’’مكتبة هاروكي موراكامي‘‘ بيئة خصبة للإبداع

ثقافة

يتحدث روبرت كامبل المستشار في منشأة ’’بيت واسيدا الدولي للأدب‘‘ الجديدة (المعروفة أيضا باسم ’’مكتبة هاروكي موراكامي‘‘) في طوكيو، عن الطريقة التي يسعى من خلالها لإثارة إبداع جديد عبر تنظيم فعاليات في هذا الصرح، ويناقش جاذبية موراكامي على الصعيد الدولي.

روبرت كامبل Robert CAMPBELL

باحث في الأدب الياباني. بروفيسور في جامعة واسيدا. ولد في نيويورك. تخرج من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وحصل على الدكتوراه في الأدب الياباني من جامعة هارفارد. عمل سابقا أستاذا في كلية الدراسات العليا للفنون والعلوم بجامعة طوكيو، ومديرا عاما للمعهد القومي للأدب الياباني. من بين أعماله ’’ترجمات إنجليزية مجمعة لقصائد إينوي يوسوي‘‘. قام بتحرير ’’كلاسيكيات يابانية في زمن العدوى‘‘ و’’قصص 100 عام من طوكيو‘‘.

ليست مجرد منشأة تكريمية

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 فتحت’’مكتبة هاروكي موراكامي‘‘ (الاسم الرسمي هو بيت واسيدا الدولي للأدب) أبوابها. وكانروبرت كامبل قد عُين مستشارا للمكتبة في أبريل/نيسان على الرغم من أنه نوه في بدايةالمقابلة إلى أنه متخصص في الأدب الياباني من فترة إيدو (1603-1868) إلى عصر مييجي(1868-1912) حيث قال: ’’أنا لست باحثا متخصصا بموراكامي هاروكي‘‘. وهذا يمنحه بعض الحريةعند التفكير في كيفية تطوير ذلك الصرح الذي سُلطت عليه أضواء وسائل الإعلام. ’’أناأنتهج أسلوبا مرحا للغاية يعتمد على التجربة والخطأ فيما يمكننا القيام به هنا‘‘.

كانت لديه بعض الشكوك في البداية حولكيفية المضي قدما. ’’هناك الكثير من المكتبات التي تحمل أسماء مؤلفين راحلين في جميعأنحاء اليابان. لكن موراكامي هاروكي حيٌّ بأدبه إلى حد كبير، وهو بالطبع كان كاتبانشطا. لم أكن أعرف في البداية نوع العلاقة التي يريدها مع المكتبة‘‘.

يتم التعبير عن شعار موراكامي للمنشأةفي عبارة ’’استكشف قصصك، تحدث عما بقلبك‘‘. لم يكن يريد أن تكون المنشأة مكانا لمجردتكريم أعماله. وإنما أراد أن تكون مكانا تُبتكر فيه بنشاط قصص فردية.

’’تبرع موراكامي للمكتبة وأعارها موادقيمة تبرز كيف انغمس في حياة قائمة على الكتابة على مدى 40 عاما، بما في ذلك مجموعةمن 10000 أسطوانة حاكي، بالإضافة إلى مخطوطات وصور فوتوغرافية وقصاصات. لكن هذه كانتالبداية فقط. فهو يريد أن يجتمع هنا الملحنون والقراء والموسيقيون أيضا، وليسالباحثون والطلاب فحسب، أن يجتمع أشخاص من كافة الأطياف من اليابان ومن جميع أنحاءالعالم ويبتكروا أوجه تآزر من خلال تفاعلاتهم. من المهم بناء مساحة يمكن للناس فيهاالتواصل مع بعضهم البعض وأن تُسمع أصواتهم، عوضا عن مجرد الإملاء من جهة واحدة‘‘.

فاكهة مختمرة

يستخدم كامبل تعبيرا مجازيا فريدا لوصفالكاتب. ’’أتخيل موراكامي هاروكي وكأنه عنب ناضج سقط من الكرمة على أرضية الأدب اليابانيوالثقافة اللغوية. تتشبث جميع أنواع الكائنات الحية الدقيقة بقشرته، لتتولد بكتيرياأصلية جديدة. قرئت أعمال موراكامي على مر أجيال وترجمت إلى أكثر من 50 لغة، ولاقت استقبالامتنوعا جدا في أوقات وأماكن ودول مختلفة. لقد تخمرت ثمار 40 عاما لتشكيل مادة مغذيةجديدة أو محفزا من شأنه أن يجلب شيئا جديدا بشكل مثالي‘‘.

قام كامبل بتنسيق سلسلة فعاليات ’’مؤلفينعلى قيد الحياة!‘‘ أقيمت بمناسبة افتتاح المكتبة. وشمل ذلك تعاونا قرأت فيه أعمال موراكاميعلى الملأ برفقة عازفة الجيتار الكلاسيكي موراجي كاؤري. وفي فعالية أخرى، تلا المؤلفكاواكامي هيرومي وكامبل نفس العمل باللغتين اليابانية والإنجليزية، وناقشا رواية وترجمة.استخدمت ورشة العمل التي قادها الشاعر إيتو هيرومي اقتباسات من أعمال موراكامي لتلقينالمشاركين الذين قدموا النصف الثاني من أبيات الشعر لوضعها في قصائد شعرية مترابطة.شارك الكاتب نفسه في فعاليات شجعت على الاكتشاف الأدبي والفني. وفي نهاية عام 2021،نُظمت أيضا فعاليات قراءة من قبل موراتا ساياكا وأساي ريو.

’’أريد البناء من خلال المزيد من هذهالتجارب الصغيرة. نحن نقوم بتحرير اقتباسات وبثها على راديو TokyoFM الذي يتعاون معنا، وإتاحتها عبر البث. وبدلا من مجردحفظها في أرشيف، أود أن تكون بمثابة شرارات في مجموعة متنوعة من البيئات لتوليد بعضالانفجارات الصغيرة‘‘.

الحفاظ على المصادر نشطة

يمكن لكامبل أن يعتمد على تجاربه الخاصةمن أجل شرارات مستقبلية. فبعد زلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011، نظم مجموعات قراءةفي ينابيع المياه الساخنة في ناروكو بمحافظة ميياغي، التي نزح إليها الكثير منالناجين. وقد تركت ردود الفعل انطباعا عميقا.

’’الأولويات القصوى في أوقات الطوارئتكمن في تناول الطعام ودرء البرد. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين استمتعوا بالقراءة لفترةطويلة، كان من الصعب عليهم الإقلاع عن تلك العادة. قرأ أعضاء المجموعة نفس القصص القصيرةوناقشوها وتناوبوا على قراءتها بصوت عالٍ معا. رأيت قصصا قصيرة فردية تساعد الغرباءعلى التعرف على بعضهم البعض والشعور بالراحة‘‘.

’’أريد أن تكون القراءة في المكتبةأيضا وسيلة للناس للتفاعل مع بعضهم البعض، ولإحداث تغييرات شخصية‘‘.

حافظ كامبل خلال السنوات الأربع التيقضاها مديرا عاما للمعهد القومي للأدب الياباني على مصادره نشطة بدلا من أرشفتها ببساطة،وشاركها مع الكثير من القراء. ويود أيضا تطبيق هذه التجربة.

يقول كامبل إنه يفضل من أعمال موراكامي ’’كافكا على الشاطئ‘‘  و’’مقتل الكومنداتور‘‘.
يقول كامبل إنه يفضل من أعمال موراكامي ’’كافكا على الشاطئ‘‘  و’’مقتل الكومنداتور‘‘.

’’أثناء الجائحة العام الماضي تساءلتإن كانت التجارب التاريخية لليابان قد تتيح وجهة نظر مختلفة للأمراض المعدية. شكل المرضمنذ قديم الزمان مادة للفن والأدب أو دافعا للإبداع. فعلى سبيل المثال، تصور خلفيتامذكرات إيزومي شيكيبو ومذكرات ساراشينا من فترة هييان [794-1185] فقدان شخص قريب نتيجةالمرض. وباستخدام الموارد الكبيرة للمعهد القومي للأدب الياباني، صنعت مقطع فيديو بعنوان’’كلاسيكيات يابانية في زمن العدوى‘‘ باللغتيناليابانية والإنجليزية. لاقى العمل صدى كبيرا ولا سيما من الخارج، حيث أبدى بعضالأساتذة رغبة في استخدامه كمصدر تعليمي. دفعني الفيلم إلى تحرير كتاب حول الموضوعالذي سلط فيه عدد من الباحثين ضوءا جديدا على التاريخ الأدبي من خلال الكتابة حول الموضوعالمشترك للمرض من مختارات شعر مانيوشو القديمة إلى ناتسومي سوسيكي‘‘.

لدى كامبل خطط أخرى لجمع الناس معاوخلق سلسلة من الأمواج في وظيفته الجديدة.

’’أريد استخدام صلاتي مع الأشخاص فيهذا المجال والتي تعود إلى سنوات عملي في البحث في الأدب الكلاسيكي، من أجل توسيع شبكةالمكتبة. وفي الوقت نفسه، من المهم تحسين الوصول بلغات متعددة إلى الكثير من المجالات‘‘.

جاذبية دولية

توجد ترجمات لأعمال موراكامي بأكثرمن 50 لغة في المكتبة. فقد تمت بالفعل ترجمة مجموعته القصصية لعام 2020 بعنوان’’أول شخص مفرد‘‘ إلى اللغتين الإنجليزية والكورية، وينتظر عشاق موراكامي في جميع أنحاءالعالم بفارغ الصبر أحدث كتبه. فكيف يقيم كامبل أعمال موراكامي؟

’’نقلت أعمال كاواباتاياسوناري وتانيزاكي جونئيتشيرو وغيرها من الأدب اليابانيالحديث إلى الخارج عبر فلتر الاستشراق. فعلى سبيل المثال، ركزت أعمال كاواباتا’’الراقصة إيزو‘‘ و’’بلد الثلج‘‘ و’’صوت الجبل‘‘ على وجهات نظر يابانية تجاه الحياةوالموت، والعالم الطبيعي. يبدو أن موراكامي هاروكي تخطى تلك الخطوة ليكتب من مساحةمختلفة‘‘.

تعرض صالة المعرض الكثير من أعمال موراكامي باللغة اليابانية ولغات أخرى.
تعرض صالة المعرض الكثير من أعمال موراكامي باللغة اليابانية ولغات أخرى.

يقول كامبل إنه تعرف على موراكامي لأولمرة عندما قرأ النسخة اليابانية من رواية ’’الغابة النروجية‘‘ في أواخر الثمانينات.’’عندما قلبت الصفحات، استحضرت جميع أنواع المشاهد لليابان من عصر شووا[1925-1989]، لكن هذا لم يشكل الموضوع الرئيسي. فالناس من اليابان أو دول أخرى انجذبواإلى الرواية كأفراد وكان بإمكانهم رؤية أنفسهم كأبطال الرواية‘‘.

’’هناك أيضا الخلفية التاريخية. عندمااستحوذ موراكامي على الاهتمام الدولي لأول مرة في أواخر الثمانينات، كانت الحركات الديمقراطيةنشطة في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، كانت هناك انتفاضات طلابية كبيرة فيكوريا الجنوبية قتل فيها الكثيرون. كان جيل تمزقه الانقسامات في عصر تسوده الاضطراباتيتجه نحو تشكيل مجتمع مدني قائم على أساس قيم جديدة، بينما في نفس الوقت كانت كتب موراكاميتكسب عددا كبيرا من المتابعين بين شباب البلاد. في الصين عندما انفتحت في أواخر الثمانيناتوفي أوروبا الشرقية خلال الثورات التي أدت إلى الديمقراطية بعد انهيار القوة السوفيتيةفي عام 1989، كان الشباب أسرى أعمال موراكامي الروائية.

’’إنها ليست سياسية على نحو خاص، وبالقطعلا تجعل من العنف أو الصراع أو التفاوتات محور تركيزها. لكني أشعر أن القراءتمكنوا من مشاركة تقديرهم لكيفية كشفها تناقضات وخداع المجتمع من قبل الأجيال الأكبرسنا، كما تصور مقاومة الشباب وشعورهم بالعجز‘‘.

’’منذ التسعينات، ملأت كتب موراكاميرفوف متاجر بيع الكتب في مطارات جميع أنحاء العالم، لكنها لم تُصنف على أنها أدب ياباني.إنه أول كاتب ياباني ينجح في نقل قصصه دون أن يتحمل عبء مختلف الصفات القومية أو الرسائلالتاريخية. وهذا ما يجعله بالتأكيد بارزا في الأدب العالمي‘‘.

يشعر الكثيرون الآن في عشرينات القرنالحالي بالعجز في مواجهة جائحة كوفيد-19 والانقسامات الاجتماعية. أي ضوء يمكن للأدبأن يسطع هنا؟ يبدو أن موراكامي مستعد للتعاون مع المكتبة التي سميت باسمه في البحثعن إجابات.

الموقع الإلكترونيالرسمي لبيت واسيدا الدولي للأدب (مكتبة هاروكي موراكامي)

(المقالة الأصلية باللغة اليابانيةبقلم كيميي إيتاكورا من Nippon.com. الترجمةمن الإنكليزية. صورة العنوان: روبرت كامبل يجلس على الدرج بين الطابق السفلي والطابقالأول من بيت واسيدا الدولي للأدب. تخيل المهندس المعماري كوما كينغو نفقا على طرازموراكامي يربط بين الحياة اليومية و’’عالم آخر‘‘. وضعت على الدرج مجسمات أشخاصصغيرة. الصور من هاناي توموكو)

ثقافة الفن الأدب الفن المعاصر