السرعة المطلقة: تعرف على النسخة الأسرع على الإطلاق من الدراجة النارية الأسطورية ”سوبر كوب“
تكنولوجيا- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
دراما رياضة الدراجات النارية في أعالي الصحراء
في بحيرة مالحة جافة في ولاية يوتا الأمريكية، وفي سهل صحراوي مرتفع حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من أربعين درجة مئوية في الصيف، يجذب حدث سنوي هواة السرعة من جميع أنحاء العالم، ألا وهو سباق بونفيل للدراجات النارية للسرعة. حيث يستضيف مضمار مستقيم بطول 16 كيلومترًا على مسطحات بونفيل الملحية مسابقة شهادة السرعة القصوى في شهر أغسطس/آب من كل عام، وهو سباق معترف به من قبل كل من الاتحاد الوطني الأمريكي للدراجات النارية والاتحاد الدولي للدراجات النارية.
وينقسم السباق إلى عشرات الفئات بناءً على عناصر مثل نوع المحرك والإزاحة ونوع الوقود، ويتجمع أكثر من مئتي فريق من جميع أنحاء العالم للتنافس. وتتراوح المركبات المشاركة بين الدراجات النارية سعة 50 سم مكعب إلى السيارات ذات المحركات الصاروخية.
ولا توجد جوائز مالية حتى عندما يفوز أحدهم بالسباق، ولكن يستمر المتسابقون في التنافس في مسابقة السرعة هذه التي يمتد تاريخها لأكثر من مئة وعشرة أعوام، ويتنافسون بهدف وحيد هو الفوز بلقب ”الأسرع في العالم“ في الفئة التي يختارونها.
ويستند فيلم ”أسرع هندي في العالم“، وهو فيلم من بطولة أنتوني هوبكنز، وتم عرضه في عام 2005، على القصة الحقيقية لبيرت مونرو، المتسابق النيوزيلندي الأسطوري الذي حقق أسرع سرعة في العالم (في فئة الدراجات النارية التي تقل سعتها عن ألف سم مكعب) في عام 1962 عن عمر يناهز 63 عامًا.
وهناك رجل ياباني يُذكِّرنا بتحدي مونروت، وهو المخرج السينمائي تشيكاكاني تاكوشي من مدينة كوبي في محافظة هيوغو. حيث وُلد تشيكاكاني في شهر مارس/آذار من عام 1962، وشارك لأول مرة في سباق بونفيل عندما كان عمره 56 عامًا. ومنذ ذلك الحين، سجّل ستة أرقام قياسية عالمية للسرعة ويواصل دفع نفسه لتحطيم المزيد.
”التعديل السحري“ لدراجة صوئيتشيرو النارية من هوندا سوبر كوب
يقول تشيكاكاني ”منذ أن كنت صغيرًا، كنت معجبًا بهوريئ كينئيتشي“، في إشارة إلى مغامر محلي يعيش في مدينة آشيا في محافظة هيوغو. ويضيف قائلًا ”لقد كان أكبر مني سنًا، وينحدر من مسقط رأسي. وقد قام بعبور المحيط الهادئ الذي يُعتبر أعرض محيط في العالم، في أصغر يخت في العالم. ولطالما أردت أن أجرب بنفسي مثل هذه المغامرة الصغيرة، ولكن العظيمة في نفس الوقت“.
وعندما كان في عمر السادسة عشرة، حصل تشيكاكاني على رخصة قيادة دراجة نارية وأصبح مهووسًا بسباقات الطرقات. ولكن عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، سقط خلال أحد السباقات وانكسرت 13 عظمة في جسمه بما في ذلك بعض العظام في رقبته وعموده الفقري. واستغرق الأمر عامين ونصف حتى تعافى تمامًا، واضطر إلى اعتزال السباقات.
وقد حظيت مذكراته التي كتبها أثناء إقامته في المستشفى بشعبية كبيرة، وقرر أن يصبح كاتبًا. وبعد ذلك قام بتوسيع نطاق عمله ليشمل العمل ككاتب تلفزيوني ومخرج أفلام.
وجاء الدافع وراء تحدي بونفيل من فيلمه الثاني ”كيريكو نو أوتا“ الذي أنتجه في عام 2016، والذي يتعمق في عالم التصنيع الياباني الصغير الحجم والعالي الجودة. فأثناء قيامه بالبحث في شركة لمعالجة المعادن في منطقة شيتاماتشي في طوكيو، أصبح مفتونًا بالمستوى المذهل للحرفية اليابانية.
وهكذا حدد هدفه الجديد المتمثل باستخدام تكنولوجيا الشركة للقيام بـ ”تعديل سحري“ لمحرك 50 سم مكعب في دراجة هوندا النارية سوبر كوب ذات العجلتين، ومحاولة تحقيق أسرع سرعة في العالم في سباق بونفيل.
وتُعتبر دراجة سوبر كوب النارية رمزًا لعبارة ”صُنع في اليابان“. وقد قام بصنعها هوندا صوئيتشيرو الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم ”أديسون الشرق“. ويبلغ عمر التصميم الأساسي للمحرك الأساسي للدراجة، والتي غالبًا ما تُستخدم لتوصيل الصحف والبريد، حوالي خمسين عامًا، ويبلغ الحد الأقصى لقوتها 3.7 أحصنة فقط. وبغض النظر عن ذلك، فقد قرر تشيكاكاني التمسك بهذا المحرك رباعي الأشواط والمُبرَّد بالهواء في مسعاه.
حيث يقول ”لا فائدة من القيام بشيء يمكن لأي شخص القيام به. لقد حددنا الهدف بتحقيق أسرع رقم قياسي باستخدام أصعب آلية وأصعب محرك غير مواتٍ. لقد جعلت عبارة ”صُنع في اليابان“ ما يبدو مستحيلًا أمرًا ممكنًا“.
وقد أُعجب المهندسون من حوالي ثلاثين شركة، معظمها في مجال الصناعات الدقيقة ومعالجة المعادن الدقيقة، بشغف تشيكاكاني وعرضوا دعمه.
والراعي الرئيسي هو شركة ”نيشين كوغو (NS Tool)“، وهي شركة رائدة في مجال صناعة ريش المثاقب الطرفية ذات القطر الصغير، حيث تتميز بتقنية نحت الحروف في خصلة واحدة من الشعر باستخدام أدوات يبلغ قطرها الخارجي 0.01 مم فقط. وتُعد هذه الشفرات ضرورية للتصنيع الدقيق للأجزاء المعدنية، وتُعد الشركة داعمة من وراء الكواليس للصناعة اليابانية.
ويستذكر مدير الشركة غوتو كوجي قائلًا ’’لا يمكن لأي شخص أن يتوصل إلى فكرة وضع شاحن توربيني على محرك سعة 50 سم مكعب بهدف تحقيق أقصى سرعة. إن هدف تشيكاكاني في صنع أصغر وأسرع دراجة نارية في العالم يتوافق مع مُثُلنا“.
لقد تضمن التحدي خطة لمدة عامين. في العام الأول، عام 2018، ركز الفريق على جمع البيانات الأساسية، وشارك في سباق فئة 125 سم مكعب، متجنبًا فئة 50 سم مكعب الأقل سعة، والتي يكون فيها خطر الخروج من السباق أكبر.
وقد تم وضع التصميم الأكثر عبقرية في غطاء المحرك، والذي هو مفتاح الأداء الديناميكي الهوائي. وقد تراكمت المعرفة حول مقاومة السوائل من خلال تطوير الزوارق السريعة، واليخوت، وقوارب السباقات.
وسجلت الدراجة النارية سرعة متوسطة بلغت 153.73 كم/ساعة، وسرعة قصوى بلغت 165.30 كم/ساعة. وقد حققت هذا الرقم القياسي أثناء إكمالها للمسار 25 مرة متتالية، مما أكسبها لقب ”أسرع دراجة كوب في العالم“.
لم يسبق لها مثيل في دراجة نارية كلاسيكية سعة 50 سم مكعب
ولكن مع هذه الكتلة المعلَّبة، سيكون من المستحيل تحطيم الرقم القياسي العالمي في فئة الدراجات النارية من سعة 50 سم مكعب. وكانت هناك حاجة إلى القيام بتغييرين رئيسيين.
التغيير الأول كان المحرك. ففي بونفيل، حيث يكون الهواء قليل الأكسجين ودرجة الحرارة مرتفعة، لا يمكن تجنب فقدان الطاقة مع محرك عادي، مما يجعل الشاحن الفائق ضروريًا. ومع ذلك، فإن الشحن الفائق لمحرك صغير أمر صعب للغاية، ولم ينجح أي مصنع في العالم في وضع شاحن توربيني مصغَّر في الاستخدام العملي.
وكان الفريق الذي تولى هذا التحدي الصعب هو شركة ”FC Design“، وهي شركة مقرها في هيروشيما، وساعدت في ابتكار سيارة ”فانسي كارول (Fancy Carol)“ التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية في عامي 2003 و2004 بفضل اقتصادها في استهلاك الوقود. ولم تكن هناك مبردات بينية متوفرة تجاريًا لتبريد الهواء الذي يضغطه الشاحن التوربيني، لذا وبالتعاون مع شركة ”ياماتو للمبردات (Yamato Radiator)“ التي تقع في حي إيدوغاوا في طركيو، تم صنع نموذج أولي وإعادة تصنيعه ثماني مرات.
أما التغيير الآخر فكان في تصميم الهيكل. فللتقليل من مقاومة الهواء إلى أدنى حد ممكن، فإن خطة التصميم التي أعدها البروفيسور هانيدا تاكاشي من جامعة شيزوكا للفنون والثقافة جعلت الراكب في وضعية الانبطاح على الرأس في البداية، مثل تلك التي يتخذها متسابقو الزلاجات الصدرية.
وقد واجهت الدراجة النارية غير المسبوقة NSX-51 مشكلة غير متوقعة أثناء السباق الفعلي عندما لم يعمل المحرك. ولحسن الحظ، تمكن الفريق من تشغيله قبل الموعد النهائي للسباق، ووضع تشيكاكاني كل شيء على مساره الصحيح في أول وآخِر تحدٍّ زمني له.
وبعد مسافة ميلين للتسارع إلى السرعة القصوى، يدخل المتسابقون إلى منطقة قياس الزمن، وهي مسافة ميل واحد يتم فيها قياس سرعة دراجاتهم النارية. وعندما دخل تشيكاكاني إلى تلك المنطقة خلال مشاركته في عام 2019، قام بالزفير ولم يتنفس لتجنب نفخ رئتيه وزيادة مقاومة الهواء، مع قيامه باتخاذ وضعية ظهر مرتفع. ولقياس المسافة التي يقطعها خلال السباق، قام بالعد ”واحد، اثنان، ثلاثة ...“ حتى نهاية مقطع قياس الزمن. وبعد العد إلى خمسين، رفع رأسه أخيرًا وأخذ نفسًا سريعًا.
الوداع المثالي لأسطورة مُقدَّر لها أن تختفي
أشار ضابط الوقت الرسمي بجانب المضمار بإبهامه، وسرعان ما حصل تشيكاكاني على الخبر السار، ألا وهو تحقيق سرعة متوسطة بلغت 101.77 كم/ساعة، وسرعة قصوى بلغت 128.63 كم/ساعة. وهو رقم قياسي عالمي جديد لفئة 50 سم مكعب!
ولكن، بعد فترة وجيزة من لحظة الفرح تلك، بدأ شعور بخيبة الأمل يسيطر عليه بسبب مشكلة في المحرك، حيث لم تتمكن الدراجة النارية من فتح دواسة الوقود بالكامل، ولم تتمكن من إكمال دورة واحدة فقط. ولكن تشيكاكاني لم يستسلم، وتعهّد بأن يُظهر جدارته الحقيقية في العام التالي.
ولكن هذا لم يحدث. أحيث تم إلغاء الحدث في عام 2020 بسبب فيروس كوفيد-19. وفي عام 2021، أدت الاضطرابات في لوجستيات الشحن الناجمة عن الجائحة إلى تأخير نقل الآلات، ولم تصل في الوقت المناسب لبدء السباق. وفي عام 2022، اتُّخِذ قرار بإلغاء الحدث قبل أن يسافر الفريق إلى الولايات المتحدة بسبب هطول أمطار غزيرة غير طبيعية. كما أُلغي السباق في عام 2023 بسبب إعصار هيلاري الذي ضرب جنوب كاليفورنيا. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يضرب فيها إعصار تلك المنطقة منذ 84 عامًا.
”لو استطعنا فقط أن نتسابق، لكنا متأكدين من تحطيم الرقم القياسي العالمي“. لقد كان هذا هو تفكير تشيكاكاني الدائم طوال السنوات الأربع التي منعته وفريقه من تحقيق هدفهم بسبب جائحة فيروس كوفيد-19، والطقس غير الطبيعي.
وفي اختبار أُجري على مضمار ”أوغاتامورا سولار سبورتس لاين“ في أوغاتا بمحافظة أكيتا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، سجل تشيكاكاني سرعة متوسطة بلغت 117.05 كم/ساعة، أي أسرع بـ 15 كم/ساعة من رقمه القياسي العالمي المسجل في بونفيل، على الرغم من أن هذا الرقم كان رقمًا غير رسمي.
وفي الحقيقة هناك سبب وراء تصميم تشيكاكاني على خوض تحدي بونفيل.
ففي خضم الاتجاه العالمي نحو الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أصبحت الدراجات النارية الصغيرة عالية الأداء التي تفخر بها اليابان هي الأخرى تتحوّل إلى دراجات كهربائية بشكل متزايد. ولم يعد طراز سوبر كوب سعة 50 سم مكعب يتوافق مع لوائح غازات العادم الصارمة أكثر فأكثر، وسينتهي إنتاجه في عام 2025.
يقول المتسابق تشيكاكاني ”أريد أن أحقق رقمًا قياسيًا لن يتمكن منافسيّ من تحطيمه أبدًا، حتى يحظى الرمز المتمثل بعبارة ”صُنع في اليابان“، والمُقدَّر له أن يختفي، بأفضل وداع أخير ممكن“.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: أعضاء الفريق بمن فيهم تشيكاكاني تاكوشي الذي يقف في الوسط، يقفون لالتقاط صورة تذكارية بعد فوزهم بستة ألقاب في فئتي 125 سم مكعب و50 سم مكعب في سباقات بونفيل للدراجات النارية التي أُقيمت في ولاية يوتا في شهر أغسطس/آب من عام 2019. الصورة مقدمة من تشيكاكاني تاكوشي)