابان.

كانت القوة الدافعة الرئيسية وراء التبشير المسيحي في اليابان في القرن السادس عشر هي منظمة الرهبنة اليسوعية. وقد انخرط اليسوعيون بعمق في تجارة ’’نانبان‘‘ بين اليابان وأوروبا ليتمكنوا من مواصلة أنشطتهم التبشيرية بكفاءة ودعم وتوسيع المجتمع المسيحي في اليابان. جلبت تلك المشاركة في الأنشطة الاقتصادية أرباحا ضخمة لبعض الأمراء الإقطاعيين ’’دايميو‘‘، ولكن أيضا أدت لإشراك المبشرين في توريد الأسلحة. لم يكن المبشرون مجرد رجال دين، بل شخصيات سياسية لها تأثير اقتصادي وعسكري مهم. وسرعان ما أصبحت فصيلا قويا كان من المستحيل تجاهله.

بعض هؤلاء المبشرين الأوائل فكروا بجدية في دعوة القوات الإسبانية والبرتغالية لإخضاع اليابان. في الواقع ربما لم تكن هناك أي خطة جدية في هذين البلدين لغزو اليابان عسكريا، لكن عدد المبشرين الذين أكدوا على الحاجة إلى وجود قوة عسكرية للدفاع عن الكنيسة وأنشطتها لم يكن قليلا. وبالتالي ليس من المستغرب أن يشعر الكثير من الأشخاص الذين شاركوا في إدارة البلاد في ذلك الوقت بعدم الثقة وبالشكوك حيال المسيحيين.

كان المبشرون أيضا غير متسامحين للغاية مع الديانات الموجودة في اليابان، فيما يخص البوذية على سبيل المثال، حيث كانوا يعتبرونها نوعا من العبادة الوثنية للأصنام التي ينشرها الشيطان. كانت المسيحية بالنسبة لهم بدون أدنى شك هي الديانة الحقيقية وأن جميع الأديان الأخرى كانت ضالة المنهج. شجع بعض المبشرين المسيحيين اليابانيين على إضرام النار في المعابد البوذية، ودمروا التماثيل التي خبأها الكهنة البوذيون داخل الكهوف. يمكن تأكيد تلك المعلومات من خلال المستندات التي كتبها المبشرون أنفسهم.

يمكن بسهولة أخذ انطباع بأن المسيحيين المضطهدين كانوا مجرد ضحايا من مصادر مثل رواية ’’الصمت‘‘ لمؤلفها إندو شوساكو والتي قام مارتن سكورسيزي مؤخرا بتحويلها إلى فيلم. لكن العنف لم يكن كله من طرف واحد. فالمسألة لم تكن بالتأكيد أن المسيحية تعرضت للقمع على الرغم من رغبة المسيحيين في العيش بسلام إلى جانب الأديان الأخرى. نميل اليوم في القرن الحادي والعشرين إلى اعتبار أن الأديان المختلفة يجب أن تحترم بعضها البعض وأن تعيش في وئام. لكن في زمن المبشرين المسيحيين الأوائل في اليابان لم يكن هذا التفكير شائعا جدا.

كيف ساعدت المسيحية في ”تعليم“ اليابان الحداثة

عندما أصبحت الأنشطة التبشيرية المسيحية ممكنة مرة أخرى في اليابان بعد رفع الحظر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأت أعداد كبيرة من المبشرين بالوصول إلى البلاد مرة أخرى، هذه المرة معظمها من البروتستانت. كانت اليابان في ذلك الوقت تعيش فترة من التغيير السياسي المذهل حيث كانت البلاد تسارع للتحول نحو الحداثة. ما أراده الناس هو تعلم المعرفة العلمية ولغات العالم الخارجي. ونظرا لأن المبشرين كانوا حريصين على انتهاز التعليم وتدريس اللغة كفرص للتبشير، فقد توافقت احتياجات الجانبين بشكل جيد. لكن بالنسبة لليابانيين في ذلك الوقت، لم تكن المسيحية أكثر من أداة مفيدة لتحديث و ”تحضر“ اليابان. كانت أحد جوانب الثقافة الغربية، شيئا أجنبيا أكثر من كونه شيئا يمكن جعله يابانيا.

منذ حوالي نهاية القرن التاسع عشر أصبح يطلق على الديانة المسيحية باللغة اليابانية اسم ”كيريستوكيو“ – وهي ترجمة تمت صياغتها حديثا من الإنجليزية لتحل محل الاسم السابق ”كيريشيتان“ – وهو مشتق من اللغة البرتغالية. تم استحداث مجموعة جديدة من المصطلحات المترجمة لليابانية: ”كيوكاي (كنيسة)“ و”سينكيو (بعثة تبشيرية)“ و”جونكيوشا (شهيد)“. كما أصبح المصطلح ”شوكيو“ الكلمة اليابانية العادية للإشارة إلى ”الدين“ في تلك الأثناء تقريبا. جميع هذه المصطلحات تستخدم نفس حرف الكانجي ”كيو (教)“ والذي يعني ”تدريس“ وهو ما يؤكد على الجوانب التربوية وليس العقائدية للدين. هذه الحقيقة تدل على ما كان يبحث عنه اليابانيون الحديثون من المسيحية والدين بشكل عام.

كان بعض المفكرين اليابانيين في ذلك الوقت يعتقدون أن المسيحية لعبت دورا رئيسيا في غرس القيم الأخلاقية في المجتمعات الغربية ومساعدتهم على التطور إلى دول قوية حديثة. كان الكثيرون يعتقدون أن إدخال تلك الديانة سيكون فكرة جيدة لليابان أيضا، باعتبارها وسيلة للحاق بركب الغرب. ثمن أوكوما شيغينبو (1838-1922)، مؤسس جامعة واسيدا، المسيحية أيضا باعتبارها وسيلة للتربية الأخلاقية، رغم أنه في نهاية المطاف لم يكن يعتبرها أكثر من مجرد قصة خيالية مفيدة. أراد اليابانيون تعاليم عملية من شأنها أن تساعد اليابان على التطور لتصبح دولة حديثة ومتحضرة، وهذا أدى إلى ميل قوي نحو أخذ المسيحية بعين الاعتبار من منظور محدود للتعليم والأخلاق العامة.

في الواقع لا تزال العلاقة بين الشعب الياباني والمسيحية قصيرة للغاية زمنيا. فكما ذكرت سابقا، جاء اليسوعيون إلى اليابان في عام 1549، وبدأ الحظر على المسيحية بعد 60 عاما فقط ليستمر لمدة 260 عاما تقريبا. كما بدأ البروتستانت والمسيحيون الأرثوذكس الروس في دخول اليابان ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكن خلال الحرب الروسية اليابانية والحرب العالمية الثانية، تعرضت هذه ’’الديانات الغربية‘‘ لضغوط جراء الرفض الرسمي لها مرة أخرى. لم تصبح الحرية الحقيقية للأديان مصانة في اليابان إلا بعد سن الدستور الحالي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وبهذا الشكل، كان الشعب الياباني العادي على اتصال بالمسيحية فقط لنحو 150 عاما. ربما لا تزال هناك مشاركة أوسع نطاقا وشمولا للمسيحية في المستقبل.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: حفل زفاف في كنيسة في اليابان. حقوق الصورة maayannmaayann/Pixta)

الإسلام الدين المسيحية