9 سنوات على حادث فوكوشيما النووي: الحياة اليومية في بيئة غير اعتيادية!
كوارث- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في مساء يوم 12 فبراير/شباط أي قبل يوم من ذهابنا إلى فوكوشيما لإعداد هذا التقرير بُث على شاشة التلفزيون تحذير جراء حدوث زلزال جاء فيه أن زلزالا قوته 5.4 درجة على مقياس ريختر ضرب قبالة ساحل محافظة فوكوشيما تسبب في حدوث اهتزاز بقوة 4 درجات في المنطقة الساحلية حيث توجهنا. وقد تمتمت قائلة ’’أتمنى بصدق أن هذا ليس مقدمة لشيء كبير حقا‘‘.
قررت ألا أخبر والدتي أنني كنت متجهة إلى محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية لإعداد تقرير. منذ أن تم تحديد جدول هذه الرحلة، عكفت على إعادة قراءة المقالات القديمة حول وضع محطة الطاقة النووية بينما أؤدي أعمالي الأخرى. إن المهمة كانت مجرد عمل كالمعتاد. لكن عليَّ أن أعترف أنني كنت في أعماقي قلقة نوعا ما بشأن هذه المهمة.
وجبات بسعرات حرارية عالية لتأدية أعمال شاقة
عندما وصلنا إلى الموقع في 13 فبراير/شباط أصبح من الواضح مرة أخرى أن هذه المهمة لم تكن مثل المهام المعتادة، فقد تم التأكد من هوياتنا الشخصية وفُتشت متعلقاتنا للتأكد من أننا لم نكن نحمل أية مواد أو أشياء خطرة.
يعمل اليوم في موقع محطة الطاقة أكثر من 4 آلاف شخص. ليس جميعهم من موظفي طوكيو للطاقة الكهربائية ’’تيبكو‘‘، الشركة المشغلة للمحطة. فبالإضافة لموظفي تيبكو تزدحم فوكوشيما دايئيتشي بأشخاص من مصنعي المفاعلات النووية ومهندسين مدنيين ومختصين في إزالة تلوث المياه وتنقية الهواء، جنبا إلى جنبا مع عمال من طيف واسع من الشركات التي تتعاون في هذا المشروع الضخم. وهذا قد يفسر التحيات الودية التي تُسمع باستمرار في الموقع من قبيل ’’مرحبا بك‘‘ و’’واصلوا جهودكم‘‘ عندما يمرون بجوار بعضهم البعض في الممرات أو في الخارج. إنها تشبه بعض عبارات التحفيز التي يسمعها المرء على مسارات التسلق الطويلة في الجبال. لا يتعلق الأمر بحسن التعامل مع الآخرين فحسب، بل هي طريقة سريعة للتحقق من أن الآخرين بخير ومن أجل البقاء في حالة جاهزية للتواصل الفوري مع الآخرين في حالات الطوارئ، سواء أكنت تعرفهم بالاسم أم لا.
عند إلقاء نظرة على كافيتريا داخل الموقع نجد أنها تعرض قائمة أطعمة مشبِعة بأسعار معقولة. تتوفر وجبات غداء متكاملة وأطباق دونبوري تُقدم في آنية تحتوي على الأرز والكاري وأطباق معكرونة وذلك بسعر ثابت قدره 390 ين لكل منها. وعلى عكس كافيتريات الشركات التي نراها في طوكيو، فإن هذه الكافيتريا لا تقدم أي طبق يحتوي على أقل من 800 أو 900 سعرة حرارية. طلبت وجبة رامين والتي تأتي مع وعاء من الأرز وزلابية شياولونغباو. إن العمل في فوكوشيما دايئيتشي شاق ويتطلب جهودا بدنية، ويبدو أن العمال ليسوا بحاجة إلى خيارات أطعمة منخفضة السعرات الحرارية أو منخفضة المحتوى من الكربوهيدرات.
تقع محطة فوكوشيما دايئيتشي في مكان بعيد لا توجد فيه مجتمعات مأهولة بالقرب منها، ولا يتوفر أمام العمال خيار آخر للخروج لتناول العشاء في أحد المطاعم من أجل تغيير وتيرة الروتين اليومي، ولكن يبذل موظفو الكافيتريا قصارى جهدهم لمنع تسلل الملل إلى الناس من تكرار خيارات قائمة المأكولات. فحتى بالنسبة لطبق ’’الكاري والأرز‘‘ المنفرد، يقوم طاقم المطبخ بتبديل النكهات المستخدمة من حساء الكاري واستخدام الدجاج في يوم ولحم الخنزير في اليوم التالي واستخدام مواد مختلفة لتزيين وجه الطبق. في 13 فبراير/شباط عندما زرنا المحطة كان هناك ملصق على الحائط يُعلن عن طبق ’’كاري عيد الحب‘‘ سيقدم في اليوم التالي، يحتوي على وجهه قطعة كروكيه على شكل قلب. إن المكان موقع عمل فريد من نوعه والمهام التي يؤديها الأشخاص هنا تختلف عن تلك المهام التي يؤديها العمال الآخرون، ولكن اللمسات الصغيرة التي يمكن رؤيتها هنا وهناك تهدف إلى جعل بيئة المكان مشابهة إلى حد كبير لتلك الموجودة في باقي أرجاء البلاد.
كاميرات الهواتف الذكية محظورة
يعمل الجميع هنا في نفس الموقع، لكن السلوكيات الاجتماعية متباينة تماما بحسب المجموعة. فقد يجلس أربعة أو خمسة رجال على طاولة الكافيتريا يأكلون معا بصمت مطبق، حيث يتناولون الطعام بعيدان خشبية بدون تبادل أطراف الحديث مع بعضهم البعض. بينما على طاولة أخرى تقوم مجموعة مختلفة بإعادة تعبئة فناجين الشاي مرارا وتكرارا بينما يجرون محادثات مطولة بعد تناول الوجبة. وعلى طاولات أخرى يوجد بعض الأشخاص الذين تتسمر أعينهم على هواتفهم الذكية التي يمسكونها بيد بينما يأكلون بالأخرى. هذا أمر يمكن ملاحظته أيضا في أي مكان لتناول الطعام في العاصمة، ولكن عندما تقدمنا بطلب للحصول على تصريح صحفي للقيام بجولة في المنشآت قيل لنا مرارا إنه لا يُسمح بوجود هواتف ذكية أو أجهزة محمولة أخرى داخل فوكوشيما دايئيتشي. وهواتفنا مغلقة داخل السيارة المركونة في موقف سيارات الزوار.
هل يُسمح للعمال في الموقع بحمل الهواتف الذكية؟ ’’نعم‘‘، أجاب موظف تيبكو الذي رافقنا في جولتنا في أرجاء المحطة. ويضيف قائلا: ’’انظر، هاتفي معي الآن‘‘، ويقوم بسحب هاتفه من جيبه ليرينا إياه. ويوضح أن الهواتف محظورة بهدف منع التقاط صور أو فيديو داخل الموقع للحيلولة دون تسرب المعلومات إلى الخارج. يجب على العمال الذين يحضرون هواتفهم الخاصة تسجيلها مقدما ووضع لصاقات على عدسات الكاميرات، ولكن بإمكانهم الاستمتاع بمشاهدة فيديو تم تنزيله أو الدردشة النصية مع العائلة والأصدقاء خلال أوقات استراحاتهم.
خضعنا قبل جولتنا في محطة الطاقة وبعدها لفحص بجهاز ’’معداد كامل الجسم‘‘ الذي يقيس من الخارج مستوى النشاط الإشعاعي في جسم الشخص. يجب فحص الأشخاص الذين يعملون في الموقع مرة كل ثلاثة أشهر، لكن الزوار المؤقتين مثلنا يفحصون مرتين في يوم واحد.
ولكن بالنظر إلى الغرض من جولتنا تساءلت في البداية لماذا تعين علينا الخضوع للفحوصات. لم ندخل إلى أية مناطق كان النشاط الإشعاعي فيها عاليا بما يكفي لمطالبتنا بارتداء معدات وقائية خاصة وقد اتبعنا بدقة تعليمات مرشدنا وارتدينا الأقنعة كلما مررنا بمكان تنبعث منه سحب من الغبار جراء العمل. ولكننا كنا قد مررنا على مقربة نسبيا من الوحدات ذات الأرقام من 1 إلى 4 التي تضم المفاعلات المعطوبة، ولربما تعرضنا لبعض التأثير هناك. لذلك كنت أشعر بقلق بالغ عندما خضعت لثاني اختبار لي في اليوم، ولكن عندما ظهرت النتائج تبدد تقريبا كامل القلق. كان مستوى النشاط الإشعاعي الخاص بي أقل مما كان عليه في الصباح.
وبينما كنت أتساءل لماذا حدث ذلك، بدأ مرشدنا بالشرح قائلا: ’’لقد استخدمت الحمام منذ قليل، أليس كذلك؟ كل يوم نتناول كجزء من نظامنا الغذائي مواد تطلق أشعة تتخلص منها أجسامنا أثناء عملية الهضم. عاداتنا الغذائية لها تأثير على مستويات الإشعاع في أجسامنا. ومن المؤكد أن الأمر يختلف من شخص لآخر، ولكن بشكل عام يكون لليابانيين الذين يتناولون كمية أكبر من الأعشاب البحرية مستويات إشعاع أعلى من الغربيين‘‘.
مجتمع مهجور خارج البوابات
يوجد في الطابق الأول من المبنى الإداري على الطرف الجنوبي الغربي من الموقع متجر احتياجات يومية صغير، بالإضافة إلى مساحة تحتوي على طاولات وكراسي متوزعة بشكل عشوائي. يمكن للعمال استخدام هذه المنطقة لاجتماعات غير مخطط لها. وفي الجزء الخلفي من هذه القاعة توجد منطقة التدخين الوحيدة في محطة الطاقة بأكملها. وكوني غير مدخنة أحاول عادة أن أجلس بعيدة قدر الإمكان عن مثل تلك الأماكن لتجنب الرائحة، لكنني أجد نفسي سعيدة إلى حد ما هنا لأن العمال المدخنين لديهم هذا المكان الذي يتيح لهم الانغماس في عادتهم.
بعد أن انتهينا من إعداد تقريرنا، ركبنا السيارة وتوجهنا إلى الفندق. لا تزال مستويات الإشعاع مرتفعة في المناطق المحيطة بمحطة توليد الطاقة، ولا يزال الكثير منها مصنفا كمناطق لن يتمكن سكانها من العودة إليها في المستقبل القريب. تبدو الطرق التي نسير عليها والأشجار المصطفة على جانبيها في حالة جيدة إلى حد ما، وربما هذا لأن تلك الطرق تشهد حركة مرور كبيرة من وإلى فوكوشيما دايئيتشي. لكن المجتمعات التي تقع قبالة تلك الطرق مهجورة منذ 9 سنوات، وهي تبدو خاوية من أصحابها. عبرنا من أمام أحد متاجر سلسلة شيمامورا لبيع الملابس غير الرسمية وألقينا نظرة من خلال نوافذ العرض على مانيكان وحيد لعرض الأزياء يقف بين صفوف من الملابس لا تزال على الشماعات.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. جميع الصور من هاشينو يوكينوري من نيبون دوت كوم. صورة العنوان: رافعات تحيط بمبنى وحدة المفاعل رقم 3 في فوكوشيما دايئيتشي)