الولايات المتحدة والصين تقرعان طبول الحرب الباردة !

سياسة

تنوي الولايات المتحدة بشكل متزايد فصل اقتصادها وقطاعها التكنولوجي عن الصين كجزء من الحرب الباردة الجديدة التي تختمر بين الدولتين. ولقد حان الوقت لبقية العالم، بما في ذلك اليابان للنظر في كيفية النجاة من الاضطرابات التي سببتها أجندات القوتين العظميين.

الولايات المتحدة تعترف بالفشل في علاقاتها مع الصين

حتى مارس/ آذار 2018 كانت هناك مؤشرات قوية على تحسن العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، بما في ذلك عدة جولات من التسويات والاتفاقيات التي تم التوصل إليها على مستوى رفيع من الإدارتين. ولكن انتشار جائحة كوفيد-19 خارج الصين وخاصة في الولايات المتحدة التي تكبدت أكبر خسائر شهدتها أي دولة في العالم على الاطلاق أدى إلى أثارت حفيظة الولايات المتحدة التي أعلنت صراحة موقفها المناهض للصين خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو فشل النموذج التقليدي للانخراط مع الصين. وفي يوليو/ تموز أغلقت الإدارة الأمريكية القنصلية العامة للصين في كل من هيوستن وتكساس، واصفة إياهما بأنهما مركزين للتجسس وسرقة الملكية الفكرية. وردت الحكومة الصينية بإغلاق القنصلية الأمريكية العامة في تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، مما دفع بالحرب الباردة الجديدة بين البلدين إلى مستوى جديد غير مسبوق.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، اتخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة من أجل عولمة الأسواق والمؤسسات المالية والتصنيع وإنتاج التكنولوجيا الفائقة. أدى ذلك إلى اقتران مالي واجتماعي سريع وواسع النطاق مع الصين. بالإضافة إلى التدويل المالي والاقتصادي، أصبح التركيز الرئيسي للنظام الدولي الجديد على سلسلة توريد عالمية تربط بين مصادر المواد الخام والتصنيع والمبيعات. وقد كانت الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، والأزمة المالية العالمية 2007-2010 التي أشعلها انهيار قروض الرهن العقاري الأمريكي، مدفوعتان بهذا الاقتران المالي والاقتصادي.

ظهر مفهوم تحجيم العلاقات مع الصين لأول مرة في عام 2019، وهو ما يعكس وعي الولايات المتحدة القوي بالتغيير في المشهد التكنولوجي. فقد وقفت شركات التكنولوجيا الصينية الجديدة مثل هواوي، علي بابا، تنسنت، وبايدو حائلاً دون احتكار الشركات الأمريكية مثل أبل وأمازون لتكنولوجيا الاتصالات المتطورة. حيث تنظر الإدارة الأمريكية إلى هواوي وقدرتها الهائلة على تقديم معدات اتصالات الجيل الخامس منخفضة التكلفة على وجه الخصوص على أنها شركات تشكل خطر على أمن الولايات المتحدة، حيث يمكن لوكالات الاستخبارات الصينية تخريب منظومة الاتصالات داخل أي بلد بسهولة، مما دفع بالولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات متشددة للحيلولة دون سيطرة الصين على تكنولوجيا الاتصالات.

نحو تحالف دولي جديد ضد الصين

اعتبارًا من أغسطس/ آب 2020 اتخذت الولايات المتحدة خطوات لحظر الشركات الصينية من خمس مجالات رئيسية. أولاً، تطبيق تيك توك تطبيق الفيديو الأكثر تحميلاً في العالم، وكذلك تطبيق تنسنت ”Tencent“ تمت إزالتهما من واجهة المتاجر الأمريكية التي تخدم أنظمة أندرويد و أي أو إس. ثانيًا، تحركت حكومة الولايات المتحدة لمنع مصنعي الهواتف الذكية الصينية من الوصول إلى تطبيقات الهواتف الذكية المصممة في الولايات المتحدة عن طريق منع التثبيت المسبق على الهواتف الذكية الصينية الصنع. ثالثًا، الخدمات السحابية الأي كلاود ”Icloud“ حيث مُنعت علي بابا ”Alibaba“ وشركات صينية أخرى من تقديم خدماتها في السوق الأمريكية. رابعًا، تم وضع سوق كابلات الاتصالات تحت سطح البحر محظورًا على الكابلات والتقنيات الأخرى التي تشارك فيها الدولة الصينية. خامسًا، في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية تم حظر شركات النقل الصينية من العمل في الشبكات الأمريكية.

لم تقتصر هذه التحركات على الولايات المتحدة وحدها، فقد اتخذت بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان والهند إجراءات مماثلة.

يتسع الفصل بين الولايات المتحدة والصين أيضًا إلى ما وراء مجالات التكنولوجيا الفائقة والاتصالات، ويشمل الأمن وانشاء مناطق نفوذ إقليمية. فقد دعا الوزير بومبيو إلى تحالف جديد يضم الدول الديمقراطية الراغبة في مقاومة الحزب الشيوعي الصيني، كما دعا دول أوروبا والمحيط الهادئ للانضمام إلى حلف مناهضة الصين. وقد أعلنت بريطانيا تحالفها مع الولايات المتحدة من خلال إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن وقف اتفاقية معدات الاتصالات الصينية والتي كان من المقرر لها دخول حيز التنفيذ بحلول عام 2027. كما دعت فرنسا الصين إلى الحفاظ على سياسة ”دولة واحدة ونظامان“ مع هونج كونج،  وأعلنت الموافقة على التعاون مع الولايات المتحدة في الإجراءات المضادة لوباء كوفيد-19 أيضًا. من ناحية أخرى، كانت ألمانيا أكثر تحفظًا في معارضتها للصين، فقد تراجعت عن حظر هواوي.

دخلت الصين أيضًا في صراع مع برنامج حرية الملاحة الأمريكي حيث واصلت برنامجها لبناء وتحصين جزر اصطناعية ونشر القوات الجوية والبحرية في جميع أنحاء بحر الصين الجنوبي. وفي يوليو/ تموز قدمت أستراليا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعارض مزاعم الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي، وبالتالي تكون قد أعلنت هي الاخرى انحيازها للولايات المتحدة. من ناحية أخرى دخلت سفن خفر السواحل الصينية المياه الإقليمية حول جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي لمدة 100 يوم على التوالي، مما أجبر خفر السواحل الياباني على اتخاذ إجراءات طارئة.

هل ينبغي لليابان أن تنحاز إلى صف الولايات المتحدة بشكل كامل؟

مع تصاعد حدة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، كان من الطبيعي أن تأخذ اليابان صف الولايات المتحدة حليفتها الاستراتيجية، ولكن مع تغير الأوضاع الدولية يجب على اليابان أن تعيد النظر في طبيعة موقفها من الصراع بين القوتين، حتى وإن كان من الصعب تصور نظام عالمي جديد تقوده الصين وتلعب فيه اليابان دور الحليف الاستراتيجي للقوى الشيوعية. 

هناك عدة أمور علينا أن نفهمها جيداً حتى نستطيع أن نحلل الوضع بشكل سليم

أولاً، يجب أن نعي أن النظام العالمي الحالي مبني على أساس الاعتماد المتبادل بين الدول في جميع المجالات، وأن أي محاولة لعزل إحدى القوى الرئيسية سيؤدي إلى خلل مفصلي في هيكل هذا النظام. ولعل الدافع الحقيقي وراء محاولة عزل الصين هو رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في الفوز بسباق التسلح التكنولوجي، وبالتالي تجنب نظام دولي جديد تحت سيطرة بكين. لكن في الوقت نفسه، تظل الصين سوقًا ضخمة لا يريدون خسارته.

ثانياً، هل الولايات المتحدة على استعداد أن تواصل استراتيجيتها المناهضة للصين على المدى البعيد. بالتأكيد لن تتخلى الولايات المتحدة عن مكانتها العالمية لصالح الصين بسهولة، ولكن في سبيل ذلك سوف تحتاج إلى التخلي عن بعض مصالحها الخاصة. في كتابه ”الاتجاه نحو الحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثوسيديدس؟“ ”?Destined For War: Can America and China Escape Thucydides’s Trap“ يحلل غراهام أليسون الصراع بين الولايات المتحدة والصين من نفس منظور حذر سبارتا المفرط تجاه أثينا، والذي أدى إلى حرب اليونان القديمة البيلوبونيسية. كما أنه يتكهن بالوسائل التي يمكن من خلالها للقوتين تجنب ما يبدو أنه صراع شبه حتمي.

مع ذلك، يقودني تحليلي الخاص إلى الاعتقاد بأن موقف الولايات المتحدة سيتغير بمهارة مع الهيكل الإداري الجديد بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، سواء تم استبدال الرئيس ترامب أم لا. من المحتمل ألا تهدف الولايات المتحدة إلى تحقيق النصر المطلق، وستبحث بدلاً من ذلك عن حل وسط يقدم بعض المزايا للصين. ففي يوليو/ تموز السابق أشار وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إلى أنه يخطط لزيارة الصين في غضون هذا العام، وكرر التزامه بـ ”إعادة تأسيس علاقات هادفة وبناءة“ مع الصين. وعلى صعيد التصنيع، سجلت شركة تصنيع السيارات الكهربائية الأمريكية تيسلا أرباحًا بلغت 104 ملايين دولار في الربع الثاني من العام المالي 2020، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده البلاد بسبب تفشي الوباء. أحد العوامل الرئيسية وراء هذه الأرباح هو الإنتاج والمبيعات من مصنعها الجديد تيسلا جيجا شنغهاي ”Tesla Giga Shanghai“. وهذا يدل على أن الولايات المتحدة والصين ربما قد تكونان في حالة حرب تجارية، إلا أنه مازال هناك العديد من المجالات التي يمكن أن يتعاونا فيها.

ثالثًا، مسألة كيفية فهم استراتيجية الصين ونواياها الحقيقية. في اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في يوليو/ تموز الماضي، وافق الأعضاء على البدء في صياغة استراتيجية أساسية حتى عام 2035. من المحتمل أن يتضمن ذلك نهجًا أكثر واقعية لتحقيق المساواة مع الولايات المتحدة اقتصاديًا وعسكريًا. ومن المرجح أن يكون هدف الصين الرئيسي هو توسيع نفوذها العالمي بمهارة مع استمرارها في إظهار العزم على مواجهة العدوان الأمريكي المتزايد مع تجنب الصراع المفتوح.  كتبت مرسيدس رويل من صحيفة فاينانشيال تايمز ”على الرغم من تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، تواصل شركات الذكاء الاصطناعي الصينية جمع الأموال، وكسب الصفقات التجارية الخارجية، وأسعار أسهمها أخذة في الارتفاع. . . . كما أن مرونتها تغذي الرأي القائل بأن خطوات الولايات المتحدة لعزل واحتواء الصعود التكنولوجي للصين ستجعل بكين أكثر تصميماً على أن تصبح مكتفية ذاتياً في مجال التقنيات الرئيسية“. كما تشير مرسيدس رويل في مقالها إلى أن التحركات الأمريكية الحالية لإبقاء الباحثين الأجانب خارج جامعاتها وشركاتها تهدد بتسريع الاتجاه نحو التفوق الصيني في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي.

لعبة شد الحبل بين الصين والولايات المتحدة

كيف يجب أن تتعامل اليابان مع الوضع الحالي؟ بالتأكيد سوف تسعى إلى زيادة تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة والغرب من أجل الحفاظ على التنظيم الأمني والسياسي في البلاد. ومع ذلك، ليس لدى اليابان أمل كبير في استراتيجية نمو طويلة الأجل إذا قطعت العلاقات مع الصين. ومن الناحية الأخرى فإن إدارة شي جين بينغ حريصة أيضًا على جذب الأعمال اليابانية، فبكين تهدف حالياً إلى بناء سلسلة إمداد مستقلة تقاوم التدخل الأمريكي، وقد أشارت إلى أن التعاون مع الصناعات التحويلية القوية في اليابان أمر ضروري.

قد يؤدي تطور النزاع بين الولايات المتحدة والصين إلى أضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة على الدول المحاصرة في الوسط. فما الذي يمكن لليابان القيام به حتى لا تصبح هي نفسها الحبل في لعبة شد الحبل بين الصين والولايات المتحدة؟

سوف يستمر الصراع بين الصين والولايات المتحدة، لكن بقية دول العالم لا يمكن أن تقف موقف المتفرج وهي تشاهد العالم على أعتاب حرب باردة جديدة. يجب على اليابان التنسيق مع الدول الديمقراطية الأخرى وتعزيز علاقاتها معها، بما في ذلك علاقات الدفاع المشترك، مع تجنب أي علامات علنية للعداء تجاه الصين حتى تتمكن من إقامة علاقات قوية على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية. من المحتمل أن يكون هناك الكثير من الناس في الولايات المتحدة وأوروبا يفكرون في نفس الشيء. لا أحد يريد أن ينجرف في معركة القوى العظمى. فبدلاً من ذلك تفضل دول العالم أن تتحد معًا لمواجهة القضايا العالمية المتزايدة مثل الوباء والكوارث الطبيعية وانهيار النظام البيئي. ما يحتاجه العالم هو قوة ثالثة - مجموعة من الدول والمناطق والشعوب التي يمكنها الوقوف بمعزل عن المبادئ التي توجه القوتين العظميين.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: العلمان الأمريكي والصيني مثبتان فوق شعار شركة تيك توك العملاقة، والتي صدرت أوامر لمالكها بايت دانس ”ByteDance“ ببيع عملياتها في الولايات المتحدة من أجل البقاء في هذا السوق.  رويترز/ كيودو)

الصين العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الصينية اليابانية