كيف استطاعت تويوتا التغلب على أزمة نقص الرقائق الإلكترونية التي ضربت عالم السيارات؟

اقتصاد

طوكيو (رويترز)- ربما كانت تويوتا رائدة في استراتيجية التصنيع في الوقت المناسب، لكن عندما يتعلق الأمر بالرقائق، فإن قرارها بتخزين ما أصبح مكونات رئيسية في صناعة السيارات يعود إلى عقد من الزمن عندما وقعت كارثة فوكوشيما.

بعد الكارثة التي قطعت سلاسل التوريد لشركة تويوتا في 11 مارس/ آذار عام 2011، أدركت أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم أن المهلة الزمنية لتوريد أشباه الموصلات كانت طويلة جدًا في حالة وقوع الصدمات المدمرة مثل الكوارث الطبيعية.

وهذا هو السبب في أن تويوتا توصلت إلى خطة استمرارية الأعمال (BCP) التي تطلب من الموردين تخزين ما قيمته من شهرين إلى 6 أشهر من الرقائق لحسابها، اعتمادًا على الوقت الذي يستغرقه الأمر بين تنفيذ الطلب إلى التسليم، حسبما صرحت أربعة مصادر مطلعة على الأمر.

وقالت المصادر إن هذا هو السبب في أن تويوتا حتى الآن لم تتأثر إلى حد كبير بأزمة النقص العالمي في أشباه الموصلات بعد زيادة الطلب على السلع الكهربائية في ظل عمليات الإغلاق الناجمة عن جائحة كورونا، وهو الأمر الذي أجبر العديد من شركات صناعة السيارات المنافسة على تعليق عمليات الإنتاج.

قال شخص مطلع بشؤون شركة هارمان إنترنتاشيونال المتخصصة في أنظمة الصوت وشاشات العرض للسيارات والتقنيات المساعدة للقيادة ”كانت تويوتا، على حد علمنا، صانع السيارات الوحيد المجهز بشكل مناسب للتعامل مع نقص الرقائق“.

كما تحدث لرويترز اثنان من المصادر من مهندسي تويوتا والآخر من شركات تعمل في مجال الرقائق.

وفاجأت تويوتا المنافسين والمستثمرين الشهر الماضي عندما قالت إن إنتاجها لن يتأثر بشكل كبير بسبب نقص الرقائق حتى مع إجبار فولكس فاجن وجنرال موتورز وفورد وهوندا وستيلانتس، من بين آخرين، على إبطاء أو تعليق الإنتاج جزئيًا.

وفي غضون ذلك، رفعت تويوتا حجم إنتاجها من السيارات للسنة المالية المنتهية هذا الشهر ورفعت توقعات أرباحها للعام بأكمله بنسبة 54٪.

الحل الكلاسيكي لطريقة تصنيع تويوتا

قال المصدر المطلع على شؤون شركة هارمان إن الشركة، وهي جزء من سامسونغ إليكترونيكس الكورية الجنوبية، كانت تعاني من نقص في وحدات المعالجة المركزية (CPUs) والدوائر المتكاملة لإدارة الطاقة في وقت مبكر من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.

وبينما لا تصنع شركة هارمان الرقائق، لكن نظرًا لاتفاقها المستمر مع تويوتا، فقد اضطرت إلى إعطاء الأولوية لها والتأكد من أن لديها ما يكفي من أشباه الموصلات للحفاظ على إمدادات أنظمتها الرقمية لمدة أربعة أشهر أو أكثر، بحسب المصدر.

وقالت المصادر الأربعة لرويترز إن الرقائق التي تعاني نقصًا في المعروض الآن هي وحدات التحكم الدقيقة(MCUs) تتحكم في مجموعة من الوظائف مثل الكبح والتسارع والتوجيه والاشتعال والاحتراق ومقاييس ضغط الإطارات وأجهزة استشعار المطر.

ومع ذلك، غيرت تويوتا الطريقة التي تشتري بها وحدات التحكم الدقيقة(MCUs) والرقائق الدقيقة الأخرى بعد زلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011، الذي تسبب في تسونامي قتل أكثر من 22 ألف شخص وتسبب في انهيار مميت في محطة الطاقة النووية في فوكوشيما.

وفي أعقاب زلزال شرق اليابان الكبير، قدرت شركة تويوتا أن مشترياتها من أكثر من 1200 قطعة ومواد قد تتأثر، ووضعت قائمة تتكون من 500 عنصر ذي أولوية ستحتاج إلى توفير إمداد آمن في المستقبل، بما في ذلك أشباه الموصلات التي صنعها مورد الرقائق الياباني الرئيسي، رينيساس إليكترونيكس.

وكانت تداعيات الكارثة شديدة لدرجة أن شركة تويوتا استغرقت ستة أشهر لإعادة الإنتاج خارج اليابان إلى مستوياته الطبيعية، بعد أن فعلت ذلك في الداخل قبل شهرين.

ولقد كانت صدمة كبيرة لاستراتيجية تويوتا الخاصة بالتصنيع في الوقت المناسب، لأن التدفق السلس للمكونات من الموردين إلى المصانع ثم إلى خطوط التجميع، بالإضافة إلى المخزونات الهزيلة، كان أمرًا محوريًا لظهورها كشركة رائدة في الصناعة من حيث الكفاءة والجودة.

وفي الوقت الذي أصبحت فيه مخاطر سلسلة التوريد في على رأس الأولويات ومحور الاهتمام في كل صناعة تقريبًا، تُظهر هذه الخطوة كيف كانت تويوتا مستعدة لفرض قواعدها عندما يتعلق الأمر بأشباه الموصلات، لتجني ثمار ذلك.

وقال متحدث باسم تويوتا إن أحد أهداف استراتيجيتها للمخزون الفعال هو أن تصبح مدركة لأوجه القصور والمخاطر في سلاسل التوريد، وتحديد الاختناقات الأكثر ضررًا المحتملة ومعرفة كيفية تجنبها.

قال: ”كانت خطة استمرارية الأعمال (BCP) بالنسبة لنا حلاً بسيطًا كلاسيكيًا“.

استراتيجية امتلاك المعرفة

وقالت المصادر إن تويوتا تدفع مقابل قيام موردي الرقائق بالتخزين من خلال إعادة جزء من تخفيضات التكلفة التي تطلبها منهم كل عام خلال دورة حياة أي طراز سيارات بموجب ما يسمى ببرامج خفض التكلفة السنوية.

وحدات التحكم الدقيقة (MCUs) التي غالبًا ما تجمع بين تقنيات متعددة ووحدات المعالجة المركزية وذاكرة فلاش وأجهزة أخرى، يتم الاحتفاظ بها لصالح تويوتا من قبل موردي قطع الغيار مثل دينسو، المملوكة جزئيًا لمجموعة تويوتا، وصانعي الرقائق مثل رينيساس، وتايوان سيميكوندكتار مانيفاكتيرينغ، وتجار الرقائق .

وقالت المصادر إنه في حين أن هناك أنواعًا مختلفة من وحدات التحكم الدقيقة (MCUs)، فإن تلك التي تعاني من نقص في المعروض الآن ليست رقائق متطورة ولكنها أكثر شيوعًا مع عقد أشباه الموصلات تتراوح من 28 إلى 40 نانومتر.

كما أن خطط استمرارية شركة تويوتا للرقائق قد خففت من تأثير الكوارث الطبيعية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ، مثل الأعاصير الشديدة والعواصف الممطرة التي غالبًا ما تسبب فيضانات وانهيارات أرضية في جميع أنحاء اليابان، بما في ذلك مركز التصنيع في منطقة كيوشو الجنوبية حيث تصنع شركة رينيساس أيضًا الرقائق.

وقال أحد المصادر المشاركة في توريد أشباه الموصلات، إن تويوتا والشركات التابعة لها أصبحت ”أكثر عداوة للمخاطر وحساسية“ لتأثير تغير المناخ. ولكن الكوارث الطبيعية ليست التهديد الوحيد في الأفق.

ويخشى صانعو السيارات من حدوث المزيد من الاضطرابات في إمدادات الرقائق بسبب زيادة الطلب حيث أصبحت السيارات أكثر رقمية وكهربائية، بالإضافة إلى التنافس الشرس على الرقائق بين كل من شركات تصنيع الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر إلى الطائرات وحتى الروبوتات الصناعية.

وقالت المصادر إن تويوتا لديها ميزة أخرى على بعض المنافسين عندما يتعلق الأمر بالرقائق بفضل سياستها طويلة الأمد لضمان فهمها لجميع التقنيات المستخدمة في سياراتها، بدلاً من الاعتماد على الموردين لتوفير ”المعارف الغامضة“.

وقال أحد المصادر، وهو مهندس بشركة تويوتا: ”هذا النهج الأساسي يميزنا عن غيرنا“.

” نلّم بتفاصيل التكنولوجيا من الداخل والخارج، بداية من أسباب العيوب في أشباه الموصلات وصولًا إلى التفاصيل العنيفة المحيطة بعمليات الإنتاج مثل الغازات والمواد الكيميائية التي تستخدمها لضمان سير العملية. إنه مستوى مختلف من المعرفة لا يمكن اكتسابه ببساطة إذا كنت تشتري تلك التقنيات فقط “.

هل نفقد السيطرة على الأمور؟

شهد استخدام أشباه الموصلات والتقنيات الرقمية انفجارًا من قبل شركات صناعة السيارات هذا القرن بفضل ظهور السيارات الهجينة والكهربائية بالكامل، فضلاً عن وظائف القيادة الذاتية والسيارة المتصلة بشبكات.

وتتطلب هذه الابتكارات المزيد من قوة الحوسبة وتستخدم جزئيًا فئة جديدة من أشباه الموصلات تسمى النظام على شريحة، أو SoC، والتي تجمع تقريبًا بين وحدات المعالجة المركزية المتعددة على لوحة منطقية واحدة.

وهذه التكنولوجيا جديدة للغاية ومتخصصة وقد ترك العديد من صانعي السيارات أمرها لموردي قطع الغيار الكبار لإدارة المخاطر.

ومع ذلك، تمشيا مع نهج غياب النقاط الغامضة، طورت تويوتا فهمًا داخليًا عميقًا لأشباه الموصلات للتحضير لإطلاق طراز بريوس الهجين الناجح في عام 1997.

وقبل سنوات، تصيدت تويوتا المواهب الهندسية من صناعة الرقائق وافتتحت مصنعًا لأشباه الموصلات في عام 1989 للمساعدة في تصميم وتصنيع وحدات التحكم الدقيقة (MCUs) المستخدمة للتحكم في أنظمة توليد القوة في طراز بريوس.

صممت تويوتا وصنعت وحدات التحكم الدقيقة (MCUs) الخاصة بها والرقائق الأخرى لمدة ثلاثة عقود حتى نقلت مصنعها لتصنيع الرقائق إلى دينسو في عام 2019 لتوحيد تشغيل الموردين.

وقالت المصادر الأربعة إن سعي تويوتا المبكر لتطوير فهم عميق لتصميم أشباه الموصلات وعمليات التصنيع كان سببًا رئيسيًا في تمكنها من تجنب التعرض لأزمة النقص، بالإضافة إلى عقود الاستمرارية.

ومع ذلك، قال اثنان من المصادر إنهما قلقان من أن صفقة دينسو قد تشير إلى أن تويوتا كانت مستعدة أخيرًا للتخلي عن نهج عدم نقاط غامضة في عملية التصنيع، على الرغم من أن المورد نفسه هو جزء من مجموعة تويوتا الأوسع.

وعلق أحد المصادر، ”لقد استطعنا اجتياز الأزمة بسلام هذه المرة، ولكن من يدري ما ينتظرنا في المستقبل؟“. ”ربما نفقد قبضتنا على التكنولوجيا باسم كفاءة التطوير التكنولوجي“.

(تقرير نوريهيكو شيروزو من بكين. تحرير ديفيد كلارك، النص الأصلي باللغة الإنكليزية، الترجمة من إعداد nippon.com)

طراز تويوتا كورولا سيدان الهجين الجديد معروضة في النسخة 89 من معرض جنيف الدولي للسيارات في جنيف، سويسرا، 5 مارس/ آذار عام 2019. رويترز / دينيس باليبوس.
طراز تويوتا كورولا سيدان الهجين الجديد معروضة في النسخة 89 من معرض جنيف الدولي للسيارات في جنيف، سويسرا، 5 مارس/ آذار عام 2019. رويترز / دينيس باليبوس.

رجل يسير بجوار شعار تويوتا في معرض طوكيو للسيارات في طوكيو، اليابان، 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. رويترز/ إدغار سو.
رجل يسير بجوار شعار تويوتا في معرض طوكيو للسيارات في طوكيو، اليابان، 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. رويترز/ إدغار سو.

 وصول سيارات تويوتا المستوردة على متن سفينة شحن في محطة خليج شينزن داشان في مقاطعة غوانغدونغ بالصين يوم 10 أبريل/ نيسان 2019. رويترز/ سترينجر.
وصول سيارات تويوتا المستوردة على متن سفينة شحن في محطة خليج شينزن داشان في مقاطعة غوانغدونغ بالصين يوم 10 أبريل/ نيسان 2019. رويترز/ سترينجر.

الرئيس الأمريكي جو بايدن يحمل شريحة أشباه الموصلات أثناء حديثه قبل التوقيع على أمر تنفيذي، يهدف إلى معالجة النقص العالمي في رقائق أشباه الموصلات، في غرفة الطعام بالبيت الأبيض في واشنطن، الولايات المتحدة، 24 فبراير/ شباط 2021. رويترز/ جوناثان إرنست.
الرئيس الأمريكي جو بايدن يحمل شريحة أشباه الموصلات أثناء حديثه قبل التوقيع على أمر تنفيذي، يهدف إلى معالجة النقص العالمي في رقائق أشباه الموصلات، في غرفة الطعام بالبيت الأبيض في واشنطن، الولايات المتحدة، 24 فبراير/ شباط 2021. رويترز/ جوناثان إرنست.

السيارات تويوتا الحزب الليبرالي الديمقراطي الحكومة اليابانية رويترز