«السفن السوداء»... كيف فتحت الولايات المتحدة موانئ اليابان بالقوة؟
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
من الخوف إلى الفضول
وصل العميد البحري الأمريكي ماثيو بيري إلى سواحل اليابان للمرة الأولى مع أسطول من السفن إلى أوراغا، مدخل ما يُعرف حاليًا بخليج طوكيو، في الثامن من يوليو/تموز 1853. لم يمض وقت طويل حتى بدأت زيارة بيري، التي تكررت فيما بعد، في تاريخ اليابان بتأثيرها الملحوظ. فقد أُجبر اليابان على توقيع اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة، مما فتح الباب أمام التجارة عبر ميناءين وتوسعت لتشمل موانئ أخرى، مع السماح للتجار الأمريكيين بالإقامة داخل اليابان. هذا الاتفاق أدى إلى اضطراب في النظام الاقتصادي التقليدي في اليابان، حيث فقد نظام ”توكوغاوا“ سيطرته وانهارت فلسفته الانعزالية، بينما عادت قبضة مركزية أكثر للإمبراطور، وبدأت مجموعة جديدة من المحيطين به والمهتمين بالتقنيات الحديثة في السعي لتحديث اليابان بسرعة، وقد كانت هذه العملية واحدة من أكثر العمليات نجاحًا في تاريخ الشرق الأقصى.
بعد مغادرته خليج طوكيو في 14 أبريل/نيسان، انتقل أسطول بيري إلى ميناء شيمودا، وهو الميناء الذي افتُتِح حديثًا في ذلك الوقت في محافظة شيزوؤكا الحالية. وقدم هذا الوضع الفرصة لسكان المنطقة لمشاهدة ”السفن السوداء“ عن كثب لمدة تقارب الشهرين. وكانت الأسطول يضم 9 سفن، بما في ذلك أكثر من 2000 فرد من الطاقم، وكانوا يتوجهون بشكل منتظم إلى الشاطئ، مما أدهش السكان المحليين ببضائعهم وثقافتهم الغربية.
السنة | التاريخ | تنقلات العميد البحري بيري والسفن الأمريكية |
---|---|---|
1852 | 24 مارس/ آذار | تعيين بيري قائدًا لسرب شرق الهند. |
1853 | 8 يوليو/ تموز | وصول أسطول بيري إلى أوراغا عبر خليج طوكيو. |
17 يوليو/ تموز | الأسطول ينتقل إلى مدينة ناها. | |
7 أغسطس/ آب | الأسطول يتحرك إلى هونغ كونغ، ويبقى بمحاذاة هونغ كونغ وماكاو. | |
1854 | 23 يناير/ كانون الثاني | عودة الأسطول من هونغ كونغ إلى ناها. |
13 فبراير/ شباط | الأسطول يلقي مراسيه في خليج طوكيو بالقرب من يوكوهاما وكوشيبا. | |
27 فبراير/ شباط | الحكومة الشوغونية العسكرية تقرر إجراء مفاوضات يابانية أمريكية في يوكوهاما. | |
8 مارس/ آذار | الجولة الأولى من المفاوضات. الجانب الياباني يقيم مأدبة تضم مختلف أصناف المطبخ الياباني. | |
21 مارس/ آذار | اختبار نموذجًا لإحدى القاطرات البخارية في يوكوهاما. | |
27 مارس/ آذار | بيري يقيم مأدبة للمسؤولين اليابانيين على متن سفينة القيادة يو إس إس بوهاتان. | |
31 مارس/ آذار | توقيع معاهدة السلام والصداقة بين اليابان والولايات المتحدة. | |
14 أبريل/ نيسان | الأسطول يتحرك إلى ميناء شيمودا. | |
2 يونيو/ حزيران | الأسطول يتحرك من ميناء شيمودا إلى مدينة ناها. | |
17 يوليو/ تموز | آخر سفينة تابعة للأسطول تغادر من ناها متجهة إلى هونغ كونغ. |
عندما ألقى الأسطول مراسيه لأول مرة قبالة ساحل أوراغا، تسبب في حدوث طفرة في المنطقة، الأمر الذي على إثره جذب الحشود الكبيرة لمشاهدة السفن السوداء. ومن بين السجلات المحفوظة للزوار، كتب أحد العاملين بالشحن أن الأمر ”أشبه بالنظر إلى قلاع عائمة في المحيط“، وذكر ملاحظات مفصلة في يومياته حول العجلات المجدافية للسفن والمدافع التي كانت موجودة على متنها.
في البداية، كان هناك تخوف من قدوم الأسطول. كما وصف أحد الكهنة في مستهل يومياته لفبراير/ شباط 1854 لرئيس أركان أسطول بيري (اتش ايه ادامز) الذي كان يقود مجموعة من الجنود على الشاطئ في يوكوهاما للمرة الأولى، وسجل قائلًا: ”كان القرويون خائفين من اندلاع الحرب إذا فشلت المفاوضات، حيث قاموا بنقل متاعهم المنزلي بعيدًا عن البحر“.
إلا أن هذه المخاوف بشأن الصراع تضاءلت مع تقدم المحادثات، الأمر الذي أفسح المجال لشعور قوي بالفضول، على إثره تفاعل السكان المحليون مع أفراد الطاقم الأمريكي. وكتب الكاهن في أبريل/ نسيان أنه عندما غادرت السفن، ”شعر القرويون بالأسف لرؤية البحارة يغادرون“. وكان من حسن الحظ أن المعاهدة تم الانتهاء منها دون استخدام القوة. ويبدو أن هذا الإحساس بالألفة قد شجع الانفتاح اللاحق على تبني جوانب الثقافة الغربية في الفترة التي سبقت عصر ميجي (1868-1912).
الهدايا للحكومة الشوغونية
وبينما كان الأسطول قبالة يوكوهاما وكوشيبا، كان العامة في إيدو (طوكيو قديمًا) مندهشين من البواخر الفخمة المجهزة بعجلات مجدافية عملاقة. حيث كانت حمولة سفينة القيادة (يو إس إس بوهاتان) 2,415 طنًا، والتي كانت أكبر بقرابة الـ 200 طن أو نحو ذلك من السفن اليابانية الكبيرة. وكانت هناك مناطق صيد لسكان إيدو في خليج طوكيو، لذلك خرجت العديد من قوارب الصيد للمنطقة هناك. ومرت سفن أخرى محملة بالبضائع في طريقها إلى العاصمة الشوغونية. لذلك أتيحت الفرصة للعديد ممن كانوا على متن القوارب لمشاهدة الأسطول عن قرب. حيث كانت السفن العملاقة تصنع مشهدًا مهيبًا، وسرعان ما أصبح تواجدها أمرًا معروفًا لدى الجميع في إيدو والمجتمعات الأخرى حول الخليج.
في الجولة الأولى من مفاوضات المعاهدة، أقام الشوغون (الحاكم العسكري) مأدبة عشاء. وكتب أحد المسؤولين اليابانيين الذي كان حاضرًا آنذاك عن البحارة الأمريكيين أنهم كانوا يقطّعون طعامهم بسكاكين صغيرة ويستخدمون ما يشبه المجارف الصغيرة للأكل، ويبدو أنهم كانوا معجبين بسكاكينهم وشوكهم. كما أشار إلى أنهم لم يقربوا الساشيمي (السمك النيء)، وأنهم فضلوا شرب الـ ميرين على الـ شوتشو أو الساكي (على الرغم من أن الـ ميرين يستخدم حاليًا أساسًا في الطبخ، إلا أنه كان مشروبًا شائعًا في ذلك الوقت). وهناك أيضًا سجلات بالهدايا التي قدمها العميد بيري. حيث قدم الآلات الموسيقية والأسلحة والأدوات الزراعية ومعدات التلغراف والعطور والمشروبات الكحولية والأثاث وغيرها من الأشياء إلى الحاكم العسكري والإقطاعيين والتجار. وهناك أيضًا لفائف من الصور التي تبين هذه الهدايا، مما يشير إلى الاهتمام الكبير بالمنتجات الغربية بين اليابانيين.
أيضًا أحضر بيري نموذجًا لقاطرة بخارية لإظهار براعة الصناعة الأمريكية. بسرعته التي تبلغ حوالي 30 كيلومترًا في الساعة ودخانه الأسود الذي ينفثه أثناء السير، ولم يكن مختلفًا عن القاطرات الأكبر المعتمد في فكرته عليه. ووضع بيري مسارًا دائريًا له طوله حوالي 100 متر تم تحديده بالقرب من مكان انعقاد المفاوضات، وتجمعت الحشود لمشاهدة العرض. وكانت العربات كبيرة بما يكفي فقط لحمل طفل يبلغ من العمر ست سنوات، ولكن يبدو أن بعض الحاضرين صعدوا على العربة أثناء سيرها حول المسار. ووصفت أحد السجلات التاريخية لبعثة بيري المشهد بالـ ”المضحك“ حيث كان هناك أحد مسؤولي الشوغن متشبثًا بالسقف و ”يبتسم باهتمام شديد“.
المعلومات الترفيهيه لسكان إيدو
من عام 1853 إلى العام الذي يليه، تم نشر العديد من مطبوعات كاوارابان، أو المطبوعات الخشبية أحادية الصحيفة، في إيدو. وكانت تمثل مصدرًا رئيسيًا للأخبار للمواطنين، بأسلوب معلوماتي ترفيهي مشابه لـ ”العروض التليفزيونية الواسعة الانتشار“ حاليًا. وشملت أول مطبوعة من الـ كاوارابان لتغطية وصول السفن السوداء كلمات ورسوم إيضاحية لنقل حجم السفن وعدد المدافع التي كانت على متنها، بالإضافة إلى التحصينات الدفاعية لخليج طوكيو وكيف كان الإقطاعيون يستعدون في المناطق المجاروة الأخرى. وأظهر البعض من تلك المطبوعات أيضا جنودًا في طريقهم من إيدو لتعزيز الدفاعات في أماكن متفرقة أخرى، وسرعان ما التقط القراء المتحمسون هذه المطبوعات التي تضم أفرادًا من الساموراي في دروعهم وخوذاتهم.
كما قدمت معلومات حول الكيفية التي أعلنت بها الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا عام 1776، وأن عاصمتها هي واشنطن. وبالطبع كانت هناك بالتأكيد بعض المعلومات الخاطئة، إلا أن العامة من الناس في إيدو كانوا قادرين بشكل عام على معرفة المزيد عن الولايات المتحدة وأسطول بيري من خلال مطبوعات الـ كاوارابان.
مع بدء مفاوضات المعاهدة، حولت المطبوعات تركيزها إلى التفاعلات بين أفراد الطاقم واليابانيين في يوكوهاما. وقدم أحدهم وصفًا دقيقًا للغاية لقائمة الطعام في المأدبة التي عُدت للجمع الأمريكي. فعلى سبيل المثال، تم ذكر طبق الـ ناماسو، وهو طبق من شرائح السمك المتبل بالخل، به أصداف ومحار دموي، وكان هناك أيضًا الـ غوبو (نبات القرطب) و أودو (أراليا كورداتا- نوع من النباتات المعمرة) في الحساء. كما أشار إلى أن الأطباق الأخرى كانت تشمل بطارخ الـ موتسو (نوع من الأسماك)، والتوفو المسلوق مع مرق الداشي، وسمك الدنيس البحري المشوي. ولم يذكر المقال حينها مصدرًا، إلا أن الكاتب ربما قد يكون سأل مسؤولًا من أفراد الشوغن.
وتحدثت مطبوعات كاوارابان عن الهدايا التي تبادلها بيري مع الشوغن، وعرض السومو الذي أقيم في حفل الاستقبال في يوكوهاما. حيث أراد الشوغن أن يُظهر للأمريكان، الذين كان من بينهم ضباطًا يتمتعون ببنية جسدية جيدة، أن هناك أيضًا يابانيون كبار الحجم، لكن سجلات رحلة بيري أظهرت موقفًا رافضًا للمصارعين، حيث ذكرت: ”كانوا جميعًا هائلي الحجم لدرجة أنهم بدوا وكأنهم فقدوا ملامحهم الجسدية، كما لو كانوا مجرد كتلة من الدهون“.
تم نشر العشرات من مطبوعات كاوارابان المختلفة بعد وصول أسطول بيري، حيث قيل أن كل واحدة منها وصلت إلى حوالي 1,000 نسخة. وهذا رقم ضئيل مقارنة بتداول الصحف اليوم، لكن العدد الإجمالي المطبوع في تلك الفترة القصيرة كان غير مسبوق خلال فترة عصر إيدو (1603-1868)، وقد أعطت الناس صورة مفصلة عن مفاوضات المعاهدة.
تحول أساسي
نمت التقارير وتطورت من حيث الدقة كلما طالت فترة وجود الأسطول الأمريكي. فعلى سبيل المثال، عندما وصلت السفن لأول مرة، وُصفت بأنها ”سفن أجنبية“ أو ”سفن سوداء“، لكنها أصبحت فيما بعد ”سفنًا أمريكية“. كما أصبحت كلمة (جين) أو ”أجنبي“ أقل شيوعًا، وظهرت ملفات تعريفية لعدد من الأفراد الأمريكيين.
وفي هذه الأثناء، سجل لو سين، المترجم الصيني الذي كان يعمل مع الأسطول الأمريكي، في مذكراته أن أحد حراس الشوغون أشار إلى أنه من المهين بالنسبة له، كرجل صيني متعلم، التحدث بلغة بلد بربري مثل الولايات المتحدة. وهذا الأمر يُظهر تعجب الحارس من مسألة توظيف شخص صيني للترجمة للغربيين، وربما زعزع شعوره باحترامه تجاه الصينيين. وهناك أيضًا سجلات تاريخية لسكان إيدو حول كيفية قيام أفراد من الطاقم الأمريكي بمهام خطيرة مثل تنظيف قيعان السفن.
كان لظهور أسطول بيري دليل دامغ للمجتمع الياباني على توغل القوى الغربية إلى آسيا. كما نقل رسالة مفادها أن هناك دولًا وأجناسًا مختلفة في العالم. وقد يمر بعض الوقت قبل أن تضع اليابان نصب عينيها التحديث للوقوف إلى جانب الغرب، ولكن مما لا شك فيه أن الحدث غير بشكل جذري من تفكير الشعب الياباني.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في السادس من يناير/ كانون الثاني 2023، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: سفينة يو إس إس بوهاتان، سفينة القيادة للأسطول الأمريكي. من مجموعة المحفوظات التاريخية لمدينة يوكوهاما)