تعرف على قصة الجنرال هيغوتشي الذي أنقذ آلاف اليهود من الاضطهاد النازي

تاريخ اليابان

يعرف الكثيرون سوغيهارا تشيؤني، أو ”منقذ اليهود الياباني“ الذي كان يعمل في القنصلية اليابانية في ليتوانيا وساعد آلاف اللاجئين اليهود على الفرار من أوروبا التي سيطر عليها النازيون. لكن القليلين فقط سمعوا عن هيغوتشي كيتشيرو، وهو ملازم أول في الجيش الإمبراطوري الياباني، ساعد أكثر من 20 ألف يهودي على الهروب، وهو عمل معروف على نطاق واسع في المجتمع اليهودي. الآن، يعمل الناس معًا في كل من اليابان وإسرائيل والولايات المتحدة لتوسيع نطاق الاعتراف بإنجازاته.

تماثيل تكريماً للبطل

في الآونة الأخيرة، يقوم المزيد من الناس بالاعتراف بإنجازات الفريق هيغوتشي كيتشيرو (1888-1970)، الذي أنقذ حياة اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد الألماني قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وساعد في عرقلة الغزو السوفيتي لهوكايدو بعد قبول اليابان لإعلان بوتسدام.

أنشأ هيغوتشي ريوئيتشي، حفيد الملازم أول والأستاذ الفخري بجامعة ميجي غاكوين، لجنة لجمع الأموال من أجل إقامة تماثيل لتكريم إنجازات جده. تمتد جهوده لجمع التبرعات إلى ما وراء اليابان من خلال مناشداته للشعب اليهودي في إسرائيل والولايات المتحدة بالتبرع. تأمل المجموعة في كسب اهتمام أوسع لأعمال هيغوتشي كيتشيرو البطولية ونشر النوايا الحسنة دولياً.

من المفترض أن تكتمل التماثيل بحلول خريف عام 2022، على أن يُقام أحدها في إيزاناغي جينغو، وهو ضريح في جزيرة أواجي، مسقط رأس هيغوتشي، وآخر في هوكايدو في موقع لا يزال غير محدد يأمل هيغوتشي أن يكون مطلاً على الأقاليم الشمالية والجزر التي تطالب بها اليابان لكن روسيا تحتفظ بها منذ نهاية الحرب. المجموعة المكونة من 22 فرداً تضم أشخاصًا في أواجي وهوكايدو، جنبًا إلى جنب مع إدوارد لوتواك الخبير الأمريكي المشهور عالميًا في النظرية الاستراتيجية، والحاخام ميندي سوداكيفيتش رئيس المركز اليهودي شاباد في اليابان. لقد جمعوا حوالي 30 مليون ين من التبرعات.

في مارس/ آذار 1938، قام الجنرال هيغوتشي حينما كان قائد الفرع الخاص في مدينة هاربن في دولة مانشوكو (منشوريا حالياً) العميلة لليابان، بتمكين العديد من اللاجئين اليهود الفارين من ألمانيا النازية من عبور الحدود من مدينة أوتبور السوفيتية (زابايكالسك حاليًا) إلى مانشوكو. كما زودهم بالطعام والوقود ورتب لهم عبور المنطقة. كان هذا قبل عامين من إصدار سوغيهارا تشيؤني 6000 تأشيرة دخول للاجئين اليهود عندما كان نائب القنصل في القنصلية اليابانية في كاوناس، ليتوانيا.

في ذلك الوقت، سُمح لليهود الذين يحملون الجنسية الألمانية بعبور شنغهاي، لكن وزارة الخارجية في مانشوكو رفضت مرورهم لقلقها على العلاقات اليابانية الألمانية. إلا أن هيغوتشي أصر على أن اليابان ليست دولة تابعة لألمانيا، وبالمثل فإن مانشوكو اليابانية أيضاً لا تتبع ألمانيا، ونجح في إقناع الحكومة اليابانية والسلطات العسكرية بفتح طريق للهروب إلى شنغهاي، مما أدى إلى زيادة عدد اللاجئين الذين اختاروا هذا الطريق. يذكر الكتاب الذهبي، الذي يسجل أسماء الأشخاص الذين ساعدوا الشعب اليهودي والذي يحتفظ به الصندوق القومي اليهودي في القدس بشكل دائم، أنه تم إنقاذ 20 ألف شخص.

التعاطف مع المحنة اليهودية

لماذا عمل هيغوتشي على إنقاذ اليهود؟ قبل عملية الإنقاذ في أوتبور، أعرب هيغوتشي عن دعمه لفكرة تأسيس وطن للشعب اليهودي في المؤتمر اليهودي الأول في الشرق الأقصى الذي عقد في هاربن في ديسمبر/ كانون الأول 1937، مما يدل على تفهمه العميق وتعاطفه مع القضية اليهودية.

خلفية ذلك موصوفة في مذكراته المنشورة. في عام 1919، تم إرسال هيغوتشي كوكيل خاص إلى فلاديفوستوك، حيث نزل في منزل يهودي روسي، ومن خلال مناقشاته الليلية مع الشباب اليهود طوّر روابط قوية معهم وأصبح على دراية بالمشاكل التي يواجهونها. في عام 1925، تم إرساله كملحق عسكري إلى وارسو في بولندا حيث اكتسب نظرة دولية واسعة الأفق، وشهد هناك أيضًا التمييز والاضطهاد الذي يتعرض له اليهود الذين يشكلون ثلث سكان المدينة.

هيغوتشي كيتشيرو (في الأمام ناحية اليمين) أثناء تواجده كوكيل خاص في فلاديفوستوك. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)
هيغوتشي كيتشيرو (في الأمام ناحية اليمين) أثناء تواجده كوكيل خاص في فلاديفوستوك. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)

على الرغم من التمييز المحلي القوي ضد الأشخاص الملونين، قام اليهود بمساعدة وإيواء هيغوتشي وكذلك يوناي ميتسوماسا الضابط البحري الذي كان متمركزاً في وارسو منذ عام 1921، وهاياكوتاكي هاروكيئيتشي وهو ضابط بالجيش ذهب إلى بولندا في عام 1925 لدراسة تقنية كسر الشفرات مثل هيغوتشي. هيغوتشي، الذي لم ينس حسن الضيافة التي لاقاها، روى هذا لحفيده ريوئيتشي عندما كان يشرح له أسباب إقدامه على مساعدة الشعب اليهودي عندما كانوا في ورطة.

هيغوتشي كيتشيرو (الصف الأمامي، أقصى اليمين) خلال الفترة التي قضاها في وارسو، عندما طوّر الضباط العسكريون في اليابان وبولندا روابط قوية. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)
هيغوتشي كيتشيرو (الصف الأمامي، أقصى اليمين) خلال الفترة التي قضاها في وارسو، عندما طوّر الضباط العسكريون في اليابان وبولندا روابط قوية. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)

وفقًا لمذكراته، سافر هيغوتشي إلى منطقة القوقاز في جولة تفقدية عام 1928 وزار تيفليس (تبليسي حاليًا) في جورجيا، وهناك أخبره صاحب متجر ألعاب يهودي مسن عن اضطهاد اليهود ووصف إمبراطور اليابان بأنه ”منقذ للشعب اليهودي في وقت الحاجة“، وأثنى على تسامح الشعب الياباني.

مما لا شك فيه أن هذه التجربة كان لها تأثير عميق على هيغوتشي عندما ساعد اللاجئين اليهود. في عام 1937، تمركز لفترة وجيزة في ألمانيا، حيث ساورته مخاوف قوية بشأن نزعة معاداة السامية التي كانت لدى النازيين.

الدوافع الخفية لجهوده الإنسانية

بعد إرسال القوات إلى سيبيريا، أصبح هيغوتشي ضابط مخابرات مرموق. قام شيرائيشي ماساكي من قسم المحفوظات الدبلوماسية بوزارة الخارجية اليابانية بإجراء أبحاث مكثفة عن سوغيهارا تشيؤني. يعتقد شيرائيشي أن هيغوتشي ساعد اليهود الفارين من الاتحاد السوفيتي جزئيًا للحصول على معلومات استخباراتية. سعى شيرائيشي للحصول على مساعدة من خبراء أجانب لفحص صور اليهود الذين تم إنقاذهم عبر أوتبور، والعديد منهم كانوا من اليهود الروس.

كانت معاداة السامية قوية في روسيا كما كانت في ألمانيا النازية، حتى قبل تشكيل الاتحاد السوفيتي. في هاربن، كان هناك عداء متبادل قوي بين اليهود والمهاجرين الروس البيض، مما أدى إلى نزاعات متكررة. وفقا لشيرائيشي، كان سوغيهارا مدركا للوضع جيدا. في كتابه Sugihara Chiune: Jōhō ni kaketa gaikōkan (سوغيهارا تشيؤني: ضابط المخابرات بين الواجب والإنسانية)، يصف شيرائيشي جهود سوغيهارا في كاوناس، ليتوانيا، والتي تهدف إلى حماية اليهود من تهديد ستالين. لكنه يدعي أيضًا أن سوغيهارا كان عبقرية استخباراتية نجحت في استغلال عملاء المخابرات البولندية. إذا كان هيغوتشي كيتشيرو قد أنقذ اليهود لأغراض إنسانية واستخباراتية في نفس الوقت، فهذا يدل على كفاءته كعميل مناهض للسوفييت.

أثارت ألمانيا النازية اعتراضات مع اليابان، شريكها في ميثاق الكومنترن. لكن توجو هيديكي، رئيس هيغوتشي والذي كان رئيس أركان جيش كوانتونغ الياباني في ذلك الوقت، رفض الشكاوى الألمانية على أساس أن هيغوتشي كان يفعل ما هو إنساني فقط. في هذا الصدد يبدو أنه كان مقتنعًا بوجهة نظر هيغوتشي التي مفادها، هل يُعقل أن نكون مجرد خدم خانعين لهتلر وأن نشترك معه في اضطهاد الضعفاء؟ وكذلك حقيقة أن الحكومة اليابانية لم تؤيد الأيديولوجية العنصرية لألمانيا النازية، على الرغم من تحالف الجيشين.

تم تسجيل مآثر هيغوتشي في الكتاب الذهبي للصندوق القومي اليهودي، ولكن ليس على قدم المساواة مع سوغيهارا، الذي لقّب بالتقي بين الأمم، وهو أعلى تكريم يمنحه نصب ياد فاشيم التذكاري للمحرقة.

يذكر لوتواك أن العديد من اليهود البالغ عددهم 20 ألفًا الذين تم إنقاذهم عبر ”طريق هيغوتشي“ أصبحوا سفراء وعلماء في الولايات المتحدة وإسرائيل. في ذلك الوقت وسط حالة من عدم اليقين والاضطراب، لم يتحرك أحد في أوروبا لحماية اليهود ولا حتى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل. ونتيجة لذلك، قُتل 6 ملايين يهودي في الهولوكوست. لكن في المقابل، فإن مبادرة هيغوتشي الجريئة ”تستحق التكريم على نطاق واسع“. من خلال تقديم دعمه للاعتراف بهيغوتشي، يؤكد لوتواك أنه ”كان هناك جنود يابانيون جيدون لديهم معتقدات إنسانية“.

دانييل فريدمان (على اليمين)، ابن لاجئ يهودي هرب عبر “طريق هيغوتشي” يلتقي بهيغوتشي ريوئيتشي، الأستاذ الفخري في جامعة ميجي غاكوين وحفيد الراحل هيغوتشي كيتشيرو في تل أبيب، إسرائيل في 15 يونيو/ حزيران 2018 (جيجي برس).
دانييل فريدمان (على اليمين)، ابن لاجئ يهودي هرب عبر “طريق هيغوتشي” يلتقي بهيغوتشي ريوئيتشي، الأستاذ الفخري في جامعة ميجي غاكوين وحفيد الراحل هيغوتشي كيتشيرو في تل أبيب، إسرائيل في 15 يونيو/ حزيران 2018 (جيجي برس).

إحباط طموحات ستالين في هوكايدو

تم تعيين هيغوتشي في جيش المنطقة الخامسة الذي يتخذ من سابورو مقراً له، وعُهد إليه بحماية شمال اليابان بما في ذلك هوكايدو والأراضي اليابانية في جزر تشيشيما (كوريل) وجنوب سخالين، والتي أطلقت عليها اليابان اسم كارافوتو. في 18 أغسطس 1945، قاد الدفاع عن جزيرة شومشو ضد الغزو السوفيتي. تجاهلت مبادرة هيغوتشي الخاصة الأمر الإمبراطوري بوقف إطلاق النار بعد قبول اليابان لإعلان بوتسدام والمرسوم الإمبراطوري الذي أنهى الحرب. بصفته ضابط المخابرات الأول في الجيش المناهض للاتحاد السوفيتي، كان على دراية تامة بطموحاتهم.

هيغوتشي كيتشيرو (الصف الأمامي، الوسط)، يزور فرقة كارافوتو في أكتوبر/ تشرين الأول 1944 بصفته ضابطًا آمرًا في جيش المنطقة الخامسة. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)
هيغوتشي كيتشيرو (الصف الأمامي، الوسط)، يزور فرقة كارافوتو في أكتوبر/ تشرين الأول 1944 بصفته ضابطًا آمرًا في جيش المنطقة الخامسة. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)

 هيغوتشي كيتشيرو (في الوسط)، يتفقد منطقة التندرا في شمال كارافوتو (سخالين) بصفته ضابطًا آمرًا في جيش المنطقة الخامسة. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)
هيغوتشي كيتشيرو (في الوسط)، يتفقد منطقة التندرا في شمال كارافوتو (سخالين) بصفته ضابطًا آمرًا في جيش المنطقة الخامسة. (إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)

في مؤتمر يالطا، قبل سبعة أشهر من توقيع اليابان على صك الاستسلام، أبرم الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين اتفاقًا سريًا يصدق على نيته في احتلال كارافوتو وجزر الكوريل وهوكايدو. في 16 أغسطس/ آب، قام بمطالبة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالسماح للاتحاد السوفيتي باحتلال هوكايدو، شمال الخط الفاصل بين روموي وكوشيرو. ورغم أن طلبه قوبل بالرفض، إلا أنه أصدر أوامره لإعداد فيلق رايفل رقم 87 المتمركز في سخالين لغزو اليابان.

أعطى هيغوتشي أوامر بمقاومة القوات السوفيتية التي هبطت في جزيرة شومشو في 18 أغسطس/آب، مما أدى إلى تأخير الاستيلاء السوفياتي على جزر الكوريل وإحباط خططهم لغزو هوكايدو. بعد أن فقد الأمل في الاستيلاء على الجائزة الكبرى، وجه ستالين القوات من جنوب سخالين للانتشار في إيتوروفو، ونجح السوفييت في الاستيلاء على جزر كوناشيري وشيكوتان وهابوماي دون إراقة الدماء. ويستمر احتلال الروس غير القانوني لهذه الجزر حتى يومنا هذا. بدون تصميم هيغوتشي على شن هجوم مضاد، من المحتمل جدًا أن السوفييت كانوا سيغزون اليابان لتتحول على أيديهم إلى دولة مقسمة.

النجاة من المحاكمة كمجرم الحرب

مع تلاشي آماله، سعى ستالين إلى تسليم هيغوتشي إلى محكمة جرائم الحرب بطوكيو (المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى) لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولكن تم نقض هذا من قبل الجنرال دوغلاس ماك آرثر القائد الأعلى لقوات الحلفاء.

يتكهن البعض أن هذا كان بسبب معارضة المؤتمر اليهودي العالمي. لكن في مذكراته، ذكر هيغوتشي أنه بعد الحرب وأثناء استجوابه، أخبره أحد ضباط فيالق الاستخبارات الوقائية الأمريكية أن البريطانيين هم الذين دعموه، مما حال دون اعتقاله ومحاكمته كما أراد السوفييت.

وروى هيغوتشي أنه أثناء وجوده في بولندا، عمل مع البريطاني إدموند أيرونسايد الذي كان حينها لواءً. تضمنت تفاعلاتهم عمليات التفتيش ومشاركة المعلومات الاستخبارية فيما يتعلق بالسوفييت. تمت ترقية أيرونسايد في وقت لاحق إلى منصب رئيس هيئة الأركان العامة الإمبراطورية برتبة مشير، لذلك اعتقد هيغوتشي أن أيرونسايد هو من ضغط على ماك آرثر ليتساهل معه ويرأف به.

أدى التعاون بين اليابان وبولندا في علم التشفير، والذي بدأ مع إرسال هيغوتشي، إلى تحسينات كبيرة في علم التشفير الياباني بينما تطورت مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع بولندا منذ عهد سوغيهارا. قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، زودت بولندا الملحق العسكري الياباني في السويد، أونوديرا ماكوتو، بتفاصيل اتفاقية يالطا السرية للاتحاد السوفيتي لدخول الحرب ضد اليابان. يفسر عمل هيغوتشي الرائد في هذا المجال موهبته الطبيعية كضابط استخبارات مناهض للاتحاد السوفيتي.

بسبب مسيرته العسكرية، لم يحظ هيغوتشي كيتشيرو باعتراف دولي واسع مثل الدبلوماسي سوغيهارا تشيؤني. ولكن في 9 يوليو/ تموز 2021، عُقدت ندوة بمناسبة إطلاق لجنة تكريم الفريق هيغوتشي كيتشيرو. كمواطن ياباني، يسعدني أن أرى إعادة التقييم العالمي لشخص الفريق هيغوتشي.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الفريق هيغوتشي كيتشيرو. إهداء من هيغوتشي ريوئيتشي)

العلاقات اليابانية الأمريكية الحرب العالمية الثانية الحكومة اليابانية الساموراي