
البحث عن السلام: كيف ألهمت منظمة نيهون هيدانكيو اليابانية العالم في 2024؟
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
ولادة حركة
رحب أعضاء مجتمع الهيباكوشا (الناجون من القصف الذري) ووسائل إعلام محلية بمنح جائزة نوبل للسلام لعام 2024 لمنظمة ”نيهون هيدانكيو (الاتحاد الياباني لمنظمات ضحايا القنبلة الذرية والهيدروجينية)“. أجريت – كصحفي – مقابلات مع الكثير من الناجين من القصف الذري على هيروشيما وناغاساكي منذ تسعينات القرن العشرين، وكنت من بين الحشود التي احتفلت بالجائزة. وفي الوقت نفسه، حمل هذا التكريم اعترافا مثيرا للقلق بالخطر من استخدام الأسلحة النووية الذي لطالما اعتبر من المحرمات الدولية والذي ساعدت المنظمة في ترسيخه من خلال الشهادات الحية. وسأتناول أدناه إرث هيدانكيو ودورها المستمر في منع انتشار الأسلحة النووية واستخدامها.
لطالما اعتُبرت هيدانكيو مرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام. فقد رُشِّحت أول مرة في عام 1985، لكنها لم تفز آنذاك، وتكرر الوضع في مرات عديدة لاحقة. اتخذت المنظمة منذ تأسيسها في عام 1956، بحزم موقفا مناهضا للأسلحة النووية. ومن شأن الجهود الدؤوبة التي بذلها الهيباكوشا للقضاء على الأسلحة النووية من العالم من خلال شهاداتهم أن تجعل منح المنظمة الجائزة هذا العام لحظة سعيدة بشكل خاص للناجين من القصف الذري. وهي تضاف إلى عملهم في تبني معاهدة حظر الأسلحة النووية عام 2017 التي تحظر قانونيا تطوير الأسلحة النووية وحيازتها واختبارها واستخدامها.
إن مؤسسي حركة الهيباكوشا وهيدانكيو من رواد مناهضة الأسلحة النووية. وعندما نتأمل عملهم الدؤوب على مستوى القاعدة الشعبية، يصعب علينا ألا نشعر بأن نضالاتهم في التحذير من انتشار الأسلحة النووية واستخدامها قد آتت أكلها أخيرا.
ولكن الأمر استغرق بعض الوقت حتى تُسمع أصوات الهيباكوشا. ففي العقد الأول من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، طُمست محاولات الهيباكوشا للتعبير عن معاناتهم في خضم اندفاع قوات الحلفاء المحتلة للبلاد لإعادة بناء اليابان. كما أن الافتقار إلى دعم الحكومة اليابانية كان سببا في خنق أنشطتهم، حيث تُرك الضحايا يتعاملون مع جروحهم الجسدية والنفسية بمفردهم.
وكانت نقطة التحول في مارس/آذار عام 1954 عندما تسببت تجربة نووية أمريكية في جزيرة بيكيني أتول في تساقط ”رماد الموت“ على طاقم وشحنة سفينة الصيد ”دايغو فوكوريو مارو“. وقد عززت هذه الواقعة من وعي الناس بأهوال المواد الإشعاعية ومنحت زخما لرسالة الهيباكوشا المناهضة للأسلحة النووية. وهو ما أثمر عن تأسيس منظمة هيدانكيو بعد ذلك بعامين ضمن هذا السياق.
من أجل الإنسانية
الهدف من تأسيس هيدانكيو إنساني ونبيل. فقد أعلنت المنظمة في حفل تأسيسها عن عزمها الدفاع عن البشرية من خطر الدمار النووي، وذكرت في رسالتها إلى العالم ”جددنا التأكيد على إرادتنا في إنقاذ البشرية من أزمتها من خلال الدروس المستقاة من تجاربنا، وفي الوقت نفسه إنقاذ أنفسنا“.
تحدث الناجون من القصف الذري بثبات عن لاإنسانية الحرب النووية، ونقلوا عبر شهاداتهم الألم والمعاناة التي تحملوها، ولم يترددوا في إظهار الندوب التي يحملونها، حتى عندما كان الكثيرون من حولهم ينظرون إليها باشمئزاز أو شفقة.
نقل مبعوثو الهيباكوشا رسالتهم إلى مختلف أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، حضر أعضاء من هيدانكيو الجلسة الخاصة الأولى للأمم المتحدة حول نزع السلاح في نيويورك عام 1978. وفي الجلسة الخاصة الثانية في عام 1982، أصبح ياماغوتشي سينجي الرئيس المشارك للمنظمة آنذاك، أول هيباكوشا يعتلي منصة قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء كلمة تدعو إلى القضاء على الأسلحة النووية، وكان يحمل صورة لنفسه تُظهر ندوب جُدرة على وجهه ورقبته.
وفي مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك عام 2005، أقامت المنظمة معرضا لآثار القنابل الذرية يضم لوحات صور فوتوغرافية وأشياء أخرى تظهر الدمار الذي أحدثته القنبلتان.
امرأة تتأمل صورا في معرض لمخلفات القنابل الذرية بترتيب من منظمة هيدانكيو خلال مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي عام 2005 (© كيودو)
الدافع وراء هذه الحملة هو الرغبة في إنقاذ الآخرين من المعاناة الرهيبة التي تحملوها. وقد داسوا على حنقهم على الولايات المتحدة بسبب إسقاطها القنبلتين الذريتين، وركزوا جهودهم على لفت انتباه العالم إلى فظائع الحرب النووية انطلاقا من إيمانهم بأنه لا بد من تجاوز الكراهية لكسر حلقة التصعيد والانتقام، ما يحول دون أن تدمر البشرية نفسها. وقد أسهمت نداءاتهم المتواصلة في ترسيخ ”تابو نووي“ دولي يدين استخدام الأسلحة النووية باعتباره أمرا غير مقبول أخلاقيا، ما شكل إنجازا استحقت المنظمة عليه جائزة نوبل للسلام.
ولكنني أقول إن الجائزة متأخرة كثيرا، حيث تتوارد إلى خاطري صور الكثير من الناجين من القصف الذري الذين رحلوا عن عالمنا الآن وكانوا من المساهمين في حملات هيدانكيو، وأعلم أنهم كانوا سيرغبون في مشاركتنا فرحة الحصول على هذه الجائزة.
المضي قدما
على الرغم من أن جائزة نوبل للسلام تعد تكريما عظيما، إلا أنني أتذكر كلمات الرئيس المشارك السابق تسوبوي سوناو بعد عدم منح الجائزة لهيدانكيو في عام 2015. فقد صرح تسوبوي – المتوفى عام 2021 عن عمر يناهز 96 عاما – في مؤتمر صحفي في هيروشيما أن البهجة لن تدخل قلوب الهيباكوشا ”حتى يأتي ذلك اليوم الذي يتم فيه القضاء على جميع الأسلحة النووية“. فالهدف الأعلى المتمثل في تحقيق النزع النووي، يسمو فوق جميع الجوائز والأوسمة، حتى تلك التي تحظى بتقدير كبير مثل جائزة نوبل للسلام. لم يعد تسوبوي موجودا بيننا اليوم، إلا أن كلماته تحثنا على عدم الاكتفاء بإشادة الآخرين بجهودنا، بل أن نستمر في سعينا حتى تحقيق الهدف.
تسوبوي سوناو (وسط اليمين) يصافح الرئيس السابق باراك أوباما بعد خطابه التاريخي في حديقة هيروشيما التذكارية للسلام في 27 مايو/أيار 2016. (© جيجي برس)
الصور الوحيدة المعروفة للآثار المباشرة التي خلفها القصف الذري على هيروشيما من تصوير المصور الصحفي ماتسوشيغي يوشيتو. ويقول ماتسوشيغي متذكرا تلك التجارب أن ”الرعب الذي خلفه القصف الذري لا يمكن المبالغة في وصفه. إن ما شاهدته أثناء سيري في وسط المدينة آنذاك يمكن تلخيصه بكلمة واحدة: الجحيم“.
صورة تظهر الوضع عند جسر مييوكي في هيروشيما، على بعد حوالي 2.2 كيلومتر من مركز الانفجار، في حوالي الساعة 11:00 صباح يوم 6 أغسطس/آب عام 1945. وهي إحدى خمس صور التقطها ماتسوشيغي يوشيتو في ذلك اليوم. (© تشوغوكو شيمبونشا/ مركز نيهون شاشين هوزون)
تجلى نشاط الهيباكوشا في الكثير من الأشكال. فقد دأب بعضهم على الإدلاء بشهادات حية حول ما عاشوه بهدف مناهضة التطوير المستمر للأسلحة النووية، في حين قاد آخرون مظاهرات ضد التجارب النووية، وشارك آخرون أيضا بتجاربهم من خلال الفن. وتستند كل هذه الأساليب المتنوعة إلى قناعة راسخة بأنه لا خيار أمام البشرية إلا إدانة الأسلحة النووية إذا كانت راغبة في تجنب الدمار الشامل.
بدا العالم وكأنه قد تراجع خطوة إلى الوراء عن هذا المصير المروع بتوقيع معاهدة منع الانتشار النووي. ولكن الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية لا تزال تغض الطرف عن الاتفاقية، حيث تعمل دول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية على تحديث ترساناتها بينما تقترب دول أخرى من الحصول على تلك الأسلحة.
إن تصرفات روسيا مقلقة على نحو خاص لأنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. فقد أجرت منذ غزوها لأوكرانيا تدريبات لنشر قنابل نووية تكتيكية في تهديد مبطن للغرب. وتبدو الأمم المتحدة عاجزة عن كبح جماح عضو في مجلسها الأكثر قوة عن الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، عوضا عن أن تكون رادعا لمثل هذا السلوك المتهور. ومن الأمور التي تثير نفس القدر من القلق، الصراع الدائر في الشرق الأوسط والذي يتمحور حول إسرائيل المسلحة نوويا.
يتعين على القوى النووية توخي الحذر الشديد، لأن تورطها في هذه الصراعات الإقليمية يهدد بتآكل المعايير الراسخة التي تمنع استخدام الأسلحة النووية. إن إسقاط قنبلة تكتيكية واحدة في ساحة المعركة من شأنه أن يحطم المحرمات النووية التي عمل هيدانكيو وآخرون على ترسيخها، ما يجعل من الرد الشامل حقيقة مرعبة. وفي مثل هذا السيناريو، لن يكون بوسعنا فعل الكثير لمنع البشرية من تدمير نفسها.
حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى
لقد اعترفت لجنة جائزة نوبل، باختيارها هيدانكيو لمنحها جائزة السلام، بالتهديد النووي المتصاعد وأرسلت رسالة واضحة إلى الدول النووية وحلفائها الذين يحظون بحماية ”مظلتها النووية“ الواسعة. ولا بد لليابانيين باعتبارهم مواطني الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية ضدها، إدراك مدى خطورة الوضع والتأكد من استمرار وصول شهادات الهيباكوشا إلى نطاق أوسع من الجماهير.
تتنامى أهمية هذه المهمة مع اقتراب المجتمع من النهاية الحتمية عندما لا يبقى أحد من الهيباكوشا على قيد الحياة ليقدم شهادة حية عن أهوال الأسلحة النووية. فمتوسط أعمار الناجين من القصف الذري يبلغ 85 عاما، ما يجعل من الضروري إيجاد سبل لإبقاء قصص الهيباكوشا حية ومواصلة مشاركتها مع العالم الأوسع.
تتحمل الحكومة اليابانية مسؤولية تأكيد موقفها المناهض للأسلحة النووية والسعي إلى دعم رسالة الهيباكوشا. ولكنها اختارت عوضا عن ذلك البقاء تحت المظلة النووية الأمريكية ورفضت الرضوخ لإرادة الشعب بالتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، بل ورفضت حتى المشاركة بصفة مراقب.
أسفرت الانتخابات على رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في سبتمبر/أيلول عن تغيير مقلق، حيث دعا المرشحون إلى مناقشة مسألة المشاركة النووية، وهو موقف يتناقض تماما مع رسالة الهيباكوشا. إن التخلي عن المبادئ غير النووية لليابان يتعارض مع معاهدة منع الانتشار النووي التي وقعت عليها اليابان، ويهدد بانهيار المعاهدة بالكامل وربما يشجع الدول القريبة من العتبة النووية على تسليح نفسها.
ولكن الحكومة لا تكترث كثيرا لفكرة نزع السلاح النووي، حيث تدعو إلى ”القضاء النهائي“ على الأسلحة النووية بينما تقبع بثبات تحت المظلة النووية الأميركية. وقد أظهر الحديث عن المشاركة النووية أثناء الانتخابات على رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي، بشكل جلي افتقار الفصيل الحاكم إلى الالتزام بالقضاء على الأسلحة النووية.
التزحلق على جليد رقيق
إن مبدأ الردع النووي يقر بوجود أسلحة نووية، بحجة أن السلام والاستقرار لا يمكن الحفاظ عليهما إلا من خلال التهديد بالدمار المتبادل المؤكد. وهي أيديولوجية زائفة تبقي سيف ديموقليس مسلطا فوق رؤوس البشرية. فطالما أن الدول تمتلك أسلحة نووية، فإن خطر استخدامها يظل قائما. والثقة في الردع للحفاظ على السلام حتى مع قيام الدول بتوسيع ترساناتها يشكل مقامرة محفوفة بالمخاطر.
إن تحقيق هدف الهيباكوشا المتمثل في القضاء على الأسلحة النووية يتطلب إقناع الأنظمة الاستبدادية في روسيا والصين وكوريا الشمالية بضرورة وقف تعزيز قدراتها العسكرية الحالية والانحياز إلى السلام. وعلى الرغم من صعوبة المهمة، إلا أنها السبيل الوحيد لضمان أن يحقق الهيباكوشا المتبقون عالما خاليا من الأسلحة النووية بينما لا يزالون على قيد الحياة. ومع اقتراب موعد الذكرى الثمانين للقصف الذري، أتذكر مقدار العمل الذي لا يزال يتعين علينا القيام به. حيث يغمرني شعور بوجود ضرورة ملحة مع اقتراب انتهاء الوقت القليل المتبقي لنا. ولكن في الوقت نفسه، يدفعني إصرار تسوبوي على ”عدم الاستسلام أبدا“ إلى المضي قدما.
فهل ستختار البشرية القضاء على الأسلحة النووية أم ستستمر في الانحدار على مسار التدمير الذاتي؟ إن الدعوات لعدم تكرار ما حدث في هيروشيما وناغاساكي موجهة إلى السياسيين وإلى كل فرد منا. أوضح الراحل موريتاكي إيتشيرو الأستاذ الفخري في جامعة هيروشيما وأحد الشخصيات المحورية في تأسيس نيهون هيدانكيو، الموقف بعبارات لا تدعو مجالا للشك، حيث قال إن البشرية لا يمكنها التعايش مع الأسلحة النووية. ويتعين علينا الآن التصرف وفقا لهذه الكلمات.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: زوار يصلّون عند نصب تذكاري للأشخاص الذين قضوا نحبهم في القصف الذري على هيروشيما. © رويترز)