توكل كرمان من اليابان: العالم بأكمله لم يعط المرأة حقها !

سياسة مجتمع ثقافة

تشارك توكل كرمان التي يطلق عليها أم الثورة اليمنية والحائزة على جائزة نوبل للسلام في مؤتمر المرأة العالمي بطوكيو. وقد كان لنا فرصة لإجراء حوار معها حدثتنا فيه عن وجهة نظرها حول أوضاع حقوق المرأة في العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص.

توكل كرمان Tawakkol KARMAN

ولدت في ٧ فبراير/شباط ١٩٧٩ بمحافظة تعز، اليمن. كاتبة صحفية وناشطة سياسية ورئيسة منظمة صحفيات بلا قيود، وكانت قبل ذلك أديبة وشاعرة. أحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن. وهي ابنة القيادي الإخواني ووزير الشؤون القانونية الأسبق وعضو مجلس الشورى اليمني عبد السلام خالد كرمان. وفي ٢٠١١ فازت بجائزة نوبل للسلام كأول سيدة عربية تفوز بتلك الجائزة الرفيعة بالتقاسم مع إلين جونسون سيرليف وليما غبوي لنضالهن السلمي لحماية المرأة وحقها في المشاركة في صنع السلام. عضوة مجلس شورى (اللجنة المركزية) لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل تيار الإخوان المسلمون في اليمن.

عرفت بشجاعتها وجرأتها على قول الحق ومناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري، ومطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسية في البلد، وكذلك بعملية الإصلاح والتجديد الديني، كانت في طليعة الثوار الذين طالبوا بإسقاط نظام علي عبد الله صالح. وهي أول عربية تحصل على جائزة نوبل للسلام، تحدثنا اليها في طوكيو عن رؤيتها للمستقبل بالنسبة للمرأة وكيف يمكن أن تحصل على حقوقها كاملة. وكان اللقاء التالي.

الدعم العائلي القوي والعمل الصحفي

أنت تعملين الآن كصحفية في المجال الإعلامي وناشطة في مجال حقوق الأنسان، وفي نفس الوقت أم لأربعة أطفال، كيف توازنين بين العمل والأسرة؟توكل كرمان : في البداية أنا وعائلتي نؤمن بأن الأسرة هي عبارة عن شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة داخل المنزل، مثلها مثل الشراكة بين الرجل والمرأة في المجتمع والشأن العام. فأنا سعيدة بأسرتي المتعاونة وهو ما يساعدني حقا كثيرا في أدائي لمهامي وهذا أهم شيئ. ولم يكن هناك أي تعارض بين العمل ودوري كأم، خاصة أن زوجي شخص متعاون، وكذلك والداي متعاونا أيضا معي. فحينما أتغيب عن المنزل أو شيء معين من هذا القبيل فهم يقوموا بالدور في مكاني كونهم يشعروا بالمسؤولية تجاه هذا البلد، وبالتالي ليس هناك أي شعور حقيقي بالتقصير بقدر ما هو شعور قوي بضرورة دعمي ومساندتي في المهام التي أقوم بها.

بعد تخرجك من جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء وحصلت على بكالوريوس التجارة، ثم ماجستير في العلوم السياسية، ما الذي دفعك بعد ذلك للدخول مجال الصحافة والإعلام؟توكل كرمان : أنا أمارس العمل الصحفي منذ كنت في الثانوية العامة، حيث كنت أكتب مقالات صحفية على سبيل الهواية. فقد مارستها في المدرسة والجامعة، حيث كنت أكتب مقالات في صحيفة المدرسة ثم الجامعة بعد ذلك. ثم كتبت في الصحف والمواقع الإلكترونية، حيث كنت أول من يقوم بمهام صحفية عبر الإنترنت في اليمن. والمجال الصحفي في رأيي لا يتعارض مع أي مجال وليس العلوم السياسية أو إدارة الأعمال حتى مع الطب أو غيره من العلوم. فالصحافة هي حب للمعرفة، وهي مساندة لأي مجال آخر، وكثير من الصحفيين الكبار لم يدرسوا صحافة. فقد تعلمت العمل الصحفي عبر الممارسة، وأكثر مجال صحفي كنت أعمل فيه هو كتابة المقالات الصحفية أكثر من أي شيء آخر في المجال الإعلامي. واستطعت من خلال الصحافة القيام بأدوار كثيرة اقتصادية وسياسية، كما استطعت من خلالها الدفاع عن الحقوق والحريات ومكافحة الفساد وأعمل على صنع التحول الديمقراطي. فأنا بدأت عملي العام كصحفية ثم حقوقية وسياسية وأخيرا ثورية. وأعمل على تلك الميادين الأربعة في نفس الوقت.

كسر كل القيود التي تمنع حرية الرأي والتعبير

لقد قمت بتأسيس ”منظمة صحفيات بلا قيود“ التي ترأسيها حاليا، إلى ماذا ترمز كلمة "قيود" هنا؟توكل كرمان : هي تعنيها تماما بدون ”قيود“، حيث أنني قد أسست المنظمة في بيئة معادية للصحافة، هذه البيئة شهدت تدهور شديد في مجال حقوق الإنسان بشكل عام، ومجال حرية التعبير بشكل خاص. كان الصحفيون يعانون من الملاحقات الأمنية، الاعتقالات، الاعتداءات، كذلك كان هناك محاكم تنشأ خصيصاً لمحاكمة الصحفيين. كما كان هناك عملياً غلقاً للمؤسسات الصحفية ومصادرة الصحف. كما كان الإعلام المرئي والمسموع محتكراً فقط من قبل السلطة الحاكمة، فغير مسموح إلا لمؤسسات الدولة الرسمية فقط بامتلاكها والسيطرة عليها. وبالتالي كانت البيئة الصحفية جداً محاصرة، بالإضافة للبيئة الحقوقية التي كانت تعاني من انتهاكات شديدة، فكان هناك تدهور في الحقوق والحريات. من هنا فكرت كيف يمكن لنا أن نكسر كل تلك القيود التي تحيط بالصحافة، أولا لقدسية الصحافة نفسها وأهميتها، قدسية حرية التعبير، وحين أذكر حرية التعبير أعني هنا حرية التعبير عبر الصوت، الصورة، والكتابة. كذلك حرية التعبير عبر الحركة، الاعتصامات، التظاهرات، والتجمع السلمي.

ومن هنا جاءت الفكرة في إنشاء منظمة تعني وتقوم بحماية تلك الحقوق والحريات والدفاع عنها، وأن يكون اسمها من هذا المنطلق ومعبراً عن توجهها وروحها. وقد أطلقنا عليها ”منظمة صحفيات بلا حدود“ في البداية، لكن السلطة الحاكمة وقتها بقيادة علي عبدالله صالح منعتنا من ذلك وسحبت الترخيص الخاص بها عام ٢٠٠٥، كانت أول منظمة يتم سحب ترخيصها. ثم بناء على ذلك غيرنا الاسم إلى ”بلا قيود“ وأرغمنا نظام علي عبد الله صالح على الاعتراف به وبالمنظمة عن طريق الضغط عليه بالاعتصامات المحلية وكذلك الدعم الدولي، خاصة وأننا نؤمن بحرية تكوين منظمات المجتمع المدني وفقاً للدستور اليمني دون إذن أو شرط. لذلك فقد أصبحت منظمة صحفيات بلا قيود تعمل وفقاً لاسمها وهو كسر كل القيود التي تمنع حرية التعبير والقيود المفروضة على حقوق الإنسان، وكذلك التي تحيط بالمرأة. حيث أن للمرأة دوراً هاماً جداً في أن تقود تلك المسيرة، ليس بمعزل عن الرجل، ولكن معا كتفاً بكتف. وبالفعل فالمنظمة قدمت نموذجاً راقياً وإضافة قوية جداً في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات بشكل عام، وفي مجال الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

لقد حصلت عام ٢٠١١ على جائزة نوبل للسلام كأول سيدة يمنية وعربية تفوز بتلك الجائزة الرفيعة، هل يمكن أن تحدثينا عن التغيرات التى طرأت على حياتك ونشاطاتك سواء السياسية أو الحقوقية أو في مجال حقوق الإنسان بعد الفوز بالجائزة؟توكل كرمان : لقد أعطتني الجائزة قوة حقيقية في طريقة نضالي. هي أيضا أعطت القضية التى أؤمن بها والتى أناضل من أجلها دفعة قوية، وهذه القوة الإضافية التى حصلت عليها بفضل الجائزة جعلت صوتي مسموعاً أكثر. صحيح أن صوتي كان مسموعا أيضا قبل الجائزة، لكن الآن أصبح لصوتي صدى على الصعيد الدولي، وهو ما يعزز القضية التى أدافع عنها، وما أؤمن به من نضال وقضايا أعمل من أجلها، مثل العمل السلمي، الثورة السلمية، الدفاع عن الحقوق والحريات، قضايا مناصرة المظلومين في أي مكان على وجه الأرض، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وبالطبع وطني اليمن. هذا كان على الصعيد الشخصي، أما على الصعيد العام فقد كانت اعتراف من المجتمع الدولي بسلمية الثورة اليمنية، وبالاحترام الذي ناله الشباب ونالته المرأة اليمنية. فهذا التقدير أيضاً كان لمجتمع مثل المجتمع اليمني به ٧٠ مليون قطعة سلاح، لكنه ترك السلاح جانباً وخرج يهتف ”سلمية...سلمية“ أمام العنف وأدوات القمع التي كان يستخدمها علي عبدالله صالح، وبالتالي كان هذا اعترافا بسلمية ثورة مقدسة أحبها واحترمها العالم. إضافة إلى أنه يعني اعتراف بدور المرأة التي قادت الثورة اليمنية، وقادت ثورات الربيع العربي جميعا، وكذلك الشباب. وهو ما يعني أن العالم بدأ يسمع ويفكر من جديد بأن عليه أن ينحاز لصوت الشعوب، لصوت المظلومين، لصوت الشباب لأنهم المستقبل ومصلحة العالم معهم وليست مع الظلم والاستبداد.

المرأة العربية قادت ثورات الربيع العربي بكل ثقة واقتدار

هل يمكن أن نستمع لرأيك في اختلاف أوضاع المرأة في الوطن العربي عنه في الغرب واليابان، وكيف تقيمين ذلك من وجهة نظرك؟توكل كرمان : أنا أؤمن بأن العالم بأكمله لم يعط المرأة حقها. كم هو معدل وجود المرأة في صنع القرار، معدل النساء الرئيسات، معدل النساء وزيرات الخارجية، وزيرات الدفاع، وزيرات الاقتصاد، عضوات البرلمان، فقط بعض الدول استطاعت أن تنتصر نوعاً ما للمرأة. لكن بشكل عام المرأة مظلومة فعلاً في جميع دول العالم، لكن الظلم أكثر في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية والدول المحافظة. لقد حضرت مؤتمراً مهماً لوزراء الدفاع في ميونيخ وقت أن كانت هيلاري كلينتون وزيرة لخارجية الولايات المتحدة، ولم يتواجد من السيدات غيري أنا والسيدة كلينتون، فقلت لهم ”عرفت الآن لماذا عالمنا ملئ بالحروب والصراعات“ لأنه لا توجد نساء صانعات للسلام. فالظلم موجود لكن يتفاوت. في منطقتنا العربية يوجد توجه حقيقي نحو كسر هذا الظلم ليس عن طريق طلب الحقوق والحريات بقدر ما هو انتزاعها، وهذا ما تجسد تماما في دول الربيع العربي حينما خرجت المرأة قائدة للثورة بدون إذن من أحد، وحينما لحقها الرجال، فأقنعت نفسها أنها قائدة وقادرة على صناعة القرار، وقادرة على أن تخلص وطنها وأمتها من الظلم والاستبداد، بأنها تقودهم نحو الخلاص ونحو المستقبل. وبالفعل حين اقتنعت هي ووثقت بنفسها وثق بها مجتمعها وقدمها وقبل بها كقائدة للثورة. فالثورة هي أهم محطة أثبتت فيها المرأة العربية مشاركتها السياسية الناجحة وقدرتها على القيادة. الآن في الفترة الانتقالية يتفاوت الموضوع من دولة إلى أخرى، لكن الأمر في تحسن. فالمرأة موجودة في البرلمان والحكومة وممثلة بنسبة جيدة. لكن هل هذا ما نريده؟ بالطبع لا. فنحن نريد نسبة تتناسب مع حضورها القوي أثناء الثورة، كما نريد تقنين ودسترة تلك الحقوق.

هل يوجد سيدات قادرات على القيادة مثلك في اليمن وكم نسبتهم ؟توكل كرمان : نعم. فلدينا ٣٠٪ الآن من أعضاء لجنة صياغة دستور البلاد من السيدات، وكذلك ٣٠٪ من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر ١٠ أشهر هن سيدات. وهذا المؤتمر هو الذي قرر مستقبل اليمن بشكل كبير، فقد تحدثنا فيه عن الجانب الاقتصادي وعن بناء الدولة، العدالة الانتقالية، مكافحة الفساد والحكم الرشيد، التنمية وغيرها من النقاشات كانت المرأة حاضرة فيها وبقوة. المرأة توجد في الحكومة، فلدينا ٤ وزيرات الآن في اليمن. لذلك يمكننا القول بأن هناك تقدم لكن نريد أيضاً إشراك المرأة أكثر على الصعيد الدبلوماسي، وعلى صعيد المحافظات.

هل يوجد تواصل مع منظمات المجتمع المدني في دول عربية أخرى؟توكل كرمان : هناك تواصل بين منظمات المجتمع المدني بشكل عام، وهو مجتمع قوي لكن تختلف قوته من دولة إلى أخرى. وقد كان قويا بشكل أكبر قبل تفجر ثورات الربيع العربي، لكن بعد إسقاط الأنظمة المستبدة في دول الربيع العربي بدأ المجتمع المدني في التصدع وانقسم بين أنصار الثورة وبين أنصار الثورة المضادة التي تسعى بدورها إلى القضاء والإجهاز على مكتسبات ثورات الربيع العربي من قيم تعبر عن الحرية والكرامة والديمقراطية والسلمية. ونتيجة لذلك فقد ضعف المجتمع المدني، لكن إن شاء الله سيتعافى مع انتصار الثورة وقيمها على الثورة المضادة.

أحلم بتعاون مشترك بين اليابان واليمن يفتح الطريق أمام مستقبل

هل يمكن أن تحدثينا عن الفرق والاختلاف في تعريف ”حقوق المرأة“ بين الوطن العربي والغرب وكيف تنظرين إلى ذلك من وجهة نظرك؟توكل كرمان : أرى أن حقوق المرأة هي ذاتها حقوق الإنسان، أن تكون إنساناً كامل المواطنة من كل الأوجه المختلفة ولا ينقصها شيء، وليس لديها ما يجعلها مختلفة عن الرجل أو العكس. أنا أنادي بالمواطنة والحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة في المجتمع. وبالتالي ليس لدي تعريفاً محدداً لحقوق المرأة بمعزل عن تعريف حقوق الإنسان كاملاً. لكن في البلدان التي تعاني فيها المرأة من ظلم مزدوج وانتقاص في حقوقها فهناك تعريف خاص بها بما يجعلها مواطنة كاملة لها كامل الحقوق السياسية من ترشح وانتخاب وتعيين. نريد حق المرأة الاقتصادي، حقها في الملكية الكاملة، حقها في الميراث، نريد حقوقها الاجتماعية وأن تزاول أنشطتها بشكل عام. لذلك من المهم بمكان أن ننادي بمواطنة متساوية بين الرجل والمرأة.

كيف ترين زيارتك لليابان وانعقاد مؤتمر خاص للمرأة لأول مرة في آسيا؟توكل كرمان : أنا فخورة جداً وسعيدة بمعنى الكلمة بهذه الزيارة. فاليابان بالنسبة لنا هي روح السلام، روح العبقرية، روح الحب، وروح الحضارة. واليابان تعني لي شخصياً الكثير جداً، فقد ألغيت جدول أعمالي كاملاً من أجل زيارة اليابان، وأول دولة تستمر زيارتي لها أسبوعاً كاملاً، رغم أن زياراتي الخارجية دائما قصيرة جداً لا تتعدى ٣ أيام في أغلب الأحيان. اليابان بالنسبة لنا في اليمن نموذج يحتذي به، حيث استطاعت الخروج من الحروب والكوارث والفقر لتنطلق وتصبح دولة قوية ومسالمة علمتنا الكثير. وأتمنى أن نتعاون سوياً من أجل خير البلدين والإنسانية جمعاء. أحلم بأن نرسل الشباب والفتيات من اليمن ليتعلموا في اليابان بمنح دراسية، وأحلم بأن تزيد اليابان من دعمها لليمن في مجال التعليم وبناء المدارس، خاصة في المناطق الريفية. كما أتمنى أن تعود وكالة اليابان للتعاون الدولي JICA لممارسة أنشتطها في اليمن ودعم التعليم الذي يعد البوابة الرئيسية للتمكين السياسي للمرأة ومحاربة كافة الظواهر السلبية في المجتمع من زواج الفتيات القاصرات وغيره من التحديات الاجتماعية.

في النهاية هل لديك كلمة أو رسالة تودين إيصالها للمرأة اليابانية؟توكل كرمان : أحب أن أقول نحن نحبكم، وأننا قادرون على العمل سوياً من أجل بناء مجتمع وعالم ملئ بالحب والسلام واحترام الآخر بغض النظر عن ثقافته، لونه، دينه، جنسه، وعرقه. فأنا هنا أمد يدي لأخواتي وإخواني في اليابان من أجل مستقبل مشترك ومشرق يحقق الخير لليابان واليمن والإنسانية كلها.

(أجرى المقابلة ”هارانو جوجي“ المدير التنفيذي لـ nippon.com، بتاريخ ١٢ سبتمبر/أيلول ٢٠١٤، صورة العنوان لتوكل كرمان أثناء اللقاء، المصور: كوديرا كاي)

الربيع العربي حقوق الإنسان اليمن