لا تستغرب إذا رأيت اليابان على منصات التتويج قريبًا... نجوم الدوري الياباني يزحفون نحو أوروبا

رياضة

كان فريق اليابان الوطني لكرة القدم في كأس العالم 1998 في فرنسا مكونًا بالكامل من لاعبين من الدوري الياباني المحلي. على النقيض من ذلك، هيمن اللاعبون المحترفون في أوربا على قائمة الفريق الذي شارك في نهائيات مونديال قطر 2022. فما الذي دفع بالقارة الأوروبية لتصبح وجهة رئيسية لأفضل لاعبي كرة القدم في اليابان؟

الاحتراف يؤتي ثماره

يتزايد عدد اللاعبين اليابانيين في الدوريات الأوروبية، في إطار سعي كرة القدم اليابانية إلى مضاعفة عدد المحترفين وتسويق عدد أكبر من المواهب.

وعادت سياسة تسويق اللاعبين نحو أوروبا بالنفع على المنتخب الياباني الأول الذي خطف الأضواء في نهائيات كأس العالم قطر 2022، حين بلغ الدور ثمن النهائي، واستطاع أن يهزم منتخبات ألمانيا وإسبانيا، وأجبر منتخب كرواتيا صاحب المركز الثالث على لعب ركلات الترجيح.

خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي أقيمت في قطر العام الماضي، استعان المدير الفني لمنتخب اليابان، مورياسو هاجيمي، باللاعبين الذين لديهم خبرة في الأندية الأوروبية للمشاركة في التشكيلة الرئيسية للفريق. من بين قائمة الفريق التي ضمت 26 لاعبًا، كان هناك 22 لاعبًا من المحترفين في الأندية الأوروبية سواء في الوقت الحالي أو في وقت سابق. وقد حققت استراتيجية هاجيمي نجاحًا باهرًا. رغم المشاركة في ”مجموعة الموت“ التي ضمت منتخبات ألمانيا وإسبانيا، تفوق المنتخب الياباني على جميع التوقعات بتغلبه على الفريقين والصعود للمرة الخامسة في تاريخه إلى دور الـ 16، حيث قدم أداء قويًا ضد كرواتيا، المرشحة المستمرة للفوز بالبطولة، قبل أن يتلقى خسارة مخيبة للآمال بركلات الترجيح.

هذا الاعتماد على اللاعبين ذوي الخبرة الأوروبية جعل اليابان تبرز كفريق يتميز عن المنافسين الآسيويين الآخرين في البطولة. فعلى سبيل المثال، استدعت إيران 13 محترفًا يلعبون في الأندية الأوروبية، في حين استدعت كوريا الجنوبية 7 لاعبين، ولم تستدعِ المملكة العربية السعودية أي لاعب. حتى أستراليا، التي لها علاقات قوية مع كرة القدم البريطانية، استدعت فقط 15 لاعبًا يلعبون في الأندية الأوروبية من بين لاعبيها الدوليين.

تحول اليابان إلى استدعاء اللاعبين المحترفين في أوروبا كان تدريجياً. عندما شارك المنتخب الياباني لأول مرة في كأس العالم في فرنسا عام 1998، كان الفريق يتألف بالكامل من لاعبين يلعبون في الدوري المحلي الياباني. وعندما تشاركت اليابان في استضافة البطولة مع كوريا الجنوبية في عام 2002، كان هناك أربعة لاعبين يلعبون في أندية أوروبا في التشكيلة الأساسية للمنتخب الياباني. ثم استقر هذا العدد تقريباً خلال البطولات التالية. وفي نهائيات عام 2014 في البرازيل، ارتفع العدد إلى 12 لاعبًا، ثم زاد إلى 16 لاعبًا في كأس العالم بروسيا عام 2018. وفي الوقت الحالي، يعد اللعب في نادٍ أوروبي شرطًا أساسيًا تقريبًا لانضمام أي لاعب لتشكيلة المنتخب الوطني الياباني.

المنافسة شرسة أيضًا، مع وجود أكثر من 100 لاعب ياباني يلعبون في فرق الدرجة الأولى في أوروبا. وتشمل هذه الأسماء أمثلة مثل تاكيفوسا كوبو، دايتشي كامادا، وكاورو ميتوما في أندية الدوريات الكبرى الخمس في إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا، بالإضافة إلى نجوم مثل دايزن مايدا وآياسي أويدا اللذان حققا نجاحًا في منافسات الدرجة الأولى في بلدان أخرى. لقد توجه اللاعبون اليابانيون إلى أوروبا بوتيرة متزايدة على مدار العشر سنوات الماضية، مما جعل اليابان تصبح أكبر مصدر لمواهب كرة القدم في آسيا، حتى أنه يتم مقارنتها في بعض الأوساط بالبرازيل ودول أفريقيا التي طويلًا ما أرسلت اللاعبين للاحتراف في القارة الأوروبية.

تأثير كاغاوا

بلا شك، نجاح اليابان في تطوير المواهب المحلية ساهم في تعزيز الطلب الحالي في أوروبا على اللاعبين اليابانيين. ومع ذلك، في البداية، كان الطريق شديد الصعوبة، حيث كان يتطلب من لاعبي كرة القدم إثبات قدرتهم أولاً من خلال فترات طويلة في دوري الدرجة الأولى الياباني. وتغيرت هذه القواعد مع شينجي كاغاوا، الذي لفت الأنظار كلاعب شاب متميز في نادي سيريزو أوساكا في الدرجة الثانية.

في عام 2010، تم استدعاء كاغاوا للمنتخب الوطني الياباني، ولكنه لم يتم اختياره في القائمة النهائية لكأس العالم في جنوب أفريقيا في ذلك العام. ومع ذلك، لفت لاعب الوسط البالغ من العمر 21 عامًا انتباه نادي بوروسيا دورتموند الألماني في الدوري الألماني الممتاز بأدائه، بما في ذلك حصوله على لقب أفضل هداف في عام 2009 لمساعدة سيريزو على الصعود إلى دوري الدرجة الأولى. في نهاية الموسم، تمت الموافقة على انتقال كاغاوا إلى دورتموند بمبلغ متواضع قدره 350,000 يورو بموجب اتفاق خاص.

كاغاوا شينجي أثناء لعبه مع فريق دورتموند في 25 مارس/ آذار 2012. ( © أ ف ب/ جيجي برس)
كاغاوا شينجي أثناء لعبه مع فريق دورتموند في 25 مارس/ آذار 2012. ( © أ ف ب/ جيجي برس)

عندما زرت معسكر تدريب دورتموند في فترة الإعداد قرب مدينة غراتس في النمسا بعد وصول كاغاوا إلى النادي، كنت مندهشًا من صغر سنه وعدم خبرة الفريق، وهو انطباع تعزز بغياب اللاعبين الذين شاركوا في كأس العالم. حتى بالنسبة للعين غير المدربة، كان كاغاوا بارزًا بفارق كبير عن زملائه، سواء في جودة أدائه أو براعته ومهاراته. واجه زملاؤه صعوبة في التنبؤ بتحركاته المنسقة بعناية أو تحديد مواقعهم لاستقبال تمريراته الدقيقة. على الرغم من أن كاغاوا أظهر لم يكن راضيًا عن أدائه، قائلاً بعد الحصة التدريبية ”أحتاج فقط إلى وقت أكثر للتأقلم“، لم يكن لدي أدنى شك في أنه سينجح في أوروبا.

كما توقعت، تألق كاغاوا واستقر في دورتموند. لعب دورًا حاسمًا في فوز الفريق ببطولتي الدوري الألماني المتتاليتين في عامي 2011 و2012، وفي موسمه الثاني المتميز مع النادي، تم اختياره ضمن فريق النجوم في الدوري الألماني. وقد جذب تألقه انتباه مانشستر يونايتد، وبعد عامين، ودع كاغاوا دورتموند وانتقل إلى الدوري الإنكليزي الممتاز.

بعد كاغاوا، بدأت الأندية الألمانية تلتفت للاعبين اليابانيين، حيث اكتشفوا في اليابان توافر لاعبي كرة القدم عالية المستوى ذوي المهارات التقنية والحس الكروي والرغبة القوية في الفوز. وما هو أكثر من ذلك، كانت تكاليف الانتقالات في حدود الصفقات الرخيصة، حيث كانت تكاليف الانتقالات عادة أقل بكثير من معدل الصفقات في الدوريات الأوروبية.

في نفس الوقت الذي انتقل فيه كاغاوا إلى الدوري الألماني، كان لاعبون يابانيون آخرون مثل هوندا كيسوكي، ناغاتومو يوتو، أوكازاكي شينجي وهاسيبي، وماكوتو يحققون تأثيرًا في أندية كبيرة في ألمانيا ودول آخر، مما زاد من الطلب على اللاعبين اليابانيين.

يشير الكم الكبير من مواهب كرة القدم اليابانية في أوروبا إلى زيادة كبيرة في مستوى كرة القدم في اليابان، ولكن فيليب تروسييه، الذي قاد المنتخب الوطني الياباني من عام 1998 إلى عام 2002، يقول إن هذا ليس صحيحًا. يعزو الوضع إلى تركيز الأندية الأوروبية المفرط على انتقال النجوم من البرازيل والأرجنتين والدول الأفريقية، مما منعهم من استغلال حجم المواهب المتاحة في اليابان. ويقول إنه بعد أول ظهور لليابان في كأس العالم عام 1998، استغرق الأمر عقدًا من الزمن حتى تتقبل العديد من الفرق الأوربية فكرة التعاقد مع اللاعبين اليابانيين.

بداية الاحتراف الأوربي

يعود أصل انتقال اليابانيين إلى أوروبا إلى سبعينيات القرن الماضي، حين أصبح أوكوديرا ياسوهيكو أول لاعب ياباني ينضم إلى فريق أوروبي عندما وقع عقدًا مع نادي غرب ألمانيا، كولونيا في عام 1977. حقق أوكوديرا شهرة كلاعب وسط لنادي فوروكاوا إليكتريك (الذي يعرف الآن باسم جي إي إف يونايتد إيتشيهارا تشيبا) في دوري كرة القدم للشركات في اليابان، وكان أيضًا عضوًا في المنتخب الوطني الياباني. خلال رحلته إلى ألمانيا للتدريب مع أندية الدوري الألماني، لفت انتباه المدرب الأسطوري هينز فيسفايلر، الذي تعاقد معه.

على الرغم من صعوباته في التكيف مع البيئة الجديدة، نجح أوكوديرا، مما ساهم في فوز الفريق بلقب الدوري للمرة الثانية في عام 1977. كما كان له دور حاسم في مشوار الفريق في بطولة أوروبا عام 1978 (الآن دوري أبطال أوروبا لكرة القدم)، بما في ذلك تسجيله هدف التعادل المثير للجدل في مباراة الذهاب في نصف نهائي المسابقة أمام فريق نوتنغهام فورست الإنكليزي. قضى أوكوديرا تسعة مواسم في ألمانيا، بما في ذلك فترات في هيرتا برلين وفيردر بريمن، حيث فاز بلقب الدوري الألماني للمرة الثانية.

أوكوديرا ياسوهيكو (في الوسط) يعود إلى اليابان مع كولونيا في مباراة كأس اليابان (كأس كيرين الآن) في الاستاد الوطني في طوكيو في 27 مايو/ أيار 1978. (© جيجي برس)
أوكوديرا ياسوهيكو (في الوسط) يعود إلى اليابان مع كولونيا في مباراة كأس اليابان (كأس كيرين الآن) في الاستاد الوطني في طوكيو في 27 مايو/ أيار 1978. (© جيجي برس)

في الثمانينات، تبعاً لخطى أوكوديرا، اتجه اثنان آخران إلى أوروبا، وهما أوزاكي كازوو وكازاما ياهيرو. قضى الثنائي عدة مواسم في ألمانيا، ولكن يُمكن القول إنهما لم يحققا نفس النجاح الذي حققه سلفهما. عودتهما إلى اليابان أشعلت بداية فترة جمود طويلة لعدم انتقال لاعبين يابانيين إلى الخارج. بصرف النظر عن ميورا كازويوشي، الذي ترك المدرسة وسافر إلى البرازيل في سن الخامسة عشرة وهو عازم على أن يصبح لاعبًا محترفًا، لم يذهب أي لاعب ياباني بارز إلى الخارج حتى انتقال ناكاتا هيديتوشي، الذي دفعه أداؤه في كأس العالم في فرنسا، للانضمام إلى نادي بيروجيا في الدوري الإيطالي في عام 1998.

لكن الصورة لم تكن قاتمة السواد كما يبدو. بداية التسعينات من القرن الماضي شهدت بداية عصر جديد لكرة القدم المحلية في اليابان. ركز الدوري الياباني (J. League) على الاهتمام على هذه الرياضة عند إطلاقه في عام 1993، حيث قدمت الفرق نجومًا دوليين مثل زيكو وغاري لينيكر وبيير ليتبارسكي ودراجان ستويكوفيتش لجذب الجماهير ورفع مستوى اللعب. وأصبح تطوير الشباب أولوية لاتحاد كرة القدم الياباني، وكان هذا القرار مجديًا فورًا، حيث قدمت اليابان أداءً قويًا في بطولة آسيا للشباب عام 1994 لتحقق أول مشاركة لها في بطولة العالم للشباب (الآن كأس العالم تحت 20 سنة) التي أقيمت في العام التالي، وتأهلت إلى دور الثمانية في تلك البطولة، مما أظهر المزيد من التقدم والإمكانات في كرة القدم اليابانية على الساحة الدولية.

على الرغم من هذه العلامات المشجعة للتقدم، كان هناك عدد قليل جدًا، إن وجد، من اللاعبين اليابانيين في تلك الفترة على مستوى يجذب انتباه الأندية الأوربية. في الواقع، كان مشجعو كرة القدم اليابانية في تلك الفترة يرون الدوريات الأوروبية الكبرى كما لو كانت خارج متناول نجوم الدوري المحلي. الاستثناء الوحيد كان ناكاتا، الذي كان محبوبًا بسبب مهاراته العالية وحسه الكروي.

ناكاتا هيديتوشي بعد انتقاله إلى فريق روما يلعب في مباراة ضد ميلان في 30 يناير/ كانون الثاني 2001 (أ ف ب/ جيجي برس)
ناكاتا هيديتوشي بعد انتقاله إلى فريق روما يلعب في مباراة ضد ميلان في 30 يناير/ كانون الثاني 2001 (أ ف ب/ جيجي برس)

مع بداية موجة اللاعبين اليابانيين الأولى الذين بدأوا في الانتقال إلى الخارج في أوائل العقد الألفية الجديدة، ظهرت قضايا جديدة تمامًا متفرعة عن قدراتهم في كرة القدم. حيث كان العديد منهم لم يخوضوا تجربة العيش بلد يختلف ثقافيًا عن بلدهم، فقد واجه الكثيرون صعوبات في التكيف مع متطلبات العيش واللعب في الخارج، لا سيما الحاجة إلى التعبير عن أنفسهم بلغات أجنبية. وقد تمكن بعضهم من تجاوز هذه العقبات، مثل ناكامورا شونسوكي الذي اكتسب ثقة كاملة من مدربه بينما كان ينجح في نادي سيلتيك الأسكتلندي، وماتسوي دايسوكي وكاغاوا، اللذين تمكنا من التعبير عن مواهبهما كجزء من فرق شابة مترابطة. ومع ذلك، واجه اللاعبون الذين كانوا أقل انفتاحًا أو لم يعيشوا وحدهم صعوبة أكبر في التكيف.

 هوندا كيسوكي يلعب لميلان في مباراة ضد سامبدوريا في 23 فبراير/ شباط 2014 في جنوة. توقيع لاعب خط الوسط مع النادي، وهو أحد أكبر التعاقدات في كرة القدم الأوروبية، كان خبراً رئيسياً في اليابان. (© وكالة فرانس برس/ جيجي برس)
هوندا كيسوكي يلعب لميلان في مباراة ضد سامبدوريا في 23 فبراير/ شباط 2014 في جنوة. توقيع لاعب خط الوسط مع النادي، وهو أحد أكبر التعاقدات في كرة القدم الأوروبية، كان خبراً رئيسياً في اليابان. (© وكالة فرانس برس/ جيجي برس)

اليوم، ينظر اللاعبون خطواتهم نحو أوروبا بنظرة مختلفة تمامًا. نجاح نجوم مثل كاغاوا وهوندا وغيرهما جعل هذا الأمر أقل صعوبة من الماضي، مما يمنح المتطلعين ثقة أكبر بأنهم يمكنهم النجاح في هذا بيئة مليئة بالتحديات. يضع العديد من اللاعبين الآن الأسس للعيش واللعب في الخارج من خلال حضور دروس لتعزيز مهارات التواصل لديهم باللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات.

كان هناك خوف من أن مستوى الدوري الياباني سيتأثر بمغادرة المزيد والمزيد من نجومه إلى الخارج، ولكن العكس تمامًا ثبت صحته. تعد الفرق اليابانية متنافسة بانتظام في دوري أبطال آسيا، وهو البطولة الرئيسية للأندية في آسيا، حيث فازت أندية جامبا أوساكا وكاشيما أنتلرز وأوراوا ريدز باللقب، وفاز أوراوا ريدز باللقب ثلاث مرات.

يمكن التوقع بأن نرى المزيد من لاعبي الدوري الياباني ينتقلون إلى أوروبا وأماكن أخرى في السنوات القادمة، مما سيزيد الطلب على المواهب اليابانية لكرة القدم بشكل أكبر، ويرفع مستوى الرياضة إلى آفاق أعلى من أي وقت مضى.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صور العنوان: كوبو تاكيفوسا (على اليسار) بعد انتقاله إلى نادي ريال سوسيداد الإسباني، بينما يحرك ميتوما كاورو الكرة لصالح فريق برايتون في الدوري الإنكليزي الممتاز (© أ ف ب/ جيجي برس)

كرة القدم الرياضة الثقافة التقليدية