ياماساكي تويوكو: كاتبة غيّرت ملامح الرواية اليابانية بتأثير اجتماعي عميق

أشخاص

وُلدت الأديبة ياماساكي تويوكو عام 1924، وبرزت كواحدة من أعظم روائيات اليابان بفضل أسلوبها العميق وأبحاثها الدقيقة التي أضفت مصداقية وتفرداً على أعمالها. رغم قلة عدد رواياتها، استطاعت أن تأسر قلوب القراء مع كل إصدار جديد، مما جعل تأثيرها يتجاوز حدود الأدب المكتوب إلى عالم السينما والتلفزيون وحتى الإذاعة، حيث تحولت رواياتها إلى أعمال درامية وأفلام لاقت نجاحاً كبيراً وأسهمت في تخليد إرثها الأدبي.

كتابات ياماساكي المفعمة بدفيء وحيوية اوساكا

بدأت علاقتي مع الأديبة الشهيرة ياماساكي تويوكو أثناء عملي في إحدى دور النشر، حيث سنحت لي فرصة التحدث إليها خلال مناسبات مختلفة. لكن اللقاء الفردي الأول الذي جمعني بها كان في منزلها بمدينة أوساكا، وهناك شعرت بمزيج من التوتر والرهبة، إذ كنت أخشى مواجهة شخصية صعبة تُعرف بدقتها وصبرها في الكتابة.

غير أن تلك المخاوف تبددت تمامًا خلال لقائنا الأول. استقبلتني ياماساكي بحرارة وود، مما جعلني أشعر بالراحة. وفي كل لقاء جمعنا بعدها، سواء في أوساكا أو طوكيو، اكتشفت جانبًا مختلفًا لهذه الكاتبة الكبيرة. فعلى الرغم من عبقريتها الأدبية التي كانت تسحر القراء وتخطف الأنفاس، كانت تخفي شخصية بسيطة ومتواضعة. كانت مرحة بشكل غير متوقع، تضفي على كل حديث طابعًا دافئًا مليئًا بالدعابة، وكأنها عمة محبوبة من أوساكا.

وُلدت ياماساكي تويوكو عام 1924 في بلدة سينبا التجارية بمدينة أوساكا، حيث نشأت في أسرة تعمل في تجارة الأعشاب البحرية (الكومبو). وعلى الرغم من خلفيتها العائلية المرتبطة بالتجارة، قررت ياماساكي السير في مسار أكاديمي مختلف، فدرست الأدب الياباني في جامعة كيوتو النسائية وتخرجت منها عام 1944. بعد ذلك، التحقت بمكتب صحيفة ماينيتشي شيمبون في أوساكا، حيث عملت في قسم الفنون والعلوم تحت إشراف الأديب المعروف إينوئي ياسوشي، الذي كان له دور محوري في صقل موهبتها الأدبية وتوجيهها.

كان للقاء ياماساكي بإينوئي تأثير عميق على مسيرتها الأدبية. ففي إحدى المرات، قدم لها نصيحة تركت أثراً كبيراً في حياتها، حيث قال: ”يمكن للإنسان أن يكتب عملاً أدبياً عظيماً مرة واحدة في حياته، إذا تناول موضوعاً عن بيئته أو موطنه، فلِمَ لا تحاولين؟“. هذه الكلمات أصبحت الشرارة التي دفعتها إلى الكتابة، وكانت البداية مع روايتها الأولى ”نورن“ التي أصدرتها عام 1957. استوحت ياماساكي العنوان من الستارة القماشية التي تُعلق عند مداخل المتاجر اليابانية، وتناولت في الرواية تجارب عائلتها في تجارة الكومبو، مما جعل العمل قريباً من واقعها الشخصي.

تبع هذه الرواية عملها ”هانا نورن“، الذي تناول قصة تأسيس مجموعة ترفيهية شعبية تُعرف بـ”يوسي“. نُشرت الرواية كسلسلة في مجلة تشيو كورون، إحدى أبرز مجلات الأدب والرأي في اليابان، وحظيت بتقدير كبير منحها جائزة ناوكي في دورتها التاسعة والثلاثين. هذه الجائزة، التي تُمنح مرتين سنوياً للأعمال الأدبية المميزة، أكدت مكانة ياماساكي بين أبرز الكتاب في اليابان

تميزت أعمال ياماساكي بأسلوبها الخاص الذي يجمع بين البساطة والعمق، معتمدةً على منهجية دقيقة تجمع بين البحث المكثف والكتابة المتأنية. كانت تقسم وقتها بين تخصيص نصف العام للبحث والتقصي حول المواضيع التي تتناولها رواياتها، والنصف الآخر للكتابة. عبرت ياماساكي عن فلسفتها الأدبية بقولها: ”لم أطمح يوماً إلى كتابة رواية معقدة على طريقة فنان البونساي الذي يقلم العديد من الأغصان المصقولة في آن واحد. بل على العكس من ذلك، فطريقتي تشبه إلى حد ما أسلوب شخص يزرع الأشجار واحدة تلو الأخرى على سفح جبل قاحل، حتى يصبح خصباً ينبض بالحياة“.

هذه الكلمات تلخص رؤية ياماساكي الإبداعية، حيث كانت تؤمن بأن الكتابة ليست مجرد زخرفة أو تعقيد، بل هي عملية بناء تدريجية تهدف إلى غرس جذور عميقة في وجدان القارئ. بعيداً عن التركيز على التفاصيل الزائدة، كانت تسعى إلى تقديم أعمال تعبر عن واقع الحياة وتعكس قوة السرد البسيط والمباشر. لقد كانت أعمالها بمثابة شهادة على تفانيها والتزامها العميق بفن الكتابة، مما جعل إرثها الأدبي جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الأدب الياباني.

أحد متاجر الكتب في طوكيو يعرض أعمال ياماساكي تويوكو بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها. (© Nippon.com)
أحد متاجر الكتب في طوكيو يعرض أعمال ياماساكي تويوكو بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها. (© Nippon.com)

لم تكن ياماساكي تويوكو مجرد كاتبة روائية، بل كانت مرآة تعكس تعقيدات المجتمع الياباني وتفاصيل تحولاته الاقتصادية والاجتماعية. من خلال أعمالها الأدبية العميقة، استطاعت أن تُبرز القضايا التي تُعد بمثابة لبنة أساسية في فهم الواقع الياباني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

روايتها ”شيروي كيوتو“ (البرج الأبيض) جاءت كواحدة من أبرز أعمالها، حيث سلطت الضوء على الفساد والتناقضات الأخلاقية داخل النظام الطبي. وقدمت الرواية شخصيتين متضادتين في رؤيتيهما وأهدافهما: زايزان غورو، الطبيب الجراح الذي يسعى للنفوذ دون اكتراث للقيم الأخلاقية، وساتومي شوجي، الطبيب الباطني الذي يرمز للضمير المهني. بهذا التناقض، استطاعت ياماساكي أن تعري النظام الصحي، مسلطةً الضوء على تحدياته في قالب سردي مشوق وواقعي.

لم يقتصر تأثير ”شيروي كيوتو“ على الأدب فقط، بل امتد إلى السينما والتلفزيون، حيث نُقلت الرواية إلى الشاشة خمس مرات في اليابان، مما يعكس صداها العميق في الوعي الجمعي. ورغم أن ياماساكي لم تسعَ عمدًا إلى تصنيف نفسها ككاتبة ذات توجه اجتماعي، إلا أن إحساسها بالعدالة وانحيازها لقضايا الفئات المهمشة أضفى على أعمالها هذا البعد اللافت.

أما روايتها ”كاراي نارو ايتشيزوكو“ (العائلة العريقة)، فكانت شهادة أدبية على التحولات الاقتصادية الكبرى في اليابان. من خلال شخصية مانبيو دايسوكي، رئيس بنك هانشين، استعرضت ياماساكي الصراعات التي دارت بين الرأسمالية الجشعة والقيم الإنسانية. عكست الرواية، من خلال العلاقة المعقدة بين دايسوكي وابنه تيبي، الصراع بين جيلين مختلفين ورؤيتين متناقضتين حول مفهوم العدالة والنجاح.

رؤية ياماساكي في هذه الرواية لم تقتصر على الدراما الأسرية، بل امتدت لتكشف عن الشرور التي كانت تعتقد أنها تهدد المجتمع الياباني، مثل الفساد المؤسسي وسياسات الغرف المغلقة. وتمامًا كما في ”شيروي كيوتو“، نُقلت هذه الرواية إلى الشاشة أكثر من مرة، مما يؤكد قدرتها على تحويل الأدب إلى نافذة يعبر منها المجتمع لمواجهة أسئلته العميقة.

كانت ياماساكي ترى الكتابة كفعل مسؤولية، وليس مجرد ترف فكري. أعمالها تمثل نموذجًا نادرًا للجمع بين العمق الأدبي والوعي الاجتماعي، مما جعلها واحدة من أبرز الأصوات في الأدب الياباني الحديث.

تسليط الضوء على الحقائق الإنسانية

تتجلى جاذبية أعمال ياماساكي تويوكو في قدرتها الفائقة على المزج بين الواقعية الصارمة والخيال الأدبي المبدع، ما يجعل رواياتها تنبض بالحياة وتترك أثراً عميقاً في نفوس القراء. كانت ياماساكي معروفة بمنهجها الدقيق في البحث والتحضير لكل رواية، حيث لم تكن تشرع في الكتابة إلا بعد أن تتأكد من إلمامها الشامل بالموضوع الذي تتناوله. هذا الالتزام بالأبحاث الدقيقة أكسب رواياتها مصداقية عالية، وجعل شخصياتها تبدو وكأنها مرآة تعكس تعقيدات الواقع.

رغم التكهنات التي أثارتها أعمالها حول استناد بعض شخصياتها إلى أشخاص حقيقيين، نفت ياماساكي هذا الأمر موضحةً أن الإبداع الأدبي يتجاوز مجرد نقل الحقائق. فقد قالت: ”لو استخدمت شخصاً حقيقياً كبطل للرواية دون إضفاء أي تغييرات، فلن تكون هناك حاجة لي ككاتبة لخوض عملية الإبداع.“ وبهذا، أكدت أن جوهر الكتابة يكمن في القدرة على تحويل الحقائق إلى دراما إنسانية تحمل رؤى أعمق.

عُرفت ياماساكي بتركيزها على التفاصيل الدقيقة وبراعتها في تقديم الشخصيات ككيانات حية لها أبعاد متعددة. كانت تسجل تطورات القصة على مخططات زمنية دقيقة، تتابع من خلالها مسارات الشخصيات الرئيسية حتى اكتمال الرؤية. هذا التخطيط المسبق لم يكن يحدّ من خيالها، بل كان أساساً لخلق سرد متماسك ينبض بالواقعية والإنسانية.

من أبرز ما يميز أعمال ياماساكي أيضاً هو اختيارها المبتكر للعناوين، التي غالباً ما تعكس تناقضاً يثير الفضول ويعمق المعاني. فقد ذكرت أن العنوان يمثل ”ملخصاً لموضوع العمل ذاته“، وأنها تفضل استخدام التباين لجذب الانتباه. على سبيل المثال، عنوان روايتها ”فوتاتسو نو سوكاكو“ (وطنان)، الذي يبدو ظاهرياً أنه يتحدث عن الانقسام، لكنه في جوهره يعكس مفهوم الوحدة في الهوية. أما رواية ”شيزومانو تايو“ (لا تطفئ الشمس)، فقد استمدت قوتها من تناولها لفكرة النهاية كبداية جديدة، وهو ما يعكس رؤيتها الإنسانية المتفائلة.

إبداع ياماساكي لا يتوقف عند سرد قصص واقعية بمهارة، بل يمتد إلى قدرة فريدة على استكشاف عمق التجربة الإنسانية من خلال رؤية أدبية تجمع بين الدقة البحثية والخيال الخصب، ما يجعل أعمالها شاهداً حياً على براعة الأدب الياباني الحديث.

إبداع ولد من رحم الحرب

يعود شغف ياماساكي تويوكو بالكتابة إلى سنوات شبابها وتجربتها القاسية مع الحرب العالمية الثانية. في تلك الفترة، عملت في مصنع للذخيرة، حيث كانت مكلفة بتلميع الرصاص. وفي أحد الأيام، تعرضت لموقف قاسٍ عندما تم معاقبتها بشدة على يد ضابط عسكري بسبب قراءتها لرواية أجنبية أثناء استراحة قصيرة من العمل الشاق. وقد عبّرت عن تلك الفترة بقولها: ”في الواقع لم استمتع بفترة شبابي“.

تستمر ياماساكي في سرد تجاربها المريرة خلال تلك الحقبة، مذكّرة بكيف كان يتم إرسال الرجال في طائرات انتحارية، بينما كانت الفتيات في سن الجامعة تُجند للعمل في المصانع. وقد فقدت بعض صديقاتها اللاتي عملن في مصنع للطائرات حياتهن بسبب القنابل التي ألقتها طائرات بي-29. وعن نفسها، تقول: ”كوني إحدى الناجيات، كنت أتساءل دائمًا عما يجب فعله بالحياة الجديدة التي منحت لي“.

يمكن القول إن هذه التجربة المؤلمة كانت الشرارة التي أشعلت رغبتها في الكتابة، والتي عبرت عنها في ثلاثيتها الروائية حول الحرب. أولى هذه الروايات كانت (فومو تشيتاي) التي ترجمها جيمس تي أراكي إلى (المنطقة القاحلة)، ونُشرت بشكل متسلسل عام 1973. تدور القصة حول إيكي تاداشي، الاستراتيجي السابق في الهيئة العسكرية العليا للإمبراطورية اليابانية، الذي يجد نفسه محتجزًا في معسكر اعتقال في سيبيريا بعد الحرب. وبعد نجاته، يعود إلى اليابان ويُعيّن على رأس شركة تجارية، حيث يخوض صراعًا مريرًا مع إحدى الشركات المنافسة. وقد تجسدت من خلال هذا الصراع الأبعاد الإنسانية والاقتصادية التي شهدتها فترة ما بعد الحرب.

ورغم أن اليابان استطاعت استعادة ازدهارها بعد الحرب، إلا أن ياماساكي كانت تشعر بقلق عميق تجاه التطور الروحي والحراك الذي عرفه المجتمع الياباني. وقد جسّد ذلك بطل الرواية الذي أبرز التغيرات والتقدم الذي شهدته البلاد بعد الحرب وحتى الحقبة التي كتبت فيها الرواية. كما أصرت ياماساكي على تسليط الضوء على مرحلة وصفتها بالمنطقة الروحية القاحلة، التي تعبر عن حالة فقدان التوازن بين التطور المادي والثراء الروحي أو الأخلاقي الذي مرّ به اليابانيون في تلك الحقبة.

تُعد روايات ياماساكي مرجعيات ثقافية وأدبية تعكس تجارب تلك الحقبة. (© Nippon.com)
تُعد روايات ياماساكي مرجعيات ثقافية وأدبية تعكس تجارب تلك الحقبة. (© Nippon.com)

الرواية الثانية في ثلاثية ياماساكي حول الحرب كانت رواية (وطنان)، والتي نُشرت بشكل متسلسل عام 1980. تدور أحداث الرواية حول كينجي آمُو، أمريكي ياباني من الجيل الثاني يعيش في لوس أنجلوس. مع تطور الحرب في المحيط الهادئ وتبعاتها، وصولاً إلى محاكمات طوكيو بعد الحرب، يجد كينجي نفسه ممزقًا بين وطنين هما الولايات المتحدة واليابان، مما يعكسه بوضوح عنوان الرواية. وقد تمكّنت ياماساكي من دمج أربعة محاور رئيسية بشكل مبتكر، وهي: احتجاز الأمريكيين اليابانيين، المعارك في الفلبين، القصف النووي لهيروشيما، ومحاكمات طوكيو. في هذه الرواية، استطاعت أن تعرض التأثير العميق لهذه الأحداث على قلوب اليابانيين، وكيف فقدوا حبهم لوطنهم الأم نتيجة للاضطرابات الناتجة عن الحرب.

أما روايتها دايتشي نو كو (أطفال الأرض)، التي بدأت بنشرها بشكل متسلسل في عام 1987، فركزت على مأساة الأطفال اليابانيين اليتامى الذين تُركوا في الصين بعد الحرب العالمية الثانية. تدور أحداث الرواية حول لو ييشين، وهو يتيم ياباني تربى على يد فاعل خير صيني ليصبح مهندسًا كبيرًا. تتبع الرواية معاناته في فترة ما بعد الحرب في الصين، حيث تجسد التقلبات السياسية، وخاصة خلال الثورة الثقافية. مع مرور الوقت، يتمكن لو من استعادة مكانته الاجتماعية ويعمل على مشروع مشترك لإنشاء مصنع للصلب بين الصين واليابان في ظل الظروف غير المستقرة للعلاقات الصينية اليابانية.

تكتسب (أطفال الأرض) جاذبيتها الخاصة من خلال تصوير الحياة الصعبة للمواطنين الصينيين تحت حكم الحزب الشيوعي، وهو جانب كان جزءًا من أبحاث ياماساكي الدقيقة. في زيارتها للصين، أتيحت لها فرصة نادرة للقاء هو ياوبانغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، مما سمح لها بزيارة المناطق النائية من الصين، بما في ذلك القرى الزراعية الفقيرة والمصانع التي كانت محظورة على الأجانب. هذه الزيارة تزامنت مع فترة الانفتاح في العلاقات الصينية اليابانية في الثمانينات، ما سهل نشر الرواية في تلك الفترة.

وقد جعلت هذه الرواية ياماساكي تقدم شهادة حية على التغيرات الاجتماعية والسياسية في الصين واليابان خلال هذه الحقبة.

الإيمان بما يحمله الغد: حياة ياماساكي تويوكو وأعمالها الأدبية

كانت رواية (أطفال الأرض) ثمرة 8 سنوات من العمل الشاق والتفاني الذي استنزف ياماساكي روحياً، مما دفعها للتفكير في التقاعد من الكتابة. لكن قبل أن تتخذ هذه الخطوة، قررت تحقيق حلمها القديم بزيارة جبل كيليمنغارو، أعلى قمة في إفريقيا. هذه الرحلة، التي بدأت بمساعدة ممثل محلي لشركة الخطوط الجوية اليابانية لترتيب سفرها إلى نيروبي في كينيا، كانت بمثابة نقطة فارقة في حياتها.

خلال رحلتها، التقت بمسؤول في الخطوط الجوية اليابانية الذي شاركها قصصًا من مسيرته المهنية الصعبة. كان قد تعرض لما أسماه بالنفي من اليابان بسبب التوترات مع الإدارة، ليعمل في مناطق مختلفة من العالم مثل كراتشي وطهران ونيروبي. هذا اللقاء كان له تأثير كبير على ياماساكي في وقت كانت تفكر فيه جدياً في التقاعد عن الكتابة.

إلا أن فضولها الأدبي، الذي لا يهدأ، دفعها للمواصلة. فقد ألهمتها أحداث رحلتها لتبدأ مشروعًا جديدًا. وبينما كانت تتساءل عن إمكانية التفوق على (أطفال الأرض)، جاءتها دفعة قوية من أحد زملائها السابقين الذي شجعها على مواصلة الكتابة وقال لها: ”الكتاب لا يتقاعدون بل يكتبون حتى وهم في نعوشهم“. هذا الطلب ترك تأثيرًا عميقًا في نفسها، وعزز رغبتها في مواصلة الكتابة.

الرواية التي تلت (أطفال الأرض) كانت (لا تطفئ الشمس). استلهمت ياماساكي من إحدى أسوأ كوارث الطيران في تاريخ اليابان، حيث تحطمت طائرة الخطوط الجوية اليابانية JAL 123 في محافظة غونما عام 1985، مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص. يروي العمل قصة أونتشي هاجيمي، الذي يجد نفسه وسط صراع داخلي في شركة الطيران بعد الكارثة. بطل الرواية متمسك بمبادئه ويواجه تحديات مهنية وسياسية داخل الشركة، بينما يتأمل في القيم الإنسانية.

أما عنوان الرواية، فقد استلهمته ياماساكي من غروب الشمس الذي شاهدته أثناء رحلتها إلى إفريقيا، حيث رأت في هذا الغروب رمزًا للإيمان بأن هناك دائمًا أملًا في الغد، مهما كانت المصاعب. وعبرت عن فلسفتها قائلة: ”مهما واجهنا من مصاعب في هذه الحياة، يجب أن نحافظ على شمس لا تغيب في قلوبنا“

على الرغم من التحديات التي واجهتها، استمرت ياماساكي في الكتابة حتى آخر أيام حياتها. في 2013، بدأت العمل على رواية جديدة بعنوان ياكوسوكو نو أومي (البحر الموعود)، والتي نُشرت في مجلة شوكان شينتشو، ولكنها توفيت بعد شهر واحد فقط من نشر الأجزاء الأولى. ورغم أن المجلة استمرت في نشر العمل بعد وفاتها، إلا أن الرواية ظلت غير مكتملة.

كانت ياماساكي تويوكو شخصية مخلصة تمامًا لأدبها، بعيدة عن الأضواء وحياة الشهرة. تركت أعمالها الأدبية علامة بارزة في الأدب الياباني، وواصلت الكتابة بكل شغف حتى اللحظات الأخيرة من حياتها، ما جعلها واحدة من الأسماء اللامعة في تاريخ الأدب الياباني.

(تم نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ياماساكي تويوكو خلال إجراء مقابلة معها في عام 2003. © كيودو)

اليابان ثقافة تراث الأدب الياباني