الهندسة المعمارية للجميع: مقابلة مع بان شيغيرو الفائز بجائزة بريتزكر

مجتمع ثقافة

تسَّلمَ ”بان شيغيرو“ جائزة بريتزكر، عام ٢٠١٤ وهي واحدة من أكثر الجوائز المرموقة في مجال الهندسة المعمارية. وقد اكتسب ”بان“ شهرة دولية باعتباره صاحب فكرة الأبنية المؤقتة والقوية أيضاً المصنوعة من الأنابيب الورقية لإيواء ضحايا الكوارث واللاجئين. وفي مقابلة أُجريت مع nippon.com يتحدث بان عن أحدث مشاريعه ويشاركنا فلسفتها لإبداعية.

بان شيغيرو BAN Shigeru

مهندس معماري وأستاذ في جامعة كيوتو للفنون والتصميم. ولد في طوكيو عام ١٩٥٧. تخرج من كلية كوبر يونيون وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية. عمل لدى إيسوزاكي أرات اقبل أن يؤسس الاستوديو الخاص به. قام بتأسيس شبكة المهندسين المعماريين المتطوعين لمنظمة الإغاثة من الكوارث عام ١٩٩٥. عمل كمستشار لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، أستاذ الدراسات البيئة والمعلومات في جامعة كيئو، وأستاذ زائر في جامعة هارفارد، كلية الدراسات العليا للتصميم وجامعة كورنيل. ومن ضمن أعماله الرئيسية منزل الستائر الجدارية في طوكيو، والمنازل المصنوعة من الورق التي استخدمت كملاجئ بعد زلزال هانشين أواجي الكبير، كنيسة ورقية في كوبي، الجناح الخاص باليابان في معرض هانوفر ٢٠٠٠، مركز نيكولاس G. هايك في طوكيو، ومركز بومبيدو ميتز، وكاتدرائية الورق المقوى في كرايستشرش، نيوزيلندا. وتشمل الجوائز الميدالية الذهبية من الأكاديمية الفرنسية للهندسة المعمارية، وجائزة أرنولد W. برونر التذكارية في الهندسة المعمارية، وجائزة معهد اليابان للهندسة المعمارية، درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة ميونخ التقنية، وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي (درجة ضابط)، وجائزة أوغست بيريه، جائزة وزير الثقافة للفنون التشكيلية، الوسام الفرنسي للفنون والآداب (درجة قائد)، وجائزة بريتزكر للهندسة المعمارية.

الصحفي: أهنئك على الفوز بجائزة برتزكر للهندسة المعمارية عن عام ٢٠١٤.

بان شيغيرو: في الواقع كوني قد حصلت على جائزة كبرى، لن يُغَّير الكثير. فأنا لا أريد أن أتأثر بمثل هذه الأمور. حتى لو حصلت على بعض العروض الكبرى، فإنه ليس لديّ خطط للتوسع في مكتبي، ولا أريد أن أقبل مثل تلك العروض بسهولة وأَوَّدُ الاستمرار في العمل على نفس النطاق الضيق الذي مارست فيه عملي حتى الآن.

الصحفي: ما هو المفهوم بالنسبة لأحدث مشاريعك، وأقصد هنا متحف محافظة أويتا للفنون؟

بان: على الرغم من كونه متحفاً للفنون، إلا أنني لم أرد له أن يكون مكاناً يرتاده محبو الفن فقط، أو ”صندوقاً أسود“ يخفي ما يدور بداخله بل أردت أن أجعل منه مكاناً يرحب بالجميع، حيث يمكن لمن هم ليسوا بالضرورة مولعين بالفن الاستمتاع بوقتهم، وبحيث يمكن للمرء أيضاً أن ينظم جميع أنواع الأحداث. فمن وجهة نظري، لا ينبغي لمنشأة عامة أن تقتصر نشاطاتها على فئة معينة من الناس. ومع أخذ ذلك في الاعتبار فقد اخترت العمل على تصميم مفتوح.

متحف محافظة أويتا للفنون خلال النهار حيث الأبواب القابلة للطي أفقياً مفتوحة (أعلاه) وفي الليل حيث الأبواب القابلة للطي مغلقة (أدناه). (الحقوق محفوظة لمصوّر: هيرويوكي هيراي)

أما بالنسبة لمركز بومبيدو - ميتز الذي صممته عام ٢٠١٠ في فرنسا، فهو فرع لمركز جورج بومبيدو، وكان هدفي هو الاستفادة القصوى من المنظر التاريخي لمدينة ميتز والتأكيد في تصميمي على تلك المناطق المحيطة بها، ولكني اتبعت نهجاً مُعاكساً في أويتا حيث الهيكل المفتوح دون وجود حواجز مما يجعل الداخل مرئياً من الخارج ومرحباً بالزوار. إن دخول الناس إلى مبنى ذو تصميم مفتوح هو أمر أسهل بكثير من دخولهم إلى مبنى يتوجب عليهم دفع الباب.

وإضافةً إلى كون ذلك المتحف بناء مفتوحاً، فإنَّه مَرِنٌ أيضاً بما فيه الكفاية بحيث يُمكن استضافةَ فعالياتٍ أُخرى وذلك بخلاف المعارض الفنية المتنوعة. ولربما يرى المارة شيئاً مثيراً للاهتمام يحدث في الداخل فيقرروا الدخول. وجدير القول إن معظم متاحف الفنون التقليدية تشبه الصندوق الأسود بحيث لا يمكنك معرفة ما بداخلها حتى تدفع رسوم الدخول وتدخل إليها لقد أردت القيام بشيء مختلف تماما وتصميمَ منشأة تسمح للفعاليات والفنون بالإسهام في المجتمع.

الصحفي: هنالك أيضاً العديد من المباني في محافظة أويتا التي هي من تصميم معلمك الخاص، إيسوزاكي أراتا.

بان: لقد عملت فقط، في الاستوديو الخاص بـ إيسوزاكي لمدة عام واحد تقريباً لكِّني ومنذ أن كنت شاباً، قمت عدة مرات بزيارة مواقعه المعمارية في أويتا، وهي مواقع مقدسة بالنسبة لي. وقد كان من قبيل الصدفة أن تم اختياري لتصميم متحف أويتا، لكن وباعتباري كنت تلميذاً من تلاميذ إيسوزاكي فيما مضى، فإنني سعيد حقاً في أن تتاح لي الفرصة لتصميم مبنى هناك.

اللوائح تعيق العمارة اليابانية

الصحفي: ما هي وجهة نظرك حول الوضع الحالي للهندسة المعمارية اليابانية ؟

بان: لم يعد النشاط المعماري في اليابان مفتوحاً أمام التجريب سيما بعد تعديل لوائح البناء إلى الأسوأ، وذلك إثر فضيحة تزوير بيانات البناء التي تسبب فيها المهندس المعماري أنيها هيديتسوغو عام ٢٠٠٥. أما أنا فقد كنت حصلت بالفعل على موافقة وزارية بموجب المادة ٣٨ من قانون معايير البناء لصالح أبنيتي المصنوعة من الأنابيب الورقية، ولكنها تعد الآن غير سارية. حيث أن قواعد مقاومة الحريق للأبنية الخشبية شديدة الصرامة على نحو يبعث على السخرية ولعل مثل هذه الأنواع من اللوائح والقوانين تعمل على إعاقة التنمية.

وأنا شخصياً أسافر بين باريس وطوكيو مرة كل أسبوعين وأوَّدُ القول في هذا الصدد بأن طوكيو نظيفة الآن، ولكنها ليست جميلة مثل باريس. إلا أنَّ باريس جميلة لكنها فوضوية. ولطالما صممت المباني الفردية بشكل جمالي، فسوف تتألق المدينة، حتى لو لم تتبع خطة صارمة ومعلوم أنه من واجب المهندس المعماري أن يصمم مبانٍ جميلة.

الهندسة المعمارية لعامة الناس

الصحفي: إلى جانب مشاريعك الضخمة المتعلقة بالمتاحف وغيرها من المباني العامة، فقد اشتهرتم ايضاً بمشروع أبنية مصنوعة من أنابيب ورقية تم تكييفها بشكل خَلاّق لكي تلائم اشكالاً مختلفة من بيئة معيشية سيئة، مثل المناطق التي ضربتها الكوارث الكبرى ومخيمات اللاجئين. وهذا يعود إلى تصاميم لمخيمات اللاجئين الروانديين في التسعينيات تم اقتراحها من قٍبَلٍكُم ما هو نهجكم لهذا النوع من العمل؟

بان: بدأت نشاطي في رواندا عام ١٩٩٤ وفي عام ١٩٩٥، في أعقاب زلزال هانشين أواجي الكبير، أسست منظمة غير حكومية في اليابان وبدأت العمل في كوبي. وقد نفذت المنظمة مبادرات عديدة في المناطق المنكوبة في كل عام تقريباً منذ ذلك الحين.

وبعد أن أصبحت مهندساً معماريا بدا لي أن الناس في مهنتي لم يفعلوا لصالح المجتمع سوى القليل جدا إذ أن معظم عملنا في النهاية موجه للطبقة المميزة وعلى مَرِّ التاريخ، كانت وظيفة المهندس المعماري هي تحويل الأموال والسلطة غير المرئية للطبقة المميزة أي إلى شيء يتسنى للجميع رؤيته. ولهذا السبب تعاقد الأغنياء مع المهندسين المعماريين وشيدوا مباني جميلة ثم تغيرت الوظيفة بشكلٍ طفيف في هذا المعنى، وذلك بالرغم من ان التغير كان بأخذ منحاه بشكل تدريجي. في اوساط الطبقة المميزة

ومن المؤكد أن هناك حاجة لمبانٍ عامة رائعة وللآثار التي يمكن أن تصبح جزءاً من التراث العمراني. لكن عندما أتيحت لي الفرصة لاستخدام خبرتي ومعرفتي من أجل تصميم مباني للناس العاديين وللأشخاص الذين فقدوا منازلهم في الكوارث بدلاً من ان يكون ذلك لأعضاء الطبقة المميزة، دفعني للتفكير مليَّاً، ثم بدأت طوعاً بتوجيه خدماتي لدعم جهود الإغاثة من الكوارث.

وكما ذكرت، فإن َّهذا لا يعني أني أرى الهندسة المعمارية للطبقة المميزة شيئاً سيئا سيما وانني أعتقد أن الصروح المعمارية هي مهمة أيضاً، ولذلك فإني أفكر باستمرار في حياتي المهنية في أفضل السبل لتحقيق التوازن بين هذين الوجهين لعملي و نشاطي

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ٥ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٤ بناء على مقابلة أجراها هارانو جوجي، المدير التنفيذي لمؤسسة nippon.com مع المهندس بان شيغيرو. الترجمة من الإنكليزية.)

الهندسة المعمارية الكوارث