تفشي وباء الكوليرا وتدابير الصحة العامة خلال عصر النهضة في اليابان
تراث- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تفشي الكوليرا في اليابان
عانت اليابان في القرن السادس من تفشي وباء الجدري على نطاق واسع من أراضيها. وتوالت الأمراض بعد ذلك بوتيرة منتظمة في القرون اللاحقة، كحالات تفشي الحصبة التي أودت بحياة الكثيرين. ومع ذلك، لم تتأثر الأراضي اليابان بآفات واسعة النطاق كما حدث مع الطاعون والحمى الصفراء حتى ضربها ولأول مرة وباء عالمي تمثل في وصول الكوليرا في القرن التاسع عشر.
كانت الكوليرا متوطنة في منطقة دلتا الغانغ بالهند، ولكن مع خضوع الهند لسيطرة بريطانيا ومرور حركات التبادل التجاري عبر آسيا في أوائل القرن التاسع عشر، انتشر المرض في جميع أنحاء العالم. وكان يسبب الإسهال الشديد والقيء اللذان بدورهما يفضيان إلى الموت بسبب الجفاف. ووصلت الكوليرا إلى اليابان في عام 1822، ويُعتقد أنها انتقلت من الصين عبر جزر (ريوكيو) إلى جزيرة (كيوشو). ثم عبرت إلى جزيرة (هونشو)، مما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من الناس في غرب اليابان، إلا أنها مع ذلك فشلت في الوصول إلى مدنية إيدو (طوكيو الحالية).
وكانت الأمور في مدينة إيدو على ما يرام حتى عام 1858، حينها كانت واحدة من أكبر مدن العالم، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، ولكن بحلول ذلك العام كانت بدايتها مع مواجهة تفشي الكوليرا. ويقال أنه انتقل من أفراد طاقم سفينة (يو إس إس ميسيسيبي)، أحد أجزاء أسطول قائد البحرية الأمريكية (ماثيو بيري)، خلال توقفه في مدينة ناغازاكي بعد رحلة عبر الصين. وكان هذا هو العام الذي أُجبرت فيه اليابان على توقيع خمس معاهدات غير متكافئة، بما في ذلك معاهدة الصداقة والتجارة مع الولايات المتحدة، والتي أثارت بدورها مخاوف متزايدة بين السكان بعد أكثر من قرنين من العلاقات الخارجية المحدودة. ويمكن للمرء أن يتصور حجم الذعر الناجم عن انتشار الكوليرا في ذلك الوقت.
وكما تذكر السجلات المعاصرة، فقد تم تسجيل أعداد الوفيات في مدينة إيدو بحصيلة تتراوح ما بين 100 ألف و300 ألف حالة، ويعتقد أن الفنان (أوتاغاوا هيروشيغي) أحد فناني الحركة الفنية التصويرية (أوكييو-إي) كان من بين الضحايا. كما نقلت السفن الساحلية التي كانت تمثل الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع في ذلك الوقت الكوليرا إلى المدن الساحلية في منطقة توهوكو وأجزاء أخرى من البلاد. ونظرًا لوقوع حالات وفاة في مدينة إيدو بصفة أساسية في عام 1858، فقد ارتبط ذكرها مع ذلك العام، إلا أن بعض المناطق تكبدت المزيد الضحايا في العام التالي.
وقد ضرب وباء الكوليرا الأراضي اليابانية على نطاق واسع للمرة الثالثة في عام 1862. وعلى الرغم من الاعتقاد بأن هذه المرة كانت الأكبر في حصيلة الوفيات من بين المرات الثلاث، إلا أن تفشي المرض في عام 1858 معروف تاريخيًا بشكل أفضل نظرًا لأنه ضرب مدينة إيدو بشدة، حيث تم توثيقه من قبل العديد من العلماء والكتاب والفنانين.
الوحوش الخطرة
أصبح وباء الكوليرا يعرف بالعديد من الأسماء المختلفة في جميع أنحاء البلاد. وحاليًا في اللغة اليابانية يسمى (كوريرا)، ولكن في القرن التاسع عشر كان يُعرف باسم (كوروري)، والذي يعني أيضًا ”الموت فجأة“. وهو اسم قريب بشكل غريب من (كورونا)، الاسم المختصر لفيروس كورونا الحالي.
وكانت هناك أيضًا مجموعة متنوعة من الطرق لكتابة الكلمة من خلال مقاطع الكانجي، فإحداها كان (狐狼狸)، والذي يضم مقاطع الثعالب والذئاب والتانوكي (كلاب الراكون اليابانية) — يُعرف الأول والثالث من هذه الحيوانات في اليابان على أنها قد تكون ضارة وخبيثة في بعض الأحيان. وهناك مقطع آخر يكتب بالشكل (虎狼痢)، والذي يعبر عن الوحشية من خلال مقاطع الكانجي للنمور والذئاب والإسهال. وقد تم استخدامه من قبل الطبيب المعروف (أوغاتا كوآن)، في عنوان كتيبه العلاجي الذي نشره في عام 1858.
ولقد صورت نسخة من المطبوعات الخشبية المتعددة الألوان التي تعرف باسم (نيشيكي-إي) عام 1886 الكوليرا في هيئة وحش برأس وساقين أماميتين لنمر، وجذع وساقين خلفيتين لذئب، وخصيتين كبيرتين لحيوان الراكون الياباني، لخلق وحش في شكل جديد ومرعب.
زيادة الوعي بمفهوم الصحة العامة
قبل دخول الكوليرا إلى البلاد لم يكن لدى اليابان تقريبًا أية تدابير طبية للتعامل مع الوباء. حيث لجأ الكثير من الناس إلى الدعاء، ووضعوا تعاويذ للحماية على مداخل بيوتهم ولزموا منازلهم، أو قاموا بقرع الطبول ودق الأجراس لإبعاد المرض.
ولقد أثبتت الكتيبات العلاجية من (أوغاتا) والطبيب الهولندي (جى إل سي بوميه فان ميرديرفورت) فعاليتها إلى حد ما. الأمر الذي دفع القيادة العسكرية (الشوغنيت) إلى إصدار الأوامر بنشر كتاب عن الوقاية من الأوبئة من معهدها الرسمي لدراسة الكتب باللغات الأجنبية. وكان عبارة عن ترجمة مختصرة لكتاب الطبيب الهولندي عن النظافة، وقدم توصيات مثل ”الحفاظ على نظافة الجسم والملبس، والحرص على تهوية الغرف بشكل جيد، وممارسة قدر معين من التمارين وتناول الطعام والشراب باعتدال“.
وخلال عصر ميجي الذي امتد من عام 1868 إلى عام 1912 كان هناك أيضًا عدد من الفترات التي تفشي فيها وباء الكوليرا، بما في ذلك عامي 1879 و 1886، وكل منها تسبب في أكثر من 100,000 حالة وفاة. حينها كان من المعروف أن الكوليرا تنتشر في كثير من الأحيان من خلال المياه الملوثة وتصبح أكثر نشاطًا في فصل الصيف. وكانت الطرق الأكثر تحديداً لمكافحة المرض هي ”عدم شرب الكثير من مياه الآبار، والعمل على تهوية الغرف الجافة، وعدم تناول الأطعمة النيئة أو الفاسدة“.
وتضمنت وثيقة عام 1877 الصادرة من القائد الياباني (أكوبو طوشيميتشي) حول الوقاية من الكوليرا طرقًا كالتطهير بالفينول وتنظيف المراحيض وأنابيب الصرف الصحي. وذكرت الوثيقة بأن المنزل الذي يكون فيه أحد أفراده مريضًا، يجب ألا يغادر الأقارب الذين كانوا يعتنون بهذا الشخص المنزل، بينما يجب أن يغادر الآخرون بسرعة.
ويقال أن الأمراض المعدية هي السبيل للاهتمام بتدابير الصحة العامة، حيث أدى اجتياح أوبئة الكوليرا في اليابان إلى زيادة الوعي السريع بأهمية النظافة. وفي حين أن العديد من جوانب الفيروس التاجي الحالي مختلفة، إلا أنه ليس من المستغرب أن يكون عدد من سبل الوقاية هي نفسها. ولقد عاش الناس في أواخر القرن التاسع عشر محاطين بالشائعات، في الوقت الذي كانوا يحاولون فيه الحفاظ على النظافة العامة، والبقاء داخل منازلهم، وهم منتظرين بأمل انقشاع الغمة. وكان هذا جُل ما كان في وسعهم. أما في العصر الحديث حيث المعلومات والسلع الوقائية، على النقيض متوفرة، فيجب على الناس اليوم تقدير مخاطر فيروس كورونا واتخاذ الإجراءات المناسبة.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في الخامس من أبريل/ نيسان 2020، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: لوحة (Korera taiji) (ذبح الكوليرا)، مقدمة من دار محفوظات طوكيو)