”سوفت بنك“ تواجه شتاء قارص البرودة!

اقتصاد

بعدما استطاعت مجموعة سوفت بنك أن تحقق أرباحاً تاريخية غير مسبوقة خلال السنة المالية 2021، جاءت نتائج حساب الموازنة للربع الأول من العام المالي التالي” أبريل/ نيسان إلي يونيو/ حزيران 2022“مخيبة للأمال، حيث سجلت صافي خسائر بمقدار3.16 تريليون ين ياباني، مما دفع المجموعة لعرض حزمة من اسهمها في شركة علي بابا جروب هولدينغز للبيع، الأمر الذي يعده الكثير من الخبراء مؤشراً على بداية تقزم عملاق الاستثمار الياباني. فهل ستنجح سوفت بنك في الخروج من الأزمة.

سون ماسايوشي نادماً على أخطائه

باعت مجموعة سوفت بنك عددًا كبيرًا من الأسهم التي تمتلكها في شركة الإنترنت الصينية العملاقة علي بابا. كان هذا البيع ضروريًا لتغطية الخسائر الفادحة التي سجلتها الشركة اليابانية في الربع الأول من السنة المالية ”أبريل/ نيسان إلي يونيو/ حزيران 2022“. جدير بالذكر أن علي بابا كانت تعد بمثابة ”العصا السحرية“ لسوفت بنك، لكن من الواضح أن سوفت بنك لم يكن لديها خيار أخر.

من منتصف أغسطس/ آب، إلى نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 سيتم تسوية ما يصل إلى 24,600 ADR ”إيصالات الإيداع الأمريكية التي تم إنشاؤها للسماح للمستثمرين الأمريكيين بالاستثمار في الشركات الأجنبية بخلاف الولايات المتحدة بالدولار“ من أسهم مجموعة سوفت بنك في شركة علي بابا. ترتب على هذا البيع انخفاض نسبة اسهم سوفت بنك في شركة علي بابا من 23.7٪ إلى 14.6٪، مما يعني تحرر علي بابا من تبعيتها لسوفت بنك لأول مرة منذ عام 1999، كما ترتب عليه ايضاً تحقيق مكاسب لمجموعة سوفت بنك تقدر بنحو 4.6 تريليون ين في الربع الثاني ”يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ ايلول“ من العام المالي 2022.

في الثامن من أغسطس/ آب عام 2022، أي قبل يومين فقط من الإعلان عن البيع، أعلنت مجموعة سوفت بنك عن نتائج الموازنة للربع الأول، والتي تضمنت خسارة صافية قدرها 3.16 تريليون ين، وهي أكبر خسارة تم تسجيلها في الربع الأول في تاريخ المجموعة على الأطلاق. وبعد أن تجاوزت الخسائر مجتمعة 5 تريليون ين في الأشهر الستة الأولى، صرح السيد سون رئيس مجلس إدارة المجموعة ”لقد فقدنا 5 تريليونات ين في ستة أشهر. لابد أن نعتبر من الأخطاء التي ارتكبناها. أريد أن استغل هذه المناسبة لمناقشة الوضع الحالي للمجموعة والتخطيط للمستقبل بشكل أفضل“. جاء هذا التصريح ضمن خطاب القاه سون أمام اللوحة الشهيرة لطوكوغاوا إياسو والتي رسمت بناء على طلب طوكوغاوا نفسه لتكون بمثابة تنبيه لنفسه وتذكرة بالأخطاء التي وقع فيها وتسببت في هزيمته في معركة ميكاتاغاهارا عام 1573.

في السنة المالية المنتهية في مارس/ آذار عام 2021 سجلت مجموعة سوفت بنك أكبر صافي ربح تحققه شركة يابانية على الأطلاق، بلغ نحو 5 تريليون ين ياباني. جدير بالذكر أن سهم الشركة كان قد شهد ارتفاعاً تلو الأخر مع بداية عام 2021، ليمنح سوفت بنك مكاسب خيالية، مستفيدة من كونها شركة استثمارية مدرجة في البورصة.

لكن بيع أسهم المجموعة في شركة علي بابا يعني تفكيك نموذج أعمال سوفت بنك كشركة استثمارية. ومن المعروف أن سياسة سوفت بنك كانت ترتكز على الاستثمار في الشركات غير المدرجة التي تركز على قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث وصلت الاستثمارات إلى 27.3 تريليون ين ياباني في نهاية سبتمبر/ ايلول 2020، ومثلت أسهم علي بابا ما يقرب من 60٪ من إجمالي هذه الاستثمارات.

في ذلك الحين كانت سوق الأوراق المالية تشهد تعافياً سريعاً مدعومة بسياسات التيسير النقدي للعديد من البنوك المركزية استجابةً لإجراءات التعافي من وباء كوفيد-19، حتى وصل التداول على سهم علي بابا إلى مستويات قياسية. ومن أجل تمويل استثماراتها استخدمت مجموعة سوفت بنك المعاملات المشتقة ”مصطلح عام لمعاملات العقود الآجلة والخيارات“، بدلاً من بيع أسهمها في علي بابا وتحويلها إلى سيولة نقدية.

عندما كان سهم علي بابا يتجه نحو الانخفاض، أبرمت مجموعة سوفت بنك اتفاقيات آجلة بسعر ثابت، ودفعت للمؤسسات المالية بسعر السهم في وقتها، كما دخلت في معاملات أرضية مقترنة بتداولات الخيارات للحماية من مخاطر انخفاض سعر السهم إلى ما دون مستوى معين، وذلك بغرض زيادة المكاسب عندما يتجه سهم علي بابا إلى الارتفاع مرة أخرى.

أيضًا من خلال معاملات ذوي الياقات البيضاء التي تجمع بين صفقات الخيارات التي تضع حدًا أدنى وأعلى لسعر السهم، حددت مجموعة سوفت بنك مقدار الربح والخسارة في حالة ارتفاع سعر السهم أو انخفاضه. أصبحت هذه المعاملات المشتقة ممكنة بسبب الارتفاع الحاد في سعر سهم علي بابا، وهو ما استفادت منه المجموعة لتمويل استثماراتها. ومع نمو علي بابا زادت أرباحها، وانعكس ذلك بالتالي علي البيانات المالية الموحدة لمجموعة سوفت بنك.

المصائب لا تأتي فرادى

بدأت استثمارات مجموعة سوفت بنك في شركة علي بابا باستثمار قدره 2 مليار ين ياباني في عام 1999 بعد محادثة استمرت 10 دقائق فقط بين السيد سون ماسايوشي والسيد جاك ما مؤسس الشركة الصينية. وبمجرد إدراج علي بابا أسهم ADR في بورصة نيويورك للأوراق المالية في سبتمبر/ ايلول عام 2014 ارتفعت القيمة الدفترية لحصة أسهم سوفت بنك في علي بابا إلى الأعلى، حيث اقتربت من 4 تريليون ين كحد أقصى. وخلال هذه الفترة تحولت سوفت بنك من تاجر جملة لبرامج الحاسوب إلى شركة اتصالات عبر الإنترنت، وشركة للهاتف المحمول، وشركة استثمارية. لم يكن كل هذه ممكناً إلا بفضل الاستثمارات التي ضختها المجموعة في شركة علي بابا.

في حين أن علي بابا كانت بمثابة ”عصا سحرية“ مكنت سوفت بنك من تحقيق أرباح ضخمة، إلا أن الوضع قد تغير لاحقاً 180 درجة.

ربما يكون العامل الأول المتسبب في الوصول إلى هذا الوضع هو زيادة المخاطر الجيوسياسية. لقد أدى التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين إلى تغيير كبير في بيئة الأعمال، علاوة على ذلك عززت حكومة الولايات المتحدة مراقبتها على الشركات الصينية.

تواجه علي بابا أيضًا أخطار سياسية في الصين. فقد أثار انتقاد السيد جاك ما للسلطات المالية استياء إدارة شي جين بينغ، والتي ردت بدورها بمنع مجموعة أنت ”الشركة التابعة لشركة علي بابا للتكنولوجيا المالية“ من تنفيذ طرحها العام الأولي في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020. كما تتعرض شركة علي بابا الآن لضغوط من أجل فصلها عن الشركات التابعة لها. يبدو أيضًا أن الشركة تفقد حريتها الإدارية شيئا فشيئا، وهو ما يتضح من توفيرها لأموال تعادل 1.7 تريليون ين للحكومة الصينية من أجل دعم سياسة الازدهار المشتركة التي تتبناها إدارة شي جين بينغ، والتي تهدف إلى تضييق فجوة الثروة الآخذة في الاتساع.

بسبب التشديد المتكرر للضوابط من قبل الحكومة الصينية، فقدت علي بابا زخمها، ونتيجة لذلك تضاءلت فوائد الاحتفاظ بأسهم الشركة، الأمر الذي دفع سوفت بنك لعرض نسبة كبيرة من أسهمها في الشركة للبيع.

هناك عامل سلبي آخر يتمثل في التشديد العالمي للسياسة النقدية، مما تسبب في تراجع أسواق الأسهم. وقد أدى ارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم مع تعافي الاقتصادات من وباء كوفيد-19 إلى قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة عدة مرات، مما كان له اثر كبير على سوق الأسهم، حتى أن مؤشر داو جونز الصناعي خسر 1000 نقطة في بورصة نيويورك في السادس والعشرين من أغسطس/ آب.

تلقت علي بابا ضربة ثلاثية تمثلت في تكتل المخاطر الجيوسياسية، والمخاطر السياسية المحلية، والمخاطر السلبية لأسعار الأسهم الناتجة عن تشديد السياسة النقدية العالمية. وفي خطوة لتدارك الموقف تم إدراج أسهم علي بابا في بورصة هونغ كونغ. وعلى الرغم من القدرة على التحويل بحرية بين ADR المتداولة في بورصة نيويورك والأسهم المتداولة في بورصة هونغ كونغ، تراجعت أسهم علي بابا في بورصة هونغ كونغ إلى مستوى إدراجها الأولي تقريبًا. واعتبارًا من نهاية يونيو/ حزيران 2022 بلغ صافي أصول مجموعة سوفت بنك 18.5 تريليون ين، مثلت علي بابا منها 21٪ فقط.

معاناة صندوق رؤية سوفت بنك

سواء كان سون أو أي شخص اخر، لا يمكن لأحد السيطرة على هذه المخاطر الثلاثة مجتمعة. إن بيع سوفت بنك لأسهم علي بابا- سواء كان ذلك برغبتها أو رغماً عنها- يشبه الاضطرار إلى التخلي عن عصا سحرية. وفي حين أن سوفت بنك لا تزال تحتفظ ب 14.6٪ من أسهم علي بابا، إلا أنها تظل نسبة منخفضة لا يمكن التعويل عليها كثيراً، حيث أدى ربعان متعاقبان من الخسائر إلى تقليص الأموال المخصصة للاستثمار داخل المجموعة.

تُعرف الشركات غيرالمدرجة في البورصة التي تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار في غضون 10 سنوات من وقت تأسيسها باسم يونيكورن. ومن خلال الصندوق الاستثماري لسوفت البنك والمعروف باسم ”رؤية“ سوفت بنك، نفذت سوفت بنك ما تسميه ”مجموعة الإستراتيجية رقم 1“، حيث استثمرت في حوالي 300 شركة يونيكورن بشكل رئيسي في قطاع الذكاء الاصطناعي، وهي تمثل مجتمعة أكثر من 10% من مجموع شركات اليونيكورن في العالم. وربما تكمن معضلة سوفت بنك في أنها لم تجد شركة يونيكورن اخرى يمكنها أن تحل محل شركة علي بابا.

في بيانها المالي لشهر أبريل/ نيسان - يونيو/ حزيران عام 2022، سجلت سوفت بنك خسارة استثمارية قدرها 1.34 تريليون ين في صندوق رؤية سوفت بنك. وتأثرت هذه الخسارة بالمؤشر المركب لسوق ناسداك للأوراق المالية موطن العديد من شركات التكنولوجيا، والذي انخفض بنسبة 22٪ منذ نهاية مارس/ أذار، وكذلك بسبب انخفاض تقييمات العديد من الشركات ذات الملكية الخاصة. وكنتيجة لكل ذلك، انخفض مؤشر الشركات المتداولة في محفظة الصندوق بنسبة 31٪، وهو انخفاض أكبر من مؤشر ناسداك، مما دفع سون إلى الاعتراف في شهر أغسطس/ آب في مؤتمر صحفي أن صندوق رؤية سوفت بنك الذي نما في وقت ما بمقدار 7 تريليون ين، قد تخلى عن جميع مكاسبه تقريبًا.

تضمنت شركات اليونيكورن في صندوقرؤية سوفت بنك العديد من الشركات الواعدة. إحدى هذه الشركات هي شركة كلارنا، وهي شركة سويدية للتكنولوجيا المالية تقدم خدمة الشراء الآني والدفع اللاحق. في نموذج أعمالها هذا يقوم المستخدمون بسداد مدفوعات التثبيت بدون فائدة، وتحق الشركة أرباحها من خلال العمولات التي يدفعها تجار التجزئة. عندما قاد SVF2 جولة تمويل إضافية بقيمة 639 مليون دولار ”حوالي 70 مليار ين بسعر الصرف في ذلك الوقت“ في يونيو/ حزيران 2021، ارتفع تقييم كلارنا إلى 45.6 مليار دولار ”حوالي 5 تريليون ين“.

ومع ذلك، تسبب تشديد السياسة النقدية في ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، وارتفع بعدها عبء ديون كلارنا بشكل حاد. وعلى الرغم من أن الشركة كانت قد نجحت في جمع 800 مليون دولار ”حوالي 107.4 مليار ين“ في يوليو/ حزيران عام 2022، إلا أن قيمتها السوقية انخفضت إلى 6.7 مليار دولار ”حوالي 900 مليار ين“ أي سُبع قيمة العام الماضي. لدينا ايضاً شركة أخرى في المحفظة الاستثمارية لمجموعة سوفت بنك فقدت في شهر أغسطس/ أب أكثر من نصف قيمتها التي كانت عليها في بداية العام، وهي شركة غراب هولدينغ التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، وتقدم العديد من الخدمات من بينها خدمة توصيل الركاب، ويتم تداول أسهمها في الولايات المتحدة.

تقليص الوظائف ومعضلة توفير الموارد البشرية

في مؤتمر صحفي عُقد في أغسطس/ أب للإعلان عن النتائج المالية، أشار سون إلى أن صندوق رؤية سوفت بنك استثمر في 473 شركة، وأنه يعتقد أن واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا منها ستصبح في المستقبل شركات عملاقة مثل علي بابا أو أرم، ولكنه أضاف لاحقا أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر الهين.

أصبح الاكتتاب العام الأولي المخطط لشركة أرم- شركة بريطانية لتصميم أشباه الموصلات- هو الأمل الأخير لمجموعة سوفت بنك. إلا أن هناك العديد من المخاوف من انخفاض الطلب على أشباه الموصلات بسبب تباطأ نمو الاقتصاد الأمريكي الذي يشهد تشديداً كبيراً لسياسته النقدية.

كان سون يعتزم إدراج أسهم أرم في بورصة ناسداك وبورصة لندن، لكن صحيفة فاينانشيال تايمز ذكرت أنه تم تعليق هذه الخطة مع استقالة رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي كان يضغط من أجل إدراج أسهم الشركة في بورصة لندن. ربما يصب هذا الأمر في مصلحة سوفت بنك التي تهدف إلى الاستثمار في مجال أشباه الموصلات بقوة، لكن يبدو أن ناسداك تتجه نحو الانخفاض بسبب المخاوف المتزايدة بشأن الركود في الولايات المتحدة، والظروف الحالية ليست مواتية لتحقيق اكتتاب عام أولي ضخم.

ومع تدهور نتائج الأعمال، أعلن سون عن تخفيض الوظائف في صندوق رؤية سوفت بنك، مشيرًا إلى أن هذا القرار مؤلمًا للغاية نظرًا لمدى النمو الذي كانت قد وصلت إليه المجموعة وازدهار مواردها البشرية. بالطبع لم يخف سون الظروف الصعبة التي أجبرته على أتخاذ هذه القرار.

فخلال العامين الماضيين فقط غادر ما يقرب من 10 من كبار المسؤولين في الشركة مناصبهم، بما في ذلك رئيس العمليات مارسيلو كليور الذي غادر في بداية عام 2022. وفي 31 من أغسطس/ آب استقال راجيف ميسرا الذي كان يعمل مشرفاً على صندوق رءية سوفت بنك من منصب نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة سوفت بنك. جدير بالذكر أن المجموعة كانت قد عينت في عام 2018 ثلاثة نواب رئيس تنفيذيين كان يُنظر إليهم على أنهم مرشحون لخلافة سون، لكن مع استقالة ميسرا غادر جميعهم المجموعة. لقد أصبحت الموارد البشرية مشكلة خطيرة تواجه الشركة اليابانية.

فيما يتعلق بالوضع الذي تواجهه سوفت بنك، ذكر سون أنه لا يمكن التنبؤ بموعد انقشاع الغمة، ومن المرجح أن تعاني شركات اليونيكورن لفترة أطول مقارنةً بالشركات المدرجة في البورصة. يبدو أن المتاعب بدأت تظهر الواحدة تلو الأخرى بعد أن فقدت سوفت بنك عصاها السحرية ”على بابا“.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 15 سبتمبر/ أيلول عام 2022، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة سوفت بنك سون ماسايوشيي يقف أمام صورة شهيرة لـطوكوغاوا إياسو حيث يشرح النتائج المالية للمجموعة في مؤتمر صحفي تم عقده في طوكيو في الثامن من شهر أغسطس/ آب عام 2022 جيجي برس)

الشركات اليابانية اقتصاد سياسة