تاكاهاشي دايسوكي كنز من المفاجآت: عودة متأخرة والتحول إلى الرقص على الجليد

رياضة

عاد تاكاهاشي دايسوكي بشكل غير متوقع إلى المنافسة النشطة في سن 32 بعد تقاعده لمدة 5 مواسم، وكانت مشاركاته الأولمبية الثلاث قد ساعدته في جعله شخصية رائدة في التزلج على الجليد في آسيا. أعلن بعد ذلك عن تحوله إلى الرقص على الجليد، ليحوز على الفور على مكانة رائدة أخرى بفوزه في بطولة عموم اليابان. وفي هذه المقالة نسبر الدوافع التي كانت وراء المتزلج الذي بلغ عمره هذا العام 37 عاما، لمواصلة مواجهة تحديات غير مسبوقة.

الفوز بمنافستين من بطولة عموم اليابان

استضافت حلبة ”تووا فارماسوتيكال راكتاب دوم“ في مدينة كادوما بمحافظة أوساكا بطولة عموم اليابان للتزلج الفني على الجليد في الفترة من 22-24 من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2022. كان هذا الحدث بمثابة جولة تمهيدية لبطولة العالم المقررة في مارس/آذار في صالة ”سايتاما سوبر أرينا“ وهو الحدث الذي يحلم به المتزلجون على الجليد في جميع أنحاء اليابان.

كان تاكاهاشي دايسوكي أحد الذين استحوذوا على اهتمام خاص في بطولة عموم اليابان، حيث فاز بأول لقب له في الرقص على الجليد مع شريكته موراموتو كانا.

كانت هذه أنباء عظيمة ليس فقط لأنها أول بطولة له في الرقص على الجليد. فقد كان تاكاهاشي قد عدل عن قراره التقاعد كمتزلج فردي، حيث كانت آخر بطولة له في عام 2011. وبعبارة أخرى، لقد مر 11 عاما منذ أن حصل على المركز الأول في بطولة عموم اليابان. وكانت أيضا حدثا لا ينسى لأنها المرة الأولى في اليابان التي يفوز فيها نفس المتنافس بمسابقتي التزلج الفردي والرقص على الجليد. وبهذا الفوز يكون تاكاهاشي قد حقق شيئا غير مسبوق ليس في اليابان فحسب، وإنما على صعيد التزلج الفني على الجليد العالمي حيث خطف أنظار العالم بأسره.

دعونا نعود إلى تاريخ تاكاهاشي في مشواره الرياضي. شارك في ثلاث ألعاب أولمبية: تورين في عام 2006 وفانكوفر في عام 2010 وسوتشي في عام 2014. شارك في جميع الفعاليات وفاز بالميدالية البرونزية في فانكوفر، ما جعله أول رجل آسيوي يتصدر منصة التتويج في منافسة التزلج الفردي. وفي عام 2010 أصبح أيضا أول رجل ياباني يفوز ببطولة العالم، ما دفعه ليصبح المتزلج الريادي في آسيا.

فاز تاكاهاشي بالميدالية الذهبية في 25 مارس/آذار عام 2010 في التزلج الفردي في بطولة العالم عام 2010 في تورين بإيطاليا، وكان عمره آنذاك 24 عاما (حقوق الصورة لوكالة فرانس برس/جيجي برس).
فاز تاكاهاشي بالميدالية الذهبية في 25 مارس/آذار عام 2010 في التزلج الفردي في بطولة العالم عام 2010 في تورين بإيطاليا، وكان عمره آنذاك 24 عاما (حقوق الصورة لوكالة فرانس برس/جيجي برس).

ولكن تاكاهاشي أعلن اعتزاله عن المشاركة في منافسات خريف عام 2014. فقد كانت إصابة ركبته اليسرى المستمرة لفترة طويلة لا تشهد تحسنا، كما تصدر المشهد آخرون مثل هانيو يوزورو الذي حصد الميدالية الذهبية في سوتشي.

ظل تاكاهاشي نشطا كمتزلج فني على الجليد محترف بالإضافة إلى كونه معلقا تلفزيونيا، ولكن إعلانه عن عودته إلى المنافسة النشطة عام 2018 قد أثار ضجة كبيرة.

عودة صادمة بعد التغيب عن 5 مواسم

كانت عودته بعد غياب دام 5 مواسم غير مسبوقة ليس في مجال التزلج الفني على الجليد فحسب، وإنما في الرياضة بشكل عام. كان الأمر أكثر إثارة للدهشة أنها جاءت عندما بلغ بالفعل 32 من عمره، وفي هذا العمر يُنظر عموما إلى الرياضيين على أنهم تجاوزوا سن التزلج الفني على الجليد.

يبدو أن بطولة عموم اليابان لعام 2017 كانت السبب الرئيسي في إلهامه بالعودة إلى الرياضة حيث عمل كمعلق رياضي فيها. فقد تميزت الألعاب بمشاركة رياضيين في جميع مراحل حياتهم المهنية، حيث تنافس بعض المتزلجين للانضمام للفريق المشارك في أولمبياد بيونغ تشانغ 2018 وبعضهم في منتصف التعافي البطيء من الإصابة وآخرون ظهروا في الألعاب لأدائهم التنافسي النهائي. وبغض النظر عن ترتيبهم النهائي فقد قدم كل واحد منهم كل ما لديه في المنافسة. علق تاكاهاشي أثناء مشاهدته تلك المنافسة قائلا: ”كنت أعتقد أنه يجب ألا تشارك في منافسة نشطة إلا إذا كان هدفك الفوز ولكن أعتقد الآن أنه يكفي للجميع أن يستمروا في المشاركة لأسبابهم الخاصة“.

كانت المنافسة التي عاد من خلالها إلى المشاركة هي بطولة كينكي الإقليمية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، حصد فيها المركز الثالث ما دفعه إلى خوض بطولة غرب اليابان حيث احتل المركز الأول وتأهل للبطولات القومية. لم تظهر عزيمته أي مؤشر على الفتور، فقد احتل المركز الثاني في البطولة القومية لتلك السنة.

أداء تاكاهاشي في بطولة كينكي الإقليمية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 والتي عاد من خلالها إلى التنافس. الصورة ملتقطة في غابة أماغاساكي الرياضية بمحافظة هيوغو (حقوق الصورة لجيجي برس).
أداء تاكاهاشي في بطولة كينكي الإقليمية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 والتي عاد من خلالها إلى التنافس. الصورة ملتقطة في غابة أماغاساكي الرياضية بمحافظة هيوغو (حقوق الصورة لجيجي برس).

ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد. فقد أعلن أن عودته إلى المنافسات الفردية ستنتهي في موسم 2019-2020 وذلك قبل بدء الموسم التالي، وعندها سينتقل إلى الرقص على الجليد مع موراموتو.

ورغم كل النجاحات في المنافسات الفردية التي حققها تاكاهاشي، إلا أن هذا الإعلان غير المتوقع قد أحدث ضجة تتجاوز عالم التزلج. كان السبب وراء هذا التغيير في المشوار الرياضي بسيطا للغاية، فقد كان يحب الرقص على الجليد وأراد تجربته. بعد عودته إلى المنافسات الفردية، أدلى أحد مدربيه بتعليق مرتجل قال فيه ”لماذا لا تجرب الرقص على الجليد“. وفي وقت لاحق، تلقى عرضا من موراموتو التي كانت قد انفصلت للتو عن شريكها السابق، وبعد أداء اختبار معها اتخذ قراره بالموافقة.

الفجوة بين التزلج الفردي والرقص على الجليد

ولكن الطريق لم يكن خاليا من المخاوف. فعلى عكس التزلج الزوجي، يتطلب أداء الرقص على الجليد الكثير من التقارب مع الشريك وليس هناك حاجة لتضمين قفزات في البرنامج. كما تُحظر العروض البهلوانية إلى حد كبير، والرفع –غالبا يشير إلى رفع المتزلج لشريكته– ليس بنفس القدر في منافسات التزلج الزوجي. ولكن هناك بعض القلق بشكل خاص من حركات الرفع التي يحمل المتزلج شريكته في الهواء. فهناك فرق طفيف فقط في الطول بين تاكاهاشي الذي يبلغ طوله 164 سنتيمترا وموراموتو التي يبلغ طولها 162 سنتيمترا، كما أن بنيتهما الجسدية متقاربة. وقد كان الناس قلقين بشأن ما إذا كان قادرا على رفعها ودعمها في الهواء.

وكانت هناك مشكلة أخرى وهي أن الزلاجات الفردية وزلاجات الرقص على الجليد لها شكلان مختلفان. فالنصل في زلاجات الرقص على الجليد أقصر وأرفع، وقال تاكاهاشي: ”الشعور مختلف تماما“. لذلك كان عليه أن يكيّف حواسه الخاصة بالتزلج مع هذه الأنصل الجديدة. وبالرغم من أن تاكاهاشي كان متزلجا فرديا على مستوى عالمي إلا أن الأمر لم يكن سهلا عليه مع هذا التغيير.

وبينما دعم الكثيرون بشدة محاولته الجديدة، لم يكن الجميع منفتحا جدا على الفكرة. فقد شكك البعض في أنه سينجح في الرقص على الجليد بسبب اختلافه الكبير عن التزلج الفردي الذي حقق فيه نجاحا كبيرا، في حين شعر آخرون أن عودته إلى مجال التنافس في المقام الأول جاءت في وقت تجاوز بالفعل ذروة مشواره الرياضي.

لكن تاكاهاشي أثبت أن ظنونهم لم تكن في مكانها، حيث حقق مع موراموتو تقدما مذهلا في الفترة التي تلت ظهورهما في موسم 2020-2021 والموسم الذي يليه. ففي كأس NHK في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020 أثناء أول موسم يشاركان معا، حققا معا 157.25 نقطة ليحتلا المركز الثالث من بين 3 أزواج متنافسين. ولكن في كأس وارسو في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021 تمكنا من الصعود إلى المركز الثاني برصيد 190.16 نقطة.

وعلى الرغم من خطأ أثناء بطولة عموم اليابان أسفر عن خسارتهما للمكان الوحيد المتاح ضمن الفريق الأولمبي الياباني للمشاركة في ألعاب بكين، إلا أنهما اختيرا في وقت لاحق للمشاركة في بطولة العام في ذلك الموسم. لقد تجاوز هذا الإنجاز كل توقعات الآخرين في عالم التزلج الفني على الجليد.

ونظرا لأن هدف تاكاهاشي المعلن كان التزلج في أولمبياد بكين، فقد كان يخطط للتقاعد بعد نهاية موسم 2021-2022 لكنه قرر الاستمرار بعد إعادة النظر في الأمر. أدت فترة التردد هذه إلى تأخير استعداداته للموسم التالي، لكنه منذ ذلك الحين كان يعمل على صقل أدائه مع كل منافسة.

الشغف يقود تطور رياضي مخضرم

سُلطت الأضواء على تاكاهاشي منذ عودته وبفضل أدائه الرائع أضفى حماسا حتى في أبرد الاستقبالات. وهذا لا يعود فقط إلى النجاح غير المتوقع الذي حققه، وإنما إلى الطريقة التي نقل بها نفس القوة المبهرة التي ساعدته على صناعة اسم له في المنافسات الفردية، نقلها إلى الرقص على الجليد. يعمل تاكاهاشي عن كثب مع موراموتو –التي أعرب علانية عن احترامه لها وثقته بها– من أجل إعداد برامج أكثر تحديا مع كل موسم. وكانت تلك العروض محط تقدير وإعجاب داخل اليابان وخارجها.

تاكاهاشي وموراموتو –يعرفان معا باسم ”كاناداي“– يؤديان عرضهما في بطولة عموم اليابان لعام 2022 في 12 ديسمبر/كانون الثاني في حلبة ”تووا فارماسوتيكال راكتاب دوم“ (حقوق الصورة لجيجي برس).
تاكاهاشي وموراموتو –يعرفان معا باسم ”كاناداي“– يؤديان عرضهما في بطولة عموم اليابان لعام 2022 في 12 ديسمبر/كانون الثاني في حلبة ”تووا فارماسوتيكال راكتاب دوم“ (حقوق الصورة لجيجي برس).

لا بد وأنه بذل جهودا هائلة في التدريب والعناية بغذائه، لأن لياقته البدنية أقوى بكثير مما كانت عليه خلال مسيرته الفردية. وقد أدى ذلك إلى تبديد أية مخاوف سابقة للناس بشأن التقارب في البنية الجسدية بينه وبين موراموتو. كما تمكن هذا المتزلج من التغلب على أية صعوبات ناجمة عن الفجوة مع المنافسات الفردية، بما في ذلك شكل الزلاجات.

بعد فوزه على المستوى القومي، علق تاكاهاشي قائلا: ”أعتقد أنه لا يزال بإمكان المرء التقدم وتطوير مهاراته حتى في سن ال36“. ولكن النجاح في جعل تلك الكلمات واقعا ملموسا ليس بالأمر العادي. ما الذي جعل تاكاهاشي يحافظ على استمراره في التقدم؟

أتذكر بعض التصريحات التي قالها في مقابلاته منذ عودته في عام 2018، كانت إحداها ”أعتقد أن هناك بعض التعبيرات والجاذبية غير الموجودة إلا في التزلج الفني على الجليد وأعتقد أنه لا تزال هناك الكثير من الإمكانات، ما يعني أنني أعتقد أنه لا يزال أكثر عمقا“ وقال أيضا ”أريد أن استمر في التعبير عن نفسي من خلال التزلج لأطول فترة ممكنة“. ولكن علاوة على كل شيء، أعتقد أن ما يلخص كل تصريحاته هو عبارة ”أريد أن أتزلج طوال حياتي“.

إنها الرغبة في البقاء رياضيا والتنافس والارتقاء بنفسه وبالتزلج على الجليد للوصول إلى المستوى التالي، من أجل أن يكون نشطا كمتزلج فني على الجليد لأطول فترة ممكنة. كانت تلك المشاعر الشغف الذي دعم سجل تاكاهاشي الاستثنائي وأطال من عمر أدائه.

هذا نهج غير مسبوق لأن تكون متزلجا فنيا على الجليد، وهو أحد الأسباب التي تجعل هذه الصورة الجديدة للتزلج التي يتم بثها من اليابان إلى العالم تستحوذ على الكثير من الاهتمام والثناء في كل مكان تظهر فيه.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: تاكاهاشي وموراموتو يؤديان عرضهما في فعالية للرقص الحر في ألعاب كأس NHK في 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 في صالة ”سيكيسوي هييم سوبر أرينا“ في سابّورو بهوكّايدو، حقوق الصورة لجيجي برس)

الرياضة التزلج على الجليد رياضة