أزمات اقتصادية متلاحقة ومصير مبهم يحيط باليابان

اقتصاد

تعاني الدول الغربية من تضخم متفاقم منذ النصف الأخير من عام 2021. والآن، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعاقة إمدادات السلع بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والحبوب، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. والآن بعد عقود من الانكماش، هل تتجه اليابان إلى فترة تضخم اقتصادي؟

صدمة ارتفاع أسعار الوجبات الخفيفة

دخلت المقرمشات الشهيرة المحببة للأطفال التي يطلق عليها اسم (أومايبو) (عيدان خفيفة مُعدة من الذرة صغيرة الحجم وأسطوانية الشكل) مركز الاهتمام عندما أعلنت الشركة المنتجة (ياؤكين) أنها سترفع سعر المنتج غير شامل سعر الضريبة من 10 إلى 12 ين اعتبارًا من أبريل/ نيسان 2022. وهذا هو أول ارتفاع في الأسعار لدى الشركة المصنعة التي تتميز بأسعارها المعقولة منذ طرح منتجاتها في الأسواق في عام 1979. والسبب، وفقًا لحساب الشركة الرسمي على منصة تويتر، هو ارتفاع تكلفة المواد الخام والشحن، وهو ما يبدو مفهومًا. حيث ارتفعت أسعار الذرة، التي تعد المكون الرئيسي للوجبات الخفيفة، وكذلك وقود الشحن بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

وكان الاقتصاد الياباني في حالة انكماش منذ ما يقرب من 30عامًا. ولا يوجد أي شخص يقل عمره عن 30 عامًا يتذكر أي شيء عن فترة التضخم السابقة، لذا فإن تجربته الوحيدة مع ارتفاع الأسعار العام كانت عندما تم رفع سعر ضريبة الاستهلاك. وبالنسبة لهذا الجيل، فإن رفع الأسعار أمر ليس من السهل عليهم إدراكه فهم ”الأطفال الذين لا يعرفون معنى التضخم“، والذين نشأوا مع ظهور متاجر الـ (100 ين شوب –متاجر شهيرة في اليابان تبيع المنتجات بأسعار زهيدة–).

احتفظ منتج (أومايبو) بسعره البالغ 10 ينات منذ طرحه للبيع في يوليو/ تموز 1979، لكن تلك الحقبة انتهت في أبريل/ نيسان 2022.
احتفظ منتج (أومايبو) بسعره البالغ 10 ينات منذ طرحه للبيع في يوليو/ تموز 1979، لكن تلك الحقبة انتهت في أبريل/ نيسان 2022.

عندما عصف التضخم باليابان

هناك جيل آخر يعكس هذه الحقبة. ففي أوائل السبعينيات، لاقت أغنية (الأطفال الذين لا يعرفون الحرب) نجاحًا كبيرًا. وفي ذلك الوقت، بعد ما يزيد قليلاً عن ربع قرن من الحرب العالمية الثانية، كانت اليابان في خضم جيل (طفرة المواليد)، وهم الأطفال الذين ولدوا بعد انتهاء الحرب العاليمة الثانية مباشرة.

وكان ذلك الجيل أيضًا من الأجيال التي لم تعرف حالة الانكماش الاقتصادي. فمنذ فترة إعادة الإعمار التي أعقبت الحرب وحتى أوقات الازدهار الاقتصادي الياباني في الستينيات، كان الأمر معروفًا للجميع بأن الأسعار ارتفعت. ولكن، على الرغم من ذلك، في أوائل السبعينيات، جاءت فترة تضخم حاد.

وفي الوقت الذي كانت فيه اليابان في منتصف طفرة البناء التي قادتها خطة رئيس الوزراء تاناكا كاكوي الكبرى لـ ”إعادة تشكيل الأرخبيل الياباني“، دخل الشرق الأوسط في حرب أكتوبر/ تشرين الأول الطاحنة عام 1973. وفرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظراً على النفط، مما أدى إلى أزمة طاقة وارتفاع كبير في أسعار البنزين. وشهدت اليابان، التي تعتمد على الواردات في معظم احتياجاتها من الطاقة، ارتفاعات في الأسعار بشكل مضاعف، حيث مرت إحدى الفترات بزيادة قدرها 20٪ على أساس سنوي. لقد كان حينها التضخم جامح. الأمر الذي يجعلنا الآن نسمع تعليقات مثل ”ليس منذ أزمة النفط“ أو ”عودة حقبة السبعينيات“ في الأيام الأخيرة.

وفي الدول الغربية، كان التضخم آخذ في الارتفاع منذ ما قبل غزو أوكرانيا. حيث تسبب الوباء في تراكم سلاسل التوريدات، ثم بدأت الأسعار في الارتفاع أكثر مع عودة الطلب تحسباً لانحسار الوباء.

صندوق النقد الدولي يحذر من صدمة ارتفاع الأسعار

ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك في الولايات المتحدة منذ الخريف الماضي، حيث وصل معدل الزيادة على أساس سنوي إلى مستوى 7٪ في ديسمبر/ كانون الأول 2021 ومعدل تقديري بـ 8,5٪ في مارس/ آذار 2022، وهي أعلى زيادة منذ 40 عامًا. ووصلت الزيادات في أسعار الاستهلاك في منطقة اليورو أيضًا إلى علامة 5٪ في ديسمبر/ كانون الأول، وارتفعت إلى ما يقدر بنحو 7,5٪ في مارس/ آذار، وهي أكبر زيادة منذ بدء تسجيل المعدلات في عام 1997. وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا التي تعتبر موَرّد رئيسي للحبوب، والعقوبات الغربية ضد روسيا، التي تعتبر مُصدّر رئيسي للطاقة، إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر وأضر أيضًا بالسلع الأولية مثل النفط والغاز الطبيعي والحبوب. وأصدر صندوق النقد الدولي تحذيرًا من أن ”صدمات الأسعار سيكون لها تأثير على مستوى العالم“.

وارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك المُركب في اليابان، باستثناء المواد الغذائية الطازجة، بنسبة 0,6٪ فقط على أساس سنوي في فبراير/ شباط، حيث أدى تأثير انخفاض معدلات خدمات الاتصالات المتنقلة إلى دفع المؤشر نحو الانخفاض. ومع ذلك، ارتفع مؤشر أسعار بضائع الشركات بنسبة 9,7٪ على أساس سنوي في فبراير/ شباط، وهي أول زيادة كبيرة خلال 41 عامًا منذ ديسمبر/ كانون الأول 1980، عندما كانت اليابان تحت تأثير أزمة النفط الثانية.

وإذا وصلت أسعار هذه الشركات إلى ملصقات منتجات التجزئة، فمن المرجح أن تصل أو تتجاوز أسعار الاستهلاك الهدف المأمول لاستقرار الأسعار المُحدد من قبل بنك اليابان المتمثل في زيادة قدرها 2٪ على أساس سنوي بعد أبريل/ نيسان، عندما يستمر تأثير انخفاض أسعار خدمات الهواتف المحمولة في مساره.

مخاوف الركود التضخمي

ويهدف ”استقرار الأسعار المأمول“ البالغ 2٪ الذي حدده بنك اليابان في يناير/ كانون الثاني 2013 إلى ”التغلب على الانكماش وتحقيق نمو اقتصادي مستدام“، وفقًا لبيان مشترك مع الحكومة.

ومع ذلك، فإن تحقيق هدف 2٪ في الوضع الحالي لا يحمل أي ضمان للنمو المستقر، حتى لو تمت السيطرة على الانكماش. الأمر الذي يستدعي معه مراجعة الطرق التقليدية لكسر الانكماش الاقتصادي.

ويحتاج هذا الجيل الذي لا يعرف ماهية التضخم الاقتصادي إلى إدراك بعض الأمور الخاصة بالمبادئ الاقتصادية الأساسية. وأعتقد أن سبب استمرار الانكماش لفترة طويلة في اليابان هو أن ”الأطفال الذين لم يعاصروا أي فترات انكماش“، والذين بلغوا الآن منتصف العمر، تأثروا بشدة بالأسعار المتصاعدة في السبعينيات وفوضى تضخم الأصول، حيث دفعت الفقاعة الاقتصادية في الثمانينيات إلى شعورهم براحة أكبر مع الانكماش. وهذا يعني أيضًا أنهم بطيئون في إدراك الخطر الذي يجلبه استمراره.

ويمكن تقسيم التضخم عمومًا إلى ”تضخم ناتج عن زيادة الطلب“ و ”تضخم ناتج عن ارتفاع التكاليف“. والنوع الأول أكثر شيوعًا خلال أوقات الازدهار، عندما يقوم المستهلكون بالإسراف في الإنفاق، ويزداد الطلب، ولا يمكن للعرض مواكبة ذلك. وفي الوقت نفسه، يحدث النوع الأخير من التضخم عندما ترتفع تكلفة المواد والسلع الاستهلاكية. وهذا هو النوع الذي يهدد اليابان الآن.

والتضخم في مجالات مثل الطاقة والغذاء يحد من القوة الشرائية للعملاء، مما يحد من أرباح الشركات. وتعتمد اليابان بشكل كبير على واردات الطاقة والسلع الأولية، كما أن ضُعف الين قد أثر أيضًا. وهناك احتمال كبير ليس فقط للتضخم، ولكن لفترة إضافية من الركود، الأمر الذي سيؤدي إلى ”الركود التضخمي“.

نتائج مبهمة على أحسن تقدير

ويجب أن نتذكر أيضًا أن التضخم يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في السياسة النقدية. حيث قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتغيير سياسة معدل الفائدة الصفرية لأول مرة منذ عامين، حيث رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساسية، ويُتوقع رفع أسعار الفائدة ست مرات أخرى قبل نهاية العام. وسيعمل البنك المركزي الأوروبي أيضًا على تسريع خفض سياسة التسهيل الكمي، والتي من المتوقع أن تنتهي من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول. واليابان لا تستطيع هي الأخرى الحفاظ على سياسة الفائدة الصفرية الخاصة بها إلى الأبد.

وفي عام 1973، عندما حدثت أزمة النفط الأولى، رفع بنك اليابان معدل سعر الصرف من 4,25٪ سنويًا إلى 9٪ عبر خمس زيادات في الأسعار.

وقد وصفت إحدى القصائد الكوميدية اليابانية ذات مرة أسعار الفائدة بأنها ”وصمة عار في التاريخ المصرفي“، ولكن هذا اليوم يقترب عندما يتعين تحصيل الفائدة.

وحتى إذا تم وقف إطلاق النار في أوكرانيا، فلن تتلاشى اضطرابات الحرب بسرعة، ومن المرجح أن تستمر العقوبات المفروضة على روسيا. وقد أدت أزمة النفط في السبعينيات من القرن الماضي إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى حالة من الركود التضخمي، كما أن خطر العودة إلى هذا الوضع يزداد قوة.

وحتى لو خرجت اليابان من فترة طويلة من الانكماش الاقتصادي، فلا يوجد نور ساطع يقبع في نهاية النفق. وأفضل ما يمكن رؤيته هو نور خافت مبهم المعالم، إلا أنه ومع الأسف لا يزال تهديد الظلام الدامس يلوح في الأفق.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في 23 مارس/ آذار 2022، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: ازدحام بين المستهلكين لشراء وتخزين أوراق المرحاض في أحد الأسواق المركزية بأوساكا في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وذلك في خضم دوامة التضخم التي سببتها أزمة النفط العاليمة. كيودو.)

الاقتصاد الشركات اليابانية الحكومة اليابانية