نظرة صحفية من داخل ”الفقاعة الأولمبية“: على طوكيو 2020

طوكيو 2020

تسببت جائحة كورونا في أن تكون أولمبياد طوكيو حدثًا رياضيًا غير مسبوق بكل ما تعنيه الكلمة، بدءًا من الملاعب الرياضية الخالية من المتفرجين إلى الإجراءات الصارمة للوقاية من عدوى كورونا التي جرى فرضها في المرافق الرياضية. مراسلة مخضرمة قامت بالتغطية الإخبارية على مدار 9 أولمبياد، صيفية وشتوية، تتحدث عن تجربتها في طوكيو 2020.

الألعاب وسط محاذير كثيرة

لقد تحدت ألعاب طوكيو 2020 التوقعات في النهاية. وانتهت الألعاب الأولمبية، التي تم تأجيلها لمدة عام حتى صيف 2021، دون أي زلازل أو أعاصير خطيرة. وانتهت الألعاب أيضًا بدون وجود حالات عدوى جماعية، حتى مع ارتفاع الحالات في العاصمة، وهو دليل على الجهود المستمرة للعاملين والمشاركين لدعم التدابير الوقائية. وتحت حراسة ما يسمى بالفقاعة الأولمبية، قدم الرياضيون كل ما لديهم في ميدان المنافسات، ليثبتوا للعالم قوة الرياضة في الحركة والإلهام.

وأثناء مشاركتي في الألعاب الأولمبية، كان شاغلي الأكبر هو حماية نفسي من كورونا، بصرف النظر عن القلق الواضح بشأن صحتي ورفاهيتي، فإن إصابتي بالمرض سيكون كارثيًا بالنظر إلى طبيعة عملي كمراسلة إخبارية، لأنه سيمنعني من تغطية الألعاب. ومن خلال عملي كصحفية، كان لي شرف تقديم تقارير عن المسابقات شخصيًا، بينما حرم حتى أفراد عائلات المنافسين المقربين أو الشخصيات المهمة الأخرى من القدوم إلى طوكيو، وكنت مصممة على الحفاظ على بطاقتي الصحفية الثمينة بأي ثمن.

وتمكّن أعضاء الهيئة الصحفية الأولمبية من الحصول على التطعيم مبكرًا، لذا تلقيت جرعتي الثانية في منتصف شهر يوليو/ تموز. ومع ذلك، فقد طُلب مني كل صباح تقديم تقارير صحية عبر تطبيق على الهاتف الذكي يعرض معلومات تفصيلية مثل درجة حرارتي وحالتي العامة وما إذا كنت على اتصال وثيق مع أي شخص قد أصيب بفيروس كورونا. وإذا كنت شُغلت أو نسيت الأمر لوهلة، فستصل رسالة بريد إلكتروني في الظهيرة تحذرني من السهو عن أداء واجبي في الإبلاغ. وكان تجديد بيانات الاعتماد الصحفية الخاصة بي كل يوم يعتمد على التطبيق الذي يؤكد أنني قد استوفيت جميع الشروط المطلوبة، لذا من البديهي، قمت بالتزاماتي بشكل جاد.

 محطة اختبار بي سي أر في المركز الصحفي الرئيسي للألعاب، وتقع في مجمع معارض طوكيو بيغ سايت، جيجي برس.
محطة اختبار بي سي أر في المركز الصحفي الرئيسي للألعاب، وتقع في مجمع معارض طوكيو بيغ سايت، جيجي برس.

وإلى جانب هذه البروتوكولات اليومية، كان علي أيضًا تقديم عينة من اللعاب مرة كل أربعة أيام لاختبار كورونا. وكان هذا يعني القيام برحلة إلى طوكيو بيغ سايت، وهو عبارة عن أرض معارض مترامية الأطراف تضم المركز الصحفي الرئيسي للألعاب، لالتقاط باقة أدوات جمع عينات اللعاب في محطة اختبار بي سي أر هناك.

وعلى الرغم من كونها عملية مرهقة، فقد نجحت الإجراءات في منع تفشي عدوى كورونا في الأولمبياد. وتم الإبلاغ عن إجمالي 430 حالة متعلقة بالألعاب بداية من 1 يوليو/ تموز، عندما دخلت الإجراءات الرسمية حيز التنفيذ، حتى حفل الختام في 8 أغسطس/ تموز. وكانت غالبية حالات العدوى هذه، 236 حالة، تخص موظفين عاملين في شركات متعاقدة من الباطن، ثم عدد 109 حالة إصابة تخص أشخاص على علاقة بالألعاب، بواقع 29 رياضيًا، 25 عضوًا في وسائل الإعلام، 21 متطوعًا، و 10 موظفين من الهيئة المنظمة طوكيو 2020. وذكرت اللجنة الأولمبية الدولية أن معدل الإصابات المتعلقة بالألعاب في يوليو/ تموز كان بنسبة 0.02٪ فقط، وهو إنجاز جدير بالثناء بالنظر إلى حقيقة أن اليابان، مثلها مثل دول أخرى في جميع أنحاء العالم، شهدت خلال نفس الفترة ارتفاعًا قياسيًا في عدد الحالات.

التدابير في أماكن المنافسات الرياضية

أصدرت اللجنة المنظمة ”كتيبات قواعد اللعب“ لجميع المشاركين في الألعاب، مع تحديد القواعد والإجراءات المخففة لمشاركتهم. وعلى سبيل المثال، تم استخدام نظام الحجز للتحكم في عدد العاملين في وسائل الإعلام في الأحداث. وكان على المراسلين الراغبين في تغطية المسابقة تقديم طلب مسبق ثم تقديم رسالة التأكيد الواردة في الرد مع بطاقة التعريف الصحفي الخاصة بهم في مكان إقامة هذه المنافسات في يوم انعقادها. وبالإضافة إلى ذلك، تم تجهيز المداخل برذاذ الكحول لتطهير الأيدي، والكاميرات الحرارية لفحص درجات الحرارة، وهي خطوات أصبحت، إلى جانب فحوصات سلامة الحقائب، جزءًا من الروتين الخاص بالألعاب.

وكان ارتداء الكمامات الطبية بالطبع إلزاميًا في جميع الأماكن. وكانت هناك تقارير في وسائل الإعلام اليابانية قبل بدء الألعاب عن قيام صحفيين أجانب بخلع كمامات الوجه، لكنني لم أشهد مثل هذه الانتهاكات. والحالات الوحيدة التي رأيت فيها أشخاصًا مكشوفين كانت في أماكن مخصصة لتناول الطعام، ولكن حتى ذلك الحين امتنع معظم الأفراد عن التحدث إلى زملائهم أثناء تناولهم الطعام.

 عمل الصحفيين داخل المركز الإعلامي في أريئاكي أربان بارك، المكان المخصص لمنافسات التزلج فعاليات مسابقات دراجات بي أم إكس. جيجي برس.
عمل الصحفيين داخل المركز الإعلامي في أريئاكي أربان بارك، المكان المخصص لمنافسات التزلج فعاليات مسابقات دراجات بي أم إكس. جيجي برس.

وجرى تطبيق قواعد التباعد الجسدي في غرف العمل الإعلامي، والمناطق التي يستعد فيها المراسلون للأحداث وتحضير تغطيتهم عن المنافسات، وكذلك في ما يسمى بالمناطق المختلطة التي تم إعدادها لإجراء مقابلات مع الرياضيين. وأثناء العمل، كان من المتوقع أن يترك الصحفيون كرسيًا فارغًا بينهم وبين الشخص المجاور لهم، على الرغم من أن هذا لم يكن عمليًا دائمًا. وكانت مراقبة بروتوكولات التباعد أقرب إلى المستحيل في المناطق المختلطة، حيث يتزاحم الأفراد لالتقاط الصور أو طرح الأسئلة على الرياضيين. ومع ذلك، كان المكان أقل ازدحامًا بكثير مما كان عليه في الأحداث التي حضرتها قبل انتشار الجائحة. ووقف الرياضيون بعيدًا عن المعتاد، لكن مكبرات الصوت المتصلة بميكروفونات المقابلة جعلت من السهل نسبيًا سماع تعليقاتهم. وشخصياً وجدت أن المقاييس تحسنت عن الوضع المعتاد في تغطية المسابقات الرياضية.

وإلى جانب التباعد، تم حث الناس على تطهير أيديهم بشكل متكرر، وتم تزويد الأماكن جيدًا بزجاجات مطهرات الكحول. تم تنفيذ جهود التعقيم أيضًا من قبل مجموعات من المتطوعين وغيرهم من الموظفين، الذين قاموا، في استعراض رائع من عمليات الرش والتنظيف، بمسح أي سطح يمكن أن يتصوره الشخص.

كانت إحدى نقاط الضعف الواضحة في الفقاعة الأولمبية هي النقل من وإلى أماكن الإقامة والفعاليات. وعلى الرغم من وجود مجموعة واحدة من الحافلات للرياضيين وموظفي الفريق وأخرى لأعضاء وسائل الإعلام الأجنبية، لسبب غير مفهوم، سُمح للصحفيين اليابانيين باستخدام وسائل النقل العام، وبالتالي زيادة نقاط الاتصال مع المصادر الخارجية المحتملة للعدوى. كما تشير حقيقة أنه تم الإبلاغ عن عدد قليل جدًا من الحالات إلى أن التعقيم والتدابير الأخرى كانت فعّالة على النحو المنشود.

 يقوم العاملون بتعقيم الحلبة بعد مباراة في ماكوهاري ميسّي، حيث أقيمت مسابقات المصارعة. جيجي برس.
يقوم العاملون بتعقيم الحلبة بعد مباراة في ماكوهاري ميسّي، حيث أقيمت مسابقات المصارعة. جيجي برس.

أولمبياد الجوع

تقام الألعاب الأولمبية وفقًا لجدول زمني ضيق للغاية، ولمواكبة الأحداث المتلاحقة والالتزام بالمواعيد النهائية، يجب على المراسلين تناول الطعام حسبما يتيح لهم ذلك جدول المسابقات. وأثار ذلك مشاعر التعاطف لدي مع زملائي من الصحفيين الأجانب، الذين تبقت أمامهم خيارات قليلة لتناول الطعام بسبب التدابير المفروضة لمكافحة العدوى. وغالبًا ما تغلق المطاعم وقاعات الطعام المتاحة لتناول الطعام مبكرًا، لذا قد يجد المرء نفسه بعد يوم طويل من العمل الصحفي دون مكان لإشباع البطون الهادرة. وتوفر غرف العمل الإعلامي قدرًا يسيرًا من الراحة من خلال تقديم المشروبات الساخنة والباردة بالإضافة إلى المأكولات الخفيفة مثل السندويشات المجهزة والمغلفة مسبقًا. وعلى الرغم من وجود تحسن مقارنة بدورات الألعاب الأولمبية السابقة، إلا أنه لا يمكن اعتبار أن هذه النقطة قد تم التغلب عليها بالكامل. ولا عجب إذن أن متاجر الكومبيني أصبحت شهدت إقبالًا كبيرًا من المراسلين الأجانب، كما ظهر في عدد لا يحصى من المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان التحدي الآخر هو تتبع جميع التطبيقات المختلفة التي يجب تحميلها، مثل تطبيق هيلث تشيك، الذي كان مجرد واحد من عدة منصات لمشاركة المعلومات واستقبالها. وكان أحد أكثر التطبيقات صعوبة هو تطبيق الوصول إلى خدمات الترجمة الفورية أثناء المؤتمرات الصحفية للفائزين بالميداليات. ولقد جاهدت أكثر من مرة خلال عملية تفعيل التطبيق، ومسح رمز الاستجابة السريعة المناسب واختيار اللغة المستهدفة، فقط لأكتشف أنني قد فاتني بداية الحدث.

وكانت تغطية دورة الألعاب الأولمبية بدون متفرجين تجربة غير عادية. فقد تم التغطية على عدم وجود الهمهمة المميزة للأماكن المزدحمة جزئيًا بأمور مثل تشغيل الموسيقى وإرشادات الإذاعة الداخلية متعددة اللغات، وحتى صوت المتنافسين أنفسهم التي كانت تبث عبر أنظمة الصوت. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك لحظات خيم فيها الصمت المخيف على المكان بشكل صارخ. وشعرت بهذا الأمر بشكل أكثر حدة أثناء تغطيتي لمنافسات تنس الطاولة، حيث سيطر الهدوء بين اللعب لدرجة أنه يمكن سماع دبّة النملة.

ولكن هذا لا يعني أن المدرجات كانت فارغة تمامًا. فقد شغل أعضاء الفرق الأولمبية المختلفة، إلى جانب المتطوعين والعاملين، بعض المقاعد. ويمكن أن يتراوح هذا العدد من حفنة من الأشخاص إلى عدة مئات من الأفراد، بحسب الحدث والرياضيين المتنافسين. وعلى سبيل المثال، ملأ المتفرجون، ومعظمهم من فريق الولايات المتحدة الأمريكية، المدرجات أثناء منافسة الجمباز الفني للسيدات، متحمسين لمشاهدة النجمة الأمريكية سيمون بايلز وهي تلعب على عارضة التوازن. وبعد أن انتزعت الميدالية البرونزية، قاموا بتحيتها من خلال تصفيق حار ثم غادروا جميعًا القاعة قبل بدء الحدث التالي.

وبالمثل، اجتذبت مباراة الميدالية الذهبية لكرة السلة للسيدات بين اليابان والولايات المتحدة حشدًا كبيرًا، معظمهم من المتطوعين الذين جاؤوا لمشاهدة المنافسات التي تجري في اليوم الأخير من الألعاب، وهي مكافأة صغيرة لجهودهم الهائلة خلال الدورة. وحتى مع وجود ما يقرب من 1000 شخص في المدرجات، إلا أن التباعد الجسدي لم يكن أبدًا مشكلة في الاستاد مترامي الأطراف.

الفريق الياباني لكرة السلة للسيدات يقف في حالة تأهب خلال افتتاح المباراة النهائية أمام الولايات المتحدة في 8 أغسطس/ آب في سايتاما سوبر أرينا. جيجي برس.
الفريق الياباني لكرة السلة للسيدات يقف في حالة تأهب خلال افتتاح المباراة النهائية أمام الولايات المتحدة في 8 أغسطس/ آب في سايتاما سوبر أرينا. جيجي برس.

التأمل في أحداث طوكيو 2020

سيكون من قبيل المبالغة القول إن دورة ألعاب طوكيو 2020 بدأت تحت أجواء من الريبة والشك. وكانت الأجواء في اليابان أقل من احتفالية، حيث أدت المخاوف بشأن جائحة كورونا إلى تآكل الدعم للألعاب، وتصدرت المجموعات التي تطالب بإلغاء الحدث الأخبار بشكل يومي تقريبًا. ولكن بمجرد إشعال الشعلة الأولمبية، تغير المزاج بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من وجود تقارير عن استقالة أعداد كبيرة من المتطوعين، إلا أن القوام الأغلب شارك في النهاية، مما ضمن سير المسابقات بسلاسة. كما استعد الجمهور أيضًا لهذا المشهد، حيث خرج السكان المحليون بالقرب من الأماكن التي خرجوا للترحيب بالرياضيين بلافتات صنعوها بأنفسهم. كما شوهدت حشود من المتفرجين على الجسور ومناطق أخرى تحاول إلقاء نظرة على الأحداث في الهواء الطلق.

وبصفتي مراسلة يابانية، شعرت بالفخر أثناء إقامة الألعاب. فقد كانت الأماكن والمناطق المحيطة آمنة ونظيفة، وعند تعطل شيء أساسي مثل المرحاض، كما هو حتمي في حدث ضخم مثل الألعاب الأولمبية، تعاملت فرق الصيانة على الفور مع المشكلة، مما قلل من حدوث أي الإزعاج للمشاركين.

وربما كان أكثر ما لفت انتباهي أثناء الألعاب هو جهود كل الأفراد من المشاركين من متطوعين وعاملين وصحفيين على حد سواء، للالتزام بالبروتوكولات والقواعد الكثيرة المتعلقة بتدابير كورونا. ولم يكن الأمر سهلاً، لكن الجهد المشترك من الجميع هو أكبر قصة نجاح للأولمبياد، وشيء يجب أن يفخر به كل من شارك بها.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الألعاب النارية تضيء سماء الاستاد الوطني في طوكيو خلال الحفل الختامي للأولمبياد في 8 أغسطس/ آب 2021. جيجي برس)

طوكيو الألعاب الأولمبية طوكيو 2020