مصمم الطوابع البريدية تاماكي أكيرا: الطوابع تضفي نكهة خاصة للرسائل المكتوبة

ثقافة

لقد كان لظهور البريد الإلكتروني تأثيراً على الرسائل المكتوبة التي عرفت انخفاضاً كبيراً بسبب ذلك، رغم كون البريد يستغرق وقتاً حتى يصلك إلا أن له العديد من الفوائد التي لا يمكن الحصول عليها من خلال البريد الرقمي، مثل الشعور بالفرح الذي يجتاحك عند العثور على رسالة في صندوق البريد الخاص بك من صديق قديم. ولذلك قمنا بإجراء مقابلة مع السيد تاماكي أكيرا وهو واحد من بين مصممي الطوابع البريدية في اليابان والذين يبلغ عددهم ثمانية أشخاص فقط.

تاماكي أكيرا TAMAKI Akira

ولد تاماكي أكيرا عام 1968 بمحافظة مى، تم توظيفه عام 1991 في وزارة البريد والاتصالات كموظف تقني. قام بتصميم أكثر من 150 طابعاً بريدياً في 800 نسخة وطبع منها أكثر من 2.1 بليون قطعة بمبيعات تجاوزت 160 بليون ين ياباني. وقد قام بتصميم طوابع بمناسبة الذكري المئوية للبحوث الزراعية ’’عمله الأول عام 1993’’ وطوابع من أجل جمع التبرعات للزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان عام 2011، وطوابع للألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة لعام 2019 وأولمبياد طوكيو 2020.

لا يوجد رابط واضح بين الموضوعات المتنوعة الموجودة على الطوابع البريدية مثل الحلويات اليابانية التقليدية وعروض المسرح المعروفة بكابوكى الشهيرة وألعاب طوكيو 2020 ومطبوعات عصر ميجى الملونة عن طوكيو و يوكوهاما، وقمة أوساكا لمجموعة العشرين؛ ولكنها كلها تصميمات لطوابع تذكارية صادرة عن شركة بريد اليابان.

إن القدرة على رسم ما يرمز لليابان بشكل معقد ودقيق على قطعة صغيرة من الورق لا تتجاوز بضع السنتيمترات هو اختصاص مصممي الطوابع غير المعتاد، ويوجد ثمانية مختصين فقط في اليابان كلها. وتخطط مديرية بريد اليابان لإصدار 47 مجموعة من الطوابع التذكارية، حيث تضم ورقة واحدة 10 تصميمات مختلفة وهذا يعني أنه هناك مهام صعبة تقع على عاتقهم. وقد قمنا هنا بإجراء مقابلة مع المصمم الكبير تاماكي أكيرا لإلقاء الضوء على ما يقوم به المصمم يومياً.

المحاور: لماذا قررت أن تصبح مصمم طوابع؟

تاكامي أكيرا: لقد التحقت بوزارة البريد والاتصالات عام 1991 قبل خصخصتها، في البدء ومثل معظم طلاب مدرسة الفنون كنت أعتزم العثور على عمل كمصمم جرافيك أو في مجال الإعلان والدعاية، لكن أستاذي اقترح عليا التقديم على الوظيفة التي أعلنت عنها وزارة البريد. وكنت قد نجحت بعد اجراء امتحان الدخول، رغم أني لم أكن أحمل أي اهتمام خاص بالطوابع لألتحق بوزارة البريد لكني كنت قد قررت أن أترك هذه الوظيفة إن لم أجدها مثيرةً للاهتمام.

وكنت قد بدأت العمل بتبادل الطوابع الصادرة عن الدول الأعضاء في اتحاد البريد العالمي، حيث كان فرز الطوابع مهمة مخصصة للموظفين الجدد، ويتم إصدار هذه الطوابع في شكل لوحات عدة مرات في السنة، وخلال عملية تصنيفها لاحظت حجم الإمكانيات اللامحدودة التي يحتويها هذا الشيء الصغير. وجدير بالذكر أن اليابان بارعة في مجال الطوابع، لكني رغم ذلك كنت أشعر أن الطوابع اليابانية كانت أقل بكثير من الطوابع الأوربية من حيث التصميم واستخدام الألوان، لذلك أدركت أن مجال الطوابع في اليابان فسيح ويسمح بالخوض في آفاق جديدة وهذا ما جعلني أنهمك في عملي من أجل تحقيق ذلك.

المحاور: هل ظهرت أي مهام خاصة خلال مشوارك المهني؟

تاماكي: نعم ويتعلق الأمر بالطوابع التي كان سعر شرائها يتضمن تبرعات من أجل الزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان عام 2011، حيث تم اتخاذ قرار إصدار هذه الطوابع بعد أيام فقط من الكارثة وكنا مطالبين بإنهاء التصميمات في غضون أسبوع بينما كانت تستغرق العملية عادة بين شهرين إلى ثلاثة أشهر.

بطبيعة الحال يجد المصممون صعوبة في إلغاء ذواتهم أثناء عملية التصميم حتى وإن كانوا موظفين لدى الشركات، لأنهم يعملون من أجل عكس صورتهم سواءً كانت هادئة أو مثيرة، ولكن خلال هذه المناسبة أدركت أن هذه الأمور ليس لها الأولوية الآن؛ فقد كان هدفي هو المساهمة بأي طريقة في زيادة مبيعات الطوابع البريدية وعمل أي شيء من شأنه أن يساعد في جمع مزيد من المال لدعم جهود الإغاثة، لذلك لم أتردد لحظة في تجاهل وتخطي رغباتي واهتماماتي، لقد كنت أشعر بالرضا لمجرد مشاركتي بطريقة ما في جمع التبرعات من خلال عملي كمصمم.

طوابع تتضمن تبرعات من أجل إعادة الإعمار بعد الزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان صممت من طرف تاماكي أكيرا، أصدرت في جوان 2011
طوابع تتضمن تبرعات من أجل إعادة الإعمار بعد الزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان "صممت من طرف تاماكي أكيرا، أصدرت في جوان 2011".

المحاور: ما هو العمل الذي نال إعجابك أكثر من غيره من حيث جماله؟ 

تاماكي: لقد كان الأمر يتعلق بتصميم أسبوع جمع الطوابع البريدية لعام 2018 أين تم استخدام صورة إله الريح وإله الرعد من قبل تاواريا سوتاتسو، وتعود هذه الصور إلى بداية القرن السابع عشر أين تتضمن أحداثاً تعتبر من كنوز اليابان. ولقد حاولت وضع تصميم لا يتداخل مع جمال الصور الأصلية ولكنه يلبي متطلبات الطوابع

فمصمم الطوابع البريدية يشبه الطاهي، في بعض الحالات نبدأ العمل برسوم توضيحية خاصة تتوافق مع ما تجود به مخيلتنا، لكن عندما يتم تزويدنا بمكونات ذات جودة عالية فإنه يتوجب علينا أن نضع في الاعتبار كيفية ترتيب هذه المكونات من أجل إبراز نكهتها فالأمر يشبه عملية تحضير الساشيمي أين تكمن الأهمية في إبراز طازجة الأسماك.

أسبوع جمع الطوابع البريدية تصميم تاماكي أكيرا، أصدرت في أبريل/نسيان 2018
أسبوع جمع الطوابع البريدية "تصميم تاماكي أكيرا، أصدرت في أبريل/نسيان 2018".

المحاور: هل أصبح تصميم الطوابع البريدية أكثر متعة بعد خصخصة قطاع البريد؟

تاماكي: خلال سنوات العمل بالوزارة كان المصممون يٌعتبرون كحرفيين أو رسامين. ولم يكن ذلك يعني أننا غير مهتمين بالزبائن، لكنني لم أكن على دراية بمفاهيم التكلفة أو نسبة الربح، على العكس من الآن فالموقف مختلف تماماً إذ أن زيادة الأرباح هي أحد أهدافنا الأهم، فنحن نتعاون مع المخططين لرسم طوابع تروق للمستخدم مع مراعاة أهمية من نريد البيع له وكيفية ذلك.

في عام 2019 على سبيل المثال قمنا بإصدار طوابع للاحتفال بالمؤتمرات الدولية والاحتفالات السنوية وقمة مجموعة الـ 20 والذكرى السنوية الـ 150 للمسح الجغرافي الحديث، لكن لم يكن الجميع يعتقد بأن قمة الـ 20 التي ستعقد بأوساكا ستكون فرصة لبيع الطوابع البريدية، فشراء الطابع البريدي عادةً ما يكون نابعاً عن رغبة في إرفاقه بالمراسلات أو من أجل تجميعها بسبب جمالها. فنحن نؤمن بأن رسم طوابع جذابة يساهم بشكل كبير في زيادة المبيعات لأي مشروع على خلاف إصدار طوابع تذكارية من أجل الدعاية

قمة الـ 20 المنعقدة بأوساكا تصميم تاماكي أكيرا، أصدرت في 14 يونيو/حزيران 2019.
قمة الـ 20 المنعقدة بأوساكا تصميم تاماكي أكيرا، أصدرت في 14 يونيو/حزيران 2019.

إضافة إلى إصدار سلسلة من الطوابع "الحلويات" في فبراير/شباط 2019، وقد كانت السلسلة حقيقة تحمل الكثير من المتعة لصاحبها وللتذكير لم أكن أنا من رسمها.

لقد طلبنا من قسم التحرير في مجلة Style Magazine بروتوس اختيار عشرين محلاً تجارياً في طوكيو تتوفر على كعكات جذابة أو غيرها من الحلويات التي يريد الناس مشاركتها مع أصدقائهم، وقمنا باستخدامها في الطوابع الخاصة بنا. كما تعاونا مع بروتوس في الترويج لهذه السلسلة، بل وذهبنا إلى جذب اهتمام الناس على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. وقد كان لذلك تأثير على الناس من خلال رغبتهم في زيارة جميع تلك المحلات، وعلقوا على الأمر بأنهم "لا يستطيعون الانتظار لإرسال رسالة"، والمطالبة بسلسلة خاصة بمنطقة كانساي.

ملصق الحلويات والمرطبات في شكل مناسب، لا تحتاج إلى تبليلها من أجل إلصاقها ’’ تصميم يامادا ياسوكو، أصدرت في 01 فبراير/شباط 2019
ملصق الحلويات والمرطبات في شكل مناسب، لا تحتاج إلى تبليلها من أجل إلصاقها ’’ تصميم يامادا ياسوكو، أصدرت في 01 فبراير/شباط 2019

وجدير بالذكر أن البريد الإلكتروني أصبح ينافس البريد العادي، لذلك كان من المهم جداً توظيفه من أجل إثارة اهتمام الناس بالاتصالات التناظرية.

المحاور: هل تريد القول بأن وسائل التواصل الإلكترونية بدل أن تكون منافسة للبريد العادي قامت بمحاصرتها والتضييق عليها؟

تاماكي: إن وسائل التواصل الاجتماعي والإيميلات مناسبة أكثر وسهلة الاستعمال إضافة إلى كونها مجانية ولا تأخذ أي حيز عند استعمالها، على العكس من ذلك فإن الخطابات المكتوبة مكلفة نوعاً ما، إضافةً إلى أن الكتابة باليد تستغرق وقتاً كما تتطلب الذهاب إلى صندوق البريد من أجل إرسالها وهذا ما يدفعك للتساؤل لما يقدم الناس على كتابة الرسائل.

أعتقد أن السبب الرئيسي يكمن في ديمومتها، فعندما يكتب اليابانيون بطاقات رأس السنة عادة ما يقومون بتفقد بطاقات العام الماضي التي تلقوها، وقد يذكرك ذلك بأنك لم تكن على اتصال بشخص ما مؤخراً، أو الشعور بالحنين إلى أصدقاء المدرسة القدامى، أو أن تتعثر ببطاقة بريدية تعود إلى عقود مضت خلال قيامك بترتيب مكتبك فتستحضر ذكرياتك مع من أرسل لك تلك البطاقة؛ وهذا ما يفتقر إليه البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة وأن الأخيرة تتميز بالتدفق السريع والمتواصل للمستجدات وهذا ما لا يشجع على إعادة قراءة الأشياء القديمة، وبالمقارنة نجد أن الرسالة شيء ملموس يبقى معك لتكون جزءً من الذاكرة لذلك يمكن القول أن هذا النوع من وسائل الاتصال أثبت قوة ديمومته، بينما الأخرى لها تاريخ صلاحية.

كلامي هذا لا يعني تفضيل أحدهما على الآخر أو القول أن أحدهما جيد والآخر سيء لأن طبيعة التواصل لكل منهما مختلفة تماماً، بمعنى آخر الأمر يشبه القيام بمقارنة بين الطعام السريع والطعام العادي فالرسائل تعتبر وسيلة تواصل بطيئة؛ صحيح أننا قلقون بشأن انخفاض حجم التعامل البريدي لكن الرسائل مازالت تلعب دوراً في مشاركة أشياء لا يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي توفيرها، أنا أومن أنه لا يزال هناك عدد معين من الناس يقدرون الأمر لذلك لا أعتقد أن الرسائل ستختفي في أي وقت قريب.

المحاور: هل تعتبر الطوابع البريدية مجرد لمسة جمالية؟

تاماكي: في اعتقادي أرى أن الطوابع تضفي نكهة أكثر من كونها ديكوراُ، هناك تشبيه جيد يمكن استخدامه هو أودن النودلز ’’معجنات يابانية’’ فهي طيبة كلما تم تتبيلها بالتوابل والبصل الأخضر أو الزنجبيل المبشور، فإضافة التوابل تعزز النكهة أو تغيرها. فكاتب الرسائل الماهر هو من يتمتع بمهارة في إعطاء نكهة مميزة للرسائل التي يكتبها؛ وعلى سبيل المثال كاختيار زخارف من الزهور التي تتناسب والفصل الذي تظهر فيه، أو رسومات كرتونية عندما يكن للمرسل إليه طفل بالبيت. فعندما تختار شيئاً يرمز إلى مسقط رأسك وأنت تكتب رسالة إلى صديق الطفولة فالأمر قد يحمل في طياته لهفة للقاء مرةً أخرى. لذلك تعتبر الطوابع وسيطاً يحمل معلومات وكلاماً صامتاً ويجسد دور المتحدث لرسالتك وهذا ما لا تتوفر عليه وسائل التواصل الاجتماعي

لقد اعتبرت الطوابع البريدية على مدار أعوام كسفراء مصغرين، حيث استطاعت تمثيل ثقافة بلدها وعاداته وفنونه وحتى جانبه الروحاني، كما أنها استخدمت زمن الحرب لتعزيز الروح الوطنية؛ ولكنني اليوم فرح لأننا نعيش في عصر يسمح للمصممين ممارسة قدر من المتعة أثناء الرسم وبالتالي عرض طوابع فيها الكثير من البهجة.

أتمنى أن يستخدم اليابانيون الطوابع البريدية أكثر في مراسلاتهم، كما أرغب في أن يطلع السياح الأجانب على طوابعنا البريدية والتي يمكن أن يتم اعتبارها كهدايا تذكارية خصوصاً وأنها تكلف أقل من 1000 ين لورقة من 10 طوابع، إذ يمكن للسياح اصطحابها إلى بلدانهم وعرضها أمام الأهل والأصدقاء عند الحديث عن اليابان، أو حتى وضعها في إطار لتكون كتذكار سار عن رحلتهم والوقت الممتع الذي قضوه في اليابان.

(النص الأصلي باللغة اليابانية في 9 أغسطس/آب 2019، الترجمة من الإنكليزية. صور الطوابع البريدية موفرة من طرف بريد اليابان)

الفن الفن المعاصر فن الخط