تويوتا تسرع الخطى نحو مستقبل يركز على الهيدروجين مع التحول العالمي تجاه السيارات الكهربائية

علوم وتكنولوجيا

يكتسب التحول العالمي نحو المركبات الكهربائية زخما، حيث من المتوقع أن تتجاوز المبيعات من السيارات الكهربائية مبيعات السيارات الهجينة بحلول عام 2022. وقد ظل صانعو السيارات اليابانيون حتى الآن لاعبين ثانويين في السوق المتنامية بسرعة للسيارات عديمة الانبعاثات الغازية. وتسعى تويوتا إلى تضييق الهوة بعض الشيء مع أحدث نسخة من سيارتها ’’ميراي‘‘ التي تعمل بخلايا الوقود، بينما تشارك أيضا مع شركات يابانية أخرى لإبراز تكنولوجيا الهيدروجين.

المضي قدما مع الهيدروجين

شكلت ألعاب طوكيو الأولمبية والبارالمبية فرصة لتويوتا، التي حظيت بمكانة مرموقة باعتبارها شريكا عالميا للألعاب، لعرض أحدث ما تم التوصل إليه في تكنولوجيا النقل. ولكن جائحة فيروس كورونا أدت إلى إضعاف جهود شركة صناعة السيارات اليابانية، كما تسببت في تأجيل ألعاب طوكيو 2020 لمدة عام ثم أرغمت الشركة على سحب حملتها الإعلانية المتعلقة بالأولمبياد بسبب سوء الوضع جراء فيروس كورونا.

وعلى الرغم من تلك الانتكاسات، إلا أن تويوتا لفتت الانتباه إلى أسطولها المكون من حوالي 3700 سيارة رسمية، 90% منها تعمل إما كليا أو جزئيا بالكهرباء، ما ساعد بشكل كبير في تقليل البصمة الكربونية للألعاب. وإلى جانب سيارات هجينة مثل بريوس ومركبات كهربائية مثل حافلة النقل الكهربائية ذاتية القيادة e-Palette، نشرت تويوتا أيضا 475 سيارة من طراز ’’ميراي‘‘ تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.

من المتوقع أن يلعب الهيدروجين دورا متزايدا مع ابتعاد الدول عن الوقود الأحفوري في محاولة للحد من انبعاثات الكربون. ولكن لا يزال الطلب على الموديلات من سيارات الركاب التي تعمل بخلايا الوقود منخفضا، حيث تركز شركات صناعة السيارات بدلا من ذلك على الاستحواذ على حصة أكبر من سوق السيارات الكهربائية سريعة النمو. وعلى الرغم من التقدمات التكنولوجية الجديدة، تواجه تويوتا عقبات ضخمة في تسويق ميراي كبديل للمركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، لكنها لا تزال مصممة على المضي قدما في استراتيجيتها الخاصة بالهيدروجين.

الرهان على الهيدروجين

عندما حدد رئيس الوزراء (السابق) سوغا يوشيهيدي رسميا هدف اليابان في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، أكد على الهيدروجين باعتباره ’’تقنية رئيسية‘‘ في تلك الجهود. ومن بين أهداف الخطة الحكومية أن تكون جميع السيارات الجديدة المباعة بحلول عام 2035 من ’’السيارات الكهربائية‘‘، وهي فئة واسعة تشمل أي سيارة تعمل بمحرك كهربائي بما في ذلك السيارات الهجينة. إن زيادة نسبة السيارات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود مثل ’’ميراي‘‘ سيتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للهيدروجين في البلاد. وقد تعهدت الحكومة بزيادة العدد الحالي لمحطات التزود بالوقود من 150 إلى 1000 مع زيادة الإمداد المحلي من الهيدروجين إلى ما يصل إلى 3 ملايين طن بحلول عام 2030، ووضع هدف بتوسيع الإمداد إلى 20 مليون طن بحلول عام 2050.

تصدرت تويوتا عناوين الأخبار بإطلاقها ’’ميراي‘‘ عام 2014، وهي واحدة من أولى السيارات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود المتوفرة تجاريا. ومنذ ذلك الحين، كافحت شركة صناعة السيارات لزيادة حصة الموديل الجديد ولكن لم تتمكن الشركة حتى الآن إلا من بيع حوالي 11 الف سيارة فقط على مستوى العالم. أحد العوامل وراء ذلك هو سعر ميراي الباهظ الذي وصل إلى 7.4 مليون ين (حوالي 67 ألف دولار)، ما جعلها أكبر من ميزانية مشتري السيارات العاديين. كما أن العدد المنخفض لمحطات التزود بوقود الهيدروجين في معظم البلدان أدى إلى إفقادها بريقها مقارنة بالسيارات الأخرى عديمة الانبعاثات الغازية. في حين شكل حجم الإنتاج المنخفض ضربة أخرى لهذا الموديل، حيث لم تكن تويوتا قادرة إلا على تصنيع حوالي 3000 سيارة سنويا.

أحرزت شركة صناعة السيارات تقدما في معالجة بعض هذه المشكلات عندما أطلقت الجيل الثاني من ’’ميراي‘‘ في ديسمبر/كانون الأول عام 2020. حيث أعادت تويوتا تصميم نظام خلايا الوقود بحيث يحتوي على عدد أقل من المكونات الرئيسية وحسنت جوانب أخرى من السيارة، ما مكنها من خفض تكاليف الإنتاج بمقدار الثلثين وتعزيز القدرة التصنيعية إلى 30 ألف سيارة في السنة. تتميز سيارات ’’ميراي‘‘ الجديدة أيضا بمدى أطول بنسبة 30% حيث تقطع مسافة تصل إلى 850 كيلومترا بخزان واحد، ولها هيكل أطول وأعرض ويمكن أن تُقل خمسة ركاب بالغين، أي أكثر من سابقتها ذات الأربعة مقاعد. لا يزال سعر السيارة البالغ 7.1 مليون ين يجعلها استثمارا ضخما، ولكن بالنسبة لمقتني سيارة سيدان الفاخرة المتوفرة في السوق، فإن هدوء ميراي وقوتها وتصميمها الأنيق يجعلها خيارا جذابا.

منذ أبريل/نيسان عام 2021، جُهزت ميراي ببرنامج تويوتا الجديد المخصص لمساعدة السائق ’’قيادة متقدمة (Advanced Drive)‘‘. يشتمل النظام على ميزات أمان مثل مساعدة السائقين في الحفاظ على مسافة من المركبات الأخرى وتغيير المسارات أثناء السير على الطرق السريعة. تخطط الشركة لإدخال وظائف جديدة وتحسين أداء البرنامج عبر تحديثات دورية.

تعلق تويوتا آمالا كبيرة على هذا الموديل. فقد أشاد تاناكا يوشيكازو كبير مهندسي ميراي بتصميم السيارة ولفت الانتباه إلى مساحاتها الداخلية الفسيحة وسهولة قيادتها، بينما وصفت مائدا ماساهيكو مسؤولة التشغيل في تويوتا، السيارة بأنها تمهد الطريق للأجيال القادمة من السيارات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود.

تعاون بين عدة قطاعات

ميراي هي مجرد قمة جبل الجليد لاستراتيجية الهيدروجين بالنسبة لشركة تويوتا. فقد بدأت الشركة في توفير موديل صغير من نظام خلايا الوقود الخاص بسياراتها للشركات التي تعمل على تطوير وتصنيع منتجات خلايا الوقود في محاولة لمنحها دفعة بهدف تعزيز استخدام الهيدروجين في مختلف القطاعات. لقد صممت الموديل ليكون سهل الاستخدام من قبل مجموعة من الشركات المصنعة، بما في ذلك صانعو الآلات مثل المولدات الثابتة وكذلك الشركات العاملة في قطاع النقل، مثل شركات تصنيع الشاحنات والحافلات والقطارات والسفن.

وفي مارس/آذار من هذا العام، أعلنت تويوتا أيضا عن شراكة في المركبات التجارية مع كل من شركتها الفرعية هينو موتورز وإيسوزو موتورز من أجل تسريع تطبيق التطويرات في ما تصفه الشركة باسم تقنيات ’’CASE‘‘ والتي تشمل مجالات مثل القيادة الذاتية والمركبات الكهربائية. وفي يوليو/تموز أعلنت سوزوكي ودايهاتسو عن انضمامهما إلى تلك الشراكة لتوسيع التطبيق المحتمل لتكنولوجيا تويوتا المتعلقة بخلايا الوقود على مركبات من الشاحنات الكبيرة إلى المركبات التجارية الصغيرة.

تهدف تويوتا لبيع 8 ملايين سيارة في عام 2030، بما في ذلك مليونا سيارة تعمل بالكهرباء أو خلايا الوقود. ولكنها تستكشف أيضا تطبيقات جديدة للهيدروجين. ففي مايو/أيار أشركت الشركة سيارة كورولا مجهزة بمحرك هيدروجين في سباق فوجي سوبر تيك 24 ساعة في حلبة فوجي بمحافظة شيزوؤكا. تم تزويد السيارة ذات الأسطوانات الثلاث بوقود هيدروجين منتج من مصادر طاقة متجددة في حقل فوكوشيما لأبحاث الطاقة الهيدروجينية، وهي منشأة تم افتتاحها مؤخرا في ناميي بمحافظة فوكوشيما كجزء من خارطة طريق الحكومة لوضع طاقة الهيدروجين في مرحلة التطبيق.

وعلى عكس خلية الوقود التي تعتمد على التفاعل الكيميائي بين الهيدروجين والأكسجين لتوليد الكهرباء، يحرق محرك الهيدروجين العنصر بنفس الطريقة التي يحرقها محرك البنزين التقليدي. محركات الهيدروجين جذابة لمجموعة متنوعة من الأسباب، ليس أقلها قدرة صانعي السيارات على الاعتماد على تكنولوجيا محركات الاحتراق الحالية. لا يزال هناك عدد من العقبات التي يتعين تجاوزها قبل أن تتمكن تويوتا من توفير موديل تجاري، بما في ذلك زيادة إنتاج الطاقة وتصميم المكونات لتحمل درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن احتراق الهيدروجين. بيد أن هذا المجال يتيح لصانعي المكونات الذين يرون أن سبل معيشتهم مهددة بالتحول إلى السيارات الكهربائية، آفاق عمل جديدة، كما يعد السائقين بتجربة قيادة أكثر تقليدية مماثلة لقيادة السيارات ذات المحركات الكهربائية الأكثر هدوءا.

طورت تويوتا محرك الهيدروجين الخاص بها من محرك البنزين لسياراتها من موديل GR Yaris، بالتعاون مع شركاء في جوانب مختلفة من المشروع. تعاونت الشركة مع شركة تصنيع المكونات دينسو لتطوير صمامات حقن الوقود خاصة ومع الشركة التجارية تويوتا تسوشو ومزود خدمات الطاقة إيواتاني كوربوريشن وشركة المواد الكيميائية تاييو نيبّون سانسو لإنشاء محطات متنقلة للتزويد بوقود الهيدروجين.

تنافست سيارة كورولا المزودة بمحرك هيدروجين خلال الصيف في فعالية استمرت يومين على حلبة أوتوبوليس بمحافظة أويتا وذلك في إطار سلسلة سباقات التحمل سوبر تايكيو. اشترت تويوتا الهيدروجين للسباق من محطة يديرها المقاول العام أوباياشي كوربوريشن وهي جزء من البرنامج التجريبي للشركة يهدف إلى إثبات جدوى إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الحرارية لجوف الأرض وشحنه عبر طرق برية.

تقع المحطة في جبال أويتا، حيث تستغل مصادر مائية حرارية شديدة السخونة على عمق نحو 700 متر تحت السطح لتشغيل توربينات، وتُستخدم الكهرباء المتولدة لإنتاج الهيدروجين. إن تعزيز إنتاج ما يسمى بالهيدروجين الأخضر الذي يُنتج بدون وقود أحفوري، يعيقه انعدام الثقة بمصادر الطاقة المتجددة. ولكن مشروع أوباياشي، الذي يوفر أيضا الهيدروجين لمحطات الوقود حول كيوشو، يتطلع إلى توفير نموذج أخضر للإنتاج المحلي من أجل الاستهلاك المحلي.

أول ناقلة للهيدروجين المسال

استخدمت تويوتا أيضا سيارة السباق كورولا لاستكشاف سبل لشراء الهيدروجين من مصادر خارجية. بالنسبة لسباق التحمل في سبتمبر/أيلول على حلبة سوزوكا بمحافظة ميي، استخدمت تويوتا وقود هيدروجين مستوردا من أستراليا ومنتجا بتكلفة منخفضة من الليغنيت (الفحم البني)، وهو فحم حجري منخفض الجودة.

المحطة التي تنتج الهيدروجين هي جزء من مشروع تجريبي تشارك فيه شركات مثل كاواساكي للصناعات الثقيلة وإيواتاني كوربوريشن وشركة تطوير الطاقة الكهربائية (تعمل تحت اسم ’’J-Power‘‘)، من أجل تطوير سلسلة إمداد دولية للهيدروجين المسال. وفي عام 2022 تخطط تويوتا لشحن هيدروجين بشكل تجريبي من أستراليا إلى اليابان باستخدام سفينة رائدة لنقل الهيدروجين المسال هي ’’سويسو فرونتير‘‘ التي شيدتها كاواساكي للصناعات الثقيلة.

بإمكان ’’سويسو فرونتير‘‘ نقل الهيدروجين المسال المبرد إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر حتى يصبح حجمه 1 إلى 800 حجمه كغاز، إلى مسافات طويلة. وتتوقع كاواساكي للصناعات الثقيلة أن يكون نقل الهيدروجين المسال قابلا للتطبيق تجاريا بحلول عام 2030 مع تشييد المزيد من البنية التحتية الضرورية.

من المقرر أن تنقل السفينة ما يسمى الهيدروجين الرمادي وهو مصنوع من موارد تطلق الكربون مثل الفحم والغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أنه أقل ملاءمة للبيئة من الهيدروجين الأزرق الذي يشتق من الميثان حيث يتم التقاط الانبعاثات اللاحقة وتخزينها تحت الأرض، إلا أن تصنيعه أقل تكلفة. سيكون كلا النوعين ضروريا لتلبية الطلب المتزايد على الهيدروجين في اليابان حتى يتم تأمين المزيد من مصادر الهيدروجين الأخضر المصنوع من الطاقة المتجددة.

مستقبل الهيدروجين

يتسارع التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، مدفوعا بالسياسات البيئية الطموحة لحكومات مثل الاتحاد الأوروبي الذي يقترح حظر مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2035. وقد أعلنت شركات عالمية عملاقة مثل مرسيدس بنز وفولفو عن خطط لتحويل تركيزها إلى المركبات الكهربائية. في الوقت نفسه، ينخرط عدد متزايد من شركات التكنولوجيا وشركات أخرى من خارج قطاع السيارات في إنتاج السيارات الكهربائية، ما يضمن مشهدا تنافسيا للمركبات الكهربائية في المستقبل.

ولكن بعيدا عن المساهمة في تطوير المركبات الكهربائية، تبقي شركات صناعة سيارات يابانية مثل تويوتا التي نجحت في استراتيجيتها بشأن السيارات الهجينة، تبقي خياراتها مفتوحة من خلال الاستفادة من تقنياتها المتقدمة بما في ذلك الهيدروجين. ومع ازدياد الاهتمام بقطاع السيارات الكهربائية، تراهن تويوتا على الهيدروجين لتظل قادرة على المنافسة في السوق المتنامية بسرعة للسيارات عديمة الانبعاثات.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سيارة ميراي من تويوتا. حقوق الصورة لكيودو)

تويوتا الشركات اليابانية الحكومة اليابانية التكنولوجيا