هل غيرت جائحة كورونا الحرس القديم في عالم السومو؟

رياضة

تخللت بطولات السومو الكبرى الخمس التي أقيمت عام 2020 العديد من الاضطرابات، فقد فاز مصارعان من مراتب متدنية باثنتين من تلك البطولات. أحد أسباب ذلك هو الحالة الصحية السيئة لاثنين من المصارعين من مرتبة يوكوزونا وهي الأعلى في الرياضة، وهما هاكوهو وكاكوريو، ومصارعين من ثاني أعلى مرتبة هي أوزيكي. يبدو الأمر وكأنه تغيير في الحرس القديم، لكن لا يجب إغفال تأثير الكتلة البدنية المتعاظمة للمصارعين على الرياضة.

تصدر مصارعين من مراتب متدنية

ألحقت جائحة فيروس كورونا ضررا كبيرا ببطولات السومو عام 2020، فقد ألغيت إحدى البطولات السنوية الست بينما جرت أخرى بدون جمهور. كما لحق نوع مختلف من الضرر بهذه الرياضة. فقد فاز اثنان من المصارعين ’’ريكيشي‘‘ من أدنى مرتبة في قسم ماكوؤتشي –وهو الأعلى في السومو- هما توكوشوريو وتيرونوفوجي، ببطولتي يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز على التوالي. وفي بطولة سبتمبر/أيلول، كان بين المصارع ساروتوبي -الذي تمت ترقيته حديثا إلى قسم ماكوؤتشي- وبين الفوز بالبطولة قيد أنملة في حدث كان سيتكرر لأول مرة منذ 106 سنوات يفوز فيه وافد جديد إلى أعلى قسم من السومو بالبطولة. وفي بطولة نوفمبر/تشرين الثاني، صمد شيمانوؤمي من أدنى مرتبة حتى الأيام القليلة الأخيرة من البطولة كمنافس للفوز باللقب.

شعر المشجعون بالإثارة من أداء الوافدين الجدد والمحاربين القدامى على حد سواء، لكن الاضطرابات التي شهدناها العام الماضي كانت ذات أهمية في لعبة السومو فهي عالم يعتمد على الترتيب -الذي لا يحدده إلا عدد مرات فوز وخسارة المصارع في البطولات السابقة- ليكون موجها لمعرفة من هم المصارعون المتفوقون بشكل موثوق.

يمكن أن تُعزى النتائج المفاجئة في العام الماضي إلى الحالة السيئة للمصارعين في أعلى مراتب التصنيف. تلك الأسماء البارزة التي تحدد عادة سرعة إيقاع البطولات لم تشارك أو انسحبت من معظم البطولات ولا سيما ببطولة نوفمبر/تشرين الثاني حيث كان المصارع تاكاكييشو من مرتبة أوزيكي هو الوحيد من بين بطلي يوكوزونا وبطلي أوزيكي الذي تمكن من دخول حلبة المصارعة ’’دوهيو‘‘. لم يكن فوز تاكاكييشو بهذه البطولة إلا محض صدفة، وهو تطور يحفظ ماء وجه المصارعين من أعلى المراتب، ولكن على مدى أيام متتالية كانت المباراة الأخيرة من اليوم -وهي فرصة تمنح عادة لأبطال اليوكوزونا- بين تاكاكييشو ومصارعين من مراتب أدنى.

يبلغ كل من بطلي اليوكوزونا المصارعين هاكوهو وكاكوريو الآن 35 عاما وهما يتغيبان عن المباريات بوتيرة أكبر بسبب الإصابات. في بطولة مارس/آذار التي أقيمت خلف أبواب مغلقة، صمد كلاهما إلى أن تواجها في مباراة اليوم الأخير لتحديد الفائز بالبطولة. أما بطولة مايو/أيار فقد ألغيت، وفي بطولة يوليو/تموز انسحب المصارعان في منتصف الفعالية. أما في بطولتي شهري سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني المتتاليتين، اختار المصارعان عدم المشاركة على الإطلاق. ولم تشهد الحلبة مراسم دخول بطل يوكوزونا منذ اليوم الثالث عشر من بطولة يوليو/تموز.

بعد بطولة نوفمبر/تشرين الثاني تلقى المصارعان تحذيرا من مجلس الترقية إلى يوكوزونا بسبب غيابهما المتكرر عن الحلبة. بعد ذلك أصيب هاكوهو بكوفيد-19 وأبعد عن المنافسة قبل أيام فقط من انطلاق بطولة يناير/كانون الثاني لعام 2021 بعد أن كان على أتم الاستعداد للعودة إلى الحلبة. كما قرر كاكوريو عدم المشاركة بسبب آلام أسفل الظهر ومشاكل أخرى. وهذا يعني أن 4 بطولات متتالية لم تشهد مشاركة لمصارع من مرتبة يوكوزونا.

تغير تقنيات الفوز مع تعاظم الكتلة البدنية

وبالنظر إلى عدم مشاركة مصارعين من مرتبة يوكوزونا، أصبح المصارعون الثلاثة من رتبة أوزيكي، ثاني أعلى مرتبة في الرياضة، محور الاهتمام. كان من المتوقع أن يتنافسوا جميعا في بطولة نوفمبر/تشرين الثاني، لكن أصيب المشجعون بخيبة أمل جديدة. فاعتبارا من اليوم الثالث من البطولة انسحب أسانوياما الذي تمت ترقيته إلى مرتبة أوزيكي بعد بطولة مارس/آذار، بسبب إصابة في الكتف، كما انسحب شوداي الذي تمت ترقيته بعد فوزه باللقب لأول مرة في مسيرته الرياضية في بطولة سبتمبر/أيلول، في اليوم الخامس نتيجة لتأخر تعافيه من إصابة في الكاحل تعرض لها في مباراة ضد كوموسوبي تاكاياسو في اليوم الثالث.

كان كل من أسانوياما وشوداي يحاول كسب أفضلية على الآخر في المواجهة (تاتشيآي) عبر التركيز على زيادة الوزن. لكن من الواضح أن لياقة الجزء السفلي من الجسم قد تضررت، ويرجع ذلك على الأرجح إلى قلة فرص التدريب بسبب الحظر المفروض على ’’ديغييكو (زيارة إسطبلات أخرى من أجل التدريب)‘‘ بسبب الجائحة.

ازدادت الكتلة البدنية لمصارعين من مراتب في أعلى قسم في السومو على مر السنين. ففي بطولة سبتمبر/أيلول عام 1953 كان متوسط الطول 177 سم ومتوسط الوزن 114.5 كغ. أما في بطولة سبتمبر/أيلول عام 2020 فقد كان هذان الرقمان 184 سم و 156.9 كغ. وبعبارة أخرى، على مدى ما يقرب من 70 عاما أصبح المصارعون أطول بمتوسط 7 سم ولكنهم أثقل بأكثر من 40 كغ. من بين المصارعين النشطين حاليا إيتشينوجو وهو المصارع الأثقل حيث يزن 198 كغ (تجاوز وزنه في أحد الأوقات 220 كغ). ليس هناك من بين المصارعين من يتجاوز وزنه حاليا 200 كغ، ولكن هناك 14 مصارعا تتجاوز أوزانهم مستوى 170 كغ. في المقابل، هناك مصارع واحد من أعلى قسم في السومو وزنه أقل من 100 كغ إنه إنهو وهو تقريبا من وزن الريشة حيث يزن 92 كغ فقط.

يعد وجود المصارعين غير اليابانيين أحد أسباب زيادة الطول والوزن في مختلف المراتب. مهد تاكاميياما المولود في هاواي، وهو أول مصارع أجنبي يصل إلى قمة مجموعة سيكيتوري، الطريق أمام مصارعين عملاقة آخرين هم: المصارع كونيشيكي من هاواي وقد وصل إلى مرتبة أوزيكي ويزن أكثر من 270 كغ، والمصارع أكيبونو (من هاواي) والمصارع موساشيمارو (ساموا الأمريكية) وقد ترقيا في المراتب إلى أن وصلا إلى مرتبة يوكوزونا.

كانت المجموعة التالية من غير اليابانيين الذين برزوا في رياضة السومو مصارعين من منغوليا. أولئك المصارعون لهم بنية جسدية مماثلة لليابانيين ولكن الجزء السفلي من أجسادهم قوي ويتمتعون بشهية صحية للفوز حيث يهيمنون على أعلى المراتب. وكان مصارعون مثل كيوكوشوزان الذي حاز على درجات عالية لخبرته الفنية، وكيوكوتينهو المعروف بكونه الريكيشي الأكبر سنا الذي يفوز بأول بطولة له في قسم ماكوؤتشي، هم رواد تلك المجموعة. ومن بين المصارعين المنغوليين الذين وصلوا إلى مرتبة يوكوزونا الأعلى في الرياضة أساشوريو وهاكوهو وهارومافوجي وكاكوريو.

كما صنع العديد من الأوروبيين الشرقيين، وكثير منهم لديه خبرة في المصارعة، اسما لأنفسهم في السومو. من بين هؤلاء مصارعون مثل كوتوؤشو وباروتو وصلوا إلى مرتبة أوزيكي. ومع تزايد عالمية رياضة السومو يحاول الريكيشي اليابانيون زيادة كتلة أجسامهم ليصبحوا على قدم المساواة مع المنافسين الأكبر حجما في الخارج. فبالإضافة إلى تمارين السومو الأساسية التقليدية مثل ’’شيكو (رفع القدم للأعلى من وضعية القرفصاء)‘‘ و’’سورايشي (جر القدمين للأمام بدون رفعها عن الأرض)‘‘، يستخدم المصارعون اليابانيون أيضا أجهزة للعمل على بناء الكتلة العضلية. ومع تحول التركيز حاليا نحو اكتساب أفضلية في المواجهات ’’تاتشيآي‘‘، تنتهي النزالات بسرعة كبيرة مع استخدام مناورات تكتيكية أقل.

ينعكس هذا التغيير أيضا في بيانات تقنيات الفوز، حيث تُظهر السجلات في عام 2018 أنه لأول مرة منذ 15 عاما كان عدد الانتصارات بأسلوب ’’أوشيداشي (إخراج الخصم من الحلبة بالدفع بالذراعين)‘‘ أكبر من تلك المحققة بأسلوب ’’يوريكيري (إخراج الخصم من الحلبة باستخدام الجسد بالكامل)‘‘ في قسم ماكوؤتشي. وفي عام 2020 كانت الانتصارات المحققة بأسلوبي يوريكيري وأوشيداشي متكافئة إلى حد ما حيث بلغت 350 مقابل 336. وعلى عكس عام 1978 عندما كان عدد الانتصارات بأسلوب يوريكيري 528 مقابل 199 انتصارا بأسلوب أوشيداشي، من الواضح أن الاعتماد على قوة الذراعين في الوقت الحاضر يتزايد في رياضة السومو.

البيانات الأخرى تشير إلى الشيء ذاته. ففي عام 1978 كان عدد الانتصارات بأسلوب ’’أوواتينأغي (قلب الخصم بقوة الذراعين)‘‘ 134 فوزا مقابل 62 فوزا في عام 2020 في 5 بطولات، وكان عدد الانتصارات بأسلوب ’’تسوريداشي (رفع الخصم وإخراجه من الحلبة)‘‘ 73 في عام 1973 مقارنة بـ3 انتصارات فقط في عام 2020 (أيضا خلال 5 بطولات)، ما يؤشر على وجود نقص عام في التنوع بتقنيات الفوز المستخدمة اليوم. ونظرا لأن السومو تعتمد الآن كثيرا على الوزن، فليس من المستغرب أن ترتفع الإصابات الخطيرة في هذه الرياضة.

السومو بين التقاليد والمنافسة

كان تغيير أنماط الحياة أيضا أحد أسباب زيادة الكتلة البدنية للمصارعين اليابانيين.

من الناحية التقليدية، تشهد الحياة في ’’سوموبييا (الإسطبل الذي يعيش ويتدرب فيه المصارعون)‘‘ استيقاظ المصارعين باكرا وقضاء فترة الصباح في التدريب. وحوالي الظهيرة يتناولون وجبتهم الأولى في اليوم، وهي عبارة عن يخنة تشانكونابي الشهية المكونة من لحوم وخضروات. وبعد تلك الوجبة، يقضون فترة ما بعد الظهر في القيلولة. وعادة يأكلون وجبتين فقط يوميا بما في ذلك وجبة العشاء.

كان الإيقاع اليومي المميز لحياة مصارعي السومو المتمثل في التدريب والأكل والنوم، منطقيا كطريقة لزيادة الوزن. كان الكثير من الشباب في الماضي ينحدرون من عائلات فقيرة لديها الكثير ممن يحتاجون الإعالة وهو ما كان يدفعهم للانضمام للسوموبييا، حيث يعتني مدربو الإسطبلات بإطعامهم وإيوائهم وكسائهم، وكان الهدف الأسمى أن يصبحوا مصارعين أقوياء.

ولكن في العقود التي انقضت منذ أن أصبحت البلاد قوة اقتصادية رائدة، تمتعت اليابان بعصر رخاء وتناقص عدد الأولاد المدفوعين برغبة شديدة في الفوز. وفي الوقت الحاضر، ينحدر معظم الشباب الذين يدخلون عالم السومو من أسر نواتية عادية ولم يعانوا أبدا من نقص في الغذاء في حياتهم.

بمجرد أن يتبنوا الإيقاع اليومي للسومو، فإن هؤلاء الشباب الذين يحصلون على تغذية جيدة يعرضون أنفسهم لخطر الإصابة بأمراض مرتبطة بنمط الحياة، حتى أنه يقال في رياضة السومو يعتبر السكري مرضا مهنيا. في الواقع توفي في مايو/أيار عام 2020 المصارع شوبوشي البالغ من العمر 28 عاما بعد إصابته بكوفيد-19 وكان مريضا بالسكري. كما كان هناك الكثير من الوفيات المبكرة جراء مرض السكري أو السرطان أو أمراض القلب بين مدربي سومو ’’أوياكاتا‘‘ مسنين.

ينصح الأطباء في عيادة السومو الصحية في ’’ريوغوكو كوكوغيكان‘‘ المصارعين بالابتعاد عن المشروبات السكرية والأطعمة الخفيفة وما إلى ذلك لتجنب الإصابة بأمراض مرتبطة بأنماط الحياة، ولكن مشاركتهم في إدارة صحة المصارعين لا تتجاوز هذا الحد. لأن العادة درجت على ترك إدارة كل جانب من جوانب حياة المصارعين، بما في ذلك تغذيتهم، إلى مديري الإسطبلات.

ولكن بالنظر إلى عدد حالات التغيب عن البطولات بسبب الإصابات والمخاطر المتزايدة للتعرض لأمراض معدية جديدة، أعتقد أن الوقت قد حان لكي يلعب اتحاد السومو الياباني دورا أكثر فعالية في إدارة صحة المصارعين. تعهد رئيس الاتحاد هاكّاكو (هو بطل اليوكوزونا هوكوتوؤمي سابقا) لدى توليه المنصب بتوسيع وظائف العيادة وتحسين مرافق إعادة التأهيل للريكيشي المصابين، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة حتى الآن.

أصبح اتحاد السومو الياباني مؤسسة مدمجة للمنفعة العامة في عام 2014. وينص نظامها التأسيسي على أن الغرض من المؤسسة هو الحفاظ على نظام وتقاليد ’’طريقة السومو‘‘ ونقلها للأجيال التالية وتعزيزها. وقد غدت رياضة السومو ثقافة تنطوي على عنصر من طقوس دينية. السومو حاليا هي رياضة قومية في اليابان ولا يمكن من بعض النواحي اعتبارها مجرد هواية تنافسية.

بالعودة إلى التاريخ يتبين أنه منذ العصور القديمة كان يُنظر إلى مشهد الرجال الضخام الذين يشاركون في مباريات مصارعة على أنه رمز للوفرة وأصبح مرتبطا بطقوس دينية للصلاة من أجل حصاد جيد. وعلى الدوام كان يُنظر إلى الريكيشي باعتبارهم تجسيدا للصحة الجيدة. وبالتأكيد ليست نية اتحاد السومو الياباني أن يترسخ في أذهان الناس اليوم أن السومو تعني سوء الحالة الصحية.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: تاكاكييشو، إلى اليسار، المصارع الذي ينافس للحصول على مرتبة يوكوزونا، أثناء التدريب مع اليوكوزونا هاكوهو. حقوق الصورة لكيودو، بوول فوتو)

الرياضة الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية