30 عاماً منذ انطلاقة الدوري الياباني... الطريق نحو مستقبل كرة القدم اليابانية المحترفة

رياضة

يوافق هذ العام الذكرى الثلاثين للدوري الياباني (جاي ليغ). وهو الذي تأسس في عام 1993 بهدف رفع مستوى كرة القدم المحلية وتعزيز شعبية الرياضة بهدف تحسين فرص اليابان في بطولة كأس العالم. في هذه المقالة نلقي نظرة على تطور الدوري الياباني للمحترفين لكرة القدم بعد ثلاثة عقود.

دوري رائد في القارة الآسيوية

الدوري الياباني لكرة القدم، هو دوري المحترفين الأعلى درجة في اليابان، وهذا العام يوافق مرور ثلاثين عامًا على بداية انطلاقته. ومنذ بدايته على استحياء في عام 1993 بعدد عشر أندية فقط، نما الدوري ليصبح نظامًا متكاملًا يضم ثلاثة مستويات – جاي 1، جاي 2، وجاي 3 - ويضم 60 ناديًا في المجمل. وعلى إثر ذلك حققت كرة القدم اليابانية تقدمًا كبيرًا على مدى الثلاثة عقود الماضية، واليوم يعتبر الدوري الياباني أحد أفضل الدوريات المحترفة في القارة الآسيوية.

وقد تم تأكيد هذ الأمر في السادس من مايو/ آيار الماضي عندما فاز نادي أوراوا ريد ديموندز بلقب دوري أبطال آسيا للمرة الثالثة، بعد تغلبه على نادي الهلال السعودي القوي، صاحب الأربع ألقاب، بنتيجة 2-1 في مجموع اللقائين. وكانت هذه المرة هي التاسعة التي يصل فيها نادي الهلال إلى المباراة النهائية في المسابقة القارية للأندية والمرة الثالثة في الخمس سنوات الأخيرة. وكذلك أظهرت الأندية اليابانية حضورًا قويًا في النهائيات. فمنذ عام 2017، وصل نادي أوراوا ريد إلى المباراة النهائية ثلاث مرات ووصل نادي كاشيما أنتلرز مرة واحدة.

فوز نادي أوراوا أضاف لليابان في المجمل ثمانية ألقاب يعود تاريخها إلى بطولة الأندية الآسيوية السابقة لدوري أبطال آسيا، وهي في المرتبة الثانية خلف كوريا الجنوبية التي فازت باللقب 12 مرة، وبفارق اثنين عن السعودية التي فازت باللقب 6 مرات.

في السادس من مايو/ آيار 2023، رفع فريق أوراوا ريد دايموندز كأس دوري أبطال آسيا في ملعب سايتاما، محققًا اللقب الثالث للفريق بعد البطولتين التي فاز بهما في عامي 2007 و 2017. © جيجي برس.
في السادس من مايو/ آيار 2023، رفع فريق أوراوا ريد دايموندز كأس دوري أبطال آسيا في ملعب سايتاما، محققًا اللقب الثالث للفريق بعد البطولتين التي فاز بهما في عامي 2007 و 2017. © جيجي برس.

وهناك مؤشر آخر على بروز الدوري الياباني للمحترفين (جاي ليغ)، وهو العدد المتزايد من اللاعبين الذين ينتقلون إلى أندية خارج اليابان. فهناك حاليًا أكثر من 100 لاعب ياباني يلعبون في أندية أوروبا، على رأسهم ميتوما كاورو نجم فريق برايتون في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهاتاتي ريو في نادي سيلتيك في الدوري الأسكتلندي الممتاز، وتومياسو تاكيهيرو في فريق آرسنال في الدوري الإنجليزي الممتاز.

إلا أن رحيل هذه المواهب المحلية من الدوري الياباني مسألة قد أثارت بعض المخاوف من أن الدوري قد تصيبه حالة من الفراغ. وبالتأكيد، قائمة النجوم الذين ينتقلون إلى أوروبا وغيرها من الأماكن تشكل تحديًا لمحاولات الأندية لوضع خطط مستقبلية. لكن، وكما يوحي النجاح الأخير لأوراوا في دوري أبطال آسيا، فإن مستوى اللعب في الدوري الياباني لم يتضرر من رحيل المواهب كما كان يُخشى، بل على العكس قد تم تعزيزه. إذ أصبح الدوري الآن يشكل حقل اختبارات للاعبين اليابانيين الطموحين الذين يأملون في تطوير مهاراتهم والانتقال إلى الخارج لتمثيل اليابان في المسابقات الدولية.

الوضع المالي

أثرت جائحة فيروس كورونا بشكل كبير على ميزانيات الأندية. وكان متوسط حضور جماهير مباريات الدوري (جاي 1) في ارتفاع منذ عام 2014، حيث تخطى لأول مرة حاجز الـ 20,000 مشجع في عام 2019. وللمقارنة، كان الدوري الألماني (البوندسليغا) يحتل المركز الأول عالميًا من حيث متوسط الحضور بمعدل 43,302 مشجع لكل مباراة في الفترة من 2013 إلى 2018، يليه الدوري الإنجليزي الممتاز بـ 36,675 متفرج. أما الدوري الياباني (جاي ليغ) خلال نفس الفترة، احتل المركز الثاني عشر عالميًا بمتوسط حضور جماهيري يبلغ 18,227 متفرج، وهو أعلى من الدوري الإنجليزي الممتاز (الدرجة الثانية) بمعدل 18,814 متفرج والدوري البرازيلي الدرجة الأولى بمعدل 17,402 متفرج ودوري اسكتلندا الممتاز بمعدل 11,697 متفرج.

إلا أن عدد الحضور الجماهيري تراجع بشكل كبير عندما بدأت الحكومة تطبيق تدابير مكافحة فيروس كورونا التي قيدت من أعداد الجماهير المسموح لها حضور المباريات. وبحلول عام 2021، كان انخفاض إيرادات التذاكر وعوامل أخرى قد دفعت 22 من إجمالي 57 نادٍ عبر الدرجات الثلاث في الدوري إلى الدخول في مرحلة العجز المالي، وكان هناك 12 آخرون مدينين بديون ضخمة.

إلا أن هذه الأرقام يجب أخذها بعين الاعتبار بحذر. فمنذ التخفيف من قيود الجائحة، بدأ الدوري في التعافي، حيث ارتفعت الإيرادات الإجمالية للأندية إلى 93% والنفقات إلى 97% من مستويات عام 2019. وعلى مدى ثلاثة عقود، تمتع الدوري بنمو ثابت باستثناء الفترة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في الفترة من 2009 إلى 2011 وفترة الجائحة في عام 2020.

وعلى الرغم من أن الدوري حاليًا يحتل وضعًا ماليًا قويًا، إلا أن الطريق كان وعرًا في كثير الأحيان. ففي عام 1998، توقف نشاط نادي يوكوهاما فلوغيلس، واحد من أندية الدوري المؤسسة، عندما سحب الراعي الرئيسي دعمه نظرًا للأسباب المالية، وهو مأزق لطخ سمعة الدوري. وفي نفس الوقت تقريبًا، وجدت فرق مثل فنتفوريت كوفو، شيميزو إس-بولس، بيلمار هيراتسوكا (الآن شونان بيلماري)، وفيسيل كوبي نفسها في وضع مالي صعب بسبب فقدان إيرادات الرعاة ومشاكل مالية أخرى.

وبناءً على هذه الحالات، أنشأ الدوري في عام 2005 صندوقًا خاصًا للأندية التي تعاني من الضغوطات المالية من أجل الحفاظ على أهليتها للمشاركة في المباريات وفقًا لمتطلبات نظام الترخيص الخاص بدوري اليابان. وأدت الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 إلى فترة من الشك بين الأندية، حيث شعر رعاة الشركات بتأثير التدهور الاقتصادي، وفي عام 2009، طلب الدوري بشكل مباشر من الصندوق لإنقاذ فريق أويتا ترينيتا في دوري الدرجة الثانية في اليابان (جاي 2)، الذي كان على وشك الافلاس ويعاني من الخسائر المالية.

النجم البرازيلي زيكو لاعب نادي كاشيما أنتلرز في إحدى المباريات ضد نادى جوبيلو إيواتا في استاد إيواتا بمحافظة شيزؤكا في 15 يونيو/ حزيران 1994. لقد ساهم اللاعبون الدوليون البارزون في جذب الجماهير ورفع مستوى اللعب في السنوات الاولى للدوري. © جيجي برس.
النجم البرازيلي زيكو لاعب نادي كاشيما أنتلرز في إحدى المباريات ضد نادى جوبيلو إيواتا في استاد إيواتا بمحافظة شيزؤكا في 15 يونيو/ حزيران 1994. لقد ساهم اللاعبون الدوليون البارزون في جذب الجماهير ورفع مستوى اللعب في السنوات الاولى للدوري. © جيجي برس.

ورغبة في التغلب على تراجع الإيرادات الناجم عن الانكماش الاقتصادي العالمي المستمر وزلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011، أطلق الدوري الياباني استراتيجية ”التوجه الآسيوي“ في عام 2012 بهدف تحفيز النمو الجديد. فبدلاً من السعي لتحقيق الأرباح فقط من خلال عقود بث مربحة ومبيعات المنتجات وجذب المشجعين من الخارج، شارك الدوري في التبادلات مع دول آسيوية أخرى بهدف تعزيز كرة القدم في المنطقة بأكملها. وتشمل هذه التبادلات مشاركة خبرته في تطوير اللاعبين والمدربين، وأنشطة الأندية والدوري، والتسويق والترويج، دون تحصيل أي رسوم. وقد حفزت هذه الجهود مزيدًا من التبادلات الأخرى بين مسؤولي الدوري، وأعضاء مجلس إدارة الأندية واللاعبين، بالإضافة إلى المشاريع الميدانية، مما أدى إلى زيادة شعبية الدوري الياباني في آسيا وتحسين الإيرادات من نسبة المشاهدة الأجنبية المتزايدة.

الأندية المحلية

جوهر نجاح الدوري الياباني لكرة القدم حتى الآن، وما يميزه عن الرياضة الشعبية الأولى في اليابان وهي لعبة البيسبول، هو التركيز على بناء علاقات وثيقة بين الفرق والمجتمعات المستضيفة. فخلال 30 عامًا، نما الدوري من 10 فرق إلى 60 فريقًا، وتملك جميع المحافظات اليابانية الـ 47 باستثناء ست منها أندية. ويواصل الدوري العمل لتحقيق رؤيته الطموحة لكرة القدم في اليابان، والتي بدأت تحت اسم ”فريق بلدتك المشارك في الدوري الياباني للمحترفين“ وتم تغييرها فيما بعد إلى ”رؤية الـ 100 عام للدوري الياباني“، والتي تهدف بقوة إلى ”نشر السعادة في جميع أنحاء البلاد من خلال الرياضة“.

كوابوتشي سابورو كان أول رئيس للدوري الياباني ثم أصبح رئيسًا لاتحاد كرة القدم الياباني لاحقًا. الصورة التُقطت في 28 أبريل/ نيسان 2023. © جيجي برس.
كوابوتشي سابورو كان أول رئيس للدوري الياباني ثم أصبح رئيسًا لاتحاد كرة القدم الياباني لاحقًا. الصورة التُقطت في 28 أبريل/ نيسان 2023. © جيجي برس.

وتمتلك كرة القدم تاريخًا طويلاً في اليابان، ولكنها لم يكن لها جذورًا قوية كما هو الحال في أوروبا وأمريكا الجنوبية، حيث أن شغف الناس باللُعبة أدى مع مرور الوقت إلى خلق تقاليد مميزة وانتماء قوي للفرق الوطنية والمحلية. وعلى الرغم من أن اللعبة شهدت بعض اللحظات المشرفة، مثل فوز اليابان بالميدالية البرونزية في ألعاب الأولمبياد الصيفية لعام 1968 في مكسيكو سيتي، إلا أن شعبية كرة القدم طغت عليها شعبية البيسبول، الذي يتباهى بكونه أول دوري رياضي احترافي في البلاد ويتمتع بعشق جماهيري كبير.

وفي غضون بضعة عقود، نجح الدوري الياباني في بناء ثقافة كرة القدم في اليابان من الصفر، مما يوضح الإمكانات الكبيرة للرياضة في مناطق مثل آسيا وأفريقيا حيث لا تزال جذور اللعبة ضعيفة. ويستمر الدوري في التقدم نحو تحقيق رؤيته المتفائلة ”رؤية الـ 100 عام“، حيث يواصل تنمية نموذجه المجتمعي، على المستويين المهني والشعبي، بهدف زيادة شعبية كرة القدم وجعلها وسيلة ترفيهية وطنية.

ففي مدينة كاواساكي، على سبيل المثال، يتوجه سكان المدينة من جميع الأعمار كل مساء إلى مرفق لكرة القدم الخماسية يُدعى ”فرونتاون ساغينوما“ من أجل الاستمتاع وتوطيد العلاقات، وهو مرفق يديره نادي ”فرونتالي“ المحلي. وفي مدن أخرى في جميع أنحاء اليابان، تعمل الأندية المحلية التابعة للدوري الياباني على جمع أفراد المجتمع من خلال كرة القدم والأنشطة المختلفة أخرى.

ميؤرا كازويوشي، على اليمين، لاعب فريق فيردي كاواساكي يراوغ بالكرة خلال المباراة الافتتاحية الأولى في تاريخ الدوري الياباني على أرضية استاد الملعب الوطني بطوكيو في 15 مايو/ آيار 1993. حينها توج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الياباني في ذلك العام. وعلى الرغم من تقدمه في العمر، يواصل هذا النجم البالغ من العمر 56 عامًا اللعب حتى يومنا هذا في فريق أوليفيرينسي في دوري الدرجة الثانية البرتغالي. © كيودو.
ميؤرا كازويوشي، على اليمين، لاعب فريق فيردي كاواساكي يراوغ بالكرة خلال المباراة الافتتاحية الأولى في تاريخ الدوري الياباني على أرضية استاد الملعب الوطني بطوكيو في 15 مايو/ آيار 1993. حينها توج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الياباني في ذلك العام. وعلى الرغم من تقدمه في العمر، يواصل هذا النجم البالغ من العمر 56 عامًا اللعب حتى يومنا هذا في فريق أوليفيرينسي في دوري الدرجة الثانية البرتغالي. © كيودو.

مستقبل الدوري الياباني

منذ البداية، كان الدوري الياباني أكثر من مشروع ناشئ لفصل كرة القدم عن رعاة الشركات وبناء فرق مجتمعية. ولقد شكل الأمر طريقة جديدة تمامًا للاستمتاع بالرياضة المحترفة، حيث كانت حرة وغير مقيدة. وقد جذبت بشكل خاص الشباب الياباني الذين احتضنوها وجعلوها ظاهرة اجتماعية. ومع بداية تأسيس الدوري نفسه ومع مررو الوقت، بدأت تتلاشى جاذبيتها وتنقشع نشوة البدايات، وظهرت أعراض ”متلازمة غالاباغوس“ المخيفة، وهو مصطلح ياباني يشير إلى التنمية والتطوير بمعزل عن السوق العالمي. وهنا يرمز إلى عدم قدرة الدوري الياباني على موائمة النموذج المحلي مع القطاع العريض للرياضة على المستوى العالمي.

ومثالاً على ذلك هو فوز نادي أوراوا بدوري أبطال آسيا. لكن المباراة النهائية للأسف لم تذاع على التلفزيون الأرضي في اليابان، الأمر الذي حرم الجمهور بشكل عام من فرصة المشاركة في الاحتفال والمتعة التي يحققها فريق ياباني في حدث رياضي كبير على مستوى كرة القدم الآسيوية. وقد تسبب ذلك في فرصة ضائعة كبيرة للدوري الياباني تتمثل في جذب مشجعين جدد في ظل المنافسة المتزايدة داخل الأنشطة الرياضية المحترفة في اليابان التي تتنوع بشكل سريع. فالأحداث الدولية مثل كأس العالم للرغبي والألعاب الأولمبية زادت من زخم المسابقات المحترفة مثل دوري الرغبي و (بي ليغ) لكرة السلة. وهناك مجموعة من الرياضات الأخرى مثل تنس الطاولة وكرة الريشة اللتان تتمتعان أيضًا بزيادة الاهتمام وجذب الجمهور الشاب، الأمر الذي تسبب في تراجع شعبية كرة القدم بشكل عام.

ومع ذلك، تعتبر رؤية الـ 100 عام للدوري الياباني هدفاً محدداً لتعزيز ثقافة رياضية غنية، وليس فقط في كرة القدم، مما يشير إلى أن كل شيء يسير وفقًا للخطة الموضوعة. وهذا يطرح التساؤل حول ما ينتظر الدوري الياباني في السنوات الـ 30 المقبلة.

يوضح رئيس الدوري الحالي نونومورا يوشيكازو بأن الدوري الياباني يتبع نهجًا لمعالجة قضايا اجتماعية وتشغيلية. ويقول بأن التدابير البيئية، بما في ذلك موازنة انبعاثات الكربون خلال المباريات، ستجعل الدوري ”الأكثر خضرة في العالم“ مقارنة مع الدوريات الأخرى في العالم. كما يعمل الدوري أيضاً على جذب لاعبين موهوبين ومدربين ومديرين فعّالين، وغيرهم من الموظفين الإداريين المؤهلين وموظفي مكاتب الاستقبال الذين بدورهم سيحافظون على استمرارية الأندية في المستقبل. وبدعم من رؤية واضحة وقيادة قوية، من المتوقع أن يستمر الدوري الياباني في كونه عنصرًا حاضرًا أكثر من أي وقت مضى في المجتمع اليابان

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: المهاجم هانّي ماير من فريق فيردي كاواساكي، وسط الصورة، يسطر تاريخًا بتسجيله أول هدف في تاريخ الدوري الياباني في 15 مايو/ آيار 1993، في المباراة التي أقيمت ضد فريق يوكوهاما إف مارينوس على أرضية استاد الملعب الوطني بطوكيو. جيجي برس)

كرة القدم رياضة الشباب الياباني