رئيس الجمعية اليابانية في نيويورك.. هذا هو الفرق بين اليابان والولايات المتحدة

ثقافة

لقاء مع جوشوا دبليو ووكر، المولود في أمريكا، ولكنه نشأ في هوكايدو، والذي يرأس الجمعية اليابانية (نيويورك)، أكبر منظمة للعلاقات اليابانية الأمريكية في الولايات المتحدة، يتحدث فيه عن التبادل الثقافي، الحضور الياباني العالمي، والرسالة التي يجب أن تشاركها اليابان مع بقية العالم.

جوشوا دبليو ووكر Joshua W. WALKER

الرئيس والمدير التنفيذي للجمعية اليابانية. ولد الدكتور ووكر في ولاية كارولينا الشمالية، ونشأ في سابورو. عاد إلى الولايات المتحدة في سن 18 للالتحاق بالجامعة، وحصل على البكالوريوس من جامعة ريتشموند، ودرجة الماجستير من جامعة ييل. والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برينستون. بنى الدكتور ووكر مسيرته المهنية في إدارة الأعمال الدولية والدبلوماسية خلال العشرين عامًا الماضية. كان منصبه السابق في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية متخصصة في تحليل المخاطر الجيوسياسية، حيث كان مسؤولاً عن الإستراتيجية العالمية وفريق المبادرة اليابانية. تم تعيين الدكتور ووكر رئيسًا ومديرًا تنفيذيًّا للجمعية اليابانية في شهر ديسمبر عام 2019.

أصغر مدير تنفيذي على الإطلاق

تقع الجمعية اليابانية في 333 شرق في شارع 47 في وسط مدينة منهاتن، على بعد مرمى حجر من مقر الأمم المتحدة. والمعروفة لدى المغتربين اليابانيين، الأمريكيين اليابانيين والأمريكيين المهتمين باليابان، وهي منظمة خاصة غير ربحية، عززت التبادل بين اليابان والولايات المتحدة لأكثر من 115 عام. تُفتح الأبواب الزجاجية الثقيلة للمبنى على منطقة استقبال، يوجد في الجزء الخلفي منها درج يطل على حديقة يابانية صغيرة. تلك الواحة الحضرية التي تحظى بشعبية كبيرة بين السكان المحليين، ويضم المبنى المكون من ستة طوابق مسرحًا ومعرضًا فنيًّا، يستضيف الفعاليات الثقافية، البرامج الاقتصادية والسياسية، والمبادرات التعليمية، بما في ذلك دورات تعليم اللغة اليابانية، التي تهدف إلى تعزيز التفاهم بين اليابان والولايات المتحدة.

اليوم، يقود الجمعية اليابانية جوشوا دبليو ووكر، رئيسها ومديرها التنفيذي. البالغ من العمر 41 عام، كان ووكر أصغر شخص تم تعيينه على الإطلاق في الوقت الذي تولى المنصب في شهر ديسمبر عام 2019. وُلد ووكر في الولايات المتحدة، وانتقل مع والديه المبشرين وهو في عامه الأول وعاش في سابورو بمحافظة هوكايدو، حتى سن 18.

الحديقة اليابانية في الجزء الخلفي من ردهة الطابق الأول. (حقوق الصورة لسوغيموتو غو)
الحديقة اليابانية في الجزء الخلفي من ردهة الطابق الأول. (حقوق الصورة لسوغيموتو غو)

دائمًا أجنبي!

أصبح التنوع في هذه الأيام أمرًا رائجًا، واليابان هي موطن للعديد من المقيمين الأجانب، بما في ذلك العديد من الرياضيين الموهوبين. ومع ذلك، في الثمانينيات، عندما كان والكر صغيرًا، لم يكن شائع رؤية أشخاص من أصول أجنبية.

”في سابورو، وعلى عكس طوكيو، كان غير اليابانيين قليلين ومتباعدين. فأينما ذهبت، كان يُنظر لي كأجنبي، ولم يشك أحد من حولي في هويتي الأمريكية. كان هذا لأنني، كما ترون، لدي الشعر ولون العينين للأمريكي النموذجي وأتحدث كأمريكي تقليدي.“

يقول ووكر إنه لم يُسمح له أبداً أن ينسى حقيقة كونه وبلا شك غير ياباني.

”شعرت أنني لا أتأقلم وأنني غير متوافق مع اليابان. على الرغم من أنني أدرك الآن كمْ كنت محظوظًا، إلا إنني لم أر الأمر بهذه الطريقة في هذا الوقت. بحثًا عن الإثارة والتحدي، شعرت بالحاجة إلى الذهاب إلى مكان آخر غير اليابان“، كما يقول.

انتقل ووكر إلى ريتشموند بولاية فيرجينيا للالتحاق بالجامعة. ومع ذلك، على الرغم من أنه عاد إلى البلد الذي ولد فيه معتقدًا أنه سيشعر بأنه أمريكي هناك، إلا أنه يقول إن الأمر لم يكن كذلك.

”حاولت التعرف على الأمريكيين والثقافة الأمريكية والتوافق مع الطريقة الأمريكية في فعل الأشياء، ولكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام. لم أتفق مع آراء من حولي أو مع ما يقال في التلفاز. شعرت أنني لست مئة بالمائة أمريكي بعد كل شيء“.

وهكذا بدأ ووكر في رحلة لاكتشاف الذات. تقدم بطلب للحصول على منحة فولبرايت وتم إرساله إلى تركيا.

يقول ووكر ” تركيا أمة يوجد تقارب كبير بينها وبين الشعب اليابان. يوجد ثقافة خلع الحذاء في الداخل، احتساء الشاي، واحترام كبار السن. الثقافة التركية تختلف عن أنا! الغربية، ثقافة أنا! أنا!، التي تؤكد على المساواة في العلاقات، بغض النظر عن العمر. في تركيا، وجدت أنني قادر على التواصل بشكل أفضل من خلال التفكير باليابانية، والتحدث باللغة التركية وإظهار جانبي الياباني“.

ألهمت هذه التجربة ووكر لاحقًا لتطوير اهتمامه بالسياسة والأحداث الدولية، وفي العالم الإسلامي، وهو الاهتمام الذي ازدهر بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2011. اكتشف ووكر، الممزق بين اليابان وأمريكا، اكتشافًا غير متوقع أثناء البحث عن هويته:

يقول ” لأنني ثقافيًّا نصف ياباني ونصف أمريكي، فأنا لست أمريكيًّا ولا يابانيًّا، وإنما أنا مواطن عالمي“.

إدراك مزايا اليابان

ووكر، الذي يعتبر اليابان ”قلبه“ والولايات المتحدة ”وطنه“، سرعان ما بدأ يفتقد اليابان ويشعر بالامتنان لها. يمكن القول إن هذه هي الطريقة نفسها التي يدرك بها اليابانيون عظمة وروعة اليابان، فقط عندما يسافرون إلى الخارج، أو كيف لا يدرك المرء كم هو محظوظ كونه يتمتع بصحة جيدة وزواج سعيد حتى يصيبه المرض أو يفقد رُفقاءه. من الصعب النظر إلى الموقف بموضوعيَّة عندما يكون المرء في أعماقه.

غَيْر زلزال شرق اليابان الكبير وموجات تسونامي العنيفة في مارس/ آذار عام 2011، الاعتقاد السائد لدى الجمهور الياباني بأنه يمكنهم ضمان الشعور بالأمن والسلامة واعتبارهم أمرًا مفروغًا منه.

يقول ووكر: ”لقد كان الحدث الأول الذي جعلني ممتنًّا حقًّا لليابان“.

فبعد وقوع الزلزال مباشرة، لم يتمكن ووكر من الاتصال بوالديه عبر الهاتف ـ فقد كانا يعيشان في توهوكو في ذلك الوقت. كان قلقًا للغاية، ولم يكن يعرف ما إذا كانوا على ما يرام. في الوقت نفسه، شعر أن رؤية استجابة الشعب الياباني للكارثة قد غيرت الطريقة التي ينظر بها بقية العالم إلى اليابان.

يقول ووكر،” إن تجربة رؤية الروح اليابانية في تقديم المساعدة للآخرين، فضلا عن ثقافة التعاون التي تمكن اليابانيون من تشكيل صفوف منظمة حتى في وقت الفوضى، جعلت الناس ـ حتى أولئك الذين سمعوا عما فعلته اليابان أثناء الحرب ـ يتعرفون على الصفات العظيمة الأخرى لليابان بخلاف الثقافة التقليدية والمطبخ الياباني“.

التحفظ والتواضع من الفضائل في اليابان، والشعب الياباني ليس جيدًا في مشاركة تجاربه وقصصه البطولية مع بقية العالم.

لهذا السبب، بدأ ووكر يدرك أنه كان عليه أن يستغل قدرته على التحدث باللغة اليابانية وأن ينقل إلى بقية العالم كمْ كانت اليابان رائعة.

عندما بدأت الجمعية اليابانية في البحث عن بديل لرئيسها المنتهية ولايته، تواصل مجلس إدارة المنظمة مع ووكر، ليسأله عما إذا كان يعرف شخص مناسب لهذا المنصب. في ذلك الوقت، كان يعمل لصالح مجموعة أوروسيا، أكبر شركة استشارية للمخاطر السياسية في العالم، في واشنطن العاصمة، حيث كان مسؤولا عن الاستراتيجية العالمية وفريق مبادرة اليابان التابع للمجموعة. قررت الجمعية اليابانية، أن ووكر، الذي نشأ في اليابان والذي يعمل في الولايات المتحدة لتعزيز المصالح اليابانية، هو الشخص الذي يحتاجون إليه، وعينوه ليكون الرئيس والمدير التنفيذي التالي.

اليابان على المسرح العالمي

يقول ووكر ”بينما تتمتع حكومتا اليابان والولايات المتحدة بعلاقة ودية، لا يمكن قول الشيء نفسه على مستوى المواطنين“.

يعرف الجمهور الياباني أن التحالف الياباني-الأمريكي مفيد لليابان فيما يتعلق بالأمن، ولكن ليس لديهم إدراك جيد كيف يفيدهم في حياتهم اليومية. ويمكن قول الشيء نفسه عن فهم مواطني الولايات المتحدة لما تعنيه اليابان.

يضيف ووكر” أردت استخدام تجربتي لجعل الناس في كلا البلدين يدركون ويقدرون أن اليابان والولايات المتحدة دولتان تتمتعان بشراكة لا تقدر بثمن. أحاول جاهدًا تعزيز التفاهم المتبادل، ليس فقط من منظور ياباني أو أمريكي، ولكن من منظور مواطن عالمي“.

في حين يعرف اليابانيون الكثير عن الولايات المتحدة من خلال الأفلام، فإن الأمريكيين يعرفون القليل نسبيًّا عن اليابان. ولهذا السبب، يريد ووكر أن يتعلم الأمريكيون المزيد عن اليابان الرائعة.

”يحب سكان نيويورك ملابس يونيكلو، سيارات تويوتا، وألعاب الفيديو نينتندو، ساعات سيكو. والشاي الأخضر الياباني الشهير من ماركة (إيتو إن). كما تحظى فلسفة الزن، البوشيدو والأنيمي بشعبية كبيرة. حان الوقت الآن لنقل هذا إلى المستوى التالي. يجيد اليابانيون بيع الأشياء، ولكن يتعين عليهم بذل المزيد من الجهود للترويج لليابان للأمريكيين ـ ليس بدافع الرغبة في البيع وكسب الأموال، ولكن من منطلق أن القيام بذلك أمر جيد لأمريكا.

مبنى الجمعية اليابانية في نيويورك. (آبى كاسومي).
مبنى الجمعية اليابانية في نيويورك. (آبى كاسومي).

الترويج لليابان عالميا

يقول ووكر:” اليابان بلد مستقر جدًا. بعبارة أخرى، اليابان بلد مريح وممل بعض الشيء. كنت أجد أن السياسة اليابانية مملة أيضًا، لكنني ممتن هذه الأيام للاستقرار السياسي. هذا لأن الملل السياسي هو نفس الشيء مثل الأمان وراحة البال“.

أثناء جائحة كورونا، لم يتمكن ووكر من زيارة اليابان للعمل. وعندما سئل عن أكثر ما يفتقده في اليابان، أجاب على الفور ”الطعام“، ثم أضاف أنه يفتقد الناس أكثر.

كما قال ”وبشكل عام، الشعب الياباني متفهم ومحترم، ويقدر الانسجام. تتميز اليابان بثقافة الضيافة الرائعة. يقدم الأمريكيون فقط ما يحلو لهم. إذا أحب العميل ما هو معروض، فهذا رائع ـ إذا لم يعجبه، فهو يا للأسف. أمريكا ذات توجه فردي وتطلعي بينما اليابان مجتمع جماعي وتقليدي. هذه الاختلافات الهائلة تعنى أنه عندما تجعل البلدان يواجهان بعضهما البعض مثل مرآتين، يمكنك خلق أشكال من التآزر والتضافر. إنها حالة (1+1 =3)“.

مهمة الجمعية اليابانية

يقول ووكر ”جزء من مهمتنا هي مشاركة القيمة المذهلة التي تقدمها اليابان مع العالم، فنحن نوفر فرصًا بشكل يومي للتعرف على الفنون والثقافة اليابانية. تشترك اليابان والولايات المتحدة في تاريخ مأساوي ـ حارب أجدادنا بعضهم البعض ـ لكن المساعي الجادة ساهمت في تطور العلاقة الودية القائمة بين البلدين. لا ينبغي اعتبار هذه العلاقة أمرًا مسلمًا به. وإنما، يجب أن نواصل بذل الجهود للحفاظ عليها“.

في عام 2020، عندما اجتاح وباء كورونا العالم، نشرت الجمعية اليابانية في الولايات المتحدة معلومات عن كيفية تعامل اليابان مع الكوارث السابقة مثل زلزال وتسونامي عام 2011. ويقول ووكر إن هناك العديد من القصص الأخرى التي يمكن لليابان عرضها للعالم.

وأوضح ” نيويورك مدينة عالمية ـ يأتي الناس إلى هنا من جميع أنحاء العالم ـ لذلك عندما تشارك رسالة من نيويورك، فأنت تشاركها مع العالم بأسره. وأريد أن تكون الجمعية اليابانية قناةً يمكن للأمريكيين من خلالها أن يشعروا بالتواصل والترابط مع اليابان”.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الجمعية اليابانية جوشوا ووكر في أحد مكاتب الجمعية. حقوق الصورة لآبى كاسومي)

العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية الثقافة الشعبية الساموراي