في الذكرى 800 لميلاده... رسائل نيتشيرين تخاطب العصر الحديث

ثقافة

شهدت اليابان من نهاية عصر هييان وحتى بداية عصر كاماكورا كوارث متكررة وتغيرات مضطربة في المجتمع، وظهرت سلسلة من الطوائف الدينية الجديدة تهدف لبعث الطمأنينة في قلوب الناس عن طريق تعاليم بوذا. إحدى أهم تلك الطوائف كانت تلك التي أسسها الكاهن البوذي والقديس نيتشيرين. نلقي في هذه المقالة نظرة على حياة نيتشيرين وتأثيره على البوذية اليابانية والمجتمع، بعد مرور أكثر من 800 عام على ميلاد هذه الشخصية الدينية الفريدة.

الجانب الودود من شخصية ثورية

وافق عام 2022 الذكرى الـ 800 لميلاد نيتشيرين. وقد نُظمت الكثير من الفعاليات في هذه المناسبة ونشرت الكثير من الكتب والمقالات الجديدة وأقيمت معارض كبرى. وعلى الصعيد الشخصي، قمت بتجميع مجموعة من رسائل نيتشيرين التي نشرتها شركة كادوكاوا صوفيا بونكو، وظهرت في برنامج ”كلاسيكيات في 100 دقيقة“ على قناة NHK – الذي عُرض على مدار فترة طويلة قدّم فيها شهريا كلاسيكيات مختلفة من الأدب أو الفلسفة أو التاريخ – بهدف الحديث عن نيتشيرين والشخصية الإنسانية الودودة التي تنبثق من قراءة رسائله.

لدينا الآن نحو 340 رسالة لنيتشيرين مكتوبة بخط يده أو نسخ عنها. وهذا الحجم من المراسلات يتجاوز بكثير أي تراث لدينا لمؤسسي الطوائف البوذية الأخرى. تتيح لنا قراءة هذه الرسائل التعرف على شخصية نيتشيرين الحقيقية، حيث تظهره شخصية ودودة وإنسانية. فنراه يكتب إلى أم فقدت طفلها بالكثير من التعاطف والرحمة، ويقدم نصائح وتشجيعا واقعيا وملموسا للأشخاص الذين يعانون جراء العلاقات في حياتهم المهنية أو في المنزل. تكشف قراءة الرسائل جانبا من الرجل يختلف تماما عن سمعته الشائعة باعتباره شخصية قومية عدوانية.

من بين الذين راسلهم نيتشيرين كان الساموراي شيجو كينغو أحد الأتباع المهمين لعشيرة هوجو التي كانت تتمتع بسلطة حقيقية داخل حكومة شوغونية كاماكورا. تعرض شيجو لعدة محاولات اغتيال من قبل منافسيه الغيورين من منصبه الرفيع وقربه من رعاته الأقوياء. عرضت رسائل نيتشيرين تحذيرات ونصائح مسهبة حول كيفية حماية حياته، ولكن لا يوجد فيها ما يشير إلى الموقف التحريضي الذي اشتهر به نيتشيرين. وكانت النصائح الموجهة لصديقه تركز على الدفاع عن النفس وليس ”اقتل قبل أن تُقتل“.

أصابتني الدهشة وأنا أقرأ رسائله عندما وجدته يصدر تحذيرات متكررة بشأن قضايا لا تزال تشكل هاجسا ملحا لنا اليوم، بما في ذلك التغير المناخي والحرب. فقد كتب في ”رد على هيوي-ساكان“، وهي رسالة إلى ساموراي رفيع المستوى مرتبط بعائلة إيكيغامي:

”في اليوم الأخير من القانون. . . أصبح الناس جشعين للغاية لدرجة أن الصراع يحتدم باستمرار بين الحاكم والأتباع، بين الوالد والطفل، بين الأخين الأكبر والأخ، وخاصة بين الأشخاص الذين لا تربطهم أي صلة قرابة. وعندما يحدث مثل هذا الصراع، تتخلى الآلهة عن البلاد، ثم تبدأ المصائب الثلاث والكوارث السبع، حتى تظهر في السماء شمس واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع شموس. تذبل النباتات والأشجار وتموت، وتجف الأنهار الكبيرة والصغيرة، وتحترق الأرض كالفحم، ويصبح البحر كالزيت المغلي. في النهاية تملأ الأجواء نيران من جحيم المعاناة المستمرة أفيسي، وتصل إلى جنة براهما. هذا هو الدمار الذي سيحدث عندما يبلغ العالم انحلاله النهائي“.

توقعات طاغور

وكل ما ذكر هي مشاكل حقيقية نواجهها اليوم في القرن الحادي والعشرين. كان الشاعر والمفكر والموسيقي الهندي رابندراناث طاغور من الشخصيات الرئيسية في القرن الماضي وكان قد تنبأ بأن الناس سوف يصرفون أنظارهم تجاه البوذية مرة أخرى في القرن الحادي والعشرين. عندما قام الدكتور سابياساتشي بهاتاشاريا نائب رئيس جامعة فيسفا بهاراتي التي أسسها طاغور، بزيارة اليابان أخبرني عن سلسلة من التوقعات تنبأ بها العالم الموسوعي الشهير عن التقارب بين دول آسيا في المستقبل: ”لا بد أن تصبح آسيا موحدة، ولكن ليس بالسياسة أو بقوة السلاح. لا بد أن تتحد عبر الثقافة. في الماضي، مرت أوقات مماثلة. وكان هذا التوحيد عبر البوذية. وفي القرن الحادي والعشرين، سوف يصب الناس اهتمامهم إلى البوذية مرة أخرى“.

أتذكر أنني استفسرت من الدكتور بهاتاشاريا عن السبب الذي جعل طاغور يتحدث بثقة كبيرة عن البوذية، على الرغم من عدم وجود بوذيين تقريبا في الهند منذ القرن الثالث عشر. لم يكن لديه الوقت لذكر أكثر من ذكر 3 نقاط: أولا) كانت البوذية في شكلها الأصلي تدعو إلى المساواة الكاملة، ثانيا) أن البوذية استبعدت كل الخرافات وقراءة الطالع والمسلّمات، ثالثا) أن البوذية لم تجادل لصالح قواعد الأخلاق الغربية.

وأريد أن أضيف نقطة رابعة وهي أن البوذية تعطي الأولوية لفكرة ”القانون (دارما)“ كحقيقة عالمية، وتؤكد على أهمية الاستيقاظ على الواقع والذات الحقيقية. تأملت كثيرا في مشواري المهني كباحث في البوذية في معنى تلك النقاط. وأود هنا أن أتناول معنى النقطة الثالثة على نحو خاص، وأفصّل في مسألة الأخلاق في البوذية.

من المفترض أن الأخلاق الغربية التي كان طاغور يشير إليها هي نظام الأخلاق الذي ينشأ كنوع من الالتزام بإله مطلق كلي القدرة خالق للبشر ولكل شيء آخر في الكون. وبهذا المعنى، يمكن أن يكون حتى القتل مشروعا إذا كان باسم الإله. يصبح الإله هو الغاية والناس هم مجرد وسيلة. الحياة نفسها تصبح وسيلة لتحقيق غاية. ويمكن للأيديولوجية بسهولة أن تحل محل الإله كمبرر لجميع الأفعال.

ولكن في البوذية على النقيض من ذلك، لا يوجد إله مطلق. ناقش ناكامورا هاجيمي الباحث الياباني الكبير المختص في النصوص البوذية المبكرة، هذا الاختلاف عندما أشار في كتابه ”الفكر الاجتماعي في البوذية المبكرة“ إلى أن ”الإله في الغرب كقوة مطلقة مستقل عن الإنسانية، ولكن جوهر القوة المطلقة (طبيعة بوذا) في البوذية هو شيء موجود داخل كل البشر، وفي الواقع، هنا تكمن الذات الحقيقية للشخص“.

تتضمن أوائل النصوص البوذية العبارات التالية حول طبيعة الأخلاق:
”كل الكائنات ترتعش أمام العصا،
الجميع خائفون من الموت.
فإذا رأيت ما يماثلهم في نفسك،
فلا تقتل ولا تتسبب في القتل.“
(دامابادا)

”كما أنا، كذلك هؤلاء.
مثل هؤلاء، أنا أيضا.
ارسم التشابه مع نفسك،
لا تقتل ولا تجعل الآخرين يقتلون“.
(سوتّا نيباتا)

لا يظهر في هذه العبارات أي كائن مطلق. ويسوَّق السلوك الأخلاقي ببساطة في العلاقات الحقيقية بين البشر. كما أن الناس لا يعملون كوسيلة، بل كغايات في حد ذاتها.

لم تضع البوذية أبدا قيمة نهائية في أي مكان باستثناء البشر والحياة بشكل عام. تقول سوترا ”رسالة عظيمة عن كمال الحكمة“ إن ”أعظم فضيلة في العالم هي تقدير الحياة“، وإن ”جميع الكائنات الحية – حتى الحشرات – تقدر حياتها“.

الحياة بحد ذاتها هي القيمة الأسمى

من بين جميع السوترا والنصوص البوذية، كان الأهم بالنسبة لنيتشيرين هو سوترا اللوتس. فقد كتب في ”بركات سوترا اللوتس سوترا“:

”تبدأ جميع قواعد السلوك الأخرى بحظر قتل الحياة. كل كائن، من أكبر حكيم إلى أصغر بعوضة أو ناموسة، يعتبر الحياة هي أثمن ما يملكه. وحرمان أي كائن من الحياة هو ارتكاب أعظم أنواع الخطايا“.

”عندما ظهر (الذي جاء هكذا [أي بوذا]) في هذا العالم، جعل التعاطف مع الكائنات الحية أساسا له“.

وقد انعكس هذا التفكير في نصوص أخرى، مثل ”هدية الأرز“: ”الحياة هي أهم الكنوز. . . . حتى الكنوز التي تملأ النظام العالمي الرئيسي ليست بديلا عن الحياة“. وفي ”رسالة من سادو“: ”إن أفظع الأشياء في العالم هي ألم النار، ووميض السيوف، وظل الموت. حتى الخيول والماشية تخشى القتل، فلا عجب أن البشر يخافون من الموت. حتى المجذوم يتمسك بالحياة، فكيف بالإنسان السوي“.

إن الإشارات هنا إلى ألم النار ووميض السيوف هي بالتأكيد وصف للحرب في زمن ما قبل الصواريخ والمدافع.

إن وضع القيمة النهائية خارج الإنسانية أو الحياة يهدد بتحويل هذه الأشياء إلى مجرد وسيلة لتحقيق غاية. ركزت البوذية على أهمية عدم وضع قيمة نهائية لأي شيء آخر غير البشر والحياة نفسها. وأول خطوة لإدراك نبل الحياة وقيمتها العظيمة هو إدراك نبل الذات. فمن خلال إدراك نبل نفسك، يمكنك التعرف على النبل الثمين للآخرين والإيمان به.

كما عبّر نيتشيرين في ”حول بلوغ البوذية في هذا العمر“ عن هذه الفكرة على النحو التالي: ”إذا فهمنا أن حياتنا في هذه اللحظة هي ميو [الأسمى والأغلى] فسنفهم أيضا أن حياتنا في اللحظات الأخرى هي القانون الباطني [التعليم الأسمى، الوجود الأعلى قيمة]. هذا الإدراك هو الكيو الباطن أو سوترا“. إذا رأينا أن قلوبنا ثمينة ورائعة، فيمكننا – بمعنى آخر – أن نصرف أعيننا إلى الآخرين ونفهم التعليم الأسمى الذي يسمح لنا برؤية العجائب الثمينة في حياتهم أيضا. وعندما نريد إيصال هذا إلى الآخرين، فإننا نعبر عنه باللغة. وهذا هو التعبير النبيل عن الكيو الباطن أو سوترا. تلخص هذه السطور التي كتبها نيتشيرين بإيجاز ملحوظ العلاقة غير القابلة للتجزئة بين الذات والآخرين واللغة التي وجّهت دراساتي خلال مشواري المهني.

كما كتب نيتشيرين في موضع آخر: ”هنا استُخدم فرد واحد كمثال، ولكن الشيء نفسه ينطبق بالتساوي على جميع الكائنات الحية“. تكمن وراء الأفكار البوذية عن المساواة وقيمة حياة كل الأشياء الأخرى، فكرة الصحوة والتنوير لكل فرد.

كان هناك مجرم ارتكب عنفا عشوائيا وقد نُقل عنه قوله: ”أردت أن أقتل فقط، ولم أهتم بمن يكون“. أشعرتني كلماته أن هذا الشخص نشأ دون أن يحظى بالمودة من والديه، ولم ينعم أبدا بفرصة إدراك قيمة حياته. وهذا ما دفعه للإقدام على هذا العمل المجنون بسبب اليأس والدمار.

جوهر سوترا اللوتس

تتضمن سوترا اللوتس صورا مؤثرة لاستعادة الذات المفقودة. تظهر هنا شخصية أخرى هي ”بوديساتفا الذي لا يزدري أبدا“، والذي لا يتوانى عن احترام الآخرين ويكرر قوله للناس: ”أنا لا أزدريكم. . . . لدي احترام عميق لكم، ولن أجرؤ أبدا على معاملتكم باستخفاف أو غطرسة. . . لن أجرؤ أبدا على الاستهزاء بكم“. وكان البوديساتفا هذا مصدر إلهام لشخصية ”بلوكهيد“ في قصيدة مييازاوا كينجي الشهيرة بعنوان ”قوي تحت المطر“، وقد احتذى نيتشيرين بهذا البوديساتفا في حديثه عن نفسه.

لم يكرّس ”بوديساتفا الذي لا يزدري أبدا“ وقته لقراءة النصوص المقدسة أو تدريسها، بل كان ببساطة ينحني للناس. لم تكن أفعاله مفهومة وكان يتعرض للشتائم والإساءة بانتظام. ولكن لم يستسلم للغضب أو المشاعر، بل استمر في التصرف بنفس الطريقة، قائلا: ”لن أزدريكم أبدا“. وعندما كان على فراش الموت، سمع أصواتا من السماء تردد سوترا اللوتس، على الرغم من عدم وجود أحد من حوله يقرأ السوترا. وكان قادرا على فهم تلك الآيات واستيعابها على الفور. وقد مُدد عمره وبدأ تبشير سوترا اللوتس. وتمكن من تحقيق التنوير لنفسه ولآخرين كثر.

هناك رسالة مهمة هنا. فقد سُمع صوت سوترا اللوتس فجأة من السماء، على الرغم من أن لا أحد يقرأ السوترا، وأصبح ”بوديساتفا الذي لا يزدري أبدا“ قادرا على فهم رسالتها على الفور. لم يقرأ هذا الراهب السوترا قط، ولم يبشر بمعانيها. لقد فشل في تحقيق حتى الحد الأدنى من متطلبات الممارسات البوذية. لكنه كان يحترم جميع الناس. وهذا الفعل في حد ذاته يحقق قلب وروح سوترا القلب. وعلى الرغم من أنه لم يقرأ سوترا اللوتس بالكلمات المكتوبة، إلا أن أفعاله ومواقفه في احترام جميع الناس تجسد جوهر السوترا نفسها. وقد استوعب معناها ورسالتها.

الرسالة الأساسية للسوترا هي النقد الساخر للكهان المهووسين بالتسلسل الهرمي وأتباعهم الذين يقضون أيامهم في قراءة السوترا والانخراط في مناظرات ومناقشات غامضة ومثقفة، لكنهم ينظرون بازدراء إلى الآخرين. علما أن تأدية الشخص للممارسات البوذية المتعلق بالسوترا تحتل أهمية ثانوية. إن احترام الحياة البشرية يمثل قلب سوترا اللوتس وجوهر البوذية الحقيقية.

وبهذا المعنى، يمكننا القول إن شخصيات مثل نيلسون مانديلا الذي سُجن 27 عاما وكرّس حياته للحركة المناهضة للفصل العنصري، وزعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور، مارسوا أيضا سوترا القلب في حياتهم. أما فكرة أن يكون الشخص بوذيا فهو أمر ذو أهمية ثانوية، وما يهم حقا هو احترام البشر والحياة كلها. وما يجسد حقا رسالة سوترا اللوتس هي فكرة يمكن القول إنها تتجاوز الطائفية، وتجعل من احترام الإنسانية والحياة نفسها أساس السلوك الأخلاقي.

العنوان الكامل لسوترا اللوتس باللغة السنسكريتية هو Saddharma-puṇḍarīka-sūtra ويعني ”التعليم الأسمى مثل زهرة اللوتس البيضاء“. وهذا تشبيه مجازي يعتمد على جوهر سوترا اللوتس التي تعلم أهمية احترام البشر، حيث إن زهرة اللوتس البيضاء هي من أثمن الزهور المحبوبة في الهند.

كان نيتشيرين يقدس سوترا اللوتس ويحث الناس على ”العودة“ إلى تعاليمها. وظلّ حتى لحظة وفاته تقريبا يطالب بـ”ريشّو أنكوكو (تأسيس التعاليم الصحيحة من أجل سلام الأرض)“. ويتضح هدفه من انتقاد حكام البلاد في فقرة في رسالته ”حول حماية الأمة“ حيث يقول: ”البعض. . . . بعد أن أصبحوا حكام إحدى الأمم. . . يفشلون في الاهتمام أو فهم آلام السكان“ و ”يغرقون في العوالم الشريرة“. وفي رسالة ”حول التعاليم الصحيحة من أجل سلام الأرض“ كتب نيتشيرين: ”إذا كنت تهتم بأمنك الشخصي، فيجب عليك أولا أن تصلي من أجل النظام والهدوء في جميع أنحاء الأرض الأربعة . . . . فإذا كنت تعيش في بلد لا يعرف انحطاطا ولا نقصانا، في بلد لا يعاني من أذى ولا اضطراب، فإن جسدك سيجد السلام والأمن، وسيكون عقلك هادئا غير مضطرب“.

شهدت بداية التاريخ البوذي وجود ملك مشهور ندم على المجازر الكثيرة التي ارتكبت باسمه واعتنق البوذية وأصبح ملكا مثاليا يحترم كل أشكال الحياة، وهذا الملك هو أشوكا الذي حكم في القرن الثالث قبل الميلاد. ففي السنة التاسعة من حكمه غزا بلاد كالينغا وأسر 150 ألف شخص، قُتل منهم 100 ألف. كما فقد كثيرون آخرون حياتهم في فوضى الحرب.

ولكنه ندم عن تلك الأفعال واعتنق البوذية، وفي السنة العاشرة من حكمه ذهب في رحلة حج إلى الأماكن المرتبطة بحياة شاكياموني (شخصية بوذا التاريخية). فتح بيوت صدقات للفقراء ومستشفيات للناس والحيوانات، وزرع أعشابا طبية وغرس أشجارا على طول الطرق في جميع أنحاء مملكته، وحفر الآبار على مسافات منتظمة على طول الطرق الرئيسية، وأنشأ أماكن استراحة للمسافرين.

وقرر أن يحكم بـ”دارما“، وكرس ما تبقى من حياته مؤمنا بأنه حتى الملك يحصل على منافع وبركات الحياة كلها، وأن الحكومة يجب أن تدار بطريقة من شأنها سداد هذا الدين. وقال إن ”جميع الرعايا في مملكتي هم أطفالي“، مستلهما ذلك من عبارة وردت في سوترا اللوتس يقول فيها البوذا شاكياموني: ”الآن هذا العالم الثلاثي هو مجالي بالكامل، والكائنات الحية فيه جميعها أطفالي“.

بشّرت كل من البوذية الأصلية المبكرة وسوترا اللوتس ونيتشيرين بنفس الحقيقة: النبل الأساسي لحياة البشر وكل الحياة. ربما تكون رسالة هذه الحقيقة الأساسية أكثر أهمية اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى.

نيتشيرين

(صورة شخصية لنيتشيرين من مجموعة معبد كوونجي بمحافظة ياماناشي)
(صورة شخصية لنيتشيرين من مجموعة معبد كوونجي بمحافظة ياماناشي)

كاهن بوذي عاش في فترة كاماكورا (1185–1333)، وهو مؤسس طائفة نيتشيرين البوذية، إحدى المدارس الرئيسية في بوذية كاماكورا. من مواليد 16 فبراير/شباط عام 1222 في كاتاؤمي، وهي قرية صيد في مقاطعة أوا (حاليا كاموغاوا بمحافظة تشيبا). التحق في سن الثانية عشرة بمعبد سييتشوجي في كييوسوميياما، حيث تتلمذ على يد الكاهن المقيم دوزينبو. أصبح كاهنا في عمر 16 عاما، وأخذ اسم زيشوبو رينتشو.

كان يرغب في دراسة تعاليم الطوائف المختلفة، ولذلك سافر للدراسة في المراكز الرئيسية لتعليم البوذية في اليابان، ولا سيما إنرياكوجي على جبل هيي خارج كيوتو، وكذلك أونجوجي (ميئديرا) بالقرب من بحيرة بيوا وكوياسان في واكاياما. وعاد في حوالي عامي 1252 و1253 إلى سييتشوجي وبدأ تبشير سوترا اللوتس. ثم انتقل في عام 1253 إلى كاماكورا، حيث بدأ أنشطته التبشيرية بشكل جدي، متخذا لنفسه اسم نيتشيرين.

تعرضت كاماكورا في أغسطس/آب عام 1257 لزلزال كبير تسبب في أضرار على نطاق واسع. وكتب في عام 1260 ”ريشّو أنكوكورون“ حذر فيه من أنه ما لم تقم الحكومة بقمع طائفة الأرض النقية واللجوء إلى سوترا اللوتس، فإن البلاد ستئن تحت وطأة اضطرابات داخلية وستتعرض لهجوم من قوى أجنبية، ما سيشكك في المسؤوليات الدينية للمسؤولين الحكوميين الذين هم في السلطة. أرسل مقالته إلى الوصي هوجو توكييوري، الذي كان أعلى سلطة سياسية في البلاد. أدى الشك في كونه متطرفا من جانب حكومة كاماكورا الشوغونية وأتباع طائفة الأرض النقية إلى قمع تعاليمه، وأرسل نيتشيرين إلى المنفى (في إيزو في عام 1261 وإلى جزيرة سادو النائية في عام 1271). توفي في 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1282.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: تمثال نيتشيرين في معبد ميوهونجي في كاماكورا بمحافظة كاناغاوا. © جيجي برس)

البوذية الشنتو الدين