نجم الكابوكي إيتشيكاوا إيبيزو يسلك مسارا محفوفا بالمخاطر من أجل فنه

ثقافة

كان المفترض أن يتخذ نجم الكابوكي إيتشيكاوا إيبيزو في عام 2020 الاسم المسرحي الشهير ’’دانجورو‘‘ ليصبح الممثل الثالث عشر في عائلته الذي يحمل هذا الاسم. ولكن عندما بددت جائحة كوفيد-19 تلك الخطط اضطر إلى التفكير في أفضل الطرق للإبقاء على حيوية الكابوكي في المستقبل. في هذه المقالة نستمع لرأي إيبيزو عن فنه.

إيتشيكاوا إيبيزو الحادي عشر ICHIKAWA Ebizo

من مواليد عام 1977 وهو الابن الأكبر لفنان الكابوكي إيتشيكاوا دانجورو الثاني عشر. ظهر على المسرح لأول مرة في عام 1983 عندما كان في الخامسة من العمر، واتخذ اسما فنيا هو إيبيزو عام 2004. قاد ترتيبات الكثير من الجولات لمشاركة الفنون التقليدية اليابانية مع الأجيال الشابة، بما فيها عروض في سنغافورة وعروض في مسرح اليابان الكبير عام 2016 وعروض في الإمارات العربية المتحدة وقاعة كارنيغي في نيويورك وجولة ’’دعوة إلى الكلاسيكيات‘‘ في اليابان. فاز بجائزة الأكاديمية اليابانية للأفلام لعام 2014 عن فئة أفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم ’’ريكيو ني تازونييو (اسأل ريكيو عن هذا)‘‘.

’’لم تتملكني أبدا أدنى رغبة في أن أكون رائدا في مجال عملي‘‘ هكذا يقول إيبيزو نجم الكابوكي الذي يترأس الآن عائلة إيتشيكاوا الأسطورية والذي جعلته شعبيته على المسرح واستعداده للسير بفنه في اتجاهات جديدة، من الرواد في نظر الكثيرين.

ولكن مما لا شك فيه أن إيتشيكاوا إيبيزو الحادي عشر دُفع دفعا ليتولى الصدارة في عالم الكابوكي بسبب أزمة تهدد مستقبل هذا الفن. حيث أقر بنفسه أنه ’’الفرصة ضئيلة ولكنها غير معدومة في أن ينهار الكابوكي إذا استمرت الأمور على ما هي عليه. عندما أعيد فتح مسرح كابوكيزا في طوكيو بمبناه الجديد في عام 2013 كان الناس مقتنعين بأن الفن في مأمن، وأنه سيكون على ما يرام لمئات السنين القادمة في هذا المنزل الجديد. لكن كل ما تطلبه الأمر هو جائحة واحدة من فيروس كورونا لدفع عالم الكابوكي إلى حافة الهاوية. يبدو وكأننا نركب سفينة التايتانيك هنا. من الصعب التفكير بعبارة غير مسؤولة فيما يخص واقع فننا الحالي أكثر من القول إنه بخير‘‘.

تعليق مراسم اتخاذ الاسم المسرحي الجديد

كان من المفترض أن يكون عام 2020 علامة فارقة في مسيرة إيبيزو المهنية، حيث كان يعتزم اتخاذ الاسم المسرحي إيتشيكاوا دانجورو الثالث عشر في شهر مايو/أيار، وكان من المقرر إقامة عروض خاصة في كابوكيزا على مدار ثلاثة أشهر للاحتفال بحصوله على الاسم الذي كان والده دانجورو الثاني عشر (1946-2013) أيضا يحمله. كان عالم الكابوكي برمته على أتم الاستعداد للمشاركة في هذا المناخ الاحتفالي وكان مديرو المسرح يتطلعون بشغف إلى حضور حشود من المعجبين الذين من المؤكد أنهم سيأتون لمشاهدة العروض.

ولكن مع بدء انتشار جائحة كورونا في اليابان في أواخر فبراير/شباط عام 2020، أزيلت العروض من جدول البرامج وعلقت عملية تولي إيبيزو لأخذ لقب دانجورو رسميا، ولم يقرر لها جدول زمني آخر بعد.

’’كان من المفترض في شهر مايو/أيار أن أكون مشغولا بهذه العروض بمناسبة حصولي على اسمي الجديد، بحيث أكِد في عملي وأذرف ’دموع الدماء‘ -كما نقول- على المسرح يوما تلو الآخر‘‘. ولكن بدلا من ذلك وجد نفسه يقضي وقتا مترفا بشكل غير متوقع في المنزل مع طفليه. ’’لولا الجائحة لم أكن لأمضي كل هذا الوقت معهما. في الواقع وجدت نفسي أفكر في أن هذه ستكون طريقة رائعة لقضاء بقية العام‘‘. ولكن لم يكن من طبيعته أن يظل هادئا لفترة طويلة، فمع إلغاء الفعاليات الرياضية والترفيهية بسبب جائحة كورونا وجد نفسه يضع خططا لجولة لنقل عروض كابوكي حية للجماهير في جميع أنحاء اليابان.

إبقاء المسارح مضاءة

على الرغم من إلغاء عروض إيبيزو الصيفية المبكرة إلا أنه واصل العمل بجدول عمل كامل ودخْل جيد بفضل ظهوره السينمائي والتلفزيوني والتجاري. هناك عدد قليل من الشخصيات في عالم الكابوكي الذين يمكنهم الاعتماد على إيرادات خارجية مستمرة التدفق مثل هذه الحالة. ’’اتصلت هاتفيا بطلابي كل على حدة - الفنانون البدلاء لي الشباب الذين يعملون في عائلة إيتشيكاوا- وسألتهم كيف كانوا يتدبرون أمرهم. أخبرني بعضهم أنهم كانوا صامدين بفضل الدفعات الطارئة من الحكومة فقط، لكن آخرين قالوا إن الأمور قاتمة ولم يكن هناك أحد لمساعدتهم‘‘. يتذكر إيبيزو ذلك قائلا إن بعضهم قد بدأ العمل في خدمات توصيل الطعام للوقوف على أقدامهم.

ينوه إيبيزو إلى أنه لا يمكن أن تجرى عروض الكابوكي بالممثلين وحدهم. ’’لديك موسيقيون وفنيو إضاءة وعمال مسرح ومديرون وفنانون مسؤولون عن الشعر المستعار والأزياء. لكل دوره الذي يلعبه لنجاح عرض الكابوكي. ولكن إذا لم تكن هناك عروض، فلن يكون لديهم مورد رزق. كنت على دراية أنه للحفاظ على ثقافة المسرح لدينا على قيد الحياة، كان علينا إيجاد طريقة لجميع هؤلاء الأشخاص الذين يدعمون الممثلين للحفاظ على مستوى دخل يضمن معيشتهم‘‘.

بالتأكيد مجرد الرغبة في إبقاء شموع المسرح مشتعلة ليس بالأمر الكافي لضمان نجاح جولة كابوكي في خضم جائحة كوفيد-19. أدرك إيبيزو أن جولة كهذه بوجود عدد كبير من فناني الأداء والعاملين في الكواليس على اتصال دائم ووثيق والسفر معا في شتى أرجاء البلاد، يمكن أن تتحول بسهولة إلى فعالية لنقل العدوى الفيروسية على نطاق واسع. ’’زلة واحدة كافية لأن تلقى باللائمة علينا في نقل الفيروس من طوكيو -التي ترتفع فيها نسبة العدوى- ونشره إلى أماكن في مختلف أرجاء اليابان‘‘.

وضعت شركة Zen-A للتخطيط الترفيهي والتي كانت المسؤولة عن إدارة الجولة وإجراءاتها المضادة للعدوى نهجا مفصلا لمنع عدوى كوفيد-19 بين كل من فناني الأداء والجمهور، وقدمت الخطة إلى المنظمين المحليين في كل محطة مقترحة في الجولة. كان المنظمون في البداية متحفظين بشأن فكرة هذه الجولة ولكن استحوذت عليهم الجدية في نهج إيبيزو بشأن إجراءات السلامة من الجائحة ووافقوا على المشاركة واحدا تلو الآخر.

وكانت ثمرة تلك الجهود ’’كوتين إي نو إيزاناي (دعوة إلى الكلاسيكيات)‘‘ وهي جولة في أرجاء اليابان انطلقت في 11 سبتمبر/أيلول عام 2020 في مسرح ياتشييوزا بمحافظة كوماموتو لتنتقل إلى 12 محطة في المجموع. يقول إيبيزو ’’كنا على دراية أنه إذا كنا سنقوم بهذه الجولة في خضم الجائحة فلن نسمح لها أن تكون ناقلا لأي عدوى على طول الطريق‘‘. خضع جميع الممثلين والعاملين في المسرح البالغ عددهم 70 شخصا لاختبارات PCR متعددة خلال الجولة، وكان التركيز بشكل مباشر على السلامة قبل الربح ولذلك طُرح للبيع نصف عدد مقاعد المسارح فقط. وصلت الجولة إلى نهايتها في 29 أكتوبر/تشرين الأول في المركز المدني في أوداوارا بمحافظة كاناغاوا، مع سجل مثالي بعدم وجود إصابات بين أعضاء الفرقة ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات بين أفراد الجمهور، يستذكر إيبيزو ذلك بفخر.

اختار إيبيزو ’’كوتوبوكي-شيكي سانباسو‘‘ وهي رقصة احتفالية درجت العادة على تأديتها للصلاة من أجل السلام في البلاد ووفرة الحصاد، وذلك في إطار برنامج الجولة للتعبير عن رغبته في انتهاء الجائحة سريعا.
اختار إيبيزو ’’كوتوبوكي-شيكي سانباسو‘‘ وهي رقصة احتفالية درجت العادة على تأديتها للصلاة من أجل السلام في البلاد ووفرة الحصاد، وذلك في إطار برنامج الجولة للتعبير عن رغبته في انتهاء الجائحة سريعا.

يقول إيبيزو ’’انتابني شعور في أنه إذا لم يقدم أحد على تنظيم إحدى الجولات، فإن عالم الترفيه الياباني برمته -وليس الكابوكي فقط- سيفقد القدرة على القيام بجولات. ألغيت جولات أصدقائي في عالم الموسيقى، وهو ما اضطرهم جمعيا للجلوس في المنزل بدون أن يفعلوا شيئا. أعتقد أن عروضنا أدارت عجلتهم مرة أخرى باعتبارها سابقة يمكنهم الإشارة إليها‘‘.

ليس أمام اليابان أي مسار واضح من أجل المضي قدما في الوقت الذي تسعى فيه إلى التخلص من الجائحة، لكن كل ما يمكننا القيام به هو إحراز تقدم مطرد نحو العودة إلى الحياة الطبيعية، كما يقول إيبيزو. ’’عندما بدأ الفيروس في الانتشار لأول مرة ، كان ’عدوا مجهولا‘. ولكن الآن من الواضح أنه موجود في كل مكان حولنا ويمكن أن يؤثر على أي شخص. في الوقت نفسه، لدينا هنا في اليابان عدد أقل نسبيا من الإصابات مقارنة بدول أوروبا وأمريكا الشمالية، وهناك خطر أقل للإصابة بعدوى شديدة بكوفيد-19. علينا أن نرى هذه الجوانب الإيجابية أيضا. لا يمكننا أن نسمح للخوف بأن يجمدنا في أماكننا. يجب أن نجد طرقا للترفيه عن أنفسنا مع اتخاذ الاحتياطات المناسبة للوقاية من المرض. يجب أن نواصل العمل مع البقاء سالمين قدر الإمكان. يجب أن ينصب تركيزنا على هذا بينما نمضي قدما‘‘.

فن يجمع بين الفنانين والجمهور

بدأت العروض مرة أخرى في أغسطس/آب الماضي في كابوكيزا، مع إبقاء نصف المقاعد فارغة لتقليل مخاطر انتقال الفيروس. استجاب مشغلو المسارح لطلبات الحكومة بانتهاج سلوك أكثر أمانا للجمهور من خلال حظر الهتافات العالية من أفراد الجمهور لتشجيع فناني الأداء المفضلين لديهم بالإضافة إلى تدابير أخرى.

يروي إيبيزو أن العروض خلال جولة 2020 شهدت هتافات بكلمتي ’’ناريتايا!‘‘ (النقابة التمثيلية التي تأسست في القرن السابع عشر على يد إيتشيكاوا دانجورو الأول) و’’إيبيزو سان!‘‘. ولكنه يقول إنه لم تكن تلك خروقات من قبل الجمهور للقواعد، فقد كانت هتافات ممثلين شباب ينتظرون في أجنحة المسرح بناء على تعليمات من إيبيزو نفسه.

وأوضح إيبيزو أنه بعد أقل من عام على انتشار جائحة كوفيد-19، أصبح الجمهور مدربا بالفعل على الجلوس في صمت كامل أثناء مشاهدتهم للعروض. ’’ولكن عندما يسمعون أحدهم يصرخ ’ناريتايا‘ فإن ذلك يغير الأمور. حيث يدرك الجمهور أنه مسموح لهم بأن يتحمسوا بشأن هذا الأمر. تصفيقهم بعد تلك النقطة يختلف بطريقة ما فهو أكثر واقعية وحيوية‘‘. ويستطرد قائلا إن هذه الاستجابة العاطفية لدى الجمهور تغذي شغف الفنانين على المسرح أيضا. فالأداء المسرحي هو شيء يتشكل من قبل الممثلين والجمهور أثناء تفاعلهم مع بعضهم الآخر، وليس فقط من قبل الأشخاص على المسرح.

ويضيف إيبيزو أن المرونة التي تم التلميح إليها في هذا التفاعل هي سمة أساسية للفن الياباني، حيث ’’يكمن جمال فنون الأداء اليابانية في عيوبها‘‘.

ويتابع قائلا ’’في موسيقى الغرب الكلاسيكية، إذا خرج العازف عن النوتة الموسيقية قليلا فهذا خطأ جسيم يعيق الأداء. أما الآلات الموسيقية اليابانية فمختلفة تماما. حيث يصدر طبل تايكو أصواتا مختلفة حسب درجة الحرارة أو الرطوبة في ذلك اليوم. وهو ما يتيح مساحة لقليل من الحرية تنتج اختلافات في كيفية أداء الأغنية في كل مرة. يعزف عازفو آلة الشاميسين خارج النوتة الموسيقية عن عمد. ويسمى هذا ’’وابي‘‘ و’’سابي‘‘ أي الخلل والوقتية وهما صميم ثقافة اليابان، وهو ما يؤدي إلى صياغة شيء غير مثالي عن قصد. أعتقد أنه يتعين على اليابانيين فهم هذا الجزء من ثقافتهم، وتنمية ثقافة اللعب التي تناسبهم حتى ينجح الترفيه الياباني حقا‘‘.

مهمة لتحريك المياه الراكدة

ما هي آراء إيبيزو حول مستقبل الجزء الخاص به من عالم الترفيه؟ ’’أعتقد أننا سنرى عودة إلى جذور الكابوكي في مرحلة ما. إدراك أن كلمة كابوكي في صيغتها الأصلية تعني كابوكو، وهو شكل قديم من فعل يعني ’الميل إلى جانب واحد‘ أو ’الابتعاد عن المألوف‘‘‘.

’’بالتأكيد لا يزال من المهم حماية ومتابعة الأشياء الجيدة القديمة في ثقافتنا. لكن لا يمكننا السماح للناس بأخذ فكرة عن الكابوكي بأنه شكل من أشكال الفن يتم حبسه في صندوقه ومشاهدته بهدوء بدون إصدار صوت. أعتقد أن نقل تفهم الناس لفننا إلى هذا المكان سيأخذنا عبر بعض البحار الهائجة. وربما يحتاج الأمر أن أكون أنا من يحرك الرياح والأمواج. هذا لا يعني أنني أتوق لأن أكون من يثير هذه العاصفة، ولكن هذا شيء يجب القيام به من أجل الكابوكي‘‘.

بحسب إيبيزو يجب المحافظة على فن الكابوكي. ’’أنا الابن الأكبر لرب أسرة إيتشيكاوا. كان بإمكاني الاستمتاع بحياة مستقرة وآمنة من خلال إبقاء رأسي منخفضا ولعب دوري في وئام مع من حولي. في الواقع هناك جزء مني يريد أن يكون مثل أي شخص آخر. ولكن إذا بدأ الكابوكي ككل في الترنح، فمن سيعمل على الحفاظ على استمراريته؟ إذا بدأ الآخرون في عالم الكابوكي في السقوط يمكنني التدخل لدعمهم من موقع خارج ذلك العالم قليلا. وإذا بدأت أفقد توازني فيمكنهم أن يكونوا هنا لدعمي. تحدث الناس بالكثير من الأشياء عن الطريقة التي أعيش بها حياتي لكنني على ثقة من أن كل تصرفاتي تضع على الدوام مستقبل الكابوكي في الحسبان‘‘.

يقول إيبيزو إن والده إيتشيكاوا دانجورو الثاني عشر قبل وفاته في عام 2013 عن عمر يناهز 66 عاما علمه ’’ألا يكون وحيدا أبدا، ولكن أن يقف دائما بشكل مستقل عن الآخرين‘‘.

من المقرر أن يقود إيبيزو في مارس/آذار عام 2021 فرقة تضم أكثر من 80 ممثلا وموظفا في جولة ’’دعوة إلى الكلاسيكيات‘‘ ثانية تجوب 14 محطة في أرجاء اليابان. لا يزال المسار الذي يختاره يتيح القليل من الاستقرار، لكن لديه دافع لنقل الكابوكي قدما بصرف النظر عن مدى وعورة الطريق. وفي حين أنه مستقل عن الآخرين إلا أنه بالتأكيد ليس لوحده.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بناء على مقابلة أجريت في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020. الترجمة من الإنكليزية. الشكر موصول لمجلة President. حقوق جميع الصور لهيراماتسو ماهو)

الفن الفن المعاصر كابوكي الثقافة التقليدية