«الشاي الأسود الياباني» يصعد للقمة من جديد!

المطبخ الياباني

الشاي الأسود الياباني، الذي يُعرف باسم ”واكوتشا“، كان في السابق منتجًا رئيسيًا في السوق اليابانية. لكنه شهد انخفاضًا بدءًا من أوائل السبعينيات بعد تحرير واردات الشاي في اليابان. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأ يشهد نهضة جديدة، حيث زاد عدد المنتجين الذين يقدمون تشكيلات متنوعة من ”واكوتشا“، والتي حاز بعضه على تقدير دولي واسع النطاق.

أساسيات الشاي

يقول ناكاجيما هيروتوشي، مالك مزرعة الشاي الأخضر ناكاجيما في مدينة أوريشينو بمحافظة ساغا - واحدة من المناطق الرئيسية لإنتاج الشاي في اليابان – ”إن فترة جني الشاي الأسود قصيرة للغاية. يتم جني الأوراق خلال الفترة الثانية من نمو النبات فقط، وتمتد هذه الفترة لمدة أسبوع تقريبًا من العاشر إلى العشرين من يونيو/حزيران“.

وفي مزرعة ناكاجيما، تبدأ عملية تحضير الشاي الأخضر بجني ما يُعرف بالإوراق الأولى ابتداءً من شهر مايو/أيار. يتم تصنيع الشاي الأسود الذي يتميز بنكهته الفريدة من أوراق الجني الثانية، والتي يتم قطفها بعد حوالي 40 إلى 45 يومًا من الحصاد الأول. وتباع منتجات مزرعة ناكاجيما تحت العلامة التجارية ”أوريشينو كوتشا“.

جميع أنواع الشاي، سواء الأخضر أو الأسود أو الصيني الأسود، تأتي من نفس نبات الشاي المعروف علميًا باسم ”كاميليا سينينسيس“. الاختلاف الرئيسي بينهم يكمن في طريقة معالجة الأوراق ودرجة التأكسد. الشاي الأخضر يكون أقل درجة تأكسد، الصيني الأسود يتأكسد بشكل متوسط، أما الشاي الأسود فيكون أكثر تأكسدًا.

ويعرف الكثير من الناس أن الشاي القادم من بلدة ”دارجيلنغ في الهند“، وهي واحدة من أشهر ثلاث مناطق لإنتاج الشاي في العالم، يُصنع من أوراق القطف الأول التي يتم قطفها في الربيع وأوراق القطف الثاني التي يتم قطفها في الصيف.

 تعد ”شجرة الشاي الكبيرة“ في مدينة أوريشينو، والتي يقدر عمرها بـ 350 عامًا، نصبًا طبيعيًا مخصصًا من قبل الحكومة ومعلمًا محليًا محبوبًا.
تعد ”شجرة الشاي الكبيرة“ في مدينة أوريشينو، والتي يقدر عمرها بـ 350 عامًا، نصبًا طبيعيًا مخصصًا من قبل الحكومة ومعلمًا محليًا محبوبًا.

ويزرع الشاي في مدينة أوريشينو منذ حوالي 600 عام. واليوم، يمكن للزوار الاستمتاع بقدح من الشاي الأسود المزروع محليًا في مركز شاي أوريشينو ”تشا أو شيرو“. ويوصف الشاي المُنتج محليًا بأنه ذو رائحة هادئة وحلاوة رقيقة، وهو ممتع مع احتسائه دون أي إضافات.

موراوكا ياسوهيرو، رئيس شركة ”موراوكا سوهونبو“، المُصنع القديم لـ “جيلي الفاصوليا الحلوة” ”أوغي يوكان“، يستمتع بقدح من شاي أوريشينو الأسود في مركز شاي أوريشينو ”تشا أو شيرو“. ويتميز الـ ”واكوتشا“ بأنه مزيجٌ مناسب للغاية مع الحلويات اليابانية.
موراوكا ياسوهيرو، رئيس شركة ”موراوكا سوهونبو“، المُصنع القديم لـ “جيلي الفاصوليا الحلوة” ”أوغي يوكان“، يستمتع بقدح من شاي أوريشينو الأسود في مركز شاي أوريشينو ”تشا أو شيرو“. ويتميز الـ ”واكوتشا“ بأنه مزيجٌ مناسب للغاية مع الحلويات اليابانية.

عودة الواكوتشا من جديد

الشاي الأسود الياباني، أو الواكوتشا، هو نوع من الشاي الأسود المنتج محليًا في اليابان. يتم صناعته من أوراق الشاي المزروعة في اليابان ويمكن أيضًا أن يُعرف باسم ”جيكوتشا“، والذي يعني الشاي الأسود المصنوع يدويًا، أو ”نيهون كوتشا“ والذي يشير إلى الشاي الأسود الياباني.

إن إنتاج الشاي الأسود في اليابان بدأ في عام 1874 عندما وزعت حكومة ميجي دليلاً إرشاديًا لعملية تصنيع الشاي الأسود على المزارعين في جميع أنحاء البلاد. كان الهدف من ذلك التشجيع هو تصدير الشاي الأسود للحصول على العملات الأجنبية الضرورية اقتصاديًا، وهو ما كان يدعم السياسة الوطنية في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الشاي الأسود كان صناعة تصديرية رائدة، إلا أن أصناف الشاي المحلية اختفت بشكل فعلي بعد تحرير واردات الشاي الأسود في فترة ما بعد الحرب.

عاد إنتاج الشاي الأسود المحلي بقوة في التسعينيات، حيث سعى منتجو الشاي الأخضر في جميع أنحاء اليابان لإعادة إحياء صناعة الـ ”واكوتشا“. اليوم، يُمكن العثور على منتجي الشاي الأسود الياباني في جميع أنحاء البلاد، من محافظة ميياغي وأجزاء أخرى من منطقة توهوكو في الشمال إلى كيوشو وأوكيناوا في الجنوب.

وفي شهر مايو/ أيار من هذا العام، تم تقديم عطاءات المرحلة الأولى للشاي الأسود المحلي في ”سوق شاي شيزوؤكا“، الذي يُعدّ أقدم سوق للشاي ويعمل منذ عام 1956، حيث يتم عرض الشاي من جميع أنحاء اليابان في مزاد علني. هذه الخطوة تعد محطة مهمة في إعادة إحياء وتطوير صناعة الـ ”واكوتشا“.

الترويج لشاي مدينة أوريشينو الأسود

حياة ناكاجيما كانت تسير بشكل موازٍ مع عودة الـ واكوتشا على الساحة اليابانية من جديد. فهو مالك مزرعة عائلته من الجيل الثالث، والتي بدأت أعمالها في مدينة أوريشينو منذ 110 سنوات، وقد أمضى عامين في الدراسة في قسم الشاي التابع للمنظمة الوطنية لبحوث الزراعة والأغذية في محافظة شيزوؤكا بعد تخرجه من المدرسة الثانوية. وعند عودته إلى مدينة أوريشينو، تزوج من زوجته ”تشيزوكو“، التي تنحدر من عائلة غير منخرطة بالمجال الزراعي، وعملا معًا في زراعة الشاي. وبدأوا أيضًا في إنتاج الـ واكوتشا، والآن هم يديرون مزرعة شاي تبلغ مساحتها أربعة هكتارات.

وقد جاءت نقطة التحول فيما يتعلق بالـ واكوتشا بالنسبة لهما في عام 1997. فقد دعا أحد الأصدقاء المحليين ناكاجيما لإقامة منصة للمرطبات على طراز مدينة أوريشينو في مهرجان أدوات المائدة الذي أقيم في مجمع ”طوكيو دووم“ الترفيهي بالعاصمة اليابانية. وقد مهد هذا الطريق أمام البيع المباشر لمنتج مدينة أوريشينو الـ واكوتشا، وأصبح جناح ناكاجيما من العناصر الأساسية في هذه المناسبة.

ويقوم ناكاجيما الآن بتسليم دفة القيادة في عملية إحياء الـ واكوتشا إلى ابنه كيسوكي البالغ من العمر 30 عامًا. وكيسوكي هو الجيل الرابع من عائلته في هذا المجال، وهو عضو في مجلس الترويج لشاي مدينة أوريشينو الـ واكوتشا، وهو عبارة عن مجموعة من منتجي الشاي الشباب الذين يعملون على تحسين جودة المنتج وبناء العلامة التجارية.

جيل جديد ومسؤولية العناية بشاي منطقة ”ساواتاري“

تدير ”كيشيموتو ميكا“ متجر مزارعي الشاي ”أسونارو“ في بلدة نيودوغاوا بمحافظة كوتشي. وهي تصف شاي الـ واكوتشا الذي يحمل العلامة التجارية لمزرعتها بأنه ”أقل حموضة من الشاي الأسود القادم من الخارج، وحلو المذاق، وذو رائحة طيبة، ويحظى بشعبية لدى العملاء من النساء، ويتناسب تمامًا مع المطبخ الياباني كما هو الحال مع الحلويات.

كيشيموتو ميكا تستعرض منتجات متجرها.
كيشيموتو ميكا تستعرض منتجات متجرها.

اشتهرت منطقة ”سواتاري“ في مدينة كوتشي منذ فترة طويلة بين خبراء الشاي بإنتاج شاي ”توسا“. وفيها تلتصق حقول شجيرات الشاي بالمنحدرات الحادة للوديان على طول نهر نيودو، المشهور بمياهه الزرقاء الصافية. ولكن سكان المنطقة يتقدمون في العمر، ومزارع الشاي تغلق أبوابها، ولا تحظى عملية زراعة الشاي بأي رعاية.

وقد عاشت كيشيموتو في البداية في مدينة كوتشي، عاصمة المحافظة، مع زوجها نوريأكي. لكن الزوجين، اللذين يرغبان في الحفاظ على المدرجات الجميلة لشجيرات الشاي، قررا الانتقال إلى بلدة نيودوغاوا في عام 2004 مع ابنتهما للاعتناء بمزرعة الشاي الخاصة بجد نوريأكي. حيث تعلم نوريأكي خصوصيات وعموميات زراعة الشاي من جده بينما كان يشغل وظيفة عادية في إحدى الشركات المحلية، وأصبح مزارع للشاي بدوام كامل بعد سبع سنوات.

مزرعة شاي على المنحدرات الحادة في منطقة سواتاري على طول نهر نيودو.
مزرعة شاي على المنحدرات الحادة في منطقة سواتاري على طول نهر نيودو.

وقد افتتحت عائلة كيشيموتو مقهى ”أسونارو“ في عام 2018. ويتميز المقهى بشرفة توفر إطلالة جميلة على النهر بالأسفل. وتقول ميكا إن الزوار الأجانب يأتون إليه أحيانًا بعد أن عرفوا المقهى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومعظمهم من تايوان أو هونع كونغ أو الصين أو أجزاء أخرى من آسيا، على الرغم من أنهم كانوا قبل جائحة فيروس كورونا يأتون إليه أيضًا من أماكن بعيدة في أوروبا وأمريكا الشمالية.

زبائن المقهى يستمتعون بالمنظر أثناء احتسائهم قدح من شاي الـ واكوتشا في منطقة أسونارو.
زبائن المقهى يستمتعون بالمنظر أثناء احتسائهم قدح من شاي الـ واكوتشا في منطقة أسونارو.

المزيد من المحلات التجارية والكتب عن الواكوتشا

يعد متجر الفواكه الراقي شينجوكو تاكانؤ متجرًا عريقًا يتمتع أيضًا بتاريخ غني كمنفذ بيع بالتجزئة للشاي الأسود. وقد أسس متجر تاكانؤ مركز الشاي الهندي في متجره الرئيسي في شينجوكو في عام 1973، مما جعله رائدًا في عملية ازدهار الشاي الأسود في تلك الحقبة. وبالإضافة إلى أنواع الشاي من الهند وسريلانكا ومناطق أخرى، بدأ المتجر في بيع الـ واكوتشا العضوي هذا العام، والذي يضم أصنافًا مثل ”بينيفوؤكي“ من محافظة كاغوشيما و ”بينيهيكاري“ من محافظة توتوري.

 منتجات الواكوتشا العضوية معروضة للبيع في متجر شينجوكو تاكانؤ الراقي.
منتجات الواكوتشا العضوية معروضة للبيع في متجر شينجوكو تاكانؤ الراقي.

ومتجر آخر متخصص في الـ واكوتشا هو ”كوريها“ في عاصمة محافظة ساغا. ويقع المتجر على طول طريق ناغاساكي كايدو السريع السابق في مسكن تقليدي عمره 100 عام كان قد تم تجديده، وقد افتتح المتجر لاستقبال الزبائن في عام 2001. ويديره أوكاموتو هيروشي، وهو مواطن من محافظة فوكوؤكا والذي غير مهنته بعد سنوات من العمل كسائق للشاحنات. ويبيع المتجر الشاي الأسود المُنتج محليًا، والذي يختاره أوكاموتو شخصيًا بعد تذوقه أثناء زياراته لمنتجي الشاي في جميع أنحاء البلاد.

 الجزء الداخلي من متجر ”كوريها“ للـ واكوتشا في مدينة ساغا.
الجزء الداخلي من متجر ”كوريها“ للـ واكوتشا في مدينة ساغا.

وفي مايو 2013، نشر أوكاموتو كتاب ”واكوتشا نو هون“ (كتاب الشاي الأسود الياباني)، والذي يقدم نصائح حول كل شيء بدءًا من اختيار الـ واكوتشا وحتى أفضل طريقة لتحضيره. ونُشر المجلد الثاني ”واكوتشا بيرونغو“ (المزيج المناسب مع الـ واكوتشا)، في خريف عام 2023.

وظهر ”جيكوتشا (كانزين غايدو)“ (الدليل الكامل لأنواع الشاي الأسود المصنوع يدويًا في اليابان)، تحت الإشراف التحريري لـ ”فوجيوارا كازوكي“، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ويغطي أكثر من 450 نوعًا من الشاي الأسود المحلي الذي تبيعه 141 مزرعة ومصنع وجمعية تعاونية للشاي في جميع أنحاء البلاد.

مجموعة مختارة من المنتجات والكتب المتخصصة في الواكوتشا.
مجموعة مختارة من المنتجات والكتب المتخصصة في الواكوتشا.

العوامل البيئية وتأثيرها على جودة الشاي

لقد تطورت منتجات شاي الـ واكوتشا بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية. ففي أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، تم اختيار أحد منتجات الـ واكوتشا الممزوج مع الشاي الأخضر وشاي أولونغ والشاي الأبيض على أنه ”الأفضل في العالم“ من بين حوالي 300 مشارك في مسابقة أقيمت في لندن نظمتها أكاديمية الشاي في المملكة المتحدة، وهي الجهة التي تقدم برامج شهادات الشاي المهنية في المملكة المتحدة.

وقد فاز الشاي من صنف”بينيفوؤكي“ الجني الثاني، الذي تمت زراعته في مزرعة شاي كاجيهارا في بلدة أشيكيتا بمحافظة كوماموتو، بالجائزة الذهبية في قسم الصين وتايوان وميانمار وفيتنام واليابان عن فئة الشاي الأسود. كما تم حصوله على جائزة ”الأفضل في العرض“، حيث تم اختياره من بين الفائزين بالجائزة الذهبية في جميع الفئات.

وكاجيهارا توشيهيرو، هو مالك مزرعة شاي كاجيهارا من الجيل الثالث، وقد التحق بكلية الزراعة بمحافظة كوماموتو، حيث درس زراعة الشاي قبل أن يعود إلى مزرعة الشاي العائلية في سن العشرين. وسعيا منه للمزيد تدرب أيضًا في تايوان والصين. ويصف عمله بتواضع بأنه ”مزرعة صغيرة“، فهو يزرع الشاي دون استخدام مبيدات حشرية أو أسمدة كيماوية في حقول معزولة في الجبال، حيث يوجد الضباب الكثيف، وتقلبات درجات الحرارة نهارًا وليلًا، إضافة إلى الهواء والماء النقيان. لقد كانت كل هذه الظروف المحلية مزيجًا ناجحًا ساهم في زراعة الشاي الأسود الفاخر في المزرعة.

وكما هو الحال مع بالنبيذ ومدى تأثره بالتضاريس، والتفاعل بين ظروف التربة المحلية والمناخ الذي ينتج عنه خصائص الذوق المميزة للنبيذ. فإن كتاب: (تاريخ ومكان ولوجستيات النبيذ والشاي) يشير إلى أنه ”سيتم استخدام العوامل البيئية بشكل متزايد في العلامات التجارية لأنواع الشاي المحلية كما في مديتني أوريشينو و ياميه والأصناف الثانوية، وكذلك الشاي الذي تنتجه المزارع الصغيرة في المناطق الجبلية الواقعة بالقرب نسبيًا من مرافق المعالجة.

لقد كانت قصة إحياء شاي واكوتشا وإعادته إلى الواجهة من جديد قصة رائعة، تتأثر بلا شك بالتغيرات المناخية الموسمية في مناطق اليابان، ومسارات الحياة المتنوعة لأصحاب مزارع الشاي ممن يعملون في غالبيتهم على نطاق صغير، والعلاقة الوثيقة بين المنتجين والمستهلكين.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: ناكاجيما هيروتوشي، رئيس مزرعة ناكاجيما للشاي الأخضر، يقف في أحد حقول الشاي الخاصة به. جميع حقوق الصور © إيزومي نوبوميتشي)

الطعام الياباني المطبخ الياباني الشاي