زهرة فرساي.. مانغا رومانسية حالمة تقدم المجتمع الفرنسي بعيون فنانة يابانية

مانغا وأنيمي

يصادف هذا العام مرور نصف قرن على إصدار Berusaiyu no Bara (زهرة فرساي)، المانغا الكلاسيكية التي تدور أحداثها خلال الفترة المضطربة إبان الثورة الفرنسية والتي من فرط روعتها تم تحويلها إلى حلقات متلفزة وعمل مسرحي بعد إدخال بعض التعديلات، وقد نجحت بشكل باهر في جذب اهتمام أجيال جديدة من القراء على مدار السنين. يأخذنا هوتا جونجي في رحلة عبر الزمن إلى الماضي للتعرف على المناخ الثقافي والإبداعي الذي ألهم الكاتبة إيكيدا ريوكو لتبدع هذه الأيقونة الفريدة التي ترمز إلى استقلالية المرأة.

نسائم رومانسية كلاسيكية

إن أهم عنصر في أي قصة حب حقيقية هو المِحن، فالقصة التي تقتصر على وقوع شخصين في الحب ثم العيش معاً في سعادة دائمة دون وجود أي نوع من العوائق أمام علاقتهما الرومانسية ستنتهي في لمح البصر وستكون فارغة من المحتوى.

لذلك، فالمِحن عنصر بالغ الأهمية. وعلى عكس العوامل الشخصية مثل التردد الشخصي، كلما زادت العوائق الخارجية التي لا يمكن التغلب عليها، كلما زادت جاذبية القصة وحظيت بشعبية عالمية. وهذا دون شك هو ما خلّد قصة روميو وجولييت الكلاسيكية، لكونها قصة حب مأساوية محكوم عليها بالفشل لعاشقين ينحدران من عائلتين متحاربتين.

وبذكر قصة روميو وجولييت، تدور هذه القصة حول عائلة مونتاج التي ينحدر منها روميو، وهي عائلة تنتمي إلى فصيل غيبلينيون الموالي للإمبراطورية الرومانية المقدسة، أما جولييت فكانت تنحدر من عائلة كابوليت التي تنتمي إلى فصيل غويلفيون الذي يدين بالولاء للبابوية. وبالمقارنة مع التاريخ الياباني، نجد أن علاقة العائلتين المتناحرتين تشبه كثيراً العشائر التي كانت تتنافس على دعم البلاطين الإمبراطوريين المتصارعين الشمالي والجنوبي خلال فترة نانبوكوتشو (1336-1392)، أو ربما تكون العلاقة بين ”أمورو“ و ”لالاه“ من سلسلة الأنيمي التلفزيونية Mobile Suit Gundam (1979–80) أكثر ارتباطًا بأذهان القراء.

لكن في السنوات الأخيرة، فقدت قصص الحب هذه الخاصية. حتى ديزني نجحت في ترويج أفلام تخلو من السرد الرومانسي، ففي فيلم Frozen (2013) لم تكن القصة تتمحور حول حب بين شاب وفتاة، بل كانت قصة الحب الرئيسية في الفيلم بين الأختين آنا وإلسا.

كما يمكن أيضًا رؤية اتجاهات مماثلة في اليابان، فقد تم تحويل المانغا Nagi no o-itoma (إجازة ناغي الطويلة) إلى دراما تلفزيونية في عام 2019، وهي قصة حب مختلفة تمامًا عن النماذج الأصلية الكلاسيكية، حيث تنفصل الفتاة عن الشاب لا لتعود إليه في النهاية كما جرت العادة، بل لتذهب في رحلة تساعدها على استكشاف شخصيتها واكتساب الثقة بالنفس.

بالتفكير قليلاً سيتضح أن هذا التحول طبيعي للغاية، فلقد تشكّل المجتمع المعاصر على غرار الأفكار التي وصفتها روز فريدمان في أطروحتها الاقتصادية المؤثرة بعنوان ”حرية الاختيار“ (1980)، وبالتالي كان لا بد للرومانسية أيضًا أن تنطوي على حرية الاختيار المطلقة. وإذا كنت حرًا في اختيار الشريك الذي تريده بغض النظر عن التحفظات، فلا شك أن العقبات التقليدية تصبح أقل أهمية.

يرى بعض علماء الاجتماع هذه الاتجاهات كجزء من عدم القدرة على التعبير بشكل مباشر عن العاطفة الرومانسية الخالصة، لدرجة أن العديد من قصص الحب الحديثة تلجأ إلى تلافي أمور معينة من خلال تقديم موضوعات مثل المرض، وفقدان الذاكرة الناجم عن الحوادث، أو حتى وجود العشاق في فترات زمنية مختلفة تماما. هناك أعمال أخرى بارزة مثل فيلم (صورة فتاة تحترق) وهو إنتاج فرنسي عام 2019، وفيلم كارول إنتاج بريطاني-أمريكي مشترك عام 2015 وقد اختارت تلك الأفلام سرد أحداثها في فترات زمنية ماضية كانت لا تزال فيها تحيزات قوية وتقييد لاستقلالية النساء.

في العصر الحالي، يُنظر إلى هذه المجتمعات التاريخية على أنها كانت قاسية ومقيدة للحريات، ولعل الفضائح التي تتسبب في بعض الصخب والجدل على الإنترنت في القرن الحادي والعشرين كانت سيتم اعتبارها جرائم خطيرة إذا حدثت في فترة إيدو (1603-1868)، حيث لم يكن هناك تقبل لأنماط الحياة المتنوعة كما هو الحال اليوم.

ربما تكون العوائق الأساسية للحرية الشخصية قد جاءت في شكل النظام الطبقي. يقال إن المصلح الرائد في فترة ميجي فوكوزاوا يوكيتشي (1835–1901) له مقولة شهيرة ”السماء لا تخلق إنساناً أقل شأناً من إنسان آخر“، ولكن في هذا الزمان، حال المجتمعات في الغرب كما هو حال المجتمع الياباني الذي يعاني من العديد من الحدود والفواصل الطبقية الاجتماعية التي تفصل بين النبلاء والعامة، وهي سمة أساسية لهذه المجتمعات يصعب التخلص منها.

في عام 1789 ثار الشعب الفرنسي لتحطيم تلك الحواجز. وبعد ما يقرب من 200 عام، تحديداً في عام 1972، قامت مجلة مارجريت الأسبوعية (Shūkan Margaret) المتخصصة في إصدارات شوجو مانغا (المانغا الموجهة للفتيات) بإصدار سلسلة جديدة اسمها Berusaiyu no bara (زهرة فرساي)، وقد نجحت صورها الدرامية التي تصور ذلك العصر المضطرب في إكساب هذه السلسلة بالتحديد مكانة بارزة في تاريخ المانغا.

شهد عام 2022 أيضًا إعادة إصدار DVD مقتبس عن الأنيمي الناجح ”زهرة فرساي“ الذي بدأ بثه في عام 1979. (شركة Pia)
شهد عام 2022 أيضًا إعادة إصدار DVD مقتبس عن الأنيمي الناجح ”زهرة فرساي“ الذي بدأ بثه في عام 1979. (شركة Pia)

أكون أو لا أكون

تدور القصة حول آخر ملكات فرنسا، ماري أنطوانيت (1755-1793)، وعشيقها السري المزعوم، النبيل السويدي هانز أكسل فون فيرزن (1755-1810)، جنبًا إلى جنب مع شخصيتين خياليتين: الليدي أوسكار فرانسوا دي جارجاي المحاربة العذراء التي رباها والدها الجنرال دي جارجاي تربية الذكور لتصبح وريثةً له ورفيقها أندريه غراندييه الذي نشأ في أسرة متواضعة.

هذه الفترة الرومانسية مليئة بالشخصيات التي تضررت كثيراً بفعل تقلبات التاريخ، وهي شخصيات تقاتل حتى تجد النور وتضحي بحياتها فداءً لمن يحبونها، مما أكسبها الكثير من المعجبين المخلصين وجعل لها تأثيراً قوياً على أجيال المستقبل.

لكن هيئة تحرير مجلة مارجريت عارضت بشدة في البداية فكرة نشر قصة زهرة فرساي، مشككة في قدرة القارئات المراهقات على استيعاب وتقدير المحتوى ذي الطابع التاريخي، لأن المانغا في ذلك الوقت كانت لا تزال تُعتبر إلى حد كبير ”ثقافة متدنية“، وكانت شوجو مانغا تأتي في الترتيب الأخير بين كل أنواع المانغا، حيث كانت فنانات المانغا الإناث تحصلن على نصف ما يكسبه أقرانهن من الذكور (يشبه هذا إلى حد كبير الوضع الحالي في هوليوود).

وُلدت المؤلفة إيكيدا ريوكو في أوساكا عام 1947 وترعرعت في كاشيوا بمحافظة تشيبا في عصر كان فيه الكثيرون لا يزالون يشككون في أهمية حصول النساء على التعليم العالي، كان والدها معترضاً في البداية لكنها نجحت في إقناعه بأن تدرس الفلسفة في جامعة طوكيو للتعليم (الآن جامعة تسوكوبا). بعد فترة وجيزة من التسجيل، انخرطت إيكيدا في النشاط الطلابي النابض بالحياة في تلك الفترة. وإدراكًا منها لما ينطوي عليه هذا الوضع من نفاق، إذ لا يستوي أن تتحدى المجتمع والأجيال الأكبر سناً بينما لا تزال تتلقى مساعدات مالية من والديها، قامت بالانتقال من منزل العائلة وتكفلت بمصاريف دراستها من خلال العمل كنادلة والعمل في المصانع وكمندوبة للمبيعات.

في عام 1968، عندما كانت طالبة جامعية، نشرت أول شريط مانغا مصور لها في مجلة مارجريت وبينما كانت كتابة القصص المصورة في البداية مجرد وسيلة لدعم نفسها مادياً، حيث اعتادت القيام بشخبطة بعض رسومات المانغا لدفع الإيجار، نمت شعبيتها بشكل مطرد حتى بلغت ذروتها في سن الرابعة والعشرين في سلسلة وردة فرساي.

كما ذكرنا أعلاه، في البداية عارضت هيئة تحرير المجلة المكونة بالكامل من الرجال هذه الخطوة بشدة خوفًا من عدم قدرة جمهورهم على فهم المواد التاريخية، لكن بعد أن أكدت إيكيدا على ثقتها في نجاح السلسلة الجديدة، بل وتعهدت بالاستقالة حال حدوث العكس، رضخت لها هيئة التحرير.

في يناير/ كانون الثاني 2011، غنت إيكيدا ريوكو في حفل موسيقي أقيم على أرض قصر فرساي ضمن فعاليات مهرجان أنغولم الدولي للقصص المصورة. (جيجي برس)
في يناير/ كانون الثاني 2011، غنت إيكيدا ريوكو في حفل موسيقي أقيم على أرض قصر فرساي ضمن فعاليات مهرجان أنغولم الدولي للقصص المصورة. (جيجي برس)

دور الفن في تمكين المرأة

في حين أن ماري أنطوانيت والكونت أكسل فون فيرزن هما شخصيتان تاريخيتان أصليتان، فإن السيدة الجميلة التي ترتدي الزي العسكري ليدي أوسكار هي بالكامل من وحي خيال إيكيدا، على الرغم من أنها مستوحاة من قصة حقيقية لرقيب في الحرس الملكي اختار الانضمام إلى صفوف المواطنين الثوار. في مقابلة عام 2013 مع المجلة النسائية فوجين كورون، تذكرت إيكيدا كيف راودتها فكرة تصوير أوسكار كأنثى بسبب عدم قدرتها على تصوير سمات الضابط العسكري في عالم الرجال بشكل مقنع. لكنها كشفت أيضًا أن أحد أهدافها من رسم هذه الشخصية هو أن تكون رمزًا لتحدي المجتمع الذي لا يزال عاجزاً عن التعرف على مواهب وهويات العديد من النساء.

ولا شك أن كفاح شخصية ليدي أوسكار لكي تحوز على القبول في عالم الرجل يضفي على الشخصية بعض السمات القاسية إلى حد ما.

في مجموعة مختارات نُشرت في عام 2012 للاحتفال بالذكرى الأربعين لقصة زهرة فرساي تحت اسم Ikeda) Riyoko no sekai عالم إيكيدا ريوكو)، وصف يوشيناغا فومي، وهو فنان مانغا معاصر مهتم أيضاً بطرح الموضوعات التاريخية بما في ذلك الثورة الفرنسية، الجاذبية الفريدة التي تتمتع بها أعمال إيكيدا: ”إنها تصور مجتمعًا مثاليًا يعيش فيه كل فرد حياة واقعية، لكنها تدمج ذلك مع التركيز بشكل قوي على عنصر الترفيه بطريقة لا مثيل لها في أعمال الفنانين الآخرين“.

ولعل ليدي أوسكار هي أكثر شخصياتها إمتاعاً، فهي جوهرة في المجتمع الأرستقراطي تسحر النبلاء من الذكور والإناث على حد سواء بما تتمتع به شخصيتها من جمال وقوة وحكمة، كما أن لديها إدراك كبير لأوضاع مجتمعها، وتتعامل بكثير من الرحمة مع من هم أقل حظًا، وهي في نفس الوقت قادرة على إخضاع الآخرين لرغباتها. أما الجانب الرومانسي من شخصيتها فهو لا يقل حيوية أبداً، حيث بدأ باهتمام غير متبادل بالكونت أكسل فون فيرزن حتى تكتشف في النهاية المشاعر التي يكنها لها أندريه غراندييه ومن ثم تبادله نفس المشاعر، وهو الذي كان رفيق طفولتها، ثم خادمها، وأخيراً أصبح قائداً عسكرياً يدين لها بالولاء.

بعد اندلاع الثورة ورغم كونها من الأثرياء، إلا أن ليدي أوسكار لم تفكر أبدًا في الهروب إلى بلد آخر. وبالمثل، أقسم أندريه على البقاء إلى جانبها. هذه الحبكة التي تدور حول الحواجز الطبقية في عصر مليء بالاضطرابات المجتمعية هي التي تضفي على القصة جمالاً ومتعة خاصة.

عمل فني خالد يصلح لكل زمان ومكان

منذ إصدارها الأول، نالت زهرة فرساي شعبية واسعة في استطلاعات آراء القراء، وفي السنوات الأخيرة، بيع منها رقم قياسي بلغ 15 مليون نسخة. كان لقصة الحب المأساوية بين ليدي أوسكار وأندريه دور أساسي في أسر قلوب الجمهور الذي شعر بحالة من اليأس بسبب نهاية شخصية ليدي أوسكار.

 اعتبارًا من عام 2014، وصل عدد الجماهير التي استمتعت بمشاهدة المسرحية الموسيقية تاكارازوكا ريفيو المستوحاة من قصة زهرة فرساي إلى حوالي 5 ملايين فرد على مدار40 عامًا منذ ظهورها لأول مرة في عام 1974. تم التقاط الصورة خلال عرض أقيم في مسرح طوكيو تاكارازوكا في 17 فبراير/ شباط 2006.
اعتبارًا من عام 2014، وصل عدد الجماهير التي استمتعت بمشاهدة المسرحية الموسيقية تاكارازوكا ريفيو المستوحاة من قصة زهرة فرساي إلى حوالي 5 ملايين فرد على مدار40 عامًا منذ ظهورها لأول مرة في عام 1974. تم التقاط الصورة خلال عرض أقيم في مسرح طوكيو تاكارازوكا في 17 فبراير/ شباط 2006.

في عام 1974، قامت فرقة المسرح النسائية الشهيرة تاكارازوكا ريفو باقتباس موسيقي من القصة. وبينما قوبلت الخطة في البداية بمعارضة من المعجبين المخلصين للمانغا، حقق الإنتاج نجاحًا هائلاً. تبع ذلك في عام 1979 إصدار سلسلة أنيمي متلفزة نالت أيضاً نصيباً من الاهتمام والمناقشة لا يقل عن الإصدارات المطبوعة والمسرحية، بما في ذلك في فرنسا التي تم بث المسلسل فيها من عام 1980. إن شغف المعجبين الذي لم يخبو حتى بعد مرور 50 عامًا يؤكد على أن عمل إيكيدا هو تحفة فنية خالدة لها جاذبية تتجاوز حدود الأوطان والأجيال.

إذا سمحت لي عزيزي القارئ، أود أن أختم بما قد يبدو وكأنه استطراد مفاجئ، إذ أريد التطرق إلى زميل أكبر مني، أشاد به أقرانه كمحرر عبقري وفاز بجائزة أدبية كبرى. وكان رأيه دائماً أن جميع سلاسل المانغا الناجحة تجاريًا هي تلك التي تتناول مواضيع الصداقة الخالصة الخالية من أي مشاعر رومانسية أو جنسية بين شخصين من نفس الجنس، وليس المانغا التي تتناول مواضيع الحب بين الجنسين. يجب أن أعترف أنني وجدت حجته مقنعة نظرًا لوجود عدد من الأمثلة الناجحة التي تؤكد وجهة نظره مثل سلسلة الملاكمة الكلاسيكية Ashita no Joe (جو البطل) من 1968-1973، لكنني كنت دائماً أشعر بأن شوجو مانغا استثناء لهذه القاعدة، وعندما طرحت رأيي على فنانة مانغا مشهورة، فكرت لبرهة ثم قالت: ”كلا، شوجو مانغا ليست استثناءً“.

ما زلت أتساءل في بعض الأحيان عما إذا كانت زهرة فرساي، بقصتيها الرومانسيتين، استثناءً لهذه القاعدة، لكن كلما أمعنت التفكير كلما اهتزت ثقتي في وجهة النظر هذه، فماذا تعتقد عزيزي القارئ؟

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: نسخ مستقلة من مانغا زهرة فرساي التي تم نشرها في الأصل في مجلة مارجريت بين عامي 1972 و1973. Nippon.com)

المانغا الثقافة الشعبية أنيمي