هل تنجو اليابان من أزمة الطاقة العالمية بفضل مفاعلاتها النووية؟

مجتمع

كشف رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميئو مؤخرًا عن رؤيته لمستقبل الطاقة النووية في اليابان، وفي هذا السياق أعرب عن نيته إعادة تشغيل بعض وحدات المفاعلات في محطة كاشيوازاكي كاريوا للطاقة النووية في نهاية صيف عام 2023. في هذا الموضوع يقوم أحد الصحفيين بتحليل الموقف لمعرفة ما إذا كان هذا الجدول الزمني قابلاً للتطبيق على أرض الواقع أم لا في ظل المشاكل الكثيرة المتعلقة بالسلامة التي ظهرت في المحطة النووية خلال السنوات القليلة الماضية.

الحذر سيد الموقف

في 24 أغسطس/ آب، أعلن رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو عن خطط لزيادة نسبة الطاقة النووية من بين مجموعة مصادر الطاقة التي تعتمد عليها اليابان، بما في ذلك بناء منشآت جديدة وإطالة العمر التشغيلي للمحطات القائمة. وتهدف الحكومة أيضًا إلى إعادة تشغيل وحدتي المفاعل 6 و7 في محطة كاشيوازاكي كاريوا للطاقة النووية بمحافظة نيغاتا.

في حين رحبت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية ”تبيكو“ المسؤولة عن تشغيل المحطة بهذا بالإعلان على الصعيد الرسمي، إلا أن رد الفعل وراء الكواليس كان مناقضاً لذلك. حيث أقر أحد مسؤولي شركة تبيكو العاملين في محطة كاشيوازاكي كاريوا أن بيان كيشيدا سيخلق زخمًا لإعادة تشغيل وحدات المفاعلات التي ظلت مغلقة لحين انتهاء العمال من معالجة المشاكل الأمنية هناك، لكنه حذر من أن الجدول الزمني الذي أعلن عنه رئيس الوزراء والذي يحدد صيف 2023 موعداً لبدء التشغيل يعقد الوضع بالنسبة للعمال.

خلال حديثه في مؤتمر صحفي عقد يوم 25 أغسطس/آب، أكد مدير المحطة إيناغاكي تاكيوكي على هذه المخاوف قائلاً إنه ”في هذه المرحلة لا توجد وسيلة للجزم بما إذا كانت إعادة التشغيل ستتم بحلول ذلك الوقت“. مثل هذه التعليقات تجعل موقف شركة تبيكو غير متسق مع موقف الحكومة، مما يثير تساؤلات حول الأسباب التي تدفع شركة تبيكو إلى توخي الحذر بشأن محطة كاشيوازاكي كاريوا. لا شك أن رئيس الوزراء كيشيدا يعلّق آمالاً كبيرة على الطاقة النووية لمساعدة اليابان في التعامل مع الوضع السيء لقطاع الطاقة الناتج عن عدة عوامل من بينها ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا والتزام الحكومة اليابانية بإزالة الكربون، لكن ليس من الواضح ما إذا كان رئيس الوزراء قد درس جيداً الوضع الحالي في المحطة قبل اتخاذ قراره أم أنه مصمم على المضي قدمًا في أجندته، كما هو واضح من مجريات الأحداث.

جميع المفاعلات السبعة في محطة كاشيوازاكي كاريوا، أكبر محطة للطاقة النووية في العالم، متوقفة عن العمل منذ مارس/ آذار 2011، وتعمل تبيكو بشكل مطرد على تحديث البنية التحتية للسلامة في المحطة بهدف إعادة تشغيل وحدتي المفاعل 6 و7. لكن في يناير/ كانون الثاني 2021، واجهت هذه الخطط عقبة خطيرة بعد الكشف عن عدد من الانتهاكات الخطيرة للسلامة، والتي وصفتها شركة تبيكو بأنها ”مخالفات“. في ضوء هذه الاكتشافات، قامت مفوضية الرقابة النووية اليابانية في أبريل/ نيسان من ذلك العام بتعليق خطط إعادة التشغيل إلى أن تنتهي المنشأة من حل جميع المشكلات، وبالتالي تم إلغاء الجدول الزمني الذي كان مقرراً لإعادة تشغيل وحدات المفاعل.

وغني عن القول إن ضمان التشغيل الآمن لمحطات الطاقة النووية اليابانية له أهمية قصوى. لقد كتبت في السابق بإسهاب حول التحديثات المتعلقة بالسلامة في محطة كاشيوازاكي كاريوا لجعل المحطة متوافقة مع اللوائح الجديدة لمفوضية الرقابة النووية اليابانية، والتي تم إصدارها في يوليو/ تموز 2013 في أعقاب زلزال شرق اليابان الكبير في مارس/ آذار 2011. إن المعايير الجديدة، التي تعتبر الأكثر صرامة في الصناعة النووية العالمية، تعزز بشكل كبير قدرة المصنع على الصمود أمام الزلازل وأمواج تسونامي وتتضمن أيضًا إرشادات صارمة لمكافحة الإرهاب مثل الاستعداد في حالة تعرض المنشأة لهجوم بواسطة طائرة على غرار هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة. أكملت الحكومة تفتيشها على وحدة المفاعل رقم 7 في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وتم الانتهاء من معظم أعمال البناء بحلول يناير/ كانون الثاني من العام التالي. في ذلك الوقت شعرت إدارة المنشأة بالثقة في أنها بذلت كل ما في وسعها للوفاء بإرشادات السلامة الصادرة عن مفوضية الرقابة النووية اليابانية.

مشاكل بالجملة في المحطة النووية

لكن هذا الشعور بالأمان لم يدم طويلاً، فبينما كانت شركة تبيكو تستعد لبدء عملياتها في محطة كاشيوازاكي كاريوا تبين أن أحد العمال قد نسي بطاقة هويته واستعار بطاقة الهوية الخاصة بموظف آخر لدخول المناطق التي تعد حيوية في عملية تشغيل المحطة النووية. وبعد إجراء تحقيق تم الكشف عن 10 انتهاكات أخرى كما اتضح مدى سهولة وصول أي شخص غير مصرح له إلى أقسام محظورة من محطة الطاقة النووية.

كوباياكاوا توموأكي رئيس شركة تبيكو القابضة (إلى اليمين) ورئيس مجلس الإدارة كوباياشي يوشيميتسو يظهران في مؤتمر صحفي لشرح السياسة الجديدة التي تهدف إلى منع حدوث المزيد من المشاكل في محطة كاشيوازاكي كاريوا للطاقة النووية في 30 مارس/ آذار 2022. (جيجي برس)
كوباياكاوا توموأكي رئيس شركة تبيكو القابضة (إلى اليمين) ورئيس مجلس الإدارة كوباياشي يوشيميتسو يظهران في مؤتمر صحفي لشرح السياسة الجديدة التي تهدف إلى منع حدوث المزيد من المشاكل في محطة كاشيوازاكي كاريوا للطاقة النووية في 30 مارس/ آذار 2022. (جيجي برس)

كما تبين أن نظام كشف الدخلاء، وهو جزء من تدابير مكافحة الإرهاب، لا يعمل منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، تم اكتشاف أن لحام الأنابيب الموجودة على المعدات الثابتة لإخماد الحرائق والتي تم تركيبها بواسطة مقاول من الباطن لا تتوافق مع المواصفات وكان من اللازم إعادة تركيبها، وهو العمل الذي تم الانتهاء منه في وحدتي المفاعل 6 و7 في يناير/ كانون الثاني من هذا العام.

كل هذه المشكلات دقت أجراس الإنذار في مفوضية الرقابة النووية اليابانية، لا سيما فشل نظام اكتشاف الدخلاء، وهي المشكلة التي وصفها المنظم بأنها ”كبيرة وخطيرة“.

لا شك أن الكوارث الطبيعية تشكل خطراً على المحطات النووية. لكن الحوادث الكبرى غالباً ما تكون ناتجة عن الإهمال وضعف الرقابة وغيرها من الأخطاء البشرية الأخرى، مما يشير إلى أن هناك حاجة إلى أكثر من مجرد تعزيز البنية التحتية لأمن المنشأة لضمان التشغيل الآمن للمرافق.

اتخذت شركة تبيكو العديد من الإجراءات لمنع حدوث مخالفات، لكنها لم تنجح في منع وقوع الحوادث. في مايو/ أيار من هذا العام، استخدم موظف في محطة كاشيوازاكي كاريوا بطاقة هوية منتهية الصلاحية، دون أن يعلم، لدخول أراضي المنشأة. وقد حدث هذا على الرغم من قيام شركة تبيكو بإنشاء إدارة أمنية مستقلة في المحطة النووية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021. الطريقة الوحيدة للقضاء على مثل هذه الخروقات الأمنية في المستقبل هي من خلال تدريب الموظفين على الامتثال وتشديد الفحص الأمني لبطاقات الهوية التي يحملها العمال عند نقاط الدخول.

جزئيًا، تُعزى المشاكل الأمنية المستمرة إلى ضعف التواصل بين المقر الرئيسي لشركة تبيكو في طوكيو والمديرين في محطة نيغاتا. في ضوء ذلك، قامت الإدارة في شهر مايو/ أيار بنقل بعض الوظائف الخاصة بقسم الطاقة النووية إلى المنشأة وجاري التخطيط لنقل حوالي 300 موظف من المكتب الرئيسي إلى الموقع. بالإضافة إلى ذلك، تتطلع تبيكو إلى معالجة الانتقادات الموجهة لثقافتها المؤسسية المنعزلة من خلال تعيين موظفين من خارج الشركة مثل أعضاء من قوات الدفاع الذاتي والشرطة ورجال الإطفاء وموظفين سابقين في مرافق أخرى.

أهمية وجود ظهير شعبي

على الرغم من أن شركة تبيكو قد أحرزت تقدمًا ملموسًا في معالجة القضايا الأمنية، إلا أنه لايزال عليها أن تنفذ أهم مهامها. لقد مر عام منذ أن قدمت المنشأة خطتها لتحسين العمل إلى مفوضية الرقابة النووية اليابانية NRA، لكن الهيئة التنظيمية ما زالت لا ترى أن تبيكو قد تعاملت مع المشكلات الأمنية بشكل كاف وفعال. وبالتالي فإن إعلان كيشيدا عن جدوله الزمني لإعادة تشغيل المفاعلات رغم أن مفوضية الرقابة النووية اليابانية لم تصدر موافقتها بعد، يعقد الموقف إلى حد كبير.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستنجح في تحقيق هدفها في النهاية أم لا. عندما تحدثت مع أحد مسؤولي تبيكو ، أبدى شكوكاً حول إمكانية تنفيذ الجدول الزمني لإعادة التشغيل الذي أعلن عنه كيشيدا، ووصف المسؤول الموقف بأنه ”لا يمكن التنبؤ به“ مشيرًا إلى أنه في حين أن من المتوقع الانتهاء من الإنشاءات الإضافية بحلول نهاية العام، إلا أن الاحتمال الأغلب هو أن التفتيش النهائي لمفوضية الرقابة النووية على المحطة، والمقرر إجراؤه في أوائل عام 2023، سيكشف عن وجود مشاكل إضافية.

حتى لو أعطت مفوضية الرقابة النووية الضوء الأخضر لبدء تشغيل المفاعلات، فلا يزال يتعين على شركة تبيكو أن تحصل على الموافقة المحلية من بلديتي كاشيوازاكي وكاريوا اللتين تستضيفان محطة الطاقة النووية. يقول مسؤول تبيكو الذي تحدثت إليه إن المنشأة لا تعلم الآلية التي سيقوم من خلالها حاكم نيغاتا بتنفيذ عملية الموافقة، مما يلقي مزيداً من الغموض وعدم اليقين على الوضع القائم.

على الرغم من فوز هانازومي هيديو الحاكم الحالي على خصمه المناهض لاستخدام الطاقة النووية بهامش كبير لتتم إعادة انتخابه في مايو/ أيار، إلا أن الحاكم لم يشر إلى موقفه بشأن إعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي كاريوا. يقول أحد المطلعين السياسيين المحليين أن هانازومي سيتخذ قراره بعد الاطلاع على التقرير النهائي للجنة الإشراف المستقلة في المحافظة والتي تحقق في الآثار السابقة والمحتملة للحوادث في منشآت الطاقة النووية. أما اللجنة التي تضم أعضاءً يعارضون إعادة تشغيل المفاعلات، فهي لا تزال عالقة في مرحلة النقاش والمداولة ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى موعد إعلان نتائجها.

الجدول الزمني المعلن بين النظرية والتطبيق

أعرب مسؤولو تبيكو المحليون عن ثقتهم في قدرة الإدارة على تشغيل محطة كاشيوازاكي كاريوا بشكل آمن في ظل الظروف العادية. يتمتع الموظفون في المنشأة بقدرات تقنية عالية، واستنادًا إلى جهود تبيكو لجعل المنشأة تتماشى مع المعايير التنظيمية الجديدة، يبدو أن الإدارة قد نجحت في تغطية كل الجوانب الأساسية المرتبطة بمواقف الأزمات المحتملة. في ظاهر الأمر، يبدو قرار إعادة تشغيل المفاعلات التي تلبي أكثر المعايير التنظيمية النووية صرامة في العالم قراراً معقولاً، ولكن الصعوبة تكمن في انتظار الفحص النهائي لمفوضية الرقابة النووية وضرورة الحصول على موافقة البلدية، يقول مسؤول تبيكو إن الإدارة تخشى من عدم قدرتها على الالتزام بالجدول الزمني الذي وضعته الحكومة ويؤكد أنه ”في هذه المرحلة لا يزال هناك الكثير من الشكوك والمخاوف“. إن القضية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لشركة تبيكو هي استعادة ثقة الجمهور التي تعد عنصراً هاماً للغاية إذا كانت تأمل في استئناف تشغيل مفاعلات كاشيوازاكي كاريوا.

بالنظر إلى الوضع الحالي، تبدو إعادة تشغيل المفاعلات بحلول الصيف المقبل أمرًا عسيراً، وبصراحة قد لا يكون ممكنًا حتى بحلول نهاية عام 2023. في ضوء ذلك، يبدو تصريح كيشيدا مجرد أمنيات أكثر من كونه قراراً مبنياً على فهم حقيقي للعقبات التي تواجهها شركة تبيكو في محطة كاشيوازاكي كاريوا.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الجزء الداخلي من مبنى وحدة المفاعل رقم 6 في محطة كاشيوازاكي كاريوا للطاقة النووية. جيجي برس)

الطاقة المبتكرة الطاقة النووية الطاقة المتجددة