حروب وكوارث وأمراض: منطقة توهوكو وسلسلة متصلة من المآسي والمعاناة

كوارث

يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لزلزال وتسونامي توهوكو. وبهذه المناسبة ينتهز فوجيوارا ساكويا، الصحفي والنائب السابق لمحافظ مصرف اليابان، الفرصة لمشاركة مشاعره تجاه المنطقة التي نشأ بها.

مصير مرتبط بالكوارث

كانت هذه السنة الجديدة سنة عاطفية بالنسبة لي، ليس فقط بسبب الأهمية الوجدانية لرؤيتي وأنا أبلغ عامي السابع من سنة الثور (الثور هو الثاني من التسلسل الدوري للحيوانات الذي يحل مرة كل اثني عشر عامًا والذي يظهر في الأبراج الصينية المتعلقة بالتقويم الصيني)، ولكن أيضًا لأن هذا العام يصادف مررو عشر سنوات على زلزال وتسونامي شرق اليابان المدمر. وقد تفاقمت حدة هذه المشاعر من خلال حقيقة أنني استقبلت العام الجديد وسط أجواء تعصف بها جائحة عالمية.

في الساعة 2:46 مساء يوم الحادي عشر من مارس/ آذار قبل عشر سنوات، كنت أعكف على كتابة أحد المقالات بمنزلي في مدينة يوكوهاما، حينها تسبب الاهتزاز المفاجئ في صرير النوافذ، وسقوط الكتب من على رفوفها، وانقلبت الكراسي. وعندما خرجت، كانت حركة مرور المشاة والمركبات في حالة من الفوضى. وكانت الأخبار التلفزيونية تتحدث عن زلزال بقوة 7 درجات (تم رفع درجة حدته لاحقًا إلى زلزال هائل بقوة 9 درجات) قبالة ساحل شبه جزيرة أوشيكا.

وكنت قد ولدت بمدنية سينداي بمحافظة مياجي، في عام 1937. وأمضيت سنوات نشأتي في محافظتي إيواتى وأكيتا، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، ذهبت عائلتي إلى كوريا الشمالية، قبل أن ترحل إلى منطقة نائية في منشوريا ومنغوليا. وقد كان والدي باحثًا ميدانيًا في علم اللغة والأنثروبولوجيا. وعندما شنت الدبابات السوفيتية، في التاسع من أغسطس/ آب 1945، هجومًا مفاجئًا على المدن الحدودية لمنشوريا (التي أصبحت الآن جزءًا من منغوليا الداخلية) في انتهاك للمعاهدات الدولية، فرت عائلتي إلى مدينة أندونغ الساحلية بجنوب منشوريا، حيث عشنا كلاجئين لما يقرب من ثمانية عشر شهرًا. وقد علمت فيما بعد أننا كنا من بين حفنة من المواطنين اليابانيين الذين فروا من مذبحة على يد فيلق الدبابات السوفيتي، وفقط قبل وقوعها بغضون ساعات. حيث أعاد إليّ مشهد وقوع الزلزال بشاعة أهوال الحرب.

وقد مضت السنوات وأصبحت صحفيًا، أقيم لفترات طويلة في الولايات المتحدة وكندا كمراسل أجنبي. وفي وقت لاحق من مسيرتي المهنية، كنت غالبًا ما أسافر إلى آسيا وأوروبا. وقادني الوقت الذي قضيته في الخارج إلى الاعتقاد بأن موطني اليابان كان مكانًا مقدرًا له الوقوع تحت وطأة الكوارث، حيث اتسم تاريخه وجغرافيته بحصوله على نصيب الأسد من الزلازل الكبرى والانفجارات البركانية وأمواج التسونامي وغيرها من الكوارث الطبيعية.

وسيلاحظ أي شخص درس تاريخ اليابان الحديث كيف كان المجتمع يخضع لتحول جذري كل أربعين عامًا أو نحو ذلك، كما يتضح في فترات عصر نهضة ميجي والحروب الصينية اليابانية والروسية اليابانية والتوسع الإقليمي لليابان في آسيا والحرب العالمية الثانية. ونجد أن (الدورات والموجات) تهمين على الدراسات الأكاديمية التي تتحدث عن نظرية الأنظمة الاجتماعية (أي تتغير بشكل دوري)، وذلك بحسب فرضيات علماء الاقتصاد نيكولاي كوندراتييف وجوزيف شومبيتر وجورج موديزكي، حيث نجد أن الحروب والأمراض والتقدم التكنولوجي تعد العوامل الرئيسية التي تعجل بحدوث التغيير. وبصفتي شخصًا ولد في منطقة توهوكو، لا يسعني إلا أن أشعر أنه في حالة اليابان، يجب أن تكون الزلازل الكبرى والكوارث الطبيعية الأخرى أيضًا عاملاً أساسيًا في نظرية الموجة هذه.

الارتباط التاريخي بالكوارث الطبيعية

بعد فترة قصيرة من عملي في جيجي برس، قضيت وقتًا في القطاع المالي في مصرف اليابان في أحد مراكز الأبحاث، معهد أبحاث هيتاتشي؛ وحتى في قطاع الطاقة، في شركة توهوكو للطاقة الكهربائية. ولقد أثر بي الأمر بشكل خاص وأنا أعاصر زلزال وتسونامي 2011 الذي دمر منطقة توهوكو، حيث كنت متمركزًا هناك خلال فترة وجودي في شركة الطاقة. وفي منطقة توهوكو، أدى الانهيار في محطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية التابعة لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية إلى تركيز الانتباه على الدور المستقبلي للطاقة النووية كقضية رئيسية للمجتمع والاقتصاد الياباني.

وفي نهاية العام الماضي، أعطت الحكومة تصريح بالموافقة على استمرار تشغيل محطة أوناغاوا للطاقة النووية التابعة لشركة توهوكو للطاقة الكهربائية، كما أعطى محافظ محافظة مياجي موافقته على إعادة تشغيل مفاعلات المحطة. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول مستقبل الطاقة النووية بعد أن ألغت محكمة محافظة أوساكا في وقت لاحق موافقة الحكومة على إعادة تشغيل مفاعل (أووي) التابع لشركة كانساي للطاقة الكهربائية في محافظة فوكوي، مشيرة إلى الإخفاقات في عملية الفحص والتدقيق.

وعندما كنت أزور محطة أوكيناوا، كنت غالبًا ما أقف على قمة تلة في شبه جزيرة أوشيكا تطل على جزيرة كينكاسان وأنظر إلى الأسفل إلى ميناء تسوكينورا، الميناء الذي انطلقت منه بعثة كيتشو (نسبة إلى اسم الحقبة وقتها) في عهد الحاكم (داتى ماسامونى)، وهي أول بعثة رسمية من اليابان إلى أوروبا في عام 1613. وقد تم بناء الميناء من قبل الحاكم ماسامونى بعد تدمير مدخله في زلزال (كيتشو سانريكو) عام 1611، حيث كان بمثابة إحيائه من جديد بعد الدمار الذي حل به. وبعد عودة قائد البعثة الاستكشافية (هاسيكورا تسونيناغا) إلى اليابان، لم تنجح خطة داتى ماسامونى لتشكيل اتحاد مع الدول المسيحية الأوروبية. وعند الإمعان قليلًا في أمر إعادة بناء سفينة سان خوان باوتيستا (السفينة التي أقلت البعثة) الراسية في ميناء تسوكينورا، فكرت في العلاقة التاريخية بين مثل هذه المساعي الكبرى والكوارث الطبيعية. واتذكر أنه قد تم تعييني أيضًا كمستشار من قبل صحيفة (كاهوكو شيمبون). ومباشرة بعد كارثة 2011، أنشأت الجريدة لجنة لإعادة إعمار منطقة توهوكو، والتي طافت في المناطق المتضررة من الكارثة ودعت الخبراء لمناقشة استراتيجية إعادة بنائها. الأمر الذي أسفر عن إصدار اللجنة لمجموعة من التوصيات بعد ستة أشهر.

وأثناء تجولي في منطقة توهوكو في أعقاب كارثة التسونامي، سمعت العديد من القصص المأساوية، من ضمنها موظفة تعمل في مكتب بلدة مينامي سانريكو ضحت بنفسها، حيث هرعت لاستخدم مكبر الصوت لتنبيه السكان إلى الكارثة من الطابق العلوي من المبنى الذي كانت به. وكذلك مأساة مدرسة أوكاوا الثانوية، التي لقى بها أكثر من نصف الطلاب مصرعهم أثناء انتظار عمليات الإجلاء.

الحفاظ على الذكرى حية في القلوب

بعد أن قامت (شركة مسرح شيكي) بتحويل أحد أعمالي الأصلية إلى مسرحية موسيقية، رافقتهم مرة أخرى في جولة بالمناطق التي تضررت بفعل التسونامي. حينها قامت الشركة بعرض مسرحية موسيقية في منطقة توهوكو بعنوان (يوتا والأصدقاء الغامضون) للكاتب (ميؤرا تيتسو)، وهي تحكي قصة صبي صغير مرهف الحس يُدعى (يوتا) تم إجلاؤه إلى مدينة آوموري من طوكيو. وفي آوموري، تعرف على أصدقاء شجعوه ومنحوه الثقة والقوة، هؤلاء الأصدقاء هم من يطلق عليهم (زاشيكي واراشي)، أرواح الأطفال الذين تم إجهاضهم خلال المجاعة الكبرى التي أعقبت سلسلة من الزلازل والطقس البارد خلال حقبة عصر إيدو.

وتاريخ توهوكو مليء بالعديد من المآسي، بداية بهجوم حملة القائد العسكري (ساكانوإيه نو تامورامارو) على زعيم شعب الأينو (أتيروي) في عام 789. وحملات الاضطهاد لسكان جومون المحليين من خلال محكمة ياماتو الإمبراطورية، وكذلك هزيمة عشيرة فوجيوارا في مدينة هيرايزومي عام 1189 على يد حكام كاماكورا العسكريين كعقوبة لهم لحماية ميناموتو نو يوشيتسونى (أحد محاربي الساموراي). وفي أواخر القرن التاسع عشر، تم نفي العشائر المتحالفة في منطقة توهوكو إلى حصن (غوريوكاكو) في مدينة هاكوداتى من قبل حكومة ساتسوما/ تشوشو المشتركة وفقًا للقانون الإمبراطوري. وهكذا استمر تاريخ توهوكو المأساوي حتى أوائل القرن العشرين.

وهدفي في هذا المقال ليس بث الرعب في قلوب القراء كما في كتاب (هوجوكي) للكاتب (كامو نو تشومى) — عمل يصور العديد من الكوارث مثل الزلزال والمجاعات والأعاصير والحرائق التي أصابت سكان العاصمة كيوتو—. وإنما عوضًا عن ذلك، وبصفتي صحفيًا، فأعلم أن كتابة شيء ما، أوبعبارة أخرى تسجيل الوقائع، أمر يربط أوجاع الماضي بآمال المستقبل. وهذه الرغبة هي أيضًا التي دفعتني إلى كتابة رواية واقعية عن تجارب طفولتي أثناء فترات الحرب، وأيضًا السيرة الذاتية لـ ياماغوتشي يوشيكو، الممثلة المولودة في الصين والتي كانت ممزقة بين وطنها الأم وأرض مولدها، بين الحرب والسلام. فأنا لدي مسؤولية كصحفي تحتم على إعداد سجل يضم تجارب الناس خلال الحروب والكوارث الطبيعية والأمراض لكي تكون مرجع للأجيال القادمة. ومثل هذه التأملات هي بعض من سبل تحقيق هذه الغاية.

(النص الأصلي نشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: شبه جزيرة أوشيكا. جيجي برس)

كارثة الزلزال الكبير في شرق اليابان تسونامي الكوارث الحكومة اليابانية