الحرب الروسية اليابانية: أول ”حرب شاملة“ في القرن العشرين

سياسة

تمكنت اليابان من هزيمة روسيا – إحدى القوى العظمى في العالم – في الحرب الروسية اليابانية (1904 إلى 1905)، وذلك بعد أقل من 40 عاما من إصلاحات ميجي في عام 1868 عندما بدأت اليابان في التحديث السريع. وفي هذه المقالة يقدم المؤرخ كاواي أتسوشي نبذة عن خلفية الصراع والوقائع الرئيسية للحرب وتداعيات نهايتها المفاجئة.

الخوف من الغزو

ساد خوف من حدوث غزو روسي لليابان على مدى فترات طويلة من عصر ميجي (1868-1912). فقد كانت روسيا في القرن الثامن عشر بدأت توسعها جنوبا لتأمين موانئ في المياه الدافئة، وأجبرت اليابان في السنوات الأخيرة من حكم النظام الشوغوني على الانفتاح على التجارة، حيث وقعت معاهدة شيمودا بين البلدين في عام 1855، بعد أن أبرمت اليابان معاهدتين مماثلتين مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

وفي عام 1861، سيطرت سفينة حربية روسية على جزيرة تسوشيما لفترة وجيزة قبل أن يطردها البريطانيون. ولكن على الرغم من بنود معاهدة شيمودا التي تخول كلا من اليابانيين والروس العيش في الجزيرة المعروفة في اليابان باسم كارافوتو (تديرها روسيا حاليا باسم سخالين)، أنشأت روسيا مستعمرة جزائية ونشرت جنودا هناك في بداية عصر ميجي، ما شكل ضغوطا على السكان اليابانيين.

وفي شهر مايو/أيار من عام 1891 تعرض ولي العهد الروسي نيكولاس (الذي أصبح فيما بعد نيكولاس الثاني) لهجوم بالسيف من قبل أحد رجال الشرطة اليابانيين الذين كانوا يرافقونه في أوتسو بمحافظة شيغا، وذلك أثناء عودته إلى كيوتو من رحلة إلى بحيرة بيوا. هرع الإمبراطور ميجي ورئيس الوزراء ماتسوكاتا ماسايوشي على إثر ذلك إلى كيوتو لزيارة ولي العهد المصاب في المستشفى. كما بعث الكثير من المواطنين اليابانيين برقيات ورسائل اعتذار، علاوة على جبال من الهدايا.

حتى أن امرأة أقدمت على شق حنجرتها أمام مكتب محافظة كيوتو تعبيرا عن الأسف لما لاقاه ولي العهد ومشاعرها تجاه معاناة الإمبراطور. وعلى الرغم من أن هذا التصرف كان رد فعل مبالغا فيه إلى حد كبير، إلا أنه يمثل مخاوف يابانية من أن تستخدم روسيا حادثة أوتسو كذريعة لإعلان الحرب. كان هناك قلق من أن اليابان غير مستعدة لمثل هذا الصراع، ومن المؤكد أنها سوف تصبح مستعمرة. ولحسن الحظ، أعلنت الحكومة الروسية وولي العهد الأمير نيكولاس أنهما راضيان عن الرد الياباني على الحادث، لكن وزير الخارجية آوكي شوزو وآخرين استقالوا لتحمل المسؤولية عن الحادث.

حليف قوي

ولكن في عام 1894 – أي بعد ثلاث سنوات – بدأت الحرب الصينية اليابانية، وكان الدافع وراءها جزئيا هو تحركات لمواجهة روسيا. كانت لدى اليابان مخططات بشأن كوريا منذ عام 1868، على أمل تحديثها وحمايتها في الوقت نفسه من توسع روسيا جنوبا. لكن كوريا كانت تابعة لسلالة تشينغ الصينية، التي كانت تشعر بالاستياء من التدخل الياباني. وتزايدت التوترات واندلعت الحرب.

بعد انتصار اليابان الساحق في عام 1895، اضطرت الصين إلى الاعتراف باستقلال كوريا بموجب معاهدة شيمونوسيكي، ودفعت تعويضات باهظة قدرها 200 مليون تايل (أي ما يعادل حوالي 310 مليون ين آنذاك، أو أكثر من ضعفي الدخل القومي)، وقامت بتسليم أراض من بينها شبه جزيرة لياودونغ والأرخبيل المعروف الآن باسم تايوان.

وبينما كانت اليابان لا تزال ثملة بخمرة النصر، صبت روسيا الماء البارد على احتفالات البلاد. فقد أقنعت فرنسا وألمانيا بالانضمام إليها في مطالبة اليابان بإعادة شبه جزيرة لياودونغ، فيما أصبح يعرف باسم التدخل الثلاثي.

وفي ظل غياب أي أمل بالنصر في حال معارضة اليابان لذلك الطلب، أعادت اليابان الأراضي إلى الصين. ولكن روسيا فرضت سيطرتها على مينائي لوشون (بورت آرثر) وداليان في شبه الجزيرة بموجب عقد إيجار، وبدأت في ترسيخ سلطتها في جميع أنحاء المنطقة. وأرسلت المزيد من القوات في وقت ”ثورة الملاكمين“ في مطلع القرن، واستولت على منشوريا بأكملها.

وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة الكورية تشعر بالغضب من النفوذ الياباني وتقترب من روسيا. تم اغتيال الملكة مين، التي كانت شخصية مركزية في الحكومة، في مؤامرة قام بها ميورا غورو، وزير اليابان في كوريا. لجأ زوجها الملك كوجونغ للهرب واللجوء إلى السفارة الروسية، وأسست كوريا حكومة جديدة بدعم مالي وعسكري من روسيا

من جهتها ردت اليابان بالتوجه إلى بريطانيا لتشكيل التحالف الأنجلو ياباني في عام 1902. كانت بريطانيا ترى في روسيا تهديدا لمصالحها في الصين والهند، ولذلك دعمت اليابان من أجل عرقلة التقدم الروسي في شرق آسيا.

أرادت الحكومة اليابانية – في ظل وقوفها بجوار حليف قوي جديد – أن تعترف روسيا بسلطتها في كوريا مقابل اعترافها بالسيطرة الروسية على منشوريا. وكانت ترغب في هذه المرحلة في حل القضايا الثنائية عبر الدبلوماسية.

ولكن الشعب الياباني كان يرغب في خوض الحرب بعد أن شجعه التحالف مع الإمبراطورية البريطانية. وعندما بدأت روسيا في بناء قاعدة لها في شمالي كوريا، كان التوجه الساحق للرأي العام نحو دعم العمل العسكري.

يرجع ذلك جزئيا إلى عدم إعلان الحكومة اليابانية عن نقاط القوة النسبية لكل من اليابان وروسيا، ولا بد وأن وسائل الإعلام أيضا تتحمل المسؤولية. فمعظم الصحف والمجلات تبنت لهجة عدوانية لتعزيز مبيعاتها، ولم تنشر التوقعات الدولية بانتصار روسيا، بل أججت نيران الحرب.

ولكن كانت هناك قلة من دعاة السلام البارزين وغيرهم ممن عارضوا الحرب بمن فيهم أوتشيمورا كانزو الذي جادل من وجهة نظر مسيحية إنسانية، وكوتوكو شوسوي وساكاي توشيهيكو اللذان عارضا الحرب من منظور اشتراكي. فعندما أصبحت صحيفة ”يوروزو تشوهو“ اليومية في صالح الحرب، استقال كوتوكو من عمله فيها، وأسس شركة ”هييمينشا“ التي نشرت صحيفة ”هييمين شيمبون“ المناوئة للحرب بعد نشوب الصراع. كما كتبت يوسانو أكيكو قصيدتها الشهيرة المناهضة للحرب ”كيمي شينيتامو كوتو ناكاري (لن تموت)“ لأخيها الذي شارك في الحرب.

يوسانو أكيكو المعروفة بأنها إحدى كبار شعراء الرومانسية اليابانية. وكانت أيضا معلّقة منتظمة على قضايا المرأة والتعليم. من ”صور شخصية لليابانيين المعاصرين“ (بإذن من مكتبة البرلمان الياباني القومي).يوسانو أكيكو المعروفة بأنها إحدى كبار شعراء الرومانسية اليابانية. وكانت أيضا معلّقة منتظمة على قضايا المرأة والتعليم. من ”صور شخصية لليابانيين المعاصرين“ (بإذن من مكتبة البرلمان الياباني القومي).

آمال عقيمة في أن تكون الحرب قصيرة

كان الجيش الياباني قد اتخذ بالفعل قرار الحرب في خريف عام 1903، مدفوعا بالرأي العام الداعم لها. وانهارت المفاوضات في فبراير/شباط 1904، وأعلنت اليابان الحرب على روسيا.

يقال إن الإمبراطور ميجي كان يعارض الحرب حتى إلى ما قبيل بدايتها، حيث كان يقول إنه في حالة هزيمة اليابان فهو لا يعرف كيف يمكنه الاعتذار من أسلافه أو ما يمكنه فعله من أجل الشعب. كان الإمبراطور والحكومة والقادة العسكريون يعلمون جميعا أن اليابان لا تستطيع التغلب على روسيا في صراع مباشر.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، خطط الجيش لاستراتيجية لضمان استمرار الحرب لمدة عام تقريبا. حيث يقوم الأسطول الياباني المشترك في البداية بنصب كمين للأسطول الروسي في المحيط الهادئ وتدميره. وفي الوقت نفسه، يضرب الجيش الياباني لياويانغ في منشوريا بكامل قوته قبل أن تتمكن روسيا من تركيز قواتها في الشرق الأقصى. وهذا من شأنه أن يستنزف بسرعة حماس الحكومة الروسية للقتال ويؤدي إلى نهاية سريعة للصراع. وبعبارة أخرى، بدأت اليابان أعمالها العدائية مع خصم قوي مثل روسيا دون أن تكون لديها فكرة واضحة عن احتمالات النصر أو تكلفته.

لكن آمال الجيش الياباني في حرب قصيرة كانت مجرد وهم. فعلى الرغم من انتصار اليابان في معركة لياويانغ، إلا أنها تكبدت أكثر من 5300 قتيل قبل انسحاب الروس. كما فشلت أيضا في القضاء على الأسطول الروسي في المحيط الهادئ الذي لجأ إلى لوشون.

كان ميناء لوشون محميا بالكثير من المدافع الثقيلة، وكان من المستحيل الاقتراب منه عن طريق البحر. دعت البحرية اليابانية الجيش لشن هجوم. واستغرق الأمر عدة أشهر وتضحيات كبيرة من الجنود لاختراق التحصينات الخرسانية والاستيلاء على المستعمرة. كان حصار لوشون بشكل أساسي يتم عبر حرب خنادق مع استخدام مدافع هاوتزر من عيار 28 سم ومدافع رشاشة ومدافع هاوتزر سريعة الإطلاق وقنابل يدوية ومدافع ميدانية. وبهذا المعنى، فقد شكل الحصار نموذجا للقتال في الحرب العالمية الأولى التي جاءت بعد عقد من الزمن.

صورة لمسؤولين يابانيين وروس بعد اجتماع الجنرال الياباني نوغي ماريسوكي (الصف الأوسط، الثاني من اليسار) والجنرال الروسي أناتولي ستيسيل (الصف الأوسط، الثاني من اليمين) في 5 يناير/كانون الثاني عام 1905 بعد سقوط لوشون (© جيجي برس).
صورة لمسؤولين يابانيين وروس بعد اجتماع الجنرال الياباني نوغي ماريسوكي (الصف الأوسط، الثاني من اليسار) والجنرال الروسي أناتولي ستيسيل (الصف الأوسط، الثاني من اليمين) في 5 يناير/كانون الثاني عام 1905 بعد سقوط لوشون (© جيجي برس).

تمكن الجيش الياباني من تحقيق انتصارات متتالية أثناء تحركه شمالا قبل معركة موكدين الحاسمة التي استمرت 10 أيام وشارك فيها ما يصل إلى 600 ألف مقاتل. وعلى الرغم من انتصار اليابان في المعركة، إلا أنها تكبدت 70 ألف قتيل وكانت لا تملك القوة العسكرية والأسلحة اللازمة لمطاردة الجنود الروس المنسحبين.

الغضب من معاهدة السلام

ارتفعت تكلفة الحرب الروسية اليابانية لتصل إلى 1.7 مليار ين، كانت نحو 1.35 مليار ين منها دينا عاما، ثلثاه تقريبا ديون خارجية. أمنت اليابان الأموال من أجل القتال عبر قروض طلبها نائب رئيس بنك اليابان تاكاهاشي كوريكييو خلال رحلة إلى بريطانيا. وقد كان التمويل من بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى أساسيا للمجهود الحربي الياباني.

وإلى جانب التمويل، قدمت بريطانيا دعما كبيرا آخر ساعد اليابان على تحقيق نصر يتجاوز قوتها العسكرية في الحرب. شمل ذلك تقديم معلومات استخباراتية قيمة، فضلا عن إعاقة تقدم أسطول البلطيق في رحلته الطويلة إلى المحيط الهادئ من خلال رفض مرور السفن عبر قناة السويس وعدم السماح لها بالتزود بالوقود في المستعمرات البريطانية. وكان هذا بالتأكيد عاملا ساهم في انتصار اليابان على الأسطول في معركة تسوشيما.

كما تعاون الشعب الياباني بشكل كامل مع المجهود الحربي. فقد تم نشر أكثر من مليون جندي، وكانت هناك زيادات متكررة في الضرائب، بالإضافة إلى حملات لجمع التبرعات الشعبية للدولة.

من ناحية أخرى، ظلت إرادة القيصر نيقولا الثاني في القتال راسخة حتى بعد معركة موكدين. ولكن بسبب التدمير الكامل لأسطول البلطيق في معركة تسوشيما في مايو/أيار عام 1905، بات أخيرا مستعدا للحديث عن السلام. كما هاجم جنود إمبراطوريون متظاهرين غير مسلحين في سانت بطرسبورغ في حادثة الأحد الدامي في يناير/كانون الثاني، ما أدى إلى إضرابات وانتفاضات كبرى في جميع أنحاء البلاد في الثورة الروسية عام 1905. وقد شجع هذا الحكومة الروسية على الانخراط في مفاوضات السلام.

انتظر الأسطول الياباني المشترك بقيادة الأدميرال توغو هييهاتشيرو، المكون من 96 سفينة من بينها 4 بوارج و8 طرادات، في مضيق تسوشيما أسطول البلطيق الروسي، المكون من 38 سفينة من بينها 8 بوارج و6 طرادات. خاض الأسطولان معركة ضارية استمرت يومين بدءا من 27 مايو/أيار عام 1905. نجح الأسطول الياباني في إغراق 19 سفينة والاستيلاء على 7 أخرى. تظهر الصورة زوارق طوربيد يابانية وهي تغرق السفينة الحربية الروسية نافارين (بإذن من مكتبة صور ماري إيفانز، © كيودو).
انتظر الأسطول الياباني المشترك بقيادة الأدميرال توغو هييهاتشيرو، المكون من 96 سفينة من بينها 4 بوارج و8 طرادات، في مضيق تسوشيما أسطول البلطيق الروسي، المكون من 38 سفينة من بينها 8 بوارج و6 طرادات. خاض الأسطولان معركة ضارية استمرت يومين بدءا من 27 مايو/أيار عام 1905. نجح الأسطول الياباني في إغراق 19 سفينة والاستيلاء على 7 أخرى. تظهر الصورة زوارق طوربيد يابانية وهي تغرق السفينة الحربية الروسية نافارين (بإذن من مكتبة صور ماري إيفانز، © كيودو).

كانت سفينة ميكاسا الحربية هي سفينة اليابان الرئيسية في معركة ميكاسا. رممت السفينة بعد إخراجها من الخدمة، وهي معروضة الآن في حديقة ميكاسا في يوكوسوكا بمحافظة كاناغاوا (© جيجي برس).
كانت سفينة ميكاسا الحربية هي سفينة اليابان الرئيسية في معركة ميكاسا. رممت السفينة بعد إخراجها من الخدمة، وهي معروضة الآن في حديقة ميكاسا في يوكوسوكا بمحافظة كاناغاوا (© جيجي برس).

توسط الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت في سبتمبر 1905 لإبرام معاهدة بورتسموث التي وضعت نهاية للحرب. وعلى الرغم من اعتراف روسيا بمطالبات اليابان في كوريا وتنازلت عن عقود إيجارها في لوشون وداليان والنصف الجنوبي من سخالين (كارافوتو)، إلا أنها لم تدفع ينا واحدا كتعويضات. وبطريقة ما، كان هذا نتيجة طبيعية لحقيقة أن اليابان لم تعد تمتلك المال أو الأسلحة أو الجنود لمواصلة القتال، على عكس روسيا.

ولكن الشعب الياباني لم يقبل ذلك، حيث تحمل تحت شعار ”غاشين شوتان“ صعوبات من أجل الانتقام في المستقبل، وقاسى على مدار 10 سنوات من الزيادات الضريبية لتمويل التطوير العسكري، وقدم تضحيات كبيرة خلال الحرب. وخرجت في متنزه هيبيا في طوكيو في 5 سبتمبر/أيلول مظاهرة تعارض التوقيع على معاهدة السلام في يوم التوقيع عليها. وتصاعد الغضب ليتطور إلى أعمال شغب عندما هاجم مواطنون غاضبون مقر إقامة وزير الداخلية وأكشاك الشرطة وصحيفة موالية للحكومة. وانتشرت الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى انهيار إدارة رئيس الوزراء كاتسورا تارو.

إلهام الخوف والمقاومة

كانت الحرب الروسية اليابانية أول ”حرب شاملة“ في القرن العشرين. وقد دفع انخراط قوى إمبراطورية كبرى من خلال سياستها الدبلوماسية، بعض الأكاديميين إلى تسميتها بالحرب العالمية صفر. فكيف أثرت على اليابان وروسيا وبقية العالم؟

أرسلت اليابان أكثر من مليون جندي إلى قارة آسيا للقتال، توفي منهم ما يقرب من 90 ألفا في ساحات المعارك أو بسبب المرض، بينما أصيب أكثر من 150 ألفا.

وبصرف النظر عن هذه التكلفة البشرية المباشرة، فقد تكبدت الدولة اليابانية ديونا هائلة، ودُمرت قراها الزراعية ماليا، وفقدت تأييد الكثير من المواطنين. تحدث الشاعر إيشيكاوا تاكوبوكو عن ”عصر الركود الذي نعيشه“، وأدى عدم الثقة في الدولة وانهيار الوحدات المجتمعية مثل الأسرة والقرية إلى ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين تحولوا إلى الاشتراكية والشيوعية أو الفردية والليبرالية.

تورط الكثير من الجنود المسرحين العائدين إلى المناطق الريفية في أنماط حياة فاسدة وذلك بعد تجاربهم المأساوية في ساحة المعركة، ما أحدث خللا في الأخلاق العامة. وقد حث مرسوم إمبراطوري صدر عام 1908 المواطنين على الاقتصاد والاجتهاد في العمل، بينما كان يهدف أيضا إلى كبح الحركات الاجتماعية والعمالية. لقد تكبدت الحكومة ثمنا باهظا لمنع توسع روسيا تجاه الجنوب.

تكبدت روسيا أيضا عددا مماثلا من القتلى والجرحى من الرجال. وعلى الرغم من أنها لم تكن مضطرة إلى دفع تعويضات، إلا أنها تخلت عن النصف الجنوبي من سخالين، كما أغلقت سيطرة اليابان على كوريا طريقها إلى الجنوب. جددت البلاد سياستها الخارجية، ووقعت الاتفاقية الأنجلو-روسية مع بريطانيا في عام 1907 ودخلت البلقان باسم الوحدة السلافية. وقاد هذا إلى مواجهة مع ألمانيا والنمسا/المجر، ما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

كانت الولايات المتحدة – التي توسطت معاهدة السلام – قد أبرمت اتفاقا مع اليابان قبل الحرب لإدارة مشتركة لسكك حديد منشوريا. وعندما تراجعت الحكومة اليابانية عن هذا الاتفاق من جانب واحد، تصاعدت المشاعر المعادية لليابان في الولايات المتحدة. وظهرت حركات تدعو لوقف الهجرة اليابانية، وقوبلت أي جهود تبذلها اليابان لتعزيز وجودها في القارة الآسيوية بالإدانة الأميركية.

أدى انتصار اليابان إلى نشر الخوف من ”الخطر الأصفر“ في الغرب، وألهم المعارضة والمقاومة ضد الاستعمار وتقسيم العالم بين البيض. وكان صن يات سين وماو تسي تونغ في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند، وهو تشي مينه في فيتنام، من بين الذين شجعتهم نتيجة الحرب، حيث حفزتهم لاحقا على القيام بحركاتهم الثورية. كما حفزت الثورة الدستورية الفارسية في إيران والمقاومة ضد الحكم البريطاني في مصر.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 30 يوليو/تموز عام 2022. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: تمثال للأدميرال توغو هييهاتشيرو في حديقة تاغاياما في مسقط رأسه كاغوشيما بمحافظة كاغوشيما، © جيجي برس)

العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الروسية اليابانية الحرب الصينية اليابانية الحرب الروسية اليابانية العلاقات اليابانية الصينية