تعرف على غاندام هاثاواي فلاش.. أحدث أفلام غاندام من إخراج تومينو يوشييوكي

نظرة عالمية مستمرة لغاندام

طرح فيلم ’’البدلة المتحركة غاندام: وميض هاثاواي‘‘ ”غاندام هاثاواي فلاش“ في دور السينما في اليابان وفي مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي في 11 يونيو/حزيران. والفيلم مستوحى من رواية ظهرت لأول مرة في عام 1989، وقد بيع من تلك الرواية ذات الأجزاء الثلاثة 1.3 مليون نسخة حتى الآن. لقد استغرق الأمر أكثر من 30 عاما حتى يتم تكييف الرواية إلى فيلم يعرض على الشاشة الكبيرة. ولكن ما الذي يعطي الأهمية لهذه القصة؟ أو بعبارة أخرى، لماذا ظل غاندام مشهورا لفترة طويلة؟

عرض ’’البدلة المتحركة غاندام‘‘ لأول مرة كمسلسل رسوم متحركة تلفزيوني في عام 1979. وتدور أحداثه فيما يسمى القرن العالمي وهو وقت مستقبلي تستعمر فيه البشرية الفضاء الخارجي. تدور أحداث القصة حول الحرب التي شنتها مقاطعة زيون –مستعمرة فضائية– لنيل الاستقلال عن حكومة اتحاد الأرض. تنخرط الشخصية الرئيسية في المسلسل –أمورو ري– في الصراع وينتهي بها الأمر للانضمام إلى جيش اتحاد الأرض. ويصبح أمورو بعد ذلك ربانا لبدلة متنقلة (وهو المصطلح المستخدم في المسلسل للإشارة إلى أسلحة روبوتية عملاقة تشبه البشر في شكلها) تسمى غاندام، وينضم إلى المعركة ضد زيون.

من أكثر العناصر الجديدة في العمل هي نظرته العالمية. عندما عرض لأول مرة كانت الرسوم المتحركة لا تزال تصنع في المقام الأول للأطفال، مع تمييز واضح باستمرار بين الخير والشر. وبالطبع كان البطل يقف إلى جانب الخير أما العدو فكان إلى جانب الشر، وإن كان اتحاد الأرض في البدلة المتحركة غاندام ليس ’’إلى جانب الخير‘‘ بشكل واضح لأنه يرفض الاعتراف باستقلال مستعمرات الفضاء الخارجي. من ناحية أخرى، يحاول رواد الفضاء استخدام تكتيك لا إنساني يتمثل في إسقاط مستعمرة مدارية كاملة على الأرض.

وفي حين أن البالغين المسؤولين عن إدارة هذه الحرب يخوضونها وفق معتقداتهم الخاصة عن الصواب والخطأ، يُجبر الشباب على القتال فقط لإبقاء أنفسهم ومن حولهم على قيد الحياة. هذا هو لب الصراع في السلسلة الأولى من البدلة المتحركة غاندام.

كان العمل مبتكرا لكنه لم يتمكن من الاستحواذ على اهتمام الجماهير في البداية، وانتهى عرضه قبل الموعد المخطط له. ولكن استمر في كسب معجبين حتى بعد وقف عرضه، وازدادت شعبيته مع إطلاق نماذج غاندام البلاستيكية. وفي وقت لاحق وجدت ثلاثية أفلام من العمل طريقها إلى دور السينما، وأصبح غاندام ظاهرة هائلة وصلت إلى حالة تقاسم الخبرات بين الأجيال.

غاندام، البدلة المتحركة التي أحبها الشاب البسيط أمورو ري في المسلسل الأصلي ’’البدلة المتحركة غاندام‘‘.

إن المكانة الاجتماعية للسلسلة الكرتونية من حيث تأثيرها على المراهقين والشباب في ذلك الوقت، فضلا عن الحب الدائم الذي يشعرون به تجاهها، مشابه لثلاثية حرب النجوم الأصلية 1977-1983 لجورج لوكاس، حيث لا تزال تتم الإشارة إلى الكثير من مشاهدها الشهيرة وتحظى بالتوقير في الأعمال الحديثة. وعلى غرار عبارة دارث فيدر من حرب النجوم ’’أنا والدك!‘‘ والتي ترسخت في أذهان المعجبين، تُستخدم الكثير من العبارات من سلسلة غاندام بشكل شبه يومي، مثل ’’حتى والدي لم يضربني أبدا!‘‘ و’’لقد استخدمني كنقطة انطلاق!‘‘. حتى أن هناك كتاب أعمال ناجح صدر مؤخرا بعنوان ’’شار أزنابل في تقنيات الأعمال لتجاوز المحن‘‘ يستند إلى المنافس الرئيسي للشخصية.

يشهد عالم حرب النجوم باستمرار إصدارات جديدة، كما هو الحال مع البدلة المتحركة غاندام. هاثاواي هو أحدث جزء رسمي من السلسلة، ولا تدور أحداثه في نفس القرن العالمي مثل العمل الأصلي فحسب، بل إنه يرث نفس النظرة العالمية والعديد من الشخصيات الأصلية. حتى أنه مستوحى من روايات كتبها المبتكر الأصلي للسلسلة، تومينو يوشييوكي.

مسيرة إبداعية انطلقت من ’’موشي برودكشن‘‘

ولد تومينو في عام 1941 والذي يوافق أيضا العام الذي شهد ولادة شخصية أخرى من عمالقة الرسوم المتحركة في طوكيو وهو ميازاكي هاياو.

يحتفل تومينو بعيد ميلاده الثمانين في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وينطلق معرض لأعماله ووجهات نظره بعنوان ’’عالم تومينو يوشييوكي‘‘ في جولة تجوب أرجاء اليابان منذ عام 2019. وستكون المحطة القادمة في متحف نييتسو للفنون في محافظة نييغاتا اعتبارا من 4 سبتمبر/أيلول (حقوق الصورة لجيجي برس).

درس تومينو صناعة الأفلام في الجامعة، ثم انضم إلى استوديو الرسوم المتحركة ’’موشي برودكشن‘‘ لتيزوكا أوسامو في عام 1964. وكان ذلك العام الوحيد الذي وظفت فيه الشركة طلابا قبل تخرجهم.

عمل تومينو في البداية مساعد إنتاج. ووفقا لسيرته الذاتية بعنوان ’’لذلك أنا ...الطريق إلى غاندام‘‘، فإن كل مهامه كانت تتمثل في نقل البريد كأن يجمع وينقل السيناريوهات المكتملة واللوحات القصصية والرسومات الأصلية. ولكن خلال الأشهر الستة الأولى من عمله كمساعد إنتاج، حازت لوحة قصصية قام برسمها لـ’’الفتى أسترو (كوكي)‘‘ على اهتمام تيزوكا، وتمت ترقية تومينو إلى منصب مخرج حلقات. وبعد نقله إلى قسم الإخراج أصبح مخرج الحلقات الرئيسي لمسلسل كوكي التلفزيوني.

تحول لاحقا إلى العمل بشكل مستقل، وفي تلك الأيام اكتسب تومينو شهرة كبيرة بسبب الطاقة التي كان يظهرها لدرجة أن الناس قالوا إنه ’’يهدف إلى إنهاء ألف لوحة قصصية‘‘. وجاءته أخيرا فرصته الأولى لإخراج عمل كامل مع سلسلة ’’تريتون البحر‘‘ عام 1972.

هناك قول مأثور في عالم الإبداع مفاده أن ’’الظهور الأول يعكس كل شيء‘‘، ويمكن إسقاط ذلك المثل على صناعة السينما أيضا. كان تريتون البحر أول عمل لتومينو في الإخراج، ومن الواضح أن الكثير من العناصر التي ظهرت لاحقا في غاندام كانت موجودة فيه.

قال تومينو نفسه عن تريتون: ’’كانت طريقة تفكيري الأساسية هي نفسها كما في غاندام. إنها حقا عقيدة غاندام‘‘. إذن، ما هو جوهر تلك العقيدة؟ في سيرته الذاتية بعنوان ’’لذلك أنا ...الطريق إلى غاندام‘‘ كتب تومينو ’’ما هو ’الشر‘ على وجه التحديد؟ كل هذا يتوقف على منظور الفرد. وعلى القدر‘‘.

تدور أحداث تريتون البحر حول صبي من قبيلة تريتون تحت سطح البحر وقد أبيدت على يد قبيلة بوسيدون العنيف والحرب التي شنها عليهم. تحارب الشخصية الرئيسية من أجل الانتقام ولإحلال السلام، والذي يبدو في البداية وكأنه سبب وجيه، لكنه في النهاية يشك في دوافعه ويدرك أنه ربما كان مخطئا طوال الوقت.

وهكذا فإن الشر مسألة وجهة نظر. بالطبع فإن هذا يعني أن الخير وجهة نظر كذلك، وبالتالي يمكن أن تتغير القيم مع الوقت أو مع تغير وجهة النظر. لم يقدم تومينو قصة عن الخير المطلق، وعوضا عن ذلك ركز على كفاح صبي من أجل البقاء حتى وهو يتصارع مع الشكوك التي تجول في صدره. حتى عندما صنع تومينو قصة للأطفال فقد أخذ موضوعه على محمل الجد ورفض المساومة على رؤيته. هذا هو نفس النهج الذي اتبعه في غاندام، وهو أحد الأسباب التي جعلت عمله لا يزال جديدا حتى بعد مرور كل هذه السنوات.

حرب الفضاء بين البشر

بعد الشعبية الجارفة التي حازت عليها سلسلة البدلة المتحركة غاندام، صدرت سلسلة لاحقة بعنوان ’’البدلة المتحركة زيتا غاندام‘‘ في عام 1985.

صدرت سلسلة ’’البدلة المتحركة زيتا غاندام‘‘ بعد 7 سنوات من العمل الأول. ودخلت الشخصية الرئيسية –كاميل بيدان– في الحرب مرتديا بدلة زيتا غاندام المطورة حديثا.

انتصرت قوات اتحاد الأرض في الحرب. لكن ظلت قضية الاستقلال الذاتي لمستعمرات الفضاء دون حل، وواجهت قوات اتحاد الأرض المنتصرة انقساما متزايدا بين الليبراليين وجماعات أقصى اليمين، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية. وبالمصطلحات الحديثة فإن ذلك سيكون بمثابة صراع داخلي بين معتدلين ومتشددين حول سياسة الهجرة. وكما نوه العالم السياسي الأمريكي جوزيف ناي في كتابه ’’فهم الصراعات الدولية‘‘، فإن ’’المتشددين يتآزرون مع بعضهم البعض‘‘. عندما يبرز متطرفون على طرفي نقيض من قضية ما، فإنهم يشكلون ’’تحالفا فعليا عابرا للحدود‘‘، وبالفعل فإن جماعة من أقصى اليمين ضمن قوات اتحاد الأرض في هذه السلسلة حاولت بالفعل تشكيل تحالف مع فلول جيش زيون.

ثم في فيلم عام 1989 بعنوان ’’البدلة المتحركة غاندام: هجوم شار المضاد‘‘، حاولت فلول مقاطعة زيون كسر دائرة الكراهية ونقل الحرب إلى موطنها عبر إسقاط كويكب على الأرض لإجبار جميع الناس على الهجرة إلى الفضاء.

بات الصراع في هذا العمل حربا غير متكافئة بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية. حولت الولايات المتحدة انتباهها لأول مرة إلى هذا الشكل الجديد من الصراع بعد فترة من انهيار الاتحاد السوفيتي والذي تزامن مع نهاية الحرب الباردة في عام 1989، لذلك توقع غاندام أحداثا حقيقية بهامش كبير.

صدر ’’هجوم شار المضاد‘‘ بعد 14 عاما من العمل الأول. يعيد أمورو المعركة إلى عدوه اللدود شار في بدلة ’’نو غاندام‘‘.

صدر هاثاواي بعد 12 عاما أخرى من هجوم شار المضاد. لقد فشلت كل جولات الصراع في جعل العالم مكانا أفضل. حيث يستمر تدهور بيئة الأرض نتيجة الاحتباس الحراري، ولا يحق إلا للنخب داخل نظام الاتحاد التحرك كما يحلو لهم. أما الغالبية العظمى فهم الدخلاء الذين يجبرون على الخروج إلى الفضاء. بينما يبقى أبناء الأغنياء أغنياء، ويبقى أبناء الفقراء فقراء. تصبح الفوارق الاجتماعية ثابتة، ولم يعد لدى الأفراد القدرة على التحكم في مصائرهم. إنه مجتمع تتبع القوة الوحيدة فيه النظام اللاإنساني. وتجد الشخصية الرئيسية في العمل –هاثاواي نوا– نفسها مجبرة على الانضمام إلى حركة عنيفة مناهضة لقوات اتحاد الأرض من أجل إسقاط ذلك النظام. وحتى مع علمه بأن أساليبهم خاطئة، استمر في قيادة أحدث بدلة متنقلة ’’كوسوي غاندام‘‘ ضد الحكومة الاتحادية.

بدأ التاريخ في العالم الحقيقي ينحرف عن عالم غاندام، وأصبحت الحرب الآن تخاض عبر طائرات بدون طيار وعبر المعلومات. في حرب ناغورني كاراباخ عام 2020 على سبيل المثال، نشرت القوات الأذربيجانية طائرات بدون طيار وطائرات انتحارية ليست باهظة الثمن ومتوفرة تجاريا لهزيمة الجيش الأرمني. ولكن هذا لا يعني أن قصة هاثاواي المكتوبة منذ أكثر من 30 عاما، بعيدة كل البعد عن الزمن. إن فكرة مجتمع محبوس في حالة من اليأس بسبب بنية طبقية ثابتة تحمل إشارة تنذر بالسوء تجاه مستقبلنا المحتمل.

وكما أن عالمنا الحقيقي يزداد تعقيدا، يصبح عالم القصة متشابكا بشكل معقد في فسيفساء من الخير والشر، حيث لا توجد طريقة سهلة للتمييز بين الصواب والخطأ. ولكن مع إصدار الفيلم الجديد، من المرجح أن تثير حرب هاثاواي أسئلة جديدة حول مجتمعنا.

الشخصية الرئيسية لهاثاواي –مافتي نافو إيرين (هاثاواي نوا)– تقود أحدث طراز من غاندام، وهو نموذج قادر أخيرا على إجراء مناورات فردية في الغلاف الجوي.

الارتقاء بأنيمي الروبوتات إلى الفن

ميازاكي هاياو وتومينو يوشييوكي معاصران. ولكن بينما خرج ميازاكي من تويي أنيميشن، إحدى شركات إنتاج الرسوم المتحركة المرموقة في اليابان، استخدم استوديو موشي برودكشن الذي كان يعمل فيه تومينو نموذجا تجاريا يعتمد على تغطية تكاليف الإنتاج من خلال تسويق الشخصيات في أعمالهم.

ولكن هذا النموذج قد يقود بسهولة إلى عكس الأولويات، حيث تكون الوظيفة الأساسية للرسوم المتحركة هي بيع سلع. في الواقع لاقى النوع الرئيسي الذي ابتكره تومينو من الرسوم المتحركة الروبوتية العملاقة سخرية في الصناعة باعتبارها ’’أفلام ألعاب تجارية‘‘.

في إحدى المرات أجريت مقابلة معمقة مع مبتكري غاندام، وتحدثوا جميعا بصراحة عن الازدراء الكبير الذي تلقوه. ولكنهم قالوا إن ذلك شجعهم على العمل بجد أكبر للبرهان لمنتقديهم كم كانوا مخطئين.

أحد الأشياء المثيرة للإعجاب في تومينو هو أنه حتى في مواجهة النقد، لم يرضخ لمنتقديه ويبتعد عن التسويق. وفي الواقع لقد أصبح التسويق التجاري أساس تصميمات الروبوت الخاص به، حتى عندما نسج دراما بشرية صادقة حولهم. لقد شق أرضية جديدة وحقق توازنا غير مسبوق بين قطبين متناقضين في كثير من الأحيان: المرح والعمق.

كان لأعمال تومينو تأثير هائل على المبدعين في وقت لاحق. فعلى سبيل المثال، كتب أنّو هيديأكي مخرج نيون جينيسيس إيفانجيليون كتابه لدراسة سر جاذبية هجوم شار المضاد.

أصبح مجال الترفيه في العالم الحديث مكانا تتركز فيه الأموال والمواهب بشكل هائل. وقد سارت تنمية هذا القطاع على خطى تومينو في السعي لتحقيق كل من النجاح التجاري والتعبير الفني. ويبدو من الطبيعي جدا بالنسبة لأولئك المبدعين الذين جاؤوا بعد ذلك أن يعطوه مثل هذا التقدير الكبير.

بعد الإرجاء لمرتين، صدر فيلم ’’البدلة المتحركة غاندام: هاثاواي‘‘ في أرجاء اليابان في 11 يونيو/حزيران. إن قلة التركيز على البدلات المتحركة في الإعلان عن الفيلم تشير كيف أن الفيلم تجاوز مرحلة أن يكون مجرد رسوم متحركة عن الروبوتات.

يمكن مشاهدة الجزء الأول من الفيلم باللغة اليابانية على القناة الرسمية غاندام على اليوتيوب.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الصورة التشويقية الأولى لفيلم البدلة المتحركة غاندام: هاثاوي. حقوق جميع الصور لسوتسو/سنرايز ما لم يذكر خلاف ذلك)