شينزو آبي قائد محنّك أثرى الحياة السياسية وترك بصمة لا تٌنسى في تاريخ اليابان

سياسة

الصحفي المخضرم كوغا كو يلقي نظرة على الأوجه المتعددة لشخصية رئيس الوزراء السابق شينزو آبي الذي أحدث اغتياله في 8 يوليو/ تموز 2022 صدمة كبيرة في اليابان.

لقد كان اغتيال رئيس الوزراء شينزو آبي في 8 يوليو/ تموز 2022 نهاية مفجعة لعقد من العمل السياسي المتجدد، حيث تولّى منصب رئيس الوزراء من عام 2006 إلى عام 2007 ثم اضطر للاستقالة بعد عام واحد فقط بسبب معاناته مع المرض مما جعل الكثيرين يعتبرونها نهاية حياته السياسية، إلا أنه تعافى بمعجزة وعاد بقوة ليفوز في انتخابات قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي في سبتمبر/ أيلول 2012. وبعد مرور ثلاثة أشهر أصبح رئيسًا للوزراء، بعد أن قاد الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى فوز ساحق في الانتخابات ضد الحزب الديمقراطي الياباني. ظل آبي رئيسًا للوزراء لمدة سبع سنوات وثمانية أشهر في سابقة لم تحدث من قبل، كما ظل قوة مؤثرة في عالم السياسة حتى خلال تولّي كل من سوغا يوشيهيدي وكيشيدا فوميئو رئاسة الوزراء.

في الواقع، تحتّم على اليابان خلال تلك الفترة مواجهة بيئة أمنية متدهورة وانحسار القوة الوطنية. يمكن أيضًا القول إن الأزمة التي واجهتها اليابان في تلك الفترة بشأن هويتها بعد الحرب ساعدت آبي على تأسيس إمبراطوريته السياسية.

زعيم مثير للجدل

كان آبي مثل مغناطيس قوي يجذب الحلفاء ويصد الأعداء مما جعله حالة استثنائية بين كل رؤساء وزراء اليابان من حيث قدرته على جذب الدعم القوي والمعارضة في آن واحد. سمعته ذات مرة يتذكر بسعادة كيف وصفه واتانابي تسونيو، رئيس تحرير صحيفة يوميوري شيمبون، بأنه أكثر رئيس وزراء عدواني منذ يوشيدا شيغيرو.

كان واتانابي تسونيو يشير إلى البيان الصادر عن آبي في فبراير/ شباط 2019 في المؤتمر السنوي للحزب الليبرالي الديمقراطي قبل انتخابات مجلس الشيوخ في ذلك العام، إذ أثار التحذير الذي أطلقه آبي وقال فيه بأنه ”لا يمكننا العودة إلى كابوس إدارة الحزب الديمقراطي الياباني للبلاد“ ردود فعل غاضبة بين أحزاب المعارضة وذكّر بعض المؤرخين بما قاله يوشيدا عن نانبارا شيغيرو رئيس جامعة طوكيو ذي الميول اليسارية، حين وصفه بالقواد الذي يفسد المجتمع.

لقد كان آبي قوة ساحقة داخل البرلمان وانتٌقد كثيراً بسبب ازدرائه للمعارضة المتشرذمة باعتباره سلوكاً رافضاً لا يتسم بالنضج. حتى داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، التزم المعتدلون بالهدوء تجاه خطاب آبي الاستفزازي.

ومع ذلك، كان هذا متسقًا مع موقف آبي العنيف تجاه اليسار، ولا ننسى في هذا السياق ذكر كيف غضب حين رأى لافتة يحملها حشد من الجماهير مكتوب عليها ”ارحل يا آبي!“ خلال انتخابات محافظة طوكيو في يوليو/ تموز 2017، مما دفعه إلى أن يقسم بأنه لن يسمح لمثل هؤلاء الأشخاص بهزيمته.

حشد يحمل لافتة كتب عليها ”ارحل يا آبي!“ بينما يلقي رئيس الوزراء شينزو آبي خطابًا خلال انتخابات محافظة طوكيو في أكيهابارا في 1 يوليو/ تموز 2017. (جيجي برس).
حشد يحمل لافتة كتب عليها ”ارحل يا آبي!“ بينما يلقي رئيس الوزراء شينزو آبي خطابًا خلال انتخابات محافظة طوكيو في أكيهابارا في 1 يوليو/ تموز 2017. (جيجي برس).

فصائل سياسية متناحرة

في فبراير/ شباط 2022، سألت آبي عن هدفه من وراء بيانه المثير للجدل. في الشهر السابق، جاء ذكر هجماته المستمرة على أحزاب المعارضة في كتاب جديد من تأليف تسعة من كبار الأكاديميين.

أجاب آبي: ”كنت أقود الحزب الحاكم قبل المعركة الانتخابية، وكما تعلم فالانتخابات تتمحور حول إجراء مقارنات لتحديد الأفضل. في أي معركة، ينبغي على القائد أن يتبارز مع خصومه، البعض يعتقد أن هذا عمل قذر يجب تركه لشخص آخر، ولكن بما أنه لم يكن هناك أي شخص آخر يصلح لهذه المهمة، فقد تقدمت بنفسي إلى الصفوف الأمامية“.

لا شك أن هذا قد أثار بعض الاستياء من رئيس الوزراء كيشيدا، كما أوضح آبي.

”عليك أن تستنهض القوات في وقت الانتخابات لكن شخصية كيشيدا ليست من هذا النوع في الحقيقة. يتساءل الكثير من المشرّعين عن سبب عدم مواجهته للحزب الدستوري الديمقراطي الياباني. لذا فإن انتقاد المعارضة هو طريقة جيدة لخلق بعض الإثارة“.

من الواضح أن استياء آبي من كيشيدا قد تجاوز مجرد موقف الأخير تجاه المعارضة ليشمل أسلوبه في الحكم بشكل كامل. لقد كان آبي يعرض باستمرار آراءه على كيشيدا في شتى المواضيع من الشؤون المالية والأمن القومي إلى اختيار نائب وزير الدفاع. فبرغم أن كلاهما أصبحا مشرّعين في عام 1993، إلا أن آبي كان دائماً يرى نفسه في مكانة أعلى من كيشيدا ويتمتع بحنكة سياسية تفوقه بكثير.

كان هناك اختلاف جوهري في بنية الهيكل الداعم لإدارة كل منهما، حيث نجح نهج القوة الصارمة الذي اتبعه آبي في جذب الناخبين من الرجال والشباب، في حين حصلت قوة كيشيدا الناعمة على مزيد من الدعم من النساء وكبار السن.

إذا لم يتم إطلاق النار على آبي واغتياله، لكانت إحدى المهام الرئيسية الي سيأخذها كيشيدا على عاتقه بعد انتخابات مجلس الشيوخ هي ردع محاولاته للتدخل، ويتعلق هذا بالتوترات الطويلة بين فصيل كوتشيكاي أو فصيل الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة كيشيدا وفصيل سيواكاي الذي يعد أكبر فصائل الحزب الليبرالي الديمقراطي وكان يترأّسه آبي حتى وفاته.

جد آبي كان رئيس الوزراء كيشي نوبوسوكي، وكان والده آبي شينتاري وزيراً للخارجية. نشأ في عائلة لها باع طويل في مجال السياسة، وتخرج من جامعة سيكاي ثم بدأ العمل في شركة كوبي ستيل. يقول عنه زميل سابق عمل معه في كاكوغاوا بمحافظة هيوغو أنه شاب لطيف لا يشرب، ولذا كان على استعداد لتوصيل زملائه المخمورين بعد انتهاء حفلات الشرب. غالباً كان آبي شابًا حسن الطباع، ولكن الأهم من ذلك أنه كان محمياً ومن خلفية ثرية.

غالبًا ما كان يتم الحديث عن آبي باعتباره حفيد كيشي نوبوسوكي الملقب بـ ”وحش عصر شووا“ (1926-1989) وكان جده لأمه، كما كان جده لأبيه أيضًا رمزاً من رموز السياسة.

”آبي كان“، الذي يكبر كيشي بسنتين، تخرج من جامعة طوكيو الإمبراطورية وعمل عمدة قرية في محافظة ياماغوتشي قبل انتخابه مرتين لمجلس النواب. وأعرب عن معارضته لحكومة هيديكي توجو في زمن الحرب وظل صوتًا متمردًا في دولة الحزب الواحد.

عند تسمية ابنه آبي شينتارو، استخدم ” آبي كان“ الكانجي 晋 (شين) من اسم تاكاسوغي شينساكو وهو بطل وطني كان نشطًا في السنوات التي سبقت نهضة ميجي، ويظهر الكانجي أيضًا في اسم شينزو آبي. تخرج آبي شينتارو من جامعة طوكيو وعمل كمراسل سياسي في ماينيتشي شيمبون قبل أن يدخل معترك السياسة. لكن آبي كان نادرًا ما يسهب في الحديث عن جده لأبيه أو ماينيتشي شيمبون، بينما كان دائماً ما يتحدث بفخر واعتزاز عن جده لأمه كيشي.

الفكر اليميني متأصل في عائلة آبي

لعل السبب في هذا كان تأثير والدته يوكو، حيث كان والده غائبًا معظم الوقت، وكانت أمه يوكو تتحدث بإسهاب عن البراعة السياسية لوالدها كيشي. تبلغ أمه الآن 94 عامًا وكانت تظهر بانتظام حتى بضع سنوات مضت في اجتماع يٌعقد في شهر مايو/ أيار لإحياء ذكرى وفاة زوجها.

هنا يتضح لنا السبب وراء استهزاء آبي بالدستور واعتباره مخزيًا فضلاً عن رفضه لما يراه ”وجهة نظر ماسوشية للتاريخ“ انعكست على الماضي العسكري للبلاد، ليتأكد لنا أن كل هذا يرتبط بشكل مباشر بنشأته متأثراً بأيديولوجية كيشي اليمينية.

بالرغم من أن آبي أعلن عن نفسه كشخصية محافظة، إلا أنه فضّل اختيار ”حكومة كبيرة“ شجّعت على الإنفاق العام ومشاركة المرأة النشطة في سوق العمل، وبالتالي فإن سياساته التي تبدو ليبرالية تذكرنا برأسمالية الدولة التي طبّقها جده كيشي في منشوريا.

كانت حكومة آبي أكثر حكومة يمينية جاءت في حقبة ما بعد الحرب، مما جذب شخصيات ووسائل إعلام كانت مهمشة في السابق للانضمام إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ساكوراي يوشيكو، وهي صحفية وكاتبة ومقدمة برامج تنتمي إلى مجموعة نيبون كايغي، والمؤلف هياكوتا ناؤكي.

مع وجود شخصيات قوية تدين بالولاء للحزب الليبرالي الديمقراطي في البرلمان بالإضافة إلى ما اكتسبه من سلطة في رئاسة الوزراء من خلال الإصلاحات، رأى آبي أن الوقت قد حان لاستخدام سلطته، فقام بسن تشريعات أدت إلى انقسامات في الرأي العام وسعى إلى التحكم في اختيار الشخصيات التي يتم تعيينها في الخدمة المدنية.

شخصية لها سحر خاص

كانت هذه هي الطريقة التي اكتسب بها آبي سمعته الطيبة، لكنه كان يظهر جانبًا مختلفًا من شخصيته على نطاق محدود من التجمعات الصغيرة. في مثل هذه المواقف، كانت تتاح له فرصة الاستمتاع بمحادثة رائعة يحرص معظم أطرافها على إرضائه.

على سبيل المثال، كانت لديه هذه الحكاية عن رحلة قام بها إلى بريطانيا في عام 2016، فيقول ”طلبت من ديفيد كاميرون اصطحابي إلى Chequers [المنزل الريفي لرئيس وزراء المملكة المتحدة]. وقد أظهرت السجلات أن آخر رئيس وزراء ياباني ذهب إلى هناك كان كاكويه تاناكا قبل ثلاثة وأربعين عامًا. وكان الزائر الياباني الوحيد قبل ذلك هو الإمبراطور شووا في عام 1921، عندما كان لا يزال وليًا للعهد“.

كما أن لباقته في الحديث كانت عاملاً أساسياً في تكوين علاقات ودية مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ففي الدبلوماسية بين رؤساء الدول تعد القدرات الفردية عامل حسم هام.

رئيس الوزراءالأسبق شينزو آبي يلعب الغولف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نادي ستيرلينغ الريفي الوطني في ولاية فيرجينيا، 27 أبريل/ نيسان 2019 (إهداء من مكتب الشؤون العامة بمجلس الوزراء، جيجي برس)
رئيس الوزراءالأسبق شينزو آبي يلعب الغولف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نادي ستيرلينغ الريفي الوطني في ولاية فيرجينيا، 27 أبريل/ نيسان 2019 (إهداء من مكتب الشؤون العامة بمجلس الوزراء، جيجي برس)

قبل الذكرى السنوية هذا العام لزلزال شرق اليابان الكبير في 11 مارس/ آذار، حمّل آبي على موقع يوتيوب مقطعاً يظهر فيه وهو يعزف على البيانو أغنية ”Hana wa saku“ (سوف تتفتح الأزهار)، وهي أغنية لدعم التعافي في المناطق المتضررة من الكارثة. لن أنساه أبداً وهو يقول ”لقد عزفتها لأنني طُلب مني ذلك، لكنني لم أعزف البيانو منذ كنت في الصف الثاني. عادة لا أشعر بالتوتر عند إلقاء الخطب، لكن كنت متوتراً بشكل لا يصدق أثناء الأداء، حتى أني تدربت كثيراً لمدة شهرين“.

كانت لدى آبي ذكرى مؤلمة نظراً لتعرضه لانتقادات شديدة بسبب مقطع فيديو يظهر فيه مسترخيًا في المنزل مع كلبه، ويشجع الناس على عدم الخروج أثناء جائحة كوفيد-19. قال بمرح: ”لقد حصد المقطع الذي أعزف فيه على البيانو على أكثر من مليوني مشاهدة“.

بعد اغتياله يوم 11 يوليو/ تموز، تم بشكل متكرر عرض مقطع فيديو له وهو يعزف على البيانو مع زوجته آكي في معبد زوجوجي ”Zōjōji“ بطوكيو.

مراسم تقديم التعازي التي تسبق جنازة رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي في معبد زوجوجي ”Zōjōji“ بطوكيو في 11 يوليو/ تموز 2022 (جيجي برس)
مراسم تقديم التعازي التي تسبق جنازة رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي في معبد زوجوجي ”Zōjōji“ بطوكيو في 11 يوليو/ تموز 2022 (جيجي برس)

رئيس الوزراء شينزو آبي يظهر على هيئة سوبر ماريو في الحفل الختامي لأولمبياد ريو دي جانيرو في 21 أغسطس/ آب 2016 (وكالة أنباء أفلو)
رئيس الوزراء شينزو آبي يظهر على هيئة سوبر ماريو في الحفل الختامي لأولمبياد ريو دي جانيرو في 21 أغسطس/ آب 2016 (وكالة أنباء أفلو)

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 11 يوليو / تموز 2022، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء شينزو آبي وزوجته آكي في بالم بيتش في 19 أبريل/ نيسان 2018، قبيل عودتهما من زيارة للولايات المتحدة. جيجي برس).

شينزو آبي الحزب الليبرالي الديمقراطي الحكومة اليابانية