كاسيو جي شوك.. نموذج حي للصبر والمثابرة اللذان تقوم عليهما فلسفة العمل اليابانية!
تكنولوجيا- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
مفهوم بسيط
كان إيبه كيكو لا يزال مصممًا صاعدًا في شركة كاسيو للحواسيب عندما قدم في عام 1981 اقتراحًا من شأنه أن يؤدي إلى ظهور سلسلة ساعات اليد الشهيرة جي شوك. كان الاقتراح يتمحور حول مفهوم واحد مباشر: ابتكار ساعة متينة يمكنها تحمل السقوط، وقد استلهم إيبه هذه الفكرة من تجربته مع ساعات لا تتمتع بالمتانة على الإطلاق. كان يعلم أن كثيرين غيره عانوا من خيبة الأمل جرّاء تحطم ساعة اليد بعد سقوطها على الأرض أو عند اكتشاف أن زجاج الساعة قد انكسر بسبب ارتطامها بشكل غير مقصود. لذا كان على يقين من أن الناس سيقبلون على شراء ساعة قوية تتحمل الصدمات، كل ما عليه هو أن ينجح في تطوير ساعة بهذه المواصفات.
بالنظرإلى الوراء، لا يزال ”إيبي“ يشعر بالرهبة تجاه ما أنجزه، حيث يقول: ”أنا من النوع الذي تخطر له فكرة ما فيسير معها حتى النهاية. حين بدأت لم يكن في رأسي سوى مفهوم غامض بدأت أعمل عليه تدريجياً، لكني لم أتخيل أبدًا أن الساعة ستحظى بكل هذه الشعبية الجارفة“.
يتذكر إيبه كيف جاءته الفكرة في البداية حين رأى مجموعة من العمال الكادحين يعملون في موقع بناء بالقرب من مركز هامورا للبحث والتطوير التابع لشركة كاسيو. لقد شاهدهم وهم يشرعون في عملهم، ولعلمهم بأن الاهتزازات والصدمات الناجمة عن استخدام أدوات مثل المجارف والمطارق الثقيلة وآلات ثقب الصخور من شأنها أن تحطّم أي ساعة يد، لم يكن أي منهم يرتدي ساعة في الموقع. كان يعلم أنهم دون شك يرغبون في ارتداء ساعة متينة تساعدهم على معرفة الوقت حتى يمكنهم تحديد أوقات استراحة الغداء والراحة وعدد ساعات العمل المتبقية، فكانت وجهة نظر إيبه أن الساعة إذا كانت على درجة كافية من المتانة بحيث يمكن ارتداؤها في بيئات العمل القاسية مثل مواقع البناء، فسوف تكون لها جاذبية خاصة حتى لو كانت موجهة لفئة معينة من الناس دون غيرهم.
المعاناة أولاً ثم الإلهام
كوّن إيبه فريقاً من ثمانية أعضاء وأطلق عليه اسم Project Team Tough (فريق المشروع الصعب)، واستعد الفريق للعمل على هدف واحد وهو ابتكار ”التريبل 10“: ساعة يمكنها تحمل السقوط الحر من مسافة 10 أمتار، وتحمل ضغط يصل إلى 10 بار تحت سطح الماء، وعمر بطاريتها يدوم 10 سنوات.
كان التقدم بطيئًا في البداية، وكانت اختبارات النماذج الأولية بدائية في كثير من الأحيان، بما في ذلك قيام إيبه بإسقاط نماذج الاختبار من نافذة الحمام في الطابق الثالث. حاول الفريق تغليف آليات الساعة بمواد ماصة للصدمات مثل المطاط أو البولي يوريثين، لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال. كانوا كلما عملوا على تعزيز أحد المكونات، ظهرت لهم مشكلة جديدة. بعد مرور عام، كان فريق إيبه قد عمل على أكثر من 100 نموذج اختبار دون تحقيق أي نتائج ملموسة.
أصابه الإحباط بسبب عدم إحراز أي تقدم في المشروع، وقرر إيبه ترك عمله في كاسيو، وبالفعل ذهب إلى الشركة في يوم إجازته لجمع أغراضه، لكن خلال استراحته ذهب إلى حديقة قريبة لتصفية ذهنه وبينما كان يشاهد مجموعة من الأطفال يلعبون بالكرة المطاطية أتاه الإلهام. لقد أدرك أنه بدلاً من محاولة تحصين الوحدة التي تضم الأجزاء الداخلية الحساسة للساعة، كما كان يفعل الفريق، يمكنه حماية الآليات الدقيقة من خلال تعليقها في شيء يشبه كرة مطاطية تمتص قوة الصدمات.
عمل إيبه وزملاؤه على تصميم جديد تمامًا حيث تم دعم الوحدة داخل المبيت في عدد محدد من النقاط فقط، ولا يزال هذا البناء ”العائم“ هو الهيكل الأساسي لساعات جي شوك إلى اليوم. في عام 1983، أي بعد مرور عامين وتجربة أكثر من 200 نموذج أولي، تم طرح أول طراز من ساعات جي شوك للبيع، وهو الطراز DW-5000C-1A.
اقتحام سوق ساعات اليد
في ذلك الوقت، كانت الساعات الرقيقة هي الموضة السائدة في اليابان، لذا لم يبدِ اليابانيون في البداية اهتمامًا كبيراً بساعات جي شوك الجديدة الضخمة. كما كان بائعو الساعات متشككين بنفس القدر بشأن الساعة. يروي إيبه: ”كان الإصلاح جزءًا مربحًا من صناعة الساعات، لذا لم يُخفِ البائعون مخاوفهم تجاه فكرة الساعة غير القابلة للكسر التي اعتبروا أنها ستضر بأرباحهم“.
كانت الاستجابة في الولايات المتحدة أكثر إيجابية بشكل ملحوظ. حيث تسببت شركة كاسيو في إثارة ضجة عندما قامت ببث إعلان تلفزيوني ظهر فيه لاعب هوكي الجليد وهو يضرب ساعة جي شوك لتستقر في قفاز حارس المرمى. قوبل الإعلان في البداية بالريبة، لكن العديد من البرامج الإخبارية المعروفة أثبتت صحة ادعاءات كاسيو عندما أعادوا إنشاء مشهد الهوكي لمشاهديهم، ومع إثبات قوة ومتانة ساعات جي شوك، قفزت مبيعات الساعة في السوق الأمريكي إلى عنان السماء.
على الرغم من هذا النجاح المبكر، كان إيبه الذي تم تعيينه مسؤولاً عن مشروع مختلف في شركة كاسيو يعتقد أن تلك الطفرة في المبيعات لن تدوم طويلاً، والسبب في هذا يعود ‘إلى سعر الساعة. يوضح قائلاً: ”لم تكن علامة كاسيو التجارية معروفة بعد خارج اليابان لذا كان العملاء يتوقعون الحصول على جودة عالية بسعر منخفض، حتى أن أحد عملائنا حذرنا من أن أي ساعة يزيد سعرها عن 4000 ين لن يتم بيعها، وكان سعر ساعة جي شوك أكثر من 10000 ين، بالتالي كنت مقتنعًا بأن المبيعات ستتوقف في النهاية ولم أتوقع مطلقاً كل هذا النجاح العالمي“.
بزوغ فجر جي شوك
في التسعينيات، بدأت نماذج جي شوك الضخمة ذات المينا المستدير بدلاً من الشكل المثمن النموذجي في اجتذاب قاعدة عريضة من فئة الشباب لأنها كانت تناسب نمط الملابس الفضفاضة التي كانت شائعة حينها بين الشباب في الشوارع الأمريكية. كما كانت الساعات مطلوبة بشكل كبير لدى فئات معينة، مثل المتزلجين الذين كانوا يعشقون المظهر القوي والمتانة، بالإضافة إلى ممارسي رياضة ركوب الأمواج، حيث كانوا يرتدونها داخل المياه وخارجها. ومع وصول الموضة الجديدة إلى اليابان، بدأ المستهلكون اليابانيون أيضًا في إبداء اهتمامهم بعلامة جي شوك التجارية.
لقد كان النجاح الهائل الذي حققته جي شوك بمثابة بداية عصر جديد لشركة كاسيو. يقول إيبه إنه وفريقه لم تُتح لهم فرصة الاستمتاع بما حققوه من إنجازات طال انتظارها. يروي قائلاً: ”تجاوز الطلب السقف وكان البائعون يضغطون علينا لكي نسرع بإنتاج ساعات جديدة، عززت الشركة الإنتاج لكن المستهلكين كانوا يتخاطفون هذه الموديلات من أرفف المتاجر بأسرع من قدرة الشركة على التصنيع، لقد كان الجميع في حالة ذعر لدرجة أن المكتب التنفيذي للشركة حظر على الموظفين شراء ساعات جي شوك“.
كاسيو تنتقل إلى مصاف الكبار
بعد النجاح الساحق الذي حققته ساعات جي شوك قرر إيبه التركيز على بناء وعي جديد لدى الجمهور تجاه العلامة التجارية كاسيو، حيث إن الشركة ظلت لسنوات تبيع فقط مجموعة من ساعات اليد الرقمية الرخيصة. لكن بعد انطلاق ساعات جي شوك الأعلى سعرًا كان إيبه مصممًا على جعل كاسيو علامة تجارية عالمية.
كان أحد أهداف فريق الإنتاج في هذه الفترة الجديدة هو إطلاق ساعة جي شوك معدنية بالكامل مصممة خصيصاً ليتم ارتداؤها في المكتب أو في رحلات العمل. وقد كان التحول من استخدام الراتنج إلى استخدام مواد مثل الفولاذ المقاوم للصدأ مع الاحتفاظ بالتصميم المقاوم للصدمات يمثل تحدياً كبيراً، لكن إيبه وفريقه نجحوا في اجتياز هذه العقبة، ووصل الطراز الجديد إلى أرفف المتاجر في عام 1996، ولأن الفئة المستهدفة كانت الموظفين الشباب فقد كان سعر الطراز الجديد MRG-100 حوالي 40 ألف ين، وكانت أول ساعة كاسيو موجهة لاختراق سوق الساعات متوسطة المدى.
إلى جانب جي شوك، ساهم إيبه أيضًا في تطوير سلسلة متطورة مثل كاسيو أوقيانوس، التي تم إطلاقها في عام 2004 بسعر 60 ألف ين، وكانت أيضًا تتميز بهيكل معدني بالكامل وهو ما كان من الصعب تحقيقه تقنيًا، بالإضافة إلى وحدة شحن تعمل بالطاقة الشمسية وخاصية التصحيح التلقائي للوقت الذي يتم التحكم فيه لاسلكياً.
عملية بناء علامة كاسيو التجارية استحوذت على كل وقت إيبه حتى خارج الشركة أيضًا، فمنذ عام 2008 ظهر بانتظام في فعاليات عشاق جي شوك ”Shock the World“ التي تقام في مدن مختلفة حول العالم. ويشرح وجهة نظره قائلاً: ”من المهم التعريف بالقصة الخلفية للمنتج لأنها ترفع من قيمة العلامة التجارية في نظر الناس“.
زار إيبه أكثر من 30 دولة وعُرف عنه حرصه على تقديم عروضه باللغة المحلية لتكوين علاقة أعمق مع المستمعين. يعترف قائلاً: ”أنا في الحقيقة سيء للغاية في اللغات، لكن الناس يأتون متوقعين أن يسمعونني أتحدث بألسنتهم، لذا فلا مجال للاستسلام الآن“ وخلال عروضه التقديمية، كان دائمًا يشدد على أهمية امتلاك الجرأة ”أحاول إقناع الحضور بأنه لا ينبغي لهم الاستسلام أبدًا“. يشعر إيبه أن تقديم عروضه بلغة المستمعين يساعد في إيصال وجهة نظره.
فتح آفاق جديدة
واصلت كاسيو دعم سلسلة جي شوك بتصميمات ووظائف جديدة. بفضل نجاح طرازاتها متوسطة المدى، اقتحمت الشركة سوق المنتجات الفاخرة بسلسلة MR-G، والتي تتميز بساعات يصل سعرها إلى 300 ألف ين أو أكثر. في الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لتأسيسها، أصدرت الشركة إصدارًا محدودًا من ساعات جي شوك المصنوعة من ”الذهب الخالص“ G-D5000-9JR بتكلفة هائلة بلغت 7.7 مليون ين، وسرعان ما نفذت الساعات الخمسة والثلاثون بعد أن اشتراها عشاق سلسلة جي شوك.
يشير إيبه إلى القوة المستمرة لساعات جي شوك حتى بعد ظهور الهواتف الذكية لتحل محل الكثير من العناصر التي كان الناس يعتمدون عليها ذات يوم. ”لقد تطورت الساعات إلى ما هو أبعد من وظيفتها العملية لتدخل ضمن عناصر الأزياء والموضة، لكن ليس لدي أدنى شك في أن العلامة التجارية ستحافظ على قاعدتها العريضة من المعجبين لسنوات عديدة قادمة“.
لا شك أن مبيعات جي شوك تدل على صدق توقعات إيبه، حيث كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو العقد الأكثر نجاحًا للعلامة التجارية حتى الآن. يمكن القول إن وصول الهواتف الذكية قد ساعد بالفعل في تعزيز شعبية العلامة التجارية من خلال جعل الناس أكثر وعيًا بالوقت، لقد أثار هذا اهتمام الأشخاص الذين ربما لم يعتادوا على ارتداء ساعة يد وألهمهم للبحث عن نموذج يناسب توجهاتهم في الموضة.
المتانة هي ما يجذب الكثير من الناس إلى ساعات جي شوك، لكن إيبه يصر على أن هذا ليس سوى جزء من جاذبية العلامة التجارية، ”يثق عشاق جي شوك في متانة منتجنا، ولعل هذا هو السبب في أن العديد من عملائنا يشترون موديلات متعددة لتتناسب مع أزيائهم المختلفة أو مع مزاجهم الذي يتغير من يوم إلى آخر“.
بالنظر إلى المستقبل، يحاول إيبه إلهام الجيل القادم من المهندسين، حيث يدير ورش عمل المخترعين لأطفال المدارس الابتدائية وغيرهم ويشجع المصممين والمهندسين الشباب على التفكير خارج الصندوق. في عالم مليء بالخيارات، يؤكد على أن البحث عن أفكار جديدة له أهمية قصوى، ويحذر من أن ”المهندسين اليوم موهوبون بشكل لا يصدق، لكن تنقصهم الجرأة“ كما يشير إلى تعاونه مع الحرفيين اليابانيين في موديلات أوقيانوس مانتا التي تتميز بالزجاج المحفور إيدو كيريكو وسلسلة أخرى مستوحاة من الصبغ النيلي التقليدي. ”لم أتوقف أبدًا عن الإعجاب بمهارات وتقنيات الحرفيين اليابانيين، إن هذا المخزون الغني من المواهب والإبداع يوفر لنا مَعيناً لا ينضب من الابتكارات. آمل أن يدرك الجيل القادم هذا الأمر ويستخدمونه لصالحهم“.
لكن إيبه ليس جاهزًا تمامًا لتسليم شعلة جي شوك الآن، فهدفه التالي هو ابتكار نموذج قوي بما فيه الكفاية لتحمل الاستخدام في الفضاء الخارجي، ومن يدري فربما يبيعه في متجر ساعات مداريّ. إذا نجح في مسعاه بحلول عام 2035 كما يأمل، فسيكون عمره حينها 83 عامًا. مثل ساعاته الأيقونية، لا شك أنه كمطوّر وحتى في ذلك العمر سيظل فضوله قوياً.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مطوّر ساعات جي شوك إيبه كيكو في مركز هامورا للبحث والتطوير التابع للشركة في طوكيو. جميع الصور من Nippon.com)