كورونا يعيد بعض الموظفين المغتربين إلى أسرهم

مجتمع

طوكيو (رويترز) - بعد أربع سنوات قضاها في العمل والعيش بمفرده بعيدا عن عائلته وأصدقائه، حزم تسويوشي تاتيباياشي حقائبه في نهاية مارس/ آذار وعاد أخيرًا إلى زوجته وابنتيه.

تانشين فونين ”tanshin funin“ هو لقب يطلق على الموظفين أو العمال الذين يعملون ويعيشون بعيداً عن أسرهم بسبب ظروف العمل. ومثل مئات الآلاف من التانشين فونين الآخرين من ذوي الياقات البيضاء في اليابان، كان مهندس تكنولوجيا المعلومات تتيباياشي البالغ من العمر 44 عامًا منتدباً للعمل في أحد المدن البعيدة عن محل إقامة أسرته، ولم يكن يخطط للعودة إليهم قريبًا.

ولكن مع استمرار جائحة كوفيد-19، قررت شركة فوجيتسو إعادة موظفيها المنتدبين إلى مقار عملهم الأصلية، لتصبح واحدة من أولى الشركات الكبيرة في اليابان التي تقرر التمرد على نظم الإدارة والعمل المعمول بهما منذ زمن طويل.

يعد الانتداب الوظيفي شيئاً مألوفاً وسط الموظفين ذوي الياقات البيضاء، أو على الأقل أصبح كذلك منذ أن بدأت اليابان تتعافى من الدمار الذي لحق بها خلال الحرب العالمية الثانية، كما يعد خطوة ضرورية من أجل الترقي في السلم الوظيفي.

من منزله الذي يقع في فوكوكا على بعد ألف كيلومتر ”600 ميل“ من مقر عمله بالقرب من طوكيو قال تاتيباياشي للمسئولين في شركته ”إذا كان من الممكن مساعدتي، فمن فضلكم لا تنتدبوني للعمل بعيداً عن أسرتي مرة أخرى“. كان تاتيباياشي واحدًا من 4000 موظف مغترب يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وصناعة المعدات.

يقول مانابو موريكاوا مدير شؤون الموظفين في شركة فوجيتسو، إن التكنولوجيا جعلت العمل عن بُعد ممكنًا وإنهاء هذه الممارسة التي لا تحظى بالشعبية الكافية بين العاملين قد يساعد فوجيتسو على توظيف المزيد من العاملين في المستقبل.

يضيف موريكاوا: ”كان هناك جدالاً في الماضي حول أوضاع الموظفين الذين يعملون بعيدًا عن عائلاتهم، إلى إن جاء كوفيد-19 وقدم الفرصة للتغيير”.

شركة كالبي ”Calbee Inc“ صانعة الوجبات الخفيفة هي الأخرى غيرت هذه الممارسة، حتى وصل الأمر إلى أنها ألغت في العام الماضي معظم مهام الإنتداب.

وفي الشركات التي تحولت إلى نظام العمل من المنزل، أصبح الموظفين المغتربين قادرين على العودة إلى منازلهم والعمل من هناك. كما أن بعض الشركات، مثل شركة ميتسوبيشي القابضة للكيماويات وشركة كيرين القابضة صانعة المشروبات، قد تتحول إلى نظام العمل من المنزل بشكل دائم حتى بعد انتهاء الجائحة.

راسل رول المتحدث باسم شركة كيرين صرح في أحد المناسبات قائلاً ”هناك حالات يجب أن يعود فيها الموظفون إلى عائلاتهم“ مضيفًا أن إجراءات العمل من المنزل  ستستمر إلى أجل غير محدد.

كما أن المكتب الرئيسي الجديد لشركة ميتسوبيشي القابضة للكيماويات في طوكيو سيحتوي على مكاتب تكفي لـ 60٪ فقط من الموظفين المعينين هناك.

ومع ذلك، لكي يتغير النظام بأكمله فإن بعض الشركات والبنوك مثل مجموعة ميتسوبيشي يو إف جي المالية التي تحتاج إلى توظيف شبكات فروع واسعة النطاق، وكبرى الشركات المصنعة مثل شركة تويوتا موتور، سيكون عليها هي أيضاً التحول إلى نظام العمل من المنزل.

شيوري هاشيموتو المتحدثة باسم تويوتا صرحت قائلة ”من خلال تجربتنا يمكننا الاعتراف بأن التحول إلى نظام العمل من المنزل قد يكون خطوة إيجابية إذا تم توظيف الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، كما أنه يساعد على دعم التطور الوظيفي للعاملين“

وأضافت أن تويوتا مازالت تحتفظ ببعض مهام الانتداب الوظيفي، ولكنها أيضًا وسعت نظام العمل من المنزل ليشمل جميع الموظفين.

بينما نجد شركات أخرى مثل يو إف جي ما زالت تتمسك بنظام الانتداب الوظيفي، وهو ما دعا المتحدث الرسمي باسم الشركة إلى رفض التعليق على أحد الأسئلة التي وجهت إليه بخصوص مزايا هذا النظام.

مهام غير محببة

روتشيل كوب من شركة جابان إنتركولتشر كونسالتينغ ”Japan Interculture Consulting“ تقول ”إن الهدف من نقل الموظفين من فرع إلى أخر كل بضعة سنوات هو الاستفادة من المديرين ذوي الخبرات الواسعة، وأيضاً لضمان علاقات عمل نزيهة مع الموردين”.

تضيف كوب: ”بموجب قانون العمل الياباني، إذا كنت موظفًا دائمًا، فإن رفض النقل الوظيفي أو التعيين في وظيفة أخرى هو بمثابة الاستقالة من العمل. إنه أمر شائع وبديهي في اليابان“.

معظم الموظفين المغتربين رجال في منتصف العمر، لذا فهم يفضلون التنقل بمفردهم بدون عائلاتهم حتى لا يتسببون في زعزعة استقرار الحياة الأسرية للزوجة والأبناء.

اعتمادا على بيانات التعداد والمسوحات الحكومية، يقدر الباحثون في جامعة ريتسوميكان ”Ritsumeikan“ عدد الموظفين المغتربين بحوالي مليون موظف.

وفقًا لوزارة العمل، يحصل الموظف المغترب في المتوسط على بدل قدره 47000 ين ياباني ”432 دولار أمريكي“ شهريًا لتغطية تكاليف السكن.

في استطلاع نشرته صحيفة أساهي في فبراير/ شباط الماضي حول مدى أهمية مهام الانتداب الوظيفي، وصف أكثر من ثلثي الأشخاص الذين استجابوا للاستطلاع والبالغ عددهم 3131 فرد هذه المهام بأنها غير ضرورية، بينما قال 41 شخص فقط إنهم سعداء بهذه المهام.

”لكي تتم ترقيتك عليك قبول مهام الانتداب الوظيفي، على أن ذلك يعني أنك ستحرم من الاستمتاع برؤية أطفالك وهم يكبرون إمام عينيك”.

نشيغامي الذي يعمل في إحدى شركات تكنولوجيا المعلومات، انتقل بمفرده إلى طوكيو للعمل منذ ثلاث سنوات، وأعتاد على نشر مقاطع فيديو للعاملين الذين ينتقلون إلى العيش بمفردهم لأول مرة مع نصائح حول تأسيس شقق صغيرة والعيش بشكل اقتصادي.

العودة إلى منزل الأسرة

خلال فترة الأربع سنوات التي قضاها في يوكوهاما، كان تاتيباياشي يذهب لزيارة أسرته مرة كل شهرين، ولكن بدأت هذه المدة في الزيادة بسبب عمليات الإغلاق لمنع تفشي الوباء والتي أدت إلى تقييد حرية السفر. يقضي تاتيباياشي عطلات نهاية الأسبوع التي لا يكون فيها مع عائلته في العمل أو التسكع مع زملائه في فوجيتسو أو في لعب ألعاب الكمبيوتر.

لقد اختار العيش بمفرده لأنه اشترى للتو منزلاً في فوكوؤكا ولا يريد أن ينقل بناته اللواتي في سن السادسة والعاشرة إلى مدرسة جديدة، كما لا يريد أن يأخذهما بعيدًا عن بيت العائلة في فوكوؤكا.

في إصلاحات العمل الأخيرة التي تبنتها الحكومة اليابانية، تجاهلت إلى حد كبير مشكلة العمال المغتربين عن أسرهم، فبدلاً من ذلك ركزت الحكومة على الحد من ظاهرة الإفراط في العمل إلى الحد الذي يفضي إلى الموت، وذلك بعد ظهور عدة حالات وفاة بسبب هذه الظاهرة المعروفة باسم ”كاروشي“.

يعتقد تاتيباياشي أن الأمر سيستغرق شهرًا أو نحو ذلك حتى تعود حياته الأسرية إلى طبيعتها بعد عودته إلى العمل والعيش مع أسرته في فوكوكا.

يضيف ”أطفالي سعداء بذلك لأننا سنستطيع اللعب معًا، لكن زوجتي تقول إنها ستجد صعوبة في الاسترخاء إذا كنت متواجدًا في المنزل طوال الوقت”.

يرحب تاتيباياشي ومعظم موظفي فوجيتسو الآخرين بالعودة إلى أسرهم ونهاية فترة الانتداب الوظيفي، ولكن وفقًا لموريكاوا مدير شؤون الموظفين في الشركة، ربما قد يشكل ذلك مشكلة لعدد قليل من الموظفين الذين اعتادوا الأمر أكثر من اللازم.

حيث يقول بعض هؤلاء الموظفين ”لم يعد لأي منا مكان في منزله يمكنه العودة إليه“.

 

(بقلم تيم كيلي؛ شارك في التغطية ريتسكو أندو وتاكاشي أوميكاوا وماكي شيراكي ؛ تحرير ديفيد دولان ولينكولن فيست، النص الأصلي باللغة الإنكليزية، الترجمة من إعداد nippon.com)

موظفون عائدون إلى منازلهم عند غروب الشمس وسط تفشي فيروس كورونا، 9 يونيو/ حزيران 2020، طوكيو، اليابان. رويترز / ايسي كاتو.
موظفون عائدون إلى منازلهم عند غروب الشمس وسط تفشي فيروس كورونا، 9 يونيو/ حزيران 2020، طوكيو، اليابان. رويترز / ايسي كاتو.

موظفون يرتدون أقنعة واقية وهم يعملون داخل مكاتبهم في مبنى تجاري في طوكيو بعد تفشي فيروس كورونا، 27 نوفمبر /تشرين الثاني 2020، اليابان. كيم كيونغ هون/ ويترز.
موظفون يرتدون أقنعة واقية وهم يعملون داخل مكاتبهم في مبنى تجاري في طوكيو بعد تفشي فيروس كورونا، 27 نوفمبر /تشرين الثاني 2020، اليابان. كيم كيونغ هون/ ويترز.

موظف يسير مرتدياً قناعا واقيا أثناء تفشي فيروس كورونا، وفي الخلفية مباني بعض الشركات، 2 يونيو/ حزيران 2020، طوكيو، اليابان. الصورة في 2 يونيو/ حزيران 2020. رويترز/ إيسي كاتو.
موظف يسير مرتدياً قناعا واقيا أثناء تفشي فيروس كورونا، وفي الخلفية مباني بعض الشركات، 2 يونيو/ حزيران 2020، طوكيو، اليابان. الصورة في 2 يونيو/ حزيران 2020. رويترز/ إيسي كاتو.

الحزب الليبرالي الديمقراطي الشركات اليابانية الحكومة اليابانية رويترز