رحلة الضحك مع روني وغيغي: كيف أصبح هذا الثنائي رمزًا للكوميديا في اليابان؟

مجتمع

الضحك معدٍ بطبيعته، لكن عندما يكون مصدره الثنائي الكوميدي روني وغيغي، يصبح تجربة لا تُنسى! على مدار أكثر من ثلاثة عقود، استطاع هذا الثنائي الحائز على عدة جوائز أن يحول الضحك إلى فن حقيقي، يجمع بين الإبداع والتفاعل الحي. من خلال مهرجانهما المميز، لا يمنحان الجمهور مجرد لحظات من الترفيه، بل يقدمان ملاذًا من الهموم اليومية، حيث يصبح الضحك لغة عالمية توحد الجميع في لحظة فرح خالصة.

البحث دائمًا عن الضحك

على مدى 34 عامًا، شكّل هذان الفنانان اليابانيان ثنائيًا متناغمًا، سواء على خشبة المسرح أو في حياتهما اليومية. يجمعهما شغف عميق بمهنتهما، ويتفقان على أكثر ما يمنحهما الرضا فيها.

تقول غيغي: ”عندما نرى الجمهور يبتسم ويضحك أمامنا، نشعر بسعادة غامرة.“

ويضيف روني: ”ندرك أن بعضهم قد يمرّ بظروف صعبة، لكن حين نراهم يضحكون ويبدون سعداء، نشعر وكأن همومهم قد تبددت، ولو للحظات.“

تتابع غيغي موضحة: ”باستثناء عروضنا المسرحية الكبرى، فإن معظم الأماكن التي نقدم فيها عروضنا صغيرة نسبيًا. في البداية، يكون الحضور غرباء عن بعضهم البعض، مما يخلق أجواءً يشوبها بعض التوتر. لكن مع تقدم العرض، يتغير المشهد تمامًا، حيث تنسجم القلوب، ويصبح الجميع وكأنهم عائلة واحدة. وهذا، بالنسبة لي، هو أجمل ما في عملنا.“

اليوم، لا تنتظر الضحكات حتى يرتفع الستار، بل تبدأ قبل ذلك بوقت طويل. تتجول غيغي على خشبة المسرح مرتدية مريلة وقبعة خادمة، وتحمل بيدها منفضة ريش. ومن خلف نظارات ذات عدسات سميكة كقاع الزجاجة، تبدأ بتنظيف حامل الميكروفون والمسرح، ثم تزيل الغبار عن صندوق الحيل الموضوع بعناية في موقع استراتيجي، إيذانًا بانطلاق العرض.

تتقن غيغي فن التمثيل الإيمائي، حيث تؤدي مشهدًا طريفًا وهي تمسح النوافذ بحماس، مما يثير تفاعل الجمهور ويضاعف ضحكاتهم مع كل حركة تؤديها. (© بينجامين باركز)
تتقن غيغي فن التمثيل الإيمائي، حيث تؤدي مشهدًا طريفًا وهي تمسح النوافذ بحماس، مما يثير تفاعل الجمهور ويضاعف ضحكاتهم مع كل حركة تؤديها. (© بينجامين باركس)

تنتقل غيغي بسلاسة إلى أداء ذكي يعكس علاقة رومانسية مفعمة بالفكاهة، حيث تتفاعل ببراعة مع معطف واقف يرتدي ثوبًا أنيقًا وقبعة بولر، في مشهد يزخر بالطرافة والخفة. تتحول الأجواء بعد ذلك بانسيابية عندما تستبدل المعطف بقارب من القش، وترتدي سترة مخططة بالأحمر والأبيض، لتضفي لمسة جديدة على العرض. ثم ينضم إليها شريكها في الكوميديا، روني، على خشبة المسرح، ليواصلا معًا إبهار الجمهور بأسلوبهما المميز واللافت.

غيغي تغازل شابًا أنيقًا خلال عرضها الافتتاحي. (© بينجامين باركز)
غيغي تغازل شابًا أنيقًا خلال عرضها الافتتاحي. (© بينجامين باركس)

يقدم الثنائي سلسلة من العروض المصقولة بإتقان، تمزج بين مهارات التلاعب بالكرات والهراوات وحتى الأواني، في أسلوب يوازن بين الدقة والفكاهة ببراعة. حركاتهما المبالغ فيها وتعبيرات وجوههما المتوهجة بالحياة تستحضر روح المهرجين الكلاسيكيين عبر الأجيال. وكما يُتوقع، لا يقتصر العرض عليهما وحدهما، إذ يُشركان الجمهور بذكاء، فسرعان ما يُستدرج أحد المتفرجين الغافلين إلى خشبة المسرح، ليجد نفسه يهز وركيه ويمسك بكرات التلاعب، محاولًا بكل جهد تفادي اصطدام القدر بوجهه، وسط موجات من ضحكات الحضور.

تتجلى البهجة في هذه التجربة الممزوجة بفوضى ساحرة، حيث تتحول المناديل الحريرية البسيطة بين أيديهما إلى مشهد متفجر بالألوان، بمهارة مذهلة وتناغم لافت. وفي خضم هذه الأجواء الاحتفالية، يُكافأ المشاركون من الجمهور بتيجان مبهجة مصنوعة من البالونات، تضفي مزيدًا من المرح. يبرز الانسجام بين الثنائي جليًا على المسرح، فكل حركة وأداء يعكسان سنوات من التدريب المتواصل، التي صقلت تعاونهما وألهمت كلًا منهما لإطلاق العنان لإبداع الآخر، مانحة العرض طاقة ساحرة وحيوية لا تُضاهى.

 الثنائي يستعرضان مهاراتهما (© بينجامين باركز) الثنائي يستعرضان مهاراتهما (© بينجامين باركس)

مسيرة عالمية

تعود بداية علاقة روني وغيغي إلى عام 1990، عندما التقيا بعد استكمال دورات تدريبية مكثفة في مدرسة ”رينغلينغ بروز وكلية بارنوم وبايلي للسيرك“ في اليابان. تُعد هذه المدرسة واحدة من أرقى مؤسسات تدريب السيرك عالميًا، وقد خضعا لاختبارات أداء صعبة للغاية للالتحاق بها، حيث لم يتجاوز عدد الطلاب في كل فصل عشرة أفراد. بين عامي 1968 و1997، أعدت الكلية الرئيسية في الولايات المتحدة نحو 1400 مهرج، وفق أسلوب ”سلوب رينغلينغ“ المميز.

على الرغم من خلفيتهما المسرحية الغنية - فقد كان والد روني ممثل كابوكي بارعًا، وتلقى تدريبًا في أسلوب ”شينجيكي“ (الدراما الجديدة) - كان الثنائي ينويان في البداية العودة إلى عالم المسرح بعد إتمام دراستهما في فنون التهريج. لكن، مع اكتشافهما للتناغم الاستثنائي بينهما، قررا جعل التهريج مهنتهما الدائمة، مفتونين بسحره وحرفيته وقيمته الترفيهية العالية، بالإضافة إلى ما يتيحه من حرية تعبير وتفاعل وثيق مع الجمهور. لاحقًا، أسسا معًا شركة ”مسرح اليابان للمهرجين: افتح يا سمسم“، حيث تولت غيغي منصب المديرة الفنية، بينما أشرف روني على إدارة الأعمال بكفاءة.

تتحرك الكرات بسرعة فائقة لدرجة أنه يصعب متابعتها، لكن الثنائي يؤدي عملهما الجماعي بسلاسة تامة وبدون أدنى جهد. (© بينجامين باركز)
تتحرك الكرات بسرعة فائقة لدرجة أنه يصعب متابعتها، لكن الثنائي يؤدي عملهما الجماعي بسلاسة تامة وبدون أدنى جهد. (© بينجامين باركس)

من أجل تعزيز ثقافتهما الفنية، اتخذ روني وغيغي قرارًا جريئًا بالسفر إلى موسكو عام 1991، في خضم أوضاع جيوسياسية مضطربة، لاستكشاف تقاليد التهريج الروسي العريق. يتذكران تلك التجربة بحماس كبير، رغم صعوبة التواصل ببضع كلمات روسية متعثرة، وقوفهما في طوابير طويلة للحصول على الخبز والضروريات اليومية.

في العام التالي، استلهم الثنائي فكرة توسيع آفاقهما الفنية من فرقة ”ميميكريتش“ الأوكرانية المؤلفة من ستة أعضاء، فقررا السفر إلى كييف لدراسة فنون السيرك فيما يُعرف اليوم بالسيرك الوطني الأوكراني. لاحقًا، أمضيا وقتًا في بريطانيا، حيث عملا على صقل مهارتهما تحت إشراف المهرجة والفنانة الصامتة الشهيرة نولا راي، معتمدين على عروضهما المستمرة لتمويل تطورهما الفني.

في عام 1997، شارك روني وغيغي لأول مرة في برنامج تدريب المهرجين بجامعة ويسكونسن، ليصبحا لاحقًا من المدربين الأساسيين لهذا البرنامج على مدى ثلاث عشرة سنة. كما انخرطا في معسكرات تدريب المهرجين في عدة دول، منها الولايات المتحدة، إنجلترا، اسكتلندا، كوريا الجنوبية، ماليزيا، وسنغافورة. وفي عام 2004، قدما عرضًا لافتًا في ”مهرجان المهرجين حول العالم“ أمام الرئيس إس. آر. ناثان، قبل أن يشكلا جزءًا رئيسيًا من ”مهرجان المهرجين العالمي“ في ناغويا عام 2005.

حظيت إنجازات روني وغيغي بتقدير واسع في أوساط مجتمع المهرجين عبر السنين. ففي عام 2002، كرمهما ”المهرجون الدوليون“ بلقب أفضل ثنائي مهرجين، وفي العام التالي حصلا على المركز الثاني في ”مهرجان المهرجين الدولي“ في مونت كارلو. كما توجا بجائزتي أفضل مهرجين واختيار الجمهور في ”مهرجان أنجل أوكاسيو كوميديفيست“ عام 2004، مؤكدين مكانتهما كأيقونتين في عالم التهريج.

عادةً ما تنتهي العروض بتحول إلى كوميديا منطوقة كاملة. (© بنجامين باركس)
عادةً ما تنتهي العروض بتحول إلى كوميديا منطوقة كاملة. (© بنجامين باركس)

ينابيع الإبداع

أبدعت غيغي بذكائها الخلاق في ابتكار مجموعة متنوعة من الشخصيات لعروضها، حيث تنوعت بين رجل عجوز ممتلئ يُدعى ”زسا زسا“ - وهو اسم يعني ”الجد“ بالروسية - وثنائي مميز بأذنين كبيرتين بارزتين متصلتين بقبعات لافتة، وصولاً إلى شخصيات أطفال يتحركون على المسرح بأحذية صغيرة مربوطة عند ركبهم بطريقة مبتكرة. لم تكتفِ غيغي بذلك، بل صممت أيضًا بدلة جسم خاصة سمحت لها بتقديم شخصيات أكثر امتلاءً، مضيفة بُعدًا جديدًا وممتعًا إلى إبداعاتها المسرحية.

تحظى مسرحية (الأذنان الكبيرتان) التي يؤديها روني و غيغي بشعبية كبيرة بين الأطفال في جمهورهم. (© افتح يا سمسم, روني و غيغي)
تحظى مسرحية (الأذنان الكبيرتان) التي يؤديها روني و غيغي بشعبية كبيرة بين الأطفال في جمهورهم. (© افتح يا سمسم, روني و غيغي)

السخرية لا تعترف بالقيود

ينبع جزء من شغف روني وغيغي بالتهريج من غياب هذا الفن في اليابان، حيث يُطلق عليهما أحيانًا - ولكن بشكل غير دقيق - لقب ”بييرو“، وهو مصطلح ياباني مستمد من ”بييرو“ الإيطالي، الذي يرتبط بفناني الشوارع في إيطاليا أواخر القرن السابع عشر. لكنهما يريان أن مصطلح ”دايدوغي“ الياباني، الذي يعني فنان الشوارع، لا يعبر بدقة عن جوهر ما يقدمانه أيضًا.

يشرح روني: ”اليابان تفتقر إلى ثقافة التهريج الحقيقية، وفي كل مرة نسافر فيها إلى الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى مناطق أخرى في آسيا، يندهش الناس عندما نذكر ذلك. كان غياب المهرجين هنا أحد الدوافع التي جعلتني أختار هذا المجال. أعشق تشارلي تشابلن، فأسلوبه في الأداء يتسم ببساطة ووضوح يجذبان الجمهور الياباني بسهولة. عندما أتساءل عن معنى أن تكون مهرجًا، أجد الإجابة في تشابلن“.

يعتمد هذا النوع من الفن بشكل كبير على الخداع البصري. (© بينجامين باركس)
يعتمد هذا النوع من الفن بشكل كبير على الخداع البصري. (© بينجامين باركس)

يعبر روني عن شعوره بالراحة عند ارتداء زي المهرج، إذ يجد فيه حرية لا تضاهى مقارنةً بالطابع الرسمي الذي يهيمن على أشكال الترفيه اليابانية. يرى أن المهرجين يمتلكون قدرة فريدة على تحويل المواقف السلبية إلى لحظات مبهجة تضيء وجوه الجمهور بالضحك. وعلى عكس العديد من المدارس الفنية الأخرى، لا يرتبط عالم التهريج بالنقد اللاذع أو التوبيخ الصارم. يضيف روني أن الفنون اليابانية، من الدفاع عن النفس إلى الموسيقى وترتيب الزهور والمسرح التقليدي، تخضع لقواعد صلبة ومعايير دقيقة، بينما ”المهرجون يتمتعون بحرية مطلقة“.

لكن حياة التهريج ليست دائمًا مليئة بالضحك والمرح، فالمهنة لا تدر عائدًا ماليًا كبيرًا، وتواجه منافسة شرسة من أشكال ترفيهية أخرى. وبما أن ثقافة المهرجين ليست مألوفة نسبيًا في اليابان، تظل الفرص الاقتصادية محدودة. يتذكر روني أنه في بداية مسيرتهما، كانا يعتمدان على التوصيات الشفهية لتقديم عروض منتظمة في مراكز التسوق والمهرجانات، لكنهما قررا لاحقًا التركيز على العروض المسرحية، حتى لو أصبحت أقل تكرارًا، سعيًا لجودة أعمق.

أما غيغي، العقل الإبداعي وراء العروض، فترى أن الإلهام قد يأتيها من أي شيء. تقول: ”يمكن لكتاب أو مقال في صحيفة أن يحرك شيئًا بداخلي، ويزرع رغبة في إيصال رسالة للعالم عبر أدائنا. عندما تمتلئ رأسي بالصور والأفكار، لا أريد سوى صياغة فننا الخاص الذي يعبر عنا“.

نشر ثقافة المهرجين من اليابان إلى العالم

بعد أكثر من ثلاثة عقود من إسعاد الجماهير، يسعى روني وغيغي بحماس إلى تمرير خبراتهما ومهاراتهما إلى جيل جديد من المهرجين اليابانيين. تحتضن مدرسة ”افتح يا سمسم“ للمهرجين، التي أكملت ثلاثين عامًا من عملها، طلابًا يلتقون عادةً مرة أسبوعيًا للتدريب. ومن بينهم طالب مميز يبلغ من العمر 79 عامًا، لم ينقطع عن الحضور منذ افتتاح المدرسة. هؤلاء الطلاب - صغارًا وكبارًا، محترفين وهواة على حد سواء - يراهم روني وغيغي سفراء لنشر فن التهريج في اليابان، وهم من سيحملون مشعل هذا الفن إلى المستقبل.

 رونيي (على اليسار) و غيغي (على اليمين) يرسمان البسمة على وجوه الناس لمدة 34 عامًا. (© بينجامين باركس)
رونيي (على اليسار) و غيغي (على اليمين) يرسمان البسمة على وجوه الناس لمدة 34 عامًا. (© بينجامين باركس)

(النص الأصلي باللغة الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: رونيي و غيغي أثناء تقديمهما احد العروض المسرحية. © روني و غيغي/افتح يا سمسم)

الثقافة الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية