تعرف على ”تيراكويا“ نواة نظام التعليم الحديث في اليابان

التعليم الياباني

في فترة إيدو، انتشرت ”تيراكويا“ في جميع أنحاء اليابان، وهي مدارس مصغرة لتعليم أبناء طبقة الفلاحين، فكان يتم فيها تدريس مهارات القراءة والكتابة الأساسية والمهارات الحسابية مع إيلاء اهتمام خاص لتعليم مبادئ السلوك القويم، وكان هدف القائمين على تيراكويا هو تدريب الناس وتأهيلهم ليكونوا أعضاء منتجين في المجتمع. في هذا المقال نلقي نظرة على ما قدمته هذه المدارس المصغرة لطلاب العلم والدروس التي يمكننا استقاؤها والاستفادة منها في حياتنا المعاصرة.

لطالما كان التعليم، الذي يُعرَّف على نطاق واسع بأنه التدريب الذي يتلقاه الرضع ليجعل منهم أعضاء فاعلين في مجتمعهم، أحد أكبر التحديات المستمرة التي تواجه البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ. حتى التقدم السريع في العلم والحضارة خلال العصور الحديثة المبكرة والعصور الحديثة لم ينجح في جعل هذا التحدي أسهل بالنسبة لنا. بل وحتى بعد تبلور التاريخ التعليمي الحديث، وظهور المنظومة المدرسية التي تحتضن الجميع وتقدم لهم الإرشاد والتوجيه، ما لبثت أن ظهرت العديد من المشاكل مثل رفض حضور الفصول الدراسية والتنمر. في غضون ذلك، كانت المجتمعات التي تدعم هذه الأنظمة المدرسية مثقلة لبعض الوقت بقضاياها الخاصة، بما في ذلك صعود نموذج الأسرة النواة المعزولة، وظهور أفراد الهيكيكوموري المنعزلين عن المجتمع، وفقر الأطفال، وسوء المعاملة. بالنظر إلى حجم هذه الاضطرابات التي تؤثر على التعليم اليوم، يتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الوقت قد حان للتوقف قليلاً والنظر للوراء وإمعان النظر في النظام التعليمي الذي كان منوطاً به تشكيل وجدان ووعي أفراد المجتمع في فترة إيدو (1603 - 1868)، وهو الأمر الذي يرفضه المعلمون في الوقت الحالي رغم أن مدارسهم العصرية قد تأسست على إرث تلك الفترة العظيمة من تاريخ اليابان.

توحيد طريقة الكتابة لتسهيل المعاملات

كانت فترة إيدو خالية من النزاعات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الياباني القديم، وامتدت الفترة التي يمكن تسميتها ”سلام توكوغاوانا“ منذ عام 1615 عندما أجهز توكوغاوا إياسو على عشيرة تويوتومي في حصار أوساكا، وحتى نهاية شوغونية توكوغاوا في عام 1867. في الوقت الحاضر هناك اهتمام شعبي متزايد بتلك الفترة المثيرة من تاريخ اليابان ألا وهي فترة الممالك المتحاربة (1467-1568)، لكن بالنسبة لمن عاصر تلك الأيام المرعبة المليئة بالمذابح والنهب والإتجار بالبشر، فقد كان سلام توكوغاوا الدائم هدية سعيدة ونعمة كبيرة.

لا شك أن حقبة حكم توكوغاوا كانت قاتمة لا سيما وأن طبقة المحاربين كانت تمارس سلطة قمعية على الطبقات الثلاث الأخرى المعترف بها رسميًا في المجتمع وهي المزارعون والحرفيون والتجار، ووجهة نظري أن السبب الحقيقي وراء استمرار فترة ”سلام توكوغاوانا“ لمدة قرنين ونصف من الزمان هو أن المسؤولين اليابانيين قد خلعوا عن أنفسهم عباءة الحكم العسكري الغابر وجنحوا إلى تطبيق حكم القانون، إلى جانب قيام حكومة مدنية تحرص على تنفيذ قراراتها من خلال وثائق مكتوبة ومعلنة بدلاً من أسلوب فرض الأمر الواقع بالقوة الغاشمة.

كما أدى تطوير حقول الأرز الجديدة إلى مضاعفة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، فتم تقسيم العائلات الكبيرة العاملة بالزراعة إلى مجموعات أصغر، مما حقق الاعتماد على الذات لهؤلاء المزارعين الصغار وفروع العشائر القديمة وأصبح المزيد والمزيد منهم يمتلكون حقولهم ومنازلهم الخاصة. وتم أيضاً حظر التحصيل التعسفي للضرائب على الأراضي، واستبداله بنظام يقوم على وضع مخططات تفصيلية لملكية الأراضي وإصدار الوثائق التي تثبت دفع الضرائب عنها بالكامل. وبطرق كهذه، تمكنت الحكومة تدريجياً من إدارة شؤون طبقة المزارعين من خلال إجراءات مكتوبة ومفصلة. وقد أصبح كل ذلك ممكنًا بفضل توحيد الحكومة لأسلوب كتابة هذه الوثائق، من إقليم إيزو (هوكايدو) في أقصى الشمال إلى ريوكيو (أوكيناوا) في الجنوب، حيث تم الاتفاق على تقديم جميع الوثائق بأسلوب خطي يسمى oie-ryū.

شغف شعبي جارف للتعلم

بفضل السلام الدائم نمت الأنشطة الاقتصادية والترفيهية وغيرها من الأنشطة التي كانت جزءًا من حياة الناس أكثر فأكثر. فلم تعد التجارة حكراً على التجار، بل بدأت العائلات الزراعية أيضًا في ممارسة التجارة وشراء الأراضي وبيعها واقتراض المال وإقراضه، وترك الأصول لأحفادهم. كل هذا زاد من الحاجة إلى إجراءات تعاقدية موثوقة قائمة على المستندات لمنع حدوث مشاكل لاحقًا. كان المجتمع في طور التشكيل وزادت حاجة الناس إلى إتقان القراءة والكتابة على نطاق واسع لا سيما قراءة وكتابة أحرف oie-ryū فضلاً عن إتقان الحساب. كان من الضروري أن يجيد الناس قراءة لوحات الإعلانات الرسمية المنتشرة في مجتمعاتهم، فضلاً عن الإشعارات الرسمية الأخرى وفهم الاتفاقات المكتوبة المتبادلة مع الآخرين لتجنب الوقوع ضحية الاستغلال أو التخلف عن ركب المجتمع.

في غضون ذلك، كانت حكومة توكوغاوا تعمل على تطوير سياسات تهدف إلى تمكين المزارعين وسكان المدن من تملّك منازلهم وإعالة أسرهم. ولكي يتسنى توارث المنزل عبر الأجيال، كان من اللازم أن تتم تربية الأطفال ليصبحوا أعضاء بالغين في المجتمع وقادرين على تولي زمام قيادة الأسرة عندما يحين الوقت، كل هذه المتغيرات شجعت عامة الناس على تعليم أطفالهم حتى يتمكنوا من إتقان القراءة والكتابة والحساب، وظهرت مدارس تيراكويا في جميع أنحاء اليابان لتلبية هذا المطلب، ولما كانت الحكومة في ذلك الوقت راغبة عن المشاركة في الشؤون المدنية، فقد منحت الشعب مطلق الحرية في فتح مدارس تيراكويا جديدة دون الحاجة إلى الحصول على موافقة رسمية.

مناهج متنوعة تناسب جميع المستويات

لإنشاء مدرسة تيراكويا كان يلزم توفير مدرس واحد وغرفة للتدريس وبعض العناصر الأخرى، وفي النهاية وصل عدد القرى التي توجد بها مدارس تيراكويا إلى 60 ألف قرية. لكن ينبغي علينا إدراك أن الوضع كان مختلفاً عما هو عليه اليوم، فالآن تقوم السلطات الوطنية بوضع معايير تعليمية تغطي كل شيء من الهياكل المدرسية والمرافق الأخرى إلى منح التراخيص للمعلمين، والموافقة على الكتب المدرسية وتطوير المناهج الدراسية. كما أن التعليم لم يكن إلزامياً في ذلك العصر، مما أعطى انطباعاً بأن مستوى التعليم في تيراكويا أدنى إلى حد كبير من الهياكل التعليمية التي ظهرت لاحقاً، من حيث اتساع نطاق التعليم الذي قدموه ونوعية تعليمهم.

لكن وجهة النظر هذه خاطئة. بالفعل كان للأطفال الحرية في حضور الفصول أو مغادرتها حسب رغبتهم، كما كان للمعلّم الحرية في تحديد المحتوى بشكل فردي. لكن آباء التلاميذ، الذين كانوا على استعداد للتخلي عن الأموال التي حصلوا عليها بشق الأنفس لضمان أن يصبح أطفالهم متعلمين وأعضاء منتجين في المجتمع، كان لديهم شغف ساعد على جعل المدارس أجزاء حيوية من المجتمع المحلي تعمل بشكل تكاملي كجزء من نظام تعليمي وطني واحد.

كانت تيراكويا مدارس مختلطة، ولم يكن المعلمون يقدمون نفس الدرس لجميع الطلاب في وقت واحد، بل كانوا يعدون مواد دراسية منفصلة لكل تلميذ بما يتناسب مع قدراته. وهناك حوالي 7000 من هذه المواد، وتسمى ōrai، لا يزال تدريسها مستمراً إلى يومنا هذا، بما في ذلك حوالي 1000 مادة موجهة للطالبات تحديداً. غير أن التنوع الهائل في هذه المواد جعل بعض الناس يرون أنها مجمّعة بشكل عشوائي أو غير منظمة بشكل كافٍ مما يحصرها في مجرد برنامج لمحو الأمية فقط لا غير. لكن هذا غير صحيح، فقد نجحت مدارس تيراكويا في جميع أنحاء اليابان في إنتاج مناهج عملية تتوافق مع احتياجات الطلاب وقدراتهم على التعلّم.

لتوصيف مدارس تيراكويا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، دعونا نلقي نظرة على مثال واحد فقط لمدرسة تسمى Tsukumoan في قرية هارانوغو في مقاطعة كوزوكي (اليوم جزء من مدينة مايباشي بمحافظة غونما). في تلك المدرسة كان من بين المواد الأولية التي يدرسها الطلاب مادة nagashiraji-zukushi، وهي قوائم بالأسماء التي تبدأ بأسماء عائلات غينبيه التي تضم عشائر ميناموتو، تايرا، فوجيوارا، تاتشيبانا التي برزت بشكل كبير في التاريخ الياباني. تليها Murana، وهي قوائم بجميع القرى الصغيرة في حي سيتا الذي تقع فيه هارانوغو. ثم gun-zukushi، وهي قوائم بجميع الأحياء في محافظة كوزوكي، وأخيراً kuni-zukushi التي تضم أسماء جميع محافظات البلاد. وكان الطلاب يتعلمون هذه المواد بالترتيب، إلى جانب تعلم قراءة وكتابة الأسماء الشخصية الأكثر شيوعًا قبل الانتقال إلى تعلم أسماء القرى المجاورة، ثم المحافظات، وأخيراً الإلمام بكل أسماء الأماكن داخل اليابان، وبهذا يكتسبون فهمًا لجغرافية المكان الذي يعيشون فيه إلى جانب مهارات القراءة والكتابة. ويمكننا اعتبار هذه النصوص الأولية، التي تحتوي على معلومات هامة تساعد على العيش كعضوٍ واعٍ في المجتمع، الحد الأدنى من التعلم الأساسي الذي كان من المتوقع أن يجتازه جميع الطلاب.

بعد أن يجتاز التلاميذ هذه المرحلة، ينتقلون إلى دراسة مجموعة متنوعة من المواد الأخرى التي تم إعدادها على أساس قدراتهم ووضعهم في المنزل وعوامل أخرى. في المستوى المتوسط، كانت هناك نصوص تشرح الأحداث السنوية التي يعيشها الأشخاص على مدار العام، بالإضافة إلى goningumi jōmoku، وهي قوائم القواعد التي يجب اتباعها من قبل goningumi، وهي مجموعات مكونة من خمس أسر تم إنشاؤها لتولي المسؤولية الجماعية عن دفع الضرائب وحفظ الأمن وما إلى ذلك. في المستوى المتقدم، تأتي نصوص ōrai حول كيفية الانخراط في الأعمال التجارية و Sewa senjimon، أسلوب خط نموذجي لمزيد من إتقان اللغة المكتوبة. كما كان لتلك النصوص أيضًا دور هام في تعزيز مهارات القراءة والكتابة التي سيحتاجها الطلاب في وقت لاحق من الحياة، مثل تعلم نماذج اتفاقيات إقراض المال، وأمثلة على عقود بيع وشراء الأراضي الزراعية، والتصاريح اللازمة لعبور الحواجز التي كانت تفصل بين المحافظات.

الأولوية لمكارم الأخلاق

ينصب تركيز مدارس تيراكويا على ما هو أبعد من مجرد طرح الموضوعات الأساسية ويبذل المعلمون جهدًا كبيرًا لتعليم تلاميذهم، الذين غالبًا ما يكون تدليل آبائهم لهم سبباً في إفسادهم، السلوكيات القويمة والأخلاق الحميدة. أعلن يوياما بونيمون، الذي أدار مدرسة تيراكويا في قرية يوشيكوبو بمحافظة سوروغا (التي هي الآن جزء من أوياما، محافظة شيزوكا)، أن يوريوكو غاكومون هي الأهداف التي يطمح إلى أن يحققها طلابه. وقد استلهم عنوان هذه المبادئ من فقرة في تعاليم كونفوشيوس تقول: ”بعد الوفاء بجميع واجباتك الأخلاقية، إذا كانت لديك طاقة متبقية، فعليك أن تستخدمها في تحصيل العلم“، بعبارة أخرى، فإن للسلوك الأخلاقي السليم الأولوية قبل الدراسة وفقط أولئك الذين يقومون بواجباتهم تجاه والديهم ويتعايشون جيدًا مع أشقائهم في المنزل، والذين يتحرّون الإخلاص والفضيلة في تعاملاتهم مع المجتمع، هم المؤهلون لمتابعة طريق العلم في المدرسة.

في عام 1844، نشر يوياما قائمة تضم 18 قاعدة للسلوك السليم يجب على الأطفال اتباعها، وشاركها مع تلاميذه وأولياء أمورهم. تضمنت هذه القواعد:

  • عند الوصول إلى المدرسة، اجلسوا بأسلوب سيزا (الجلوس الصحيح) مع وضع أيديكم على الأرض إلى جانبكم، وانحنوا برؤوسكم، وقوموا بتحية المعلم بهدوء قبل أخذ مقاعدكم.
  • عندما يأتي ضيف، أحضروا منفضة السجائر وبعض الشاي للزائر وانحنوا كجسد واحد لأداء التحية.
  • أثناء وجود الضيف، لا تقرؤوا بصوت عالٍ.
  • عند استخدام المرحاض، لا تذهبوا جميعاً دفعة واحدة ولا تتزاحموا، بل اذهبوا بالتناوب.
  • عاملوا أصدقاءكم في المدرسة كمعاملتكم لإخوتكم وأخواتكم. تعاملوا معهم جيدًا، وكونوا مهذبين مع بعضكم البعض، وحافظوا على أصدقائكم ما حييتم.
  • تتحملون وحدكم مسؤولية أي جدال يحدث بينكم، فلا تقحموا أهليكم في هذه الأمور.
  • إذا لم تتمكنوا من توديع المعلم عند ترك المدرسة، فقولوا وداعًا لزملائكم في الفصل. وفي المنزل، عند تناول الفطور والعشاء، وجّهوا حديثكم للوالدة والوالد واشكروهما قبل تناول الطعام.
  • لا تستغرقوا في النوم فتستيقظوا متأخراً. بل انهضوا واغسلوا وجوهكم بالماء، واحترموا الشمس، وصلّوا لأسلافكم.
  • اقرؤوا هذه القواعد بصوت عالٍ يوميًا ولا تتهاونوا في جعل السلوك القويم جزءًا من حياتكم.

سواء كان ما تقدم، قواعد عامة لآداب السلوك في المدرسة أو الطريقة المثلى لاستقبال الضيف، فقد تم توضيح السلوك المناسب بالتفصيل للطلاب. لقد حددت القواعد دور الوالدين ولم تسمح بانخراطهما بشكل مفرط ووضعت العلاقة بين المعلم والتلميذ، الموصوفة بـ sanze no chigiri وهي رابطة قوية بما يكفي لتستمر لمدة ثلاثة أجيال، في صميم علاقات الصداقة بين الطلاب وبعضهم والتي يجب تكريمها مدى الحياة. كما تم إعطاء إرشادات للأطفال للحفاظ على حسن خلقهم في المنزل، فنُصحوا بالاستيقاظ في الصباح الباكر، وإبداء الاحترام للشمس ولأسلافهم، وتقديم الشكر لوالديهم. إن اكتساب معرفة القراءة والكتابة من خلال الدراسة في تيراكويا كان نشاطاً لا يتم القيام به إلا ”بالطاقة الاحتياطية“، وذلك حرصاً من المعلمين على ألا يفقد الطلاب ذاتهم سعياً وراء ملذات برّاقة، وألا يتجاهلوا المهام الأكثر أهمية في حياتهم اليومية فيقعوا في فخ تلطيخ اسم العائلة. لقد كان تعلم القراءة والكتابة مجرد جزء واحد من إطار عمل أكبر لتعليم الطلاب السلوك السليم.

برامج تدريب جماعية

في كثير من الأحيان يدخل الشباب الذين جاءوا عبر تيراكويا إلى واكامونوغومي، أو ”مجموعات الأنشطة الشبابية“، والتي كانت تواصل مسيرة تعليمهم من خلال التدريب الشاق. من ناحية أخرى كانت هناك أيضًا مجموعات موسوميغومي المخصصة للفتيات، لكن لم يصل إلينا من أخبارها سوى القليل وبالتالي فليست لدينا معلومات تفصيلية عن أنشطتها.

يمثل الواكامونوغومي نظامًا تعليميًا مسؤولاً عن تدريب الشباب على التقاليد من خلال شرح جوانب الثقافة شفهياً وتدريبهم على السلوك القويم عملياً. وقد تشكلت تلك المجموعات في القرى والبلدات والمجتمعات الأخرى وتم تنظيمها وفقاً لأعمار أعضائها. كان الذكور من جميع الأسر، غنية كانت أو فقيرة، يودّعون طفولتهم في سن الخامسة عشر ويدخلون مرحلة الشباب من خلال هذه المجموعات المحلية، فكانوا يتركون ذويهم ويعيشون معًا في مساكن جماعية، ليصبحوا بذلك أعضاءً في مجتمع صارم تنظمه قواعد جديدة يجب اتباعها وكانت كلمة العضو الأكبر سناً هي القانون.

في هذه المرحلة من التعليم، كان الأعضاء الأكبر سنًا يأخذون على عاتقهم مهمة تدريب من هم أصغر سناً بواسطة التعليمات الشفوية والعروض التوضيحية بدون استخدام الكلمة المكتوبة. وبالطبع لم يُسمح للوالدين بالمشاركة ولم يكن من حق مسؤولي الحكومة المحلية التدخل في أنشطة واكامونوغومي. أخذت الأجيال المتعاقبة من الشباب على عاتقها مهمة تدريب الأعضاء الجدد حتى يتمكنوا من العمل كأعضاء فاعلين في المجتمع. لكن في الوقت الحاضر، يُنظر إلى هذا النهج في التعليم على أنه قديم وعفا عليها الزمن، ولم نعد نرى محاكاة لهذا النهج إلا في جوانب حياتية أخرى مثل الطريقة التي تتم بها إقامة المهرجانات، وبالتالي فقد اختفى هذا الأسلوب تمامًا من نظام التعليم الحديث الذي يهدف إلى تعزيز فردية الطلاب وتعظيم قدراتهم.

خلال فترة إيدو، كان هذا هو المعيار لأعداد غفيرة من الطلاب في جميع أنحاء البلاد. تعلم الأولاد والبنات القراءة والكتابة والرياضيات في تيراكويا، وأتقنوا المهارات التقليدية لمجتمعاتهم في مجموعات واكامونوغومي وموسوميغومي. فشكّل هذان النظامان التعليميان، اللذان تربطهما علاقة تنافسية ومتناغمة في نفس الوقت، قاعدة قوية للتعليم الشعبي في تلك الحقبة. ولعل الأجمل من كل ما سبق، تلك الرغبة القوية التي كانت لدى الشعب الياباني في تنشئة أفراد مجتمع يتمتعون بقدرات كاملة من خلال هذه الأنظمة التي إن أمعنّا النظر فيها فسنجد بها الكثير الذي يمكننا استقاؤه وتوظيفه في أنظمتنا التعليمية المعاصرة.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: Terakoya no zu [صورة تيراكويا]، عمل لفنان مجهول. أفلو)

الحكومة اليابانية التعليم الياباني التاريخ الياباني