
من التقاليد إلى العالمية... إدراج الساكي الياباني في قائمة اليونسكو يعزز شعبيته
المطبخ الياباني- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
ثقافة غذائية تولدت من فطريات كوجي
وفقا لوكالة الشؤون الثقافية، فإن ”المعرفة والمهارات التقليدية لإنتاج الساكي باستخدام فطر كوجي في اليابان“ والتي أُدرجت مؤخرا ضمن قائمة اليونسكو، تشير إلى التقنيات التي طوّرها على مدى سنوات طويلة خبراء التوجي وعمال مصانع التخمير في استخدام فطر كوجي لصنع الكحول. وقد وضعت الأسس الحديثة لاستخدام فطر كوجي منذ حوالي 500 عام. وتم تطوير طرق إنتاج المشروبات التقليدية مثل نيهونشو وشوتشو وأواموري وميرين ومنتجات كحولية أخرى لتتناسب مع المناخ المحلي لمناطق مختلفة في جميع أنحاء اليابان. وأصبحت هذه المشروبات جزءا أساسيا من الممارسات الاجتماعية والثقافية، مثل الطقوس الدينية وحفلات الزفاف، حيث تُعد المهارات التقليدية في صناعة الكحول دعامة أساسية لهذه الممارسات.
تشير كلمة كوجي بمعنى أكثر شمولية إلى الحبوب أو النشويات المحقونة بأحد أنواع فطريات متنوعة من بينها الرشاشيات والعفنة والرازبة، وهو جزء أساسي من ثقافة التخمير ليس فقط في اليابان بل في جميع أنحاء شرق آسيا. يعود تاريخها إلى آلاف السنين. وتتميز المشروبات الكحولية التقليدية في اليابان باستخدام فطر الكوجي من جنس الرشاشيات. ينمو هذا الفطر على الأرز أو الشعير أو المحاصيل النشوية الأخرى ويحول النشاء إلى سكر، والذي يتحول بعد ذلك إلى كحول بواسطة الخميرة. وبسبب هذا التناغم في عمل كل من فطر كوجي والخميرة تتشكل أحماض أمينية وأحماض عضوية ومركبات عطرية وعناصر أخرى، ما يمنح المشروبات الكحولية اليابانية التقليدية مذاقها وعمقها الفريد. الاسم الياباني الشائع للكحول المخمر من الأرز باستخدام فطر كوجي الأرز والخميرة والماء هو نيهونشو وهو يعتمد على الكوجي لإبراز مذاق أومامي الطبيعي للأرز. ويمكن أن تؤثر أنواع فطر كوجي أو التقنيات المستخدمة بشكل كبير على نكهة نيهونشو. فعلى سبيل المثال، ينتج فطر رشاسية أوريزه أو فطر كوجي الأصفر المستخدم عادة في صنع نيهونشو مجموعة واسعة من النكهات تتفاوت بين نكهات منعشة إلى غنية وكاملة، حيث إن خلطه مع أنواع من فطر كوجي الأبيض أو الأسود المستخدمة في الغالب في صنع شوتشو وأواموري يمكن أن يضفي حموضة ومذاقا مميزا على نيهونشو.
لا يقتصر استخدام فطر كوجي على إنتاج المشروبات الكحولية مثل نيهونشو وشوتشو وأواموري وميرين فحسب، بل كان لفترة طويلة عنصرا أساسيا في صناعة ميسو وشويو (صلصة الصويا)، وهما عنصران أساسيان في المطبخ الياباني. في الوقت الحاضر، حازت العديد من المنتجات التي تحتوي على ميسو وشويو، إلى جانب فطر كوجي نفسه، على اهتمام الطهاة الدوليين. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الأطعمة المخمرة بفطر كوجي شائعة عالميا بفضل فوائدها الصحية المزعومة، ما جعلها جزءا من الأطباق في جميع أنحاء العالم. كما بدأت بعض مصانع الجعة الحرفية في الغرب بالعمل على تطوير مشروبات مبتكرة باستخدام فطر كوجي، ما منحه فرصة الظهور في مجموعة متنوعة من المجالات.
انكماش في السوق المحلية
عند تحليل وضع السوق المحلي للكحول في اليابان، نجد أن السوق العام للكحول يشهد انكماشا على مستوى البلاد بسبب عدة عوامل من بينها تقلص عدد السكان وشيخوخته وتفضيل المستهلكين للمنتجات الأرخص والتغيرات في أنماط الحياة والأذواق. وقد عانت المشروبات التقليدية مثل نيهونشو وشوتشو وأواموري بشكل خاص من هذا التراجع، حيث أدى وجود مشروبات جديدة مثل البيرة والويسكي ومشروبات كحولية أخرى إلى توسع نطاق الخيارات المتاحة للمستهلكين وازدادت شعبيتها.
كما تراجعت صناعة المشروبات الكحولية التقليدية. على سبيل المثال، انخفض إنتاج نيهونشو إلى أقل من 30% من ذروته في عام 1973 بسبب الانخفاض الحاد في السوق المحلية. ولكن عند النظر إلى الإنتاج حسب النوع، نجد أن فئة فوتسوشو ذات الأسعار المنخفضة لا تزال تشهد انخفاضا مستمرا، في حين تشهد المنتجات ذات الأسعار الأعلى مثل جونماي أو جونماي غينجو ارتفاعا في الطلب والإنتاج.
آفاق إيجابية مع ازدهار ”واشوكو“
في الوقت نفسه، تشهد صادرات المشروبات الكحولية اليابانية بشكل عام نموا سنويا مستمرا، مدفوعة بالتقدير الدولي لمنتجات مثل نيهونشو والويسكي الياباني. ومن حيث أنواع المنتجات يأتي الويسكي في رأس قائمة الصادرات يليه نيهونشو والمشروبات الكحولية المعطرة والجعة وغين/فودكا ثم شوتشو وأخيرا النبيذ. أما من حيث وجهات التصدير الرئيسية، فتحتل الصين المرتبة الأولى بقيمة 32.2 مليار ين، تليها الولايات المتحدة بـ23.7 مليار ين، ثم كوريا الجنوبية بـ14.3 مليار ين.
من بين المشروبات الكحولية التقليدية، يحتل نيهونشو المرتبة الثانية بقوة بعد الويسكي. فقد بلغ إجمالي عائدات التصدير في عام 2013 10 مليارات ين، بينما ارتفعت في عام 2023 إلى حوالي 40 مليار ين، أي أربعة أضعاف. ويعود هذا النمو جزئيا إلى إدراج ”واشوكو: الثقافة الغذائية اليابانية التقليدية“ على قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في ديسمبر/كانون الأول 2013. وحسب بيانات وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، كان هناك حوالي 24 ألف مطعم ياباني خارج اليابان في عام 2006، وارتفع إلى 89 ألف في عام 2015، ثم إلى 187 ألف في عام 2023.
وقد جذب تسجيل اليونسكو الانتباه الدولي على المطبخ الياباني، ما شجع على زيادة المطاعم اليابانية في جميع أنحاء العالم. وبالنظر إلى أن صادرات نيهونشو بدأت في الارتفاع في نفس الفترة تقريبا، فمن المتوقع أن يؤدي هذا الإدراج الجديد للمهارات التقليدية لصناعة الساكي إلى زيادة الاهتمام الدولي باستخدام فطر كوجي لتخمير الكحول ما يعزز الطلب العالمي على نيهونشو والمشروبات اليابانية التقليدية الأخرى.
معنى غامض لكلمة ”ساكي“ على الصعيد الدولي
مع ارتفاع الطلب العالمي على الساكي، تزايد عدد منشآت التخمير التي تنتج أصنافها خارج اليابان. تتصدر الولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال القائمة في الوقت الحالي باحتوائها على 40 مصنعا، من إجمالي 60 مصنعا موجودا في جميع أنحاء العالم. يطلق خارج اليابان على مشروب نيهونشو والذي من المفترض أنه صنع في اليابان، أو سيشو وهو التسمية القانونية لهذا المشروب الذي يفتقر إلى مواصفات إقليمية، اسم ”ساكي“ نسبة إلى الكلمة اليابانية التي تعني ”مشروب كحولي“. وفي الخارج، يُطلق على سيشو والمشروبات المشابهة اسم ”ساكي“، لكن لا يوجد تعريف واضح لما تعنيه هذه الكلمة في الواقع. لذا يقوم الناس في الخارج بتقديم سيشو مع نكهات إضافية مثل عصير الفواكه ويطلقون عليه اسم ”ساكي“، ما يؤدي إلى حدوث التباس بشأن معنى المصطلح.
شهدت السنوات الأخيرة في اليابان ظهور شيء يُسمى ”الساكي الحرفي“ وهو مختلف عن سيشو التقليدي كما تعرفه وكالة الضرائب القومية. انضمت مصانع لساكي الحرفي معا لتشكل جمعية اليابان لمصانع الساكي الحرفي. تعرف الجمعية الساكي الحرفي على أنه ”نوع جديد من المشروبات الكحولية المصنوعة من الأرز، باستخدام تقنيات إنتاج تعتمد على طريقة صنع الساكي التقليدية ولكنها تتضمن أساليب غير مسموح استخدامها قانونيا في تخمير الساكي التقليدية”. من الناحية القانونية، يعني هذا أن الساكي الحرفي هو فئة مختلفة عن نيهونشو أو سيشو، والتي تُعرف بأنها مشروبات كحولية مصنوعة من الأرز وفطر كوجي الأرز والماء كمواد خام أساسية. ونظرا لأنه يتم تخميره بمكونات أخرى، فإنه يقع ضمن فئة ”مشروبات كحولية أخرى“. وقد تأثر هذا التطور بحقيقة أن وكالة الضرائب القومية لا تصدر حاليا تراخيص جديدة لصناعة الساكي، مستشهدة ببند في قانون ضريبة المشروبات الكحولية يتطلب الحفاظ على توازن بين العرض والطلب على المشروبات الكحولية من أجل الحفاظ على مستويات العائدات الضريبية من المشروبات الكحولية.
هذا يعني أن الوضع أصبح أكثر تعقيدا. حيث يسمى نيهونشو في الخارج بالاسم العام ”ساكي“، الذي يفتقر إلى تعريف عالمي واضح أو فهم مشترك، والمشروب المُنكه الذي يتم إنتاجه في الولايات المتحدة ويُفهم من قبل المستهلكين المحليين على أنه ساكي لا يتوافق مع التعريفات اليابانية لسيشو. وفي الوقت نفسه، هناك تزايد في منشآت التخمير في اليابان التي تنتج هذا النوع الجديد المحلي من ”الساكي الحرفي“.
تعريف واضح وصورة عالمية محسنّة
عند النظر إلى المشروبات الكحولية المشهورة عالميا مثل نبيذ بوردو وبورغندي والشمبانيا والبيرة الألمانية والويسكي الاسكتلندي، نلاحظ تاريخا من العلامات التجارية الشهيرة التي بنيت على أساس قواعد صارمة. ومن منظور متوسط إلى طويل الأجل، فإن بناء المشروبات الكحولية التقليدية اليابانية كعلامة تجارية عالمية سيتطلب موقفا و قيودا صارمة. أو ربما يمكن للمشروبات الكحولية التقليدية اليابانية أن تتبع مسارا مختلفا عن المشروبات الأخرى المعروفة دوليا وأن تحتضن مفهوم التبني والتكيف في جميع أنحاء العالم. وفي كلتا الحالتين، لتحويل هذه المشروبات التقليدية إلى مشروبات عالمية، يجب أن يكون لها تعريفات واضحة ومناقشات استراتيجية ومنهجية حول كيفية بناء صورة عالمية لها. لقد فات الأوان لمثل هذه المناقشات. من هذا المنظور، أنا مقتنع بأن إدراج مهارات صناعة الساكي التقليدية اليابانية على قائمة اليونسكو كتراث ثقافي غير مادي هو خطوة كبيرة نحو أن تأخذ مشروبات اليابان مكانتها في مجتمع الكحول العالمي.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: صانع ساكي يحرك أرزا مطهوا على البخار لصنع مهروس الأرز من أجل تخمير نيهونشو. تم التقاط الصورة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في مصنع إشيكاوا لصناعة الساكي في فوسّا بطوكيو. © رويترز)