دروس من الحياة بعيون شاهدة على دورتي ألعاب طوكيو الأولمبية
طوكيو 2020- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
اليابان المنهزمة تنضم إلى مصاف الأمم المتقدمة
في وقت دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، كنت حينها في السابعة والعشرين من عمري. وكنت قد تخرجت من الجامعة قبل ذلك بعامين فقط، وكنت أعمل كصحفي في إحدى وكالات الأنباء. وفي الجامعة، كان جيلي أول من انخرط في الصراع المتعلق بالجهود المبذولة لعقد معاهدة الأمن الأمريكية اليابانية. وفي الاحتجاجات التي اندلعت في مبنى البرلمان الوطني في طوكيو، كنت في صدام مع الشرطة عندما توفي الطالب الناشط كانبا ميتشيكو في اشتباكات بالقرب منا.
وبعد أن هدأت حدة الصراع، بدا العالم مختلفًا تمامًا، كما لو كانت صفحة جديدة قد طويت. حيث ساد الجدل حقبة رئيس الوزراء كيشي نوبوسوكى (1957–1960) حول مسألة إعادة التسليح، بينما ركزت حقبة إيكيدا هاياتو (1960–1964) على الاقتصاد بموجب سياسة وضعت خطة لمدة 10 سنوات لمضاعفة متوسط دخل البلاد. وقد ساهمت أوامر الشراء التي قدمها الجيش الأمريكي لحرب كوريا وفيتنام في الاقتصاد، الذي كان على وشك الانتقال إلى معدلات نمو مرتفعة.
وفي مهمتي الصحفية الأولى، تم تعييني في نادي الصحافة الذي كان يُعرف آنذاك بوزارة المالية. وكان الوزير حينها هو تاناكا كاكوي، الذي قاد عجلة التطوير لخطة إيكيدا لمضاعفة الدخل من الناحيتين المالية والنقدية، مما أكسبه لقب ”البلدوزر الإلكتروني“. وكانت السياسة المالية لتاناكا هي زيادة الإنفاق بشكل كبير على أساس نمو الإيرادات الطبيعية في الضرائب، مما اضطر مصرف اليابان ذو التوجهات المتحفظة عادة إلى تسهيل السياسات النقدية إلى مستويات مشكوك فيها.
وخلال ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان منذ الهزيمة في الحرب العاليمة الثانية، غيرت اليابان من أوجه ثرواتها وشرعت في مسار يعطي الأولوية للاقتصاد. وفي عام 1959، تزوج ولي العهد أكيهيتو من الأميرة ميتشيكو، والذي بدا إلى جانب أولمبياد 1964، بمثابة افتتاح لهذه الحقبة. وحصلت اليابان أيضًا على عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1964، مما عزز مكانتها بين الدول المتقدمة في العالم. وعُقدت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية في طوكيو، وهي المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماعان في آسيا. وانضمت اليابان، التي كانت عضوًا في صندوق النقد الدولي منذ عام 1952، إلى الالتزامات الأكثر صرامة بموجب المادة الثامنة للمنظمة في عام 1964، حيث اعتمدت سياسات أسعار الصرف المشابهة لتلك الخاصة بالبلدان المتقدمة، الأمر الذي زاد بدوره من قيمة العملة المحلية.
وبصرف النظر عن هذه السياسات والقرارات المنهجية، تم اختيار مدينة أوساكا في عام 1965، لاستضافة المعرض العالمي لعام 1970. وتم تطوير البنية التحتية الرئيسية، حيث تم تشغيل قطار توكايدو شينكنسين في عام 1964، وتم افتتاح طريق (ميشين) السريع، وهو أول طريق سريع في اليابان، للربط بين مدينتي ناغويا وكوبى بدءًا من عام 1963.
ذكريات تنس الطاولة
ومن نادي الصحافة التابع لوزارة المالية، كنت أقوم بإعداد التقارير عن مرحلة النمو المرتفع في اليابان بعد الحرب من فترة إدارة إيكيدا إلى فترة ساتو إيساكو (1964-1972)، مع التركيز على الوضع المالي، لكنني أيضًا كنت أُعد التقارير الخاصة بأولمبياد طوكيو عام 1964. وكانت كل الإمكانيات متوفرة لتغطية فاعليات الحدث، وعلى الرغم من وجودي في المكتب الاقتصادي، فقد تم تعييني كعضو إحتياطي لقسم أخبار المدينة. وبعد أن تخصصت في اللغة الفرنسية في الجامعة، تم تكليفي لتغطية أخبار الرياضيين والزوار من البلدان الناطقة بالفرنسية، ولتجميع المقتطفات والانطباعات المتنوعة.
وكان مقر إعداد التقارير هو دار ضيافة قصر أكاساكا، فقد كان مبنًى غير مستخدم منذ الحرب، وتم تحويله إلى مكاتب للجنة الأولمبية اليابانية. وفي البداية، كان المبنى بأكمله شاغرا، ولعقد لقاءات مع الرياضيين الأجانب كان الأمر يتطلب تقديمنا من قبل ممثل من اللجنة الأولمبية اليابانية. وكانت هناك طاولتا تنس طاولة في غرفة انتظار الصحفيين، وكنا نلعب في كثير من الأحيان لقضاء بعض الوقت. وفترات الترويح هذه التي كانت تتخلل صخب العمل كانت ترمز إلى تلك الحقبة.
لقد وصفت الوقت الذي أمضيته في تغطية الأولمبياد على أنه عمل كبير، لكنني في الواقع لم أشارك إلا في الفترة التي سبقت حفل الافتتاح. وقبل الحدث بفترة طويلة، كنت قد تقدمت بطلب ونلت موافقة للحصول على إجازة لمدة أسبوع تبدأ من تاريخ حفل الافتتاح. وكان السبب شخصيًا بحتًا. حيث كان من المقرر أن أتزوج في ذلك اليوم.
فبعد عامين من مسيرتي المهنية كمراسل صحفي، وعندما بدأ الأمر ياخذ منعطفات مثيرة للاهتمام، كنت قد عقدت العزم على تكريس حياتي للصحافة. وكنت مصممًا على الاستقرار بعد سنوات عديدة من الحب اليافع مع محبوبتي في الكلية. وكان افتتاح الألعاب الأولمبية فرصة مثالية، لأنها معنية بالرياضة وستستحوذ على الأخبار المحلية. وحسب تقديري، سيكون المكتب الاقتصادي على الجانب الآخر هادئ التحركات.
وقد تمت إعادتنا إلى الوطن من مستعمرة اليابان السابقة في منشوريا بعد الحرب في خريف عام 1946، لكنني كنت حينها لا أزال ساذجًا بشأن سبل الحياة في اليابان. وعلى الرغم من أنني ولدت هنا، فقد نشأت وأنا أتنقل من مكان إلى آخر في شمال كوريا ومنشوريا بسبب عمل والدي، وكطفل، كانت اليابان بلد أجنبية بالنسبة لي. حيث فُتنت في المرة الأولى التي نظرت فيها إلى ألوان الخريف وتذوقت حلاوة فاكهة الكاكا المزروعة ”في موطني“ في مدينة سينداي عاصمة محافظة مياجي.
تجارب مختلفة في المدينة الكبيرة
عندما رأيت المناظر الطبيعية وسمات العيش في اليابان لأول مرة، كان كل شيء جديدًا بالنسبة لي. ودفعني فضولي وعشقي للسفر الذي اكتسبته من خلال تنقلاتي داخل القارة الآسيوية، للرغبة في رؤية كل شيء، وأن أعرف وأجرّب كل شيء. ولقد كان جدي صحفيًا وقام والدي بعمل ميداني كعالم لغويات وفولكلوري، لذلك كان الأمر في جيناتي أن أبدأ حياتي المهنية في الصحافة.
وكنت قد غادرت أرض مولدي متجهًا إلى طوكيو للالتحاق بالجامعة في عام 1956، حيث أقمت في حي (الأنوار الحمراء) الشهير في مدينة يوكوهاما وقمت بالتدريس بدوام جزئي في إحدى المدارس التحضيرية. وساهمت فترة دراستي في الوقت الذي كانت تتعافى فيه اليابان من الهزيمة وتشق طريقها نحو التوسع الاقتصادي، في تمهيد الطريق لتغطيتي للأخبار المتعلقة بالاقتصاد الياباني. واعتقد أن عملي الجانبي، ونشاطي الطلابي، وفترة خطوبتي من زوجتي المستقبلية كلها أمور ساهمت في إضفاء تجارب مختلفة.
وفي الواقع، كان مقدمة ذلك تجربتي المريرة في العام ونصف العام الذي عشت فيه كلاجئ في مدينة أندونغ (الآن مدينة داندونغ في مقاطعة لياونينغ الصينية)، حيث كنت أجوب السوق السوداء لبيع السجائر قبل أن يتم إعادتنا إلى الوطن. وقضيت فترة مراهقتي في فوضى ما بعد الحرب في تلك المدينة الساحلية، وشهدت السرقة والعنف والقتل وتجارة المخدرات والدعارة
كانت عائلتي فقيرة، ولم أستطع الانتقال إلى طوكيو إلا بمساعدة عمي في يوكوهاما. وكنت في الجامعة لمدة خمس سنوات، بما في ذلك العام الذي رسبته، ولم أستطع الصمود إلا من خلال عملي في التدريس. وأصبحت مدرسًا خاصًا لفتاة في إحدى المدارس التحضيرية، لكن عندما تم تعييني في وكالة جيجي برس، أقنعتها بترك دراستها ووعدتها بالزواج.
ما زلت أتذكر بوضوح أولمبياد طوكيو. حيث شاهدناها على قناة (إن إتش كى) طوال شهر العسل. ومازلت أتذكر لاعبي الجمباز أونو تاكاشي وإندو يوكيو من اليابان، وفيرا تشاسلافسكا من تشيكوسلوفاكيا، وفريق الكرة الطائرة النسائي بقيادة مدربهم القوي ”ديمون دايماتسو“ هيروفومي، وفي رفع الأثقال مياكي يوشينوبو، وجودوكا إنوكوما إيساؤ، والاثيوبي أبيبي بيكيلا، الذي فاز بالماراثون الأولمبي الثاني بعد أن كان مشهورًا بالركض حافي القدمين في أولمبياد روما عام 1960. وأتذكر أيضًا تسوبورايا كوكيتشي، الذي فاز بالميدالية البرونزية في ماراثون الرجال، لكنه انتحر بشكل مأساوي قبل أولمبياد المكسيك اللاحقة. وطريقة التصوير للمخرج السينمائي إشيكاوا كون، وموسيقى (أوليمبك مارش) من ألحان كوسيكي يوجي. نعم أتذكر كل ذلك بوضوح شديد.
دلالات مختلفة
هذه المشاهد كانت ترمز إلى الازدهار والنمو السريع لليابان الذي ذكرته سابقًا. وفي نهاية المطاف، أفسح هذا المجال لاقتصاد الفقاعة المحموم في أواخر الثمانينيات وانهياره اللاحق. فمن الكبرياء المفرط الذي قاد اليابان إلى صراع أهوج، والحسرة التي أعقبت هزيمتنا، والعدول عن الحرب، والسعي قصير المدى وراء المال، رأت أمتنا صورتها مشوهة. وبحلول الوقت الذي أدركنا فيه أن السعادة الحقيقية تكمن في تحسين الثقافة وأساليب الحياة، كان الأوان قد فات بالفعل.
وعلى الرغم من أن الألعاب الأولمبية تقام كل أربع سنوات، إلا أن تطلعات السياسيين المعاصرين مثل إيشيهارا شينتارو وآبي شينزو وسوغا يوشيهيدى ”لإعادة إحياء الحلم“ والاستفادة من الألعاب للأغراض السياسية قد توقفت في مسعاها من قبل فيروس كورونا الذي يعد بمثابة درس أخلاقي للجميع. والآن بعد أن انتهت الفاعليات، يمكنني أن أراى الأمر بوضوح، فبينما كانت دورة ألعاب 2020 هي نفس الحدث، وعُزفت على نفس المنوال، إلا أن دورة ألعاب 1964 تألقت بشكل ملفت بسبب ظروف العصر حينها. أما حدث هذا العام فقد كان باهتًا بالمقارنة، وفشل في ترك بصمته. وفي المقابل، تركت الألعاب البارالمبية 2020 (والتي كانت قد أقيمت أيضًا قبل 57 عامًا) انطباعًا أشد عمقًا علينا هذه المرة، ربما يعكس تقديرنا الشديد، كزوجين مسنين، للحاجة إلى نظام رعاية اجتماعية قوي.
(النص الأصلي نًشر باللغة اليابانية. والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: الحاصل على الميدالية البرونزية تسوبورايا كوكيتشي يرفع يده إلى الجمهور جنبًا إلى جنب مع الفائز بالماراثون الأثيوبي أبيبي بيكيلا، وبجانبهم البريطاني باسيل هيتلي الحاصل على الميدالية الفضية، في حفل توزيع الميداليات في استاد طوكيو الأولمبي في الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1964. جيجي برس)