أكلات قدماء اليابانيين أصل المطبخ الياباني الحديث

تاريخ اليابان

كانت وجبة النودلز تتمتع بشعبية كبيرة في المدن اليابانية خلال فترة إيدو (1603-1868)، وكانت أكشاك بيع السوبا منتشرة بشكل خاص في إيدو لإطعام الأعداد الكبيرة من الرجال الذين كانوا يعيشون بمفردهم هناك.

سوبا في الشرق أودون في الغرب

لقد نجح العمل الموسوعي لموريسادا مانكو (رسومات موريسادا) والذي تناول فترة إيدو (1603-1868) في تحليل الاختلافات المتعددة بين شرق اليابان وغربها. ففي عالم الطعام، وتحديداً النودلز، لاحظ المؤلف كيتاغاوا موريسادا أن متاجر بيع السوبا في إيدو (طوكيو حاليًا) كانت موجودة هناك منذ منتصف القرن السابع عشر، في نفس الوقت الذي كانت نودلز الأودون تتمتع فيه بشهرة أوسع في كيوتو وأوساكا.

واليوم، يُقال إن أهالي منطقة كانتو يفضلون السوبا، بينما يحب أهالي منطقة كانساي الأودون، ويعود هذا الاختلاف الواسع في الأذواق إلى قرون مضت.

في إيدو، كانت السوبا التي توضع في سيرو أو سلة تبخير وتقدم مع صلصة التغميس تسويو يطلق عليها موري، كما هو الحال اليوم مع موري سوبا. وكان هناك نوع آخر يسمى كاكيه سوبا حيث كانت السوبا تُقدم في وعاء ويُسكب فوقها المرق الساخن.

موري سوبا في إيدو، تقدم في علب وليس في أطباق، مع صلصة التغميس.
موري سوبا في إيدو، تقدم في علب وليس في أطباق، مع صلصة التغميس.

كانت كلمة نيهاتشي nihachi (حرفياً ”الثمانيتين“) تطلق على كل من الأودون في كيوتو وأوساكا والسوبا في إيدو. واليوم، تطلق كلمة نيهاتشي على السوبا المصنوعة من جزأين من القمح إلى ثمانية أجزاء من الحنطة السوداء، أما أودون فلا يطلق عليه هذا الاسم لأنه مصنوع من القمح بنسبة 100%.

تقول إحدى النظريات أن المعنى الأصلي لكلمة نيهاتشي لا علاقة له بمكونات الأكلة وإنما كان مرتبطًا بسعرها البالغ 16 مون (ما يعادل حوالي 520 ين بالعملة الحالية). أي أن الاسم مشتق من سعر الأكلة (اثنان ضرب ثمانية مون) وكان هذا السعر موحداً لوجبة الأودون في الغرب والسوبا في الشرق. ويتماشى هذا التفسير بشكل أفضل مع كون أودون المصنوع بالكامل من القمح يُعرف باسم نيهاتشي، وهو التفسير الوارد في رسومات موريسادا.

بالمناسبة، تضمن كتاب الحساب جينكوكي (رسالة حول الأعداد الكبيرة والصغيرة) وهو الكتاب الأكثر مبيعًا في فترة إيدو، جداول الضرب. على الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى كان المواطنون العاديون يعرفونها، إلا أن هذه المعرفة كانت ضرورية بالنسبة للتجار.

وحتى عندما أثّر التضخم على أسعار النودلز وارتفع السعر إلى 24 مون بحلول منتصف القرن التاسع عشر، ظلت تُعرف باسم نيهاتشي بدلاً من سانباتشي sanpachi، أو ”الثماني الثلاثة“.

أودون نيهاتشي، كما كان يقدم في كيوتو وأوساكا على أطباق مسطحة (على اليسار)، لافتة لمتجر سوبا في إيدو (على اليمين).
أودون نيهاتشي، كما كان يقدم في كيوتو وأوساكا على أطباق مسطحة (على اليسار)، لافتة لمتجر سوبا في إيدو (على اليمين).

صندوق kendonbuta لتوصيل النودلز.
صندوق kendonbuta لتوصيل النودلز.

كما هو الحال اليوم، كان المرق في كانساي خفيفًا مقارنةً بالمرق الأقوى المستخدم في كانتو. رفض موريسادا تفضيل أحدهما على الآخر، ولكنه عندما كتب عرضه التقديمي المفصّل، كان رأيه أن التشكيلة التي تقدم في كانساي كانت تصلح للشرب، في حين أن التشكيلة الخاصة بمنطقة كانتو تصلح لغمس السوبا.

كما ذكر موريسادا أن كلا الشكلين من النودلز كانا يطلق عليهما كندون. يشير المصطلح البوذي ”كندون“ إلى الطبيعة البخيلة والجشعة، ولذا أصبح هذا المصطلح يطلق على الوجبات الرخيصة. وفي السنوات الأخيرة من فترة إيدو اختفت الكلمة تقريبًا، باستثناء استخدامها لوصف kendonbuta أو الصناديق المستخدمة في توصيل النودلز. لكنها لا تزال حية حتى يومنا هذا في مصطلح kendonbako الذي يُستخدم للإشارة إلى الصناديق المعدنية التي يتم تثبيتها بواسطة زنبرك وتُركّب على رف فوق ظهور الدراجات النارية.

أكشاك بيع السوبا يحل محلها الكومبيني اليوم

مقابل كل متجر لبيع النودلز في أسواق كيوتو وأوساكا، يوجد هناك أربعة أو خمسة متاجر في إيدو حيث كان حجم الطلب أكبر في المدينة الشرقية.

ولعل السبب في هذا يعود إلى العدد الهائل من الرجال الذين يعيشون في إيدو. فبينما توجد عدة تقديرات، يُعتقد أنه كان هناك 1.8 رجل لكل امرأة وشمل ذلك العديد من الرجال غير المتزوجين الذين جاؤوا من محافظات أخرى بحثًا عن عمل وأتباع الساموراي الذين كان يتحتم عليهم البقاء مرة كل عامين في المدينة مع الزعيم الإقطاعي داي-ميو بموجب نظام سانكين كوتاي الذي وضعه توكوغاوا إياسو، وكانوا يتركون زوجاتهم اللائي كن يتولين عادةً مسؤولية الطبخ.

لعبت متاجر السوبا دوراً هاماً في إطعام هؤلاء الرجال الجياع، وكان العديد منهم يعملون في أكشاك بيع الطعام ياتاي وكان يطلق عليهم باعة يوتاكا سوبا المتجولون.

وكلمة يوتاكا كانت تطلق على فئة معينة من البغايا، فعلى عكس عاملات الجنس في أماكن الترفيه المرخصة من قبل الشوغن في يوشيوارا، كانت بغايا يوتاكا تعملن بشكل غير قانوني ولذا فقد كان عليهن اصطياد الزبائن في سرية.

يقال إن السبب في تسمية أكشاك يوتاكا سوبا بهذا الاسم يعود إلى كون بغايا يوتاكا من بين زبائن تلك الأكشاك، كما أنها كانت غير قانونية حيث كانت الحرائق الضخمة، مثل حريق ميريكي الكبير الذي وقع في عام 1657، تحدث بانتظام، فقام الشوغون بحظر استخدام النار في أكشاك ياتاي عام 1686، لكن على الرغم من أنها كانت تعمل خارج إطار القانون، إلا أن العمل في أكشاك يوتاكا سوبا كان مزدهراً بشكل كبير.

ونتيجة لهذا النجاح الكبير، تقدم أحد متاجر السوبا بطلب للحصول على ترخيص رسمي لتشغيل كشك ياتاي في عام 1716 تقريباً، وقد أدى ذلك إلى ازدياد أكشاك السوبا التي تعمل بشكل مشروع.

أحد أكشاك بيع السوبا في إيدو.
أحد أكشاك بيع السوبا في إيدو.

في حين أنه لا يُعقل أن يكون كل أصحاب أكشاك ياتاي قد اتخذوا خطوات للحصول على الترخيص اللازم للعمل، إلا أن تلك الأكشاك ظهرت في جميع أنحاء المدينة وكانت تقدم الطعام حتى وقت متأخر من الليل. لا شك أن رؤيتها كانت تسعد العديد من الرجال الذين يعيشون بمفردهم، وبالتالي فقد كانت تلعب دورًا يشبه إلى حد ما الدور الذي يلعبه الكومبيني في هذا العصر.

لقد أصبحت أكشاك السوبا مشهداً مألوفاً في فترة إيدو. (في الواقع، نجحت أكشاك الطعام في إشباع شهية الناس في فترة إيدو بأشهى المأكولات مثل السوشي، الأنقليس، تيمبورا، بالإضافة إلى السوبا، حيث بدأت تتضح سمات المطبخ الياباني الحديث). يخبرنا موريسادا المولود في غرب اليابان أن أجراس الرياح كانت دائماً معلقة على تلك الأكشاك، ويعتقد أن منظر الأكشاك مع سماع موسيقى الأجراس الرنانة رائعة كان دون شك مشهداً ممتعاً.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 12 سبتمبر/ أيلول 2020، الترجمة من الإنكليزية. جميع الصور التوضيحية مهداة من مكتبة البرلمان الياباني. صورة العنوان التوضيحية: متجر أودون في غرب اليابان).

الطعام الياباني سوشي المطبخ الياباني الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية