تمثال مريم العذراء في اليابان دليل جديد على احترام اليابانيين لكل الأديان وإعلائهم مبدأ التسامح والاعتراف بالآخر

سياحة وسفر

جرت العادة على رؤية الأعمال الفنية المستوحاة من رموز الديانة المسيحية في دول الغرب، لكن الآن ستتسنى رؤية مثل هذه الأعمال في مدينة ميناميشيمبارا بمحافظة ناغازاكي باعتبارها موطناً للعديد من المواقع التاريخية المتعلقة بالمسيحيين الذين كانوا مختبئين في المنطقة. إذ من المخطط أن تصبح مدينة ميناميشيمبارا موطناً لأكبر تمثال خشبي منحوت للسيدة مريم العذراء، الذي أبدعه النحات المخضرم أوياماتسو إيجي لإحياء ذكرى المسيحيين الذين قُتلوا في تمرد شيمبارا في القرن السابع عشر.

مما لا شك فيه أن أروع المعالم الأثرية التي ترمز للديانة المسيحية موجودة في بلدان الغرب لكنها ليست حكراً عليها، ففي إحدى المناطق الريفية بمحافظة ناغازاكي سيتم وضع تمثال خشبي لمريم العذراء في هيئة Kannon (إلهة الطيبة والرحمة في الديانة البوذية) ويُطلق عليه مريم العذراء في قلعة هارا، يبلغ ارتفاع التمثال حوالي 10 أمتار وتم تصميمه بأسلوب azekurazukuri، وهو أحد الطرز المعمارية اليابانية التي تتميز باستخدام جذوع الكافور العملاقة المتشابكة التي تم حصادها بعد أن بلغت أعمارها 200 إلى 300 عام.

وفي سياق التعريف بالخلفية التاريخية والدينية لمدينة ميناميشيمبارا، تجدر الإشارة إلى أن تمرد شيمبارا قد استمر من أكتوبر/ تشرين الأول 1637 حتى فبراير/ شباط 1638 في الجزء الجنوبي من مدينة شيمبارا، ويعد أحد أكبر الانتفاضات الشعبية في تاريخ اليابان، فبالإضافة إلى كونه تمردًا قاده الفلاحون ضد الضرائب المجحفة التي فرضتها عشيرة ماتسوكورا، الأسرة المحلية الحاكمة في ذلك الوقت، كانت للتمرد أيضًا أسباب دينية وأسفر عن مقتل العديد من المسيحيين الذين شاركوا فيه للتعبير عن غضبهم من اضطهاد شوغونية توكوغاوا لهم.

كانت قلعة هارا آخر معقل للمتمردين، وهناك تعرضوا لحصار متكرر حيث تحصّن السكان المحليون تحت قيادة المسيحي أماكوسا شيري البالغ من العمر 16 عامًا، ويقال إن حوالي 37 ألف من المتمردين وجنود الشوغون قُتلوا في موقع القلعة.

بعد القضاء على التمرد، دمّر الشوغون حصن القلعة بالكامل حتى آخر حجر. وعندما بدأ التنقيب في عام 1990، تم العثور على العديد من العظام البشرية في الموقع، إلى جانب صلبان وميداليات ومسابح.

أطلال قلعة هارا المُدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي يمكن رؤيتها من موقع تمثال مريم العذراء.
أطلال قلعة هارا المُدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي يمكن رؤيتها من موقع تمثال مريم العذراء.

وُلد أوياماتسو إيجي في ريوتسو (الآن سادو) بمحافظة نيغاتا في عام 1934 ونشأ كمسيحي كاثوليكي، ويعيش الآن في فوجيساوا بمحافظة كاناغاوا. هو عضو في منظمة Nitten (معرض الفنون الجميلة اليابانية) وحاصل على أعلى وسام في الأمة في الفنون الجميلة عام 2011. في عام 1981، قدم أوياماتسو للبابا يوحنا بولس الثاني، الذي كان يزور اليابان، تمثالاً صغيراً لمريم العذراء في هيئة Kannon (إلهة الطيبة والرحمة في الديانة البوذية). في الوقت نفسه، قرر أوياماتسو نحت نسخة عملاقة من نفس التمثال على نفقته الخاصة إهداءً منه لأرواح ضحايا معركة شيمبارا.

في الأصل، كان أوياماتسو ينتوي إهداء التمثال لمدينة ميناميشيمبارا، لكن في عام 2015 اعترض السكان المحليون بحجة أن هدية كهذه من شأنها أن تنتهك مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة. بعد ذلك، أنشأت مجموعة من المتطوعين المحليين جمعية المواطنين للحفاظ على التراث العالمي في ميناميشيمبارا، والتي بدأت في جمع التمويل الجماعي بالإضافة إلى جهودها لجمع التبرعات التقليدية بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من التبرعات، وبدأت أيضًا العمل على إنشاء مبنى لوضع التمثال فيه. وفي يوليو/ تموز 2022 تم نقل التمثال على شكل قطع من استوديو الفنان الموجود في فوجيساوا إلى الموقع.

يقول أوياماتسو، ”لأني نحات أعشق مهنتي، فحتى عندما كنت أفتقر إلى المال ولم يكن هناك أحد يهتم بأعمالي، لم أفقد الأمل للحظة ولم أتخلى عن إزميلي، وكنت أدعو الرب أن يمنحني الفرصة المناسبة التي يمكنني تكريس حياتي لها وإطلاق إبداعاتي فيها. لقد كان الحصول على مباركة البابا يوحنا بولس الثاني دافعًا كبيرًا لي، وأصبح همي الوحيد هو صنع تحفة فنية وإهداؤها إلى ضحايا معركة شيمبارا لتكون خلاصًا لأرواحهم المهملة“.

في ذلك الوقت، كان الفنان يضع اللمسات الأخيرة على التمثال بهدف استكماله في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول أو أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني.

وللاستفادة من مكانة الموقع الشهيرة، تخطط جمعية المواطنين للحفاظ على التراث العالمي في ميناميشيمبارا لاستخدام مبنى التمثال كمركز لتنشيط الاقتصاد المحلي ومكان للتفاعل بين السكان المحليين والسياح.

”نحن نهدف إلى الترويج للتخصصات المحلية، واستضافة الأحداث الفنية والموسيقية، فضلاً عن جعل هذا المكان مليئًا بالابتسامات على الدوام. نريد له أن يكون رمزًا لميناميشيمبارا يفخر به الأطفال المحليون“، كما يقول المتحدث.

تم نقل التمثال من استوديو الفنان الموجود في فوجيساوا على شكل قطع وأعيد تجميعه في هذه الحاوية المصممة لهذا الغرض، ولم يتبقى سوى أن يتم طلاؤه.
تم نقل التمثال من استوديو الفنان الموجود في فوجيساوا على شكل قطع وأعيد تجميعه في هذه الحاوية المصممة لهذا الغرض، ولم يتبقى سوى أن يتم طلاؤه.

أوياماتسو إيجي النحات المبدع الذي صنع التمثال (ناحية اليمين) مع إيشيكاوا يوشينوري عضو جمعية المواطنين للحفاظ على التراث العالمي في ميناميشيمبارا.
أوياماتسو إيجي النحات المبدع الذي صنع التمثال (ناحية اليمين) مع إيشيكاوا يوشينوري عضو جمعية المواطنين للحفاظ على التراث العالمي في ميناميشيمبارا.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: لقد عمل أوياماتسو على هذا المشروع بإخلاص وإيمان منقطع النظير. جميع الصور إهداء من جمعية المواطنين للحفاظ على التراث العالمي في ميناميشيمبارا. تم إعداد التقارير بواسطة Nippon.com)

السياسة الفن التقليدي الفن فن الخط الفنون القتالية اقتصاد