هل تخطو الصين أولى خطواتها نحو الانهيار بسبب هونغ كونغ؟

سياسة

تستعد الصين الآن لتطبيق قانون الأمن الوطني الخاص بها على هونغ كونغ، والذي أصبح بؤرة ساخنة لما يمكن تسميته بالحرب الباردة الجديدة التي تختمر بين الولايات المتحدة والصين. لكن هل يعد الموقف العدواني المتزايد لبكين خطأً من شأنه أن يسلب هونغ كونغ أعظم قيمها؟ إن سياسة ”دولة واحدة ونظامان“ تواجه نقطة تحول مهمة، وقد تكون سياسة الصين المتمثلة في فرض التغيير على هونغ كونغ خطوة خطيرة سوف تؤدي في النهاية إلى انهيارها.

معضلة هونغ كونغ واحتمالات الحرب الباردة

تم إقرار قانون الأمن الوطني الجديد لهونغ كونغ خلال اجتماع عقد في يومي 28 و 30 يونيو/ حزيران للجنة الدائمة لمجلس الشعب الصيني. في العام الماضي، خرج مواطنو هونغ كونغ في مظاهرات قوية للتعبير عن رفضهم لمحاولات تعديل قانون تسليم المجرمين في هونغ كونغ. أقرت السلطات الصينية المركزية القانون الجديد، إلا أن الصين تجاهلت حينها رغبة سكان الإقليم واتخذت إجراءً أحادياً بتسلسل هرمي من أعلى إلى أسفل كرد فعل على تلك المظاهرات. بطبيعة الحال، عبّر غالبية سكان هونغ كونغ عن اعتراضهم الشديد. لكن على الرغم من المقاومة القوية، تجاهلت بكين الاحتجاجات ومضت قدماً في تنفيذ مخططها لفرض هذا القانون متحديةً بذلك المعارضة المحلية والدولية.

الآن، يقول الكثيرون أن هونغ كونغ ستصبح مكانًا لا يتمتع فيه القادة السياسيون والأكاديميون بالقوة والتأثير، كما أن هناك أيضًا مؤشرات على زيادة ملحوظة في عدد الأشخاص الذين يفكرون بجدية في الهجرة من هونغ كونغ إلى بلاد مثل تايوان وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. إذا صدقت هذه المؤشرات وتحققت في أكثر أشكالها دراماتيكية، فما الذي سيعنيه هذا بالنسبة لهونغ كونغ وعلاقتها المستقبلية مع الصين؟

يوجد على مكتبي الآن كتاب تنبأ ببعض هذا  Chūgoku henkan go no Honkon للكاتب كوراتا تورو الصادر عام 2009 (هونغ كونغ بعد تسليمها إلى الصين). وقد تبلورت فكرة هذا الكتاب قبل صدوره في أطروحة الدكتوراه للمؤلف، والتي شرفت بالعمل عليها كمراجع ثانوي ونالت إشادة أكاديمية واسعة، ولكن كان لدي تحفظ واحد بسيط فيما يتعلق بعنوانه الفرعي، “Chīsana reisen” to ikkoku niseido no tenkai (”حرب باردة صغيرة النطاق“ وسياسة دولة واحدة ونظامان). في ذلك الوقت، علقت أنه من وجهة نظر دولية وهيكلية، وكذلك من وجهة نظر أيديولوجية، فإن الوضع لا يصح فيه استخدام مصطلح ”الحرب الباردة“، لا سيما بالنظر إلى العولمة والإصلاحات الاقتصادية التي حققتها الصين.

ومع ذلك، أصر المؤلف، وهو الآن أستاذ بجامعة ريكيو ومتخصص في سياسات هونغ كونغ، على استخدام هذا المصطلح. اليوم، وبعد ما يقرب من 20 عامًا على تقديم أطروحته، أصبحت صياغة العلاقات الأمريكية الصينية على أنها ”حرب باردة“ أمرًا شائعًا، في حين أن هونغ كونغ تعد منطقة أكثر سخونة. من ثم يجب علينا احترام رؤية وفكر المؤلف، الذي أدرك الطبيعة الفاترة للعلاقات بين هونغ كونغ والصين قبل عشرين عامًا، بينما كان يفكر في كيفية التعامل مع هذه الحرب الباردة الجديدة.

تسريع التحول الصيني لهونغ كونغ

بالنظر إلى التحولات في علاقات الصين مع هونغ كونغ منذ العام الماضي، يتضح أن الإدارة المركزية القوية تأخذ زمام المبادرة وتدفع في اتجاه تسريع تحويل هونغ كونغ إلى الصين. بعبارات أكثر واقعية، من الواضح أن بكين لا تنوي بعد الآن الانتظار حتى عام 2047 (المقرر بقاء مبدأ ”دولة واحدة ونظامان“ سارياً حتى هذا التاريخ) لتضع هونغ كونغ تحت سيطرتها السياسية المباشرة، مما يجعل فكرة أن يكون الإقليم منطقة إدارية خاصة أمراً شكلياً فقط. أو ربما يكون من الممكن دمج الحكومة الشعبية ومجلس الشعب المستحدثان في هونغ كونغ اقتصاديًا في المنطقة الاقتصادية لجنوب الصين، والتي تشمل شنتشن وغوانزو وزوهاي وماكاو، وتأتي جميعها في مقدمة المجتمع الاقتصادي الإقليمي المتقدم في الصين.

يبدو واضحًا أن بكين تريد الحفاظ على مكانة هونغ كونغ وتطويره      ا كمركز دولي للمعلومات والتمويل والموارد البشرية حتى بعد هذه التغييرات. إذا سارت الأمور على هذا النحو، فقد يعني ذلك أن كل شيء يسير وفقًا لخطة الحكومة المركزية.

لكن هل ستسير الأمور حسب الخطة؟ أعتقد أن هذا من غير المحتمل. يجب أن تدرك بكين أن الغالبية العظمى من سكان هونغ كونغ، وكذلك الرأي العام والدعم الاقتصادي من المجتمع الدولي، سيعارضون مثل هذه التطورات، وبالتالي فإن فرض هذه الأمر قد يعني بالفعل أن الصين، التي شهدت فترة طويلة من النمو والتطور، تخطو أولى خطواتها على طريق الانحدار.

لطالما كانت المزايا الخاصة لهونغ كونغ بمثابة، أولاً، ضمانة للحرية الاقتصادية وثانياً، قطاع مالي نشط للغاية وثالثا، حرية المعلومات. وقد جعلت هذه الصفات الثلاث هونغ كونغ واحدة من المحركات الرئيسية للنهوض الاقتصادي السريع في الصين. ساعدت سياسة ”النظامين“ في الحفاظ على الحرية السياسية للقانون العام الإنجليزي المعمول به في هونغ كونغ حتى بالرغم من وجود بعص القيود. لكن مع بدء بكين في فرض المزيد من السيطرة المركزية المباشرة، فسوف يؤدي هذا حتما إلى خروج الشركات الدولية من هونغ كونغ، مما سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف النشاط المالي أيضًا.

تزايد الدعم الأمريكي لهونغ كونغ

من الواضح أن بكين تتعامل مع الأمر من منطلق القوة في العلاقة، وليس لدى هونغ كونغ أي أمل في مواجهة العاصمة بأي طريقة تذكر. ومع ذلك، فقد شارك سكان الإقليم بنجاح في العديد من المظاهرات واسعة النطاق، بما في ذلك حركة المظلة (Umbrella Movement) عام 2014، ورفض قانون تسليم المجرمين في هونغ كونغ لعام 2019، والنصر الساحق للمرشحين المؤيدين للديمقراطية والمحليين في الانتخابات المحلية لعام 2019. لكن الحكومة المركزية في بكين، مع قوتها التنظيمية والاقتصادية الهائلة، هي بالفعل خصم جبار، وهي حقيقة لها تأثير محبط على معنويات سكان هونغ كونغ.

عند التفكير، عززت بكين ببطء وبشكل مؤكد سيطرتها على هونغ كونغ منذ العودة في عام 1997، وقد طور سكان الإقليم مجموعة متنوعة من حركات المقاومة كرد فعل على ذلك وأظهروا قدرة كبيرة على استخدام الحكمة الشعبية بشكل مبدع. وقد امتدت شرارة الاحتجاجات التي اندلعت في هونغ كونغ ليصل لهيبها إلى خارج المنطقة.

كانت الولايات المتحدة ذات يوم بطلة للديمقراطية والحرية العالمية، ولكن في ظل الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب، لم يعد بإمكاننا الاعتماد على ذلك. ومع ذلك، تظهر تحركات جديدة لدعم هونغ كونغ بمشاركة كل من الكونجرس الأمريكي ومنظمات خاصة. وقد ازداد العمل الدبلوماسي بشكل كبير، وشمل إقرار الكونغرس لقانون هونغ كونغ لحقوق الإنسان والديمقراطية لعام 2019، والمؤتمر الصحفي المشترك بين رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وثلاثة من قادة الحركات الديمقراطية في هونغ كونغ في سبتمبر/ أيلول 2019، واجتماع نائب الرئيس مايك بنس مع أنسون تشان، الزعيم الثاني سابقًا في هونغ كونغ في مارس/ آذار 2020، وفي مايو/ أيار 2020، عقد مارتن لي، مؤسس الحزب الديمقراطي في هونغ كونغ، مؤتمرات صحفية مشتركة مع وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. أبدت الولايات المتحدة أيضًا معارضة قوية لمشروع من شأنه أن يربط لوس أنجلوس بهونغ كونغ عبر كبل اتصال بحري عالي السرعة، وواصلت نهج الانفصال تكنولوجياً عن الصين، كما يتضح من الضغط الذي تمارسه أمريكا على حلفائها لاستبعاد هواوي الصينية من إنشاء شبكاتهم اللاسلكية من الجيل التالي.

التعاون الدولي

في تايوان، تقول الحكمة التقليدية إن هناك القليل من العلاقات الحقيقية مع هونغ كونغ، لكن حركة المظلة وحركة زهرة عباد الشمس الطلابية زادت من التفاعل بين الطلاب وقادة الشباب، كما أن هناك زيادة واضحة في التعاون على المستوى الصحفي والصلات بين الجماعات المدنية.

كما تعمل دول مثل أستراليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على تقوية معارضتها للهيمنة الصينية، ففي 22 يونيو/ حزيران 2020 أعربت أوروبا عن مخاوفها بشأن قانون الأمن الوطني في هونغ كونغ وضغطت على الصين لوقف اعتماده، مما أدى إلى تضاؤل آمال الصين في الفوز بدعم الاتحاد الأوروبي في مواجهة الموقف الأمريكي القوي. أما في اليابان فقد شهدنا أيضًا زيادة في التعاون بين أعضاء البرلمان والمثقفين والجماعات المدنية من خلال تحركات تهدف إلى دعم نظرائهم في هونغ كونغ، ومن المحتمل أن يزداد نشاط المنظمات الحكومية والخاصة في المستقبل القريب.

وسط كل هذا، ما هو الاختيار الذي نأمل أن تقوم به الصين؟ أعتقد أن الدبلوماسية المتشددة غير المرنة هي خيار أحمق. لن يقبل الكثيرون باختزال قيمة هونغ كونغ إلى ما يمكن أن تسهم به أو تقدمه للحزب الشيوعي الصيني، بل على العكس من ذلك، فقد ازدهرت هونغ كونغ بفضل حريتها وانفتاحها حتى الآن ويأمل شعب هونغ كونغ في أن يساهم الحزب الشيوعي الصيني بشكل أكبر في ذلك. من المؤكد أن تحقيق هذا سيسهم كثيراً في تقليل المشاعر المعادية للصين داخل هونغ كونغ.

فشل القادة الصينيين في استيعاب مفهوم التطور الجدلي

لقد فشل القادة السياسيون الحاليون في الصين في تعلم التطور الجدلي الذي يقدره الشيوعيون كثيرًا. ومع ذلك، عندما يكون أطراف العلاقة على هذا القدر من القوة، فمن غير المناسب أن يقوم بفرض سياساته وقناعاته السياسية على شريك له مستخدماً القوة وحدها. إن التطور الجدلي هو اعتبار استراتيجي يحسب بعناية كيفية إشراك من يعارضك في عملية الهدف منها إنشاء علاقات جديدة وطرح أطروحة، ثم إثارة نقيض، مما ينتج عنه توليف للآراء في نهاية الأمر.

من منظور جدلي، يجب أن تكون النقاش حول كيفية إعادة صياغة إطار عمل ”دولة واحدة ونظامان“ للحصول على دعم شعب هونغ كونغ. إذا نظر هذا النقاش بعين الاعتبار إلى وجهات نظر سكان الإقليم والمسؤولين به، فربما يثمر عن بعض النتائج الحقيقية.

في جوهره، يفتقر الصراع الحالي بين الولايات المتحدة والصين إلى أي أساس أيديولوجي قوي، ويمكن وصفه على أفضل وجه بأنه معركة يتم شنها على الصين حتى لا تصبح قوة عظمى جديدة. هذا الصراع في الواقع يختلف تمامًا عن الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية القديمة على جبهات عديدة، بما في ذلك الأيديولوجية والأنظمة السياسية والاقتصادية والانتشار العسكري. إذا تمكنت الصين من تعديل مبادراتها الحالية، رغم صعوبة ذلك، فسيمكنها تحقيق تعايش مريح مع الولايات المتحدة، لذا فإن البحث عن مسار كهذا مرتبط بشكل أساسي بإعادة إحياء مبدأ ”دولة واحدة ونظامان“ في هونغ كونغ.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: صبيحة يوم 30 يونيو/ حزيران 2020 في هونغ كونغ، وهو اليوم الذي تم فيه اعتماد قانون الأمن الوطني. الصور من Chan Long Hei SOPA عن طريق زوما للصحافة وكالة أخبار كيودو)

الصين العلاقات الخارجية العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الصينية