إدارة الأزمات في قطاع صناعة السيارات اليابانية

اقتصاد

تلقت العديد من الشركات اليابانية الصناعية ضربة موجعة وصدمة كبيرة بسبب كارثة زلزال شرق اليابان المدمر(١١مارس/ أذار٢٠١١). لكن فى ظل تلك الظروف الصعبة قامت شركة نيسان موتورز لتصنيع السيارات بجهود كبيرة حتى تقف وتستعيد توازنها مرة أخرى وهو ما نال إشادة وإعجاباً كبيراً من الدول الخارجية. تحدثنا مع السيد شيغا توشي يوكي عضو مجلس إلادارة عن نهج الشركة فى إدارة المخاطر واستراتيجية النمو فى مواجهة تلك المصاعب والعراقيل.

شيغا توشي يوكي SHIGA Toshiyuki

الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة نيسان موتورز لصناعة السيارات، ولد عام ١٩٥٣ في محافظة واكاياما. بعد تخرجه من جامعة محافظة أوساكا في عام ٧٦، إنضم لشركة نيسان لصناعة السيارات. عمل فى مجموعة متنوعة من الوظائف فى الشركة بما فى ذلك المدير العام لمكتب جاكرتا المقر الرئيسي لآسيا والمحيط الهادي، واستمر بالعمل كمدير لغرفة التخطيط ومدير عام لمكتب تنسيق التحالف، وفي عام ٢٠٠٠ أصبح نائب الرئيس ومدير العمليات. ومنذ عام ٢٠١٠ يترأس رابطة مصنعى السيارات باليابان.

الإستجابة السريعة تجاه كارثة زلزال شرق اليابان

لم تقتصر الأضرار الكبيرة لكارثة زلزال شرق اليابان التي وقعت في ١١ مارس/ آذار ٢٠١١ على قطاع صناعة السيارات فقط ولكنها امتدت لتشمل جميع القطاعات الصناعية في اليابان. وفي ظل ذلك تم تناول سرعة التفاعل مع الأحداث والاستجابة السريعة لشركة نيسان موتورز للسيارات من قبل الصحافة العالمية على نطاق واسع. فكيف كانت أولويات التحرك لهذه الشركة الرائدة إزاء هذه الكارثة التي تعد إمكانية حدوثها مرة واحدة فقط كل ألف عام؟

لقد ساهمت الخبرات العديدة قبل حدوث هذا الزلزال عن طريق التراكم المعرفي بشكل ملحوظ. فعندما وقع زلزال، وتعرض الموردينCOO تشوإتسوأوكي في ٢٠٠٧، كان قد مضى حوالي ٣ سنوات على إلتحاقي بالعمل في في مدينة كاشيوازاكي في محافظة نيجاتا لأضرار كبيرة، وتوقف إنتاج السيارات بالشركة. ومنذ ذلك الوقت، تم تقوية المباني وفقا للإجراءات المضادة للزلازل، واعتبرنا أننا قمنا بكل شئ يجب عمله على أكمل وجه، وتوقفت الإمداد من الموردين وأضحت التحضيرات غير كافية. وتم مساعدة الموردين عند وقوع الكارثة وفهمنا أنه يتوجب على مكتبنا الرئيسي إصدار تعليمات بشكل قوي لتأمين التحرك من موقع الشركة، ولذلك عملنا على بدء التدريبات الواقعية بالمركز الرئيسي لمكافحة الزلزال في أكتوبر/ تشرين الاول ٢٠٠٧.

في الواقع، تم نقل المقر الرئيسي للشركة إلى يوكوهاما وتم عمل أول تدريب عملي للتعامل مع الكوارث في ٢١ فبراير/ شباط ٢٠١٢  قبل أقل من ثلاثة أسابيع على وقوع زلزال ١١ مارس/ آذار. وفي الساعة ٢:٤٦ من ١١ مارس/ آذار، كنت في الدور الـحادي والعشرين بمبنى المقر الرئيسي للشركة. وصدرت الأوامر فورا بعمل المقر الرئيسي لمكافحة الكوارث، وبعد ثلاثين دقيقة كنت قد هبطت حتى الطابق الثامن، ولكن كان قد تم الإنتهاء من صف المكاتب ومعدات الهاتف وتحضير معدات الطوارئ تماما كالتدريب الذي تم قبل ثلاثة أسابيع. وبالنظر إلى هذه الظروف، لازلت أتذكر بوضوح حتى الأن إحساسي بأهمية الإستعداد للكوارث.

وأثناء التدريب الذي جرى في شهر فبراير/ شباط، كان قد تم توقع إستقبال حالات العالقين والعاجزين عن العودة إلى منازلهم، وقد أفادنا ذلك التدريب أيضا بشكل كبير. وفي يوم وقوع الزلزال، تم التفكير في أنه قد يكون من الضروري توفير الغذاء ليس فقط للموظفين ولكن أيضا للعاجزين عن العودة إلى منازلهم، لذلك تم طهى كل الأرز الموجود بالشركة، وتم عمل ١٨٠٠ قطعة أونجيري. بل وتم تجهيز أكثر من ٢٠٠٠ بطانية وتم إستخدامها من قبل العديد من الأفراد.

إذاً تم إتخاذ القرارات الصائبة بفضل الإستعدادات الجيدة؟

شيغا توشي يوكي: نعم.هناك ثلاثة أمور ضرورية فى مثل تلك اللحظات: الإستعدادات الجادة والتأهب ضدالكوارث، التدريب، والإستجابة السريعة قدر المستطاع عند وقوع الكوارث، هي عوامل هامة للغاية. لم تقتصر نتيجة هذه التدريبات اليومية على مبنى المقر الرئيسي فقط ولكن أيضا على مصنعى توتشيجي وإيواكي الذين تعرضا للكارثة. وفي المكاتب بالمواقع التي تعرضت للكارثة، سقطت سيور الحركة من السقف، وإنهارت قبة المسبك. ومع ذلك لم تقع حالة إصابة واحدة، ونستطيع القول أن ذلك كان ثمرة الجهد المضنى والإستعداد الدائم.

نيسان موتورز تعود للحياة

لقد سمعنا أن تقرير موديز في يوليو/ تموز ٢٠١١ قد رفع من درجة التصنيف للشركة بناء على هذا الموقف في إدارة الأزمات. نود أن تخبرنا مرة أخرى عن الأسباب وراء تلك القدرة الفائقة من الإستجابة العالية للكوارث.

أعتقد أن التدريب المتواصل ساهم بشكل كبير في التحركات الأولى. ولكن بعد ذلك في إطار عملية إعادة التأهيل، استوحينا بشكل كبير من طريقة الإدارة التي كانت جزء من (خطة إعادة بناء نيسان) التي اعتمدها كالوس جون عند تسلمه منصب مدير العمليات في عام ١٩٩٩.

عموما، هنالك مجهود من أجل تنشيط العمل بتجميع العمال من الأقسام المتعددة بصورة أفقية لتنشيط العمل بطريقة تسمى ”فريق الوظائف المتبادلة“ بشركة نيسان على الرغم من وجود تحرك رأسي من قسم الإنتاج في حالة حدوث كارثة بالمصنع ومن قسم المشتريات في حالة حدوث كارثة  للموردين. فلكل قسم من هذه الأقسام طريقة تفكير تقليدية لكل شئ، ولكن بوجود تبادل للوظائف، يتم خلق رؤية جديدة لديهم.

 لقد حددنا طريقة للعمل لدينا وقررنا اليات وقواعد للعمل يلتزم بها جميع العاملين ونطلق عليها تسمية ”طريقة نيسان“ وتركز هذه الوثيقة في المقام الأول على قبول الأفكار المتنوعة والمختلفة.

فعلى سبيل المثال، بعد وقوع الزلزال،عندما انهارت منشآت الموردين نتيجة للكارثة وأصبحوا غير قادرين على إنتاج قطع الغيار سارعت جميع الأقسام على التعاون للقيام بأعمال إعادة التأهيل. لذلك لم يقتصر العمل على قسم المشتريات فحسب بل شمل أفراد أقسام مختلفة كالإنتاج والصيانة. وأيضاً عندما تم إمدادنا بقطع الغيار من الشركات الأخرى، سارع قسم التطوير بعمل الإختبارات. وعندما حدث تأخير في إنتاج قطع الـ IC ولم نستطع تركيب أجهزة الملاحة على السيارات، عمل قسم التسويق جهده للإعتذار من الزبائن وشرح الوضع الطارئ. وبهذه الطريقة تعاون الجميع دون إلقاء اللوم والمسؤولية على بعضهم البعض.

 يبدأ قسم الأعمال بسرعة في الشرح للعملاء. فيتم خلق بيئة تتضافر بها قوى الجميع ويتم  تجنب الحجج التقليدية مثل ”لا يوجد قطع غيار“ أو ”في هذه الحالة، اذهب أنت لتشتري بنفسك“ أى أن ثقافة تبادل الوظائف التي أنشأتها شركة نيسان عام ١٩٩٩، أفادتها في أوقات الطوارئ.

أود أيضا أن أوضح تأثير موضوع آخر وهو ”المناطق المتبادلة“. فعند حدوث الزلزال، تعطل إنتاج المكونات في اليابان مما أدى إلى تعطل الإنتاج في المصانع بالدول الأخرى. لكنهّ، في حالتنا، تم تجاوز تلك المحنة بقدر ضئيل فعلا من تأثير تقليص الإنتاج في الخارج. فبعد الزلزال مباشرة، تجمع كل المسئولين من كل مصانع العالم من أمريكا، أوروبا، الصين، تايلاند وإندونيسيا وغيرها  في مراكز الإمداد والنقل لشركتنا في مرفأ هونموكو بكاناجاوا. وبلغ عدد هؤلاء المسئولين حوالي الـ ١٠٠ فرداً. وقام كل فرد من هؤلاء المسئولين من مختلف الجنسيات بالاطلاع على ظروف إعادة التأهيل للإنتاج في بلاده وتلك لإنتاج قطع الغيار والمكونات في اليابان، وتم التنسيق من أجل الوصول للطريقة الأكثر فاعلية لتوزيع قطع الغيار. وتقدموا الينا بأفكار من أجل تفادي خفض الإنتاج من خلال رؤى عالمية وفريق عمل تجاوز الأقاليم دون التنافس على العدد القليل المتاح من المكونات. إن التنوع أيضا هو حجر الزاوية في ”طريقة نيسان“ ولكن حدوث ذلك بشكل تلقائي على النحو المشار اليه أدهشني.

إدارة الأزمات

ما هى المتاعب التي واجهتكم حتى تمكنتم من ترسيخ ثقافة مفيدة للشركات تساعد في عبور الأزمات والكوارث ؟

أعتقد أن الأزمة الإدارية التي مرت بها شركة نيسان في عام ١٩٩٠تعد نقطة تحول كبيرة في هذا المجال. فمنذ الاندماج مع رينو في عام ١٩٩٩، تحسنت إدارة شركتنا بشكل كبير، ولكن مع الأزمة المالية في ٢٠٠٨، حلّت بنا أزمة جديدة. ولذلك اكتسب العاملون الخبرة بضرورة التعامل المركًزعلى تجاوز الأزمات.

وعند وقوع الزلزال هذه المرة، تعودنا على اعتماد الإجراءات المركزة. فعلى سبيل المثال، توقفت عمليات التطوير لمدة ثلاثة أشهر، وتقرر منع العمل ساعات إضافية في كل الشركة. وتم وقف أغلب المصاريف، وقمنا بالتحضير لمجابهة تدهور الأوضاع من خلال السيطرة على تدفق الأموال. وأعتقد أن فحوى الرسالة بأن التفاعل المركز والسريع قد إنتقل بسهولة للعاملين. ولم يكن هذا تحكماً ذاتياً في الإدارة بل كان قراراً للإدارة. وإزاء مثل هذه الإدارة للأزمات، شعرت بان العاملين أيضا قد استوعبوا المسألة برمتها والتزموا بها.

لقد كانت بمثابة بداية إدارة الأزمات بمثل هذا الشكل الحالي، ففي خضم عملنا في خطة الإحياء في حوالي عام ٢٠٠١. وبعد ذلك وعن طريق تكرار التجربة والخطأ، تم تحديد الأسباب الرئيسية للمخاطر المرتبطة بإستقرار الإدارة وتم عمل خريطة للمخاطر كما تم تفويض المدراء التنفيذيين بتحمل مسؤولية مجالات المخاطر كل على حدة بغية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنب ما قد ينجم عن ذلك.

وعند حدوث أى كارثة، يتجلى عمل منظومة إدارة المخاطر بشكل كبير في مواجهة التحديات المحيطة بالشركة. وكذلك أيضا في استراتيجية مخطط إعادة الإعمار للدولة بالنسبة لشركة نيسان وحتى في اطار السيارات الكهربائية، لا تسير الشركة وراء الشركات الأخرى ولكن تنتهج استراتيجيتها الخاصة بها وتتبناها للحصول على النتيجة. حيث كلما زادت التحديات الكبرى، كلما ظهرت الحاجة إلى إدارة مخاطر تتوقع كل شيء.

فعلى سبيل المثال، مع القلق من تراجع الاستثمارات بسبب الأزمات المتوقعة كنهاية الفقاعة الاقتصادية من النمو في الصين وأزمة اليورو، لا يمكن تحقيق النمو لو كان هناك مخاوف من هذا الوضع المتأزم. وأعتقد أن الاقتصادي الياباني واقعي في مثل تلك المواقف. لكن شركة نيسان، وحتى في ظل مثل هذه الظروف، تأخذ عدة مبادرات وتقوم باستراتيجيات في اتخاذ قرارات كهذي. وتعتبر خطة ”نيسان باور ٨٨“ التي تم الإعلان عنها في يونيو/ حزيران ٢٠١١ كخطة للإدارة على المدى المتوسط هي بمثابة موضوع جرئ وطموح جدا.

وبينما تعد إدارة المخاطر، وهى الأستعداد اليومي لمكافحة الكوارث والأزمات الاقتصادية ذات المستوى العالمي، فهي تعني أيضا الاستعداد من أجل الوصول إلى هذا الهدف من خلال ابتكار رؤى جريئة واستراتيجيات. وبالتالي أعتقد أن لعملية اعداد الخطط معنيان على نفس القدر من الاهمية.

قطاع صناعة السيارات ودعم الدولة

بينما كان تحرك شركة نيسان ”سريع، سريع“ فإنه على العكس تماماً كان تحرك الحكومة منذ وقوع الكارثة وحتى النهاية متأخراً ورد فعلها بطيء. وحتى عملية خفض استهلاك الكهرباء يبدو لى أن قطاع الصناعة أخذ زمام المبادرة من الحكومة.

تعتبر صناعة السيارات من الصناعات الرائدة باليابان، ولديها فضل فى مساندة باقي الصناعات اليابانية. ويعمل هذا القطاع مدركا أنه إذا لم يبذل أقصى مجهود لديه قد يتعرض الإقتصاد الياباني لأزمة حرجة.

وبالحديث بالأرقام وصلت إيرادات تصدير السيارات متضمنة قطع الغيار إلى حوالي ١٢ تريليون ين. والإستيراد الى حوالي ٦٠٠ بليون/مليار ين. ويساهم قطاع السيارات فقط في بفائض في الميزان التجاري يتجاوز ١١ تريليون ين، ، ويبلغ إجمالي التصدير حوالي ٦٧ تريليون ين والاستيراد حوالي ٦١ تريليون ين والربح حوالي ٦ تريليون ين، اما عند توقف تصدير السيارات سيتسبب ذلك في عجز كبير في الميزان التجاري للبلاد. ولكن للأسف اضطررنا لوقف الإنتاج بعد الزلزال مباشرة في أبريل/ نيسان ٢٠١١، وهو ما أثر بشكل كبيرعلى الاقتصاد الياباني. ومعنى ذلك أن حركة التجارة حين تسقط في العجز، تؤثرعلى الإدارة بشكل أو بآخر وكذلك على إصدار السندات. ولذلك فإن المسؤولية التي يضطلع بها قطاع صناعة السيارات كبيرة جدا.

حين تم تنفيذ خطط قطع التيارالكهربائي المنتظم بسبب نقص الطاقة الكهربائية، أصبح لزاماً علينا وقف الإنتاج، كانت الخطة الأصلية لدينا تقضى بزيادة الإنتاج بشكل تدريجي بداية من شهر يوليو/ تموز وأن نصل للعمل بكامل طاقتنا في الخريف القادم، وذلك حتى نمد يد العون للمناطق المنكوبة ومساعدة الاقتصاد الياباني الذي تضرر بشدة على التعافي، لكن وقفت خطط قطع التيار الكهربائي كحائل أمامنا للقيام بذلك. ومع ذلك لا يمكن أن أتسبب في انقطاع للتيارالكهربائي على نطاق واسع. وبما أن الكمية التي نستخدمها نحن في قطاع صناعة السيارات هى بالكمية الكبيرة خاصة يوميّ الخميس والجمعة والتي تبلغ فيها كمية الكهرباء المستخدمة أعلى مستوياتها. لذلك قررت تغيير الإجازة الأسبوعية في قطاع السيارات بالكامل.

وقد تم اتخاذ هذا القرار بناء على اعتقادنا بأن هذه الإجراءات هى المساهمة الإجتماعية الأكثر فاعلية، ولكن أكثر الأشياء المبهجة في الموضوع هوعندما سمعت مشاعر بعض العاملين الذين اجبروا على حياة صعبة بعد تغيير برامج إجازاتهم والأثر الذي ترتب على عائلاتهم جراء ذلك ولكن امتناني يعزى لقول كل واحد منهم؛ لقد كان الوضع صعبا ولكن إستطعنا مساعدة مجتمعنا. حيث شعر كل فرد من العاملين بمسؤوليته الاجتماعية وبأنه فعل الصواب رغم المعاناة التي أصابته.

أزمة الإرتفاع الكبيرفي قيمة الين 

بالإضافة إلى الإحساس بالقلق تجاه الطاقة، فإن إرتفاع قيمة الين وارتفاع أسعار الطاقة بشكل عام زادت من صعوبات قطاع الصناعة في اليابان اليوم. فكيف تنوون التعامل مع هذه الأزمة؟

أكثر الأزمات صعوبة، كان ارتفاع سعرالين مقابل الدولار. فمن الطبيعي انه مع قوة الدولة تصبح حياة الناس أكثر رفاهية وترتفع الأسعار وكذلك سعر صرف العملة. وبزيادة سعر الصرف، لا تقوم الصناعات كثيفة العمالة ذات القيمة المضافة المنخفضة نسبيا، وتهرب إلى الخارج. وبذلك تتجه حياة الدولة الفقيرة تدريجياً نحو الرفاهية. وعلى العكس تماماً تقوم الدول التي ازدادت رفاهية بالإسراف في الاستيراد ويظهر العجز في الميزان التجاري وينخفض سعر العملة. وبذلك تعود المنافسة ويمكن التصدير مرة أخرى. وأعتقد شخصيا أن الاقتصاد الشامل يقوم على هذه النظرية.

مع تقدم هذه الدورة، هناك تحول لا يمكن إنكاره نحو صنع منتجات ذات قيمة مضافة عالية. ليس هناك حاجة للخروج عن طريقنا لحماية الصناعات التي تقف وراء هذه العملية. في حين أن هناك بعض الصناعات التقليدية التي تستحق الحفاظ عليها حتى لو أنها ليست تنافسية، خاصة ونحن لسنا في حاجة إلى توسيع نطاق هذه الحماية للصناعات العادية أيضا. إذا حدث أن فقدت صناعة قدرتها التنافسية، وقوى السوق تدفع بها خارج الصورة. ثم نرى ولادة صناعات جديدة لتشكيل نواة للاقتصاد. هذه كلها مبادئ مفهومة جيدا في عالم الإقتصاد.

وبصفة عامة هذا النوع من التحول الصناعى يحدث مع مرورالوقت، وتجد الشركات الغير قادرة على المنافسة طريقها وتعود جديدة قوية. وبينما ينمو هذا التغير، تتطورالشركات من إنتاجيتها وتحسن من التقنيات الخاصة بها. لكن الإرتفاع الحاد لسعر صرف الين فى الوقت الحالى يقلب كل الموازين رأساً على عقب لما له من تأثير بالغ وقوى تصبح فيه المنافسة بالنسبة للشركات اليابانية أمر محال. فمن بين ١٢٠ مليون نسمة هم تعداد اليابان، يوجد حوالي ٥٤ مليون و٧٩٠ ألف عامل. من بينهم يوجد حوالي ١ من ٥ أى ١٠ مليون و٣٦٠ ألف عامل بقطاع الصناعة. إذا أختفى قطاع الصناعة هذا في اليابان، ما الذى سيؤل إليه مصير الـ ١٠ مليون و٣٦٠ ألف عامل؟

يوجد حالياً جدل دائر حول مصير قطاع الصناعة في ظل إرتفاع سعر الين، هل من الأفضل للشركات الإنتقال للعمل فى الخارج أو إتجاهها إلى الزراعة، الطب، الرعاية الصحية، ورعاية الأطفال، ولكني لا أعتقد أبدا إمكانية أن يعمل الـ ١٠ مليون و٣٦٠ ألف عامل جميعا في الزراعة، الطب، الرعاية، الصحية، ورعاية الأطفال. هناك ضرورة لإيجاد صناعات أخرى أساسية. ومن الممكن أن تكون تلك الصناعات هى الصناعات البيئية، صناعاة تكنولوجيا المعلومات. لكن في الوقت الحالي يعتمد هؤلاء على قطاع صناعة السيارات. ولا يمكن لشركات صناعة السيارات الهروب للخارج على الرغم من عدم وجود البديل الذي يحمل الراية من بعدها.

إذا قلت لي أن أعمل وأحاول البقاء فى ظل أن سعر الدولار يساوى ٥٠ ين، أستطيع القول بأنه يمكنني على الأرجح أن أجد وسيلة للقيام بذلك. ولكن حتى إذا استطاعت شركة نيسان موتورز البقاء واقفة على قدميها، ولكنها لن تصبح شركة نيسان موتورز اليابانية وأعتقد أنه يجب تجنب حدوث هذا بأي ثمن.

الشيء الوحيد الذي يقلقنى حقاً هوعدم مشاركة هذا الإحساس بالأزمة إزاء هذا الموقف الصعب الذى نحن فيه الأن. فلو إستمر إرتفاع سعر الين لخمسة سنوات أخرى، سيأتي اليوم على اليابان الذي ترى فيه صناعتها تهرب واحدة تلو الأخرى للخارج، عندما تصبح البيئة غير صالحة للصناعة هنا ماذا يمكن أن نفعل من أجل تقديم الدعم لبلد بهذا الحجم. لا أستطيع أن أتغلب على هذا الشعور بالقلق على مستقبلنا.

اليوم، بعد أن إستمعت إلى كلامك، أشعر كما لو أن قطاع صناعة السيارات هو مرآة تعكس حال اليابان. بناء على ذلك برأيك، ما هوسحر السيارات اليابانية أو ما الذي يجعلها مميزة.

أولا، متعة القيادة بمعنى توفير المتعة عند قيادة السيارة. وأيضا عدم إنبعاث عوادم غازات وحتى إذا خرجت فإن نسبة ثاني أكسيد الكربون قليلة جدا بها، الإعتناء الدقيق بالبيئة، وكذلك نستطيع القول أن السيارات اليابانية توفر درجة أمان عالية. وأيضا لا يجب إغفال أن الجودة اليابانية متفردة.

إذا هو الشعور بالسعادة عند استعمالكم سيارتنا. وأننا حين نقوم بتصنيعها نشعر بأنه علينا تصنيع السيارات بهذا الشكل.

(أجرى المقابلة هارانو جوجي

 المدير التنفيذي لمؤسسة نيبون للاتصالات، ١٧ نوفمبر/تشرين الثانى ٢٠١١، المصوركاواموتو سيا)

كارثة الزلزال الكبير في شرق اليابان هوندا السيارات نيسان تويوتا كارثة إعادة الإعمار