رحلة إلى جوهر المجتمع الياباني: حوار مع الدكتور عصام حمزة عن التحديث والفكر الياباني
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
المصريون شرقيون
يُعد الدكتور عصام رياض حمزة من طلاب الدفعة الأولى لقسم اللغة اليابانية وآدابها في جامعة القاهرة، والتي تلعب دورا مركزيا في تعليم اللغة اليابانية والدراسات اليابانية في العالم العربي.
في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1973 اندلعت حرب الشرق الأوسط الرابعة أو حرب أكتوبر كما يطلق عليها في مصر، وضربت ما تسمى بأزمة النفط الأولى اليابان التي تعتمد على الواردات في معظم احتياجاتها من الطاقة، بعد حظر النفط العربي، ووفقاً لأحكام الحظر تمّ فرض القيود على إنتاج النفط، والحظر التام على تصدير النفط إلى بعض البلدان الذي استهدف في البداية الولايات المتحدة وهولندا، ولكنه اشتمل لاحقاً على بعض الدول مثل: البرتغال وكندا واليابان والمملكة المتحدة وجنوب إفريقيا. فأرسل رئيس الوزراء الياباني تاناكا كاكوي نائبه ميكي تاكيو إلى دول الشرق الأوسط كمبعوث خاص للحكومة لنقل دعمه للدول العربية، ووعد بتقديم مساعدات اقتصادية وثقافية. وعلى خلفية ذلك تم تأسيس قسم اللغة اليابانية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة في شهر سبتمبر/أيلول من عام 1974. وعلى الرغم من السخرية من هذه الخطوة باعتبارها ”دبلوماسية تسول النفط“، إلا أنه تم إيفاد فريق من الأساتذة اللامعين من اليابان مثل أستاذ العلوم الإسلامية الشهير كورودا توشيو (توفي عام 2018)، وأستاذ الأدب العربي إيكيدا أوسامو، وأستاذ التاريخ ياماؤتشي ماسايوكي وغيرهم، الأمر الذي أدى إلى تجمع طلاب متميزين، وتخريج العديد من الباحثين في الدراسات اليابانية بما في ذلك الدكتور عصام.
”مع صعود القومية بسبب حرب أكتوبر/تشرين الأول، كانت مصر تكتسب زخما لإعادة البناء والتحديث على أيدي المصريين. والمصريون يعتبرون أنفسهم شرقيين، ولكنهم لا يعرفون الكثير عن الشرق. فعلى الرغم من أن مصر دولة شرقية، إلا أن الثقافة الغربية دخلت إليها تدريجيًا، وسار التغريب على قدم وساق. أفلا يجب أن نراجع هذا الوضع؟ لذلك اعتقدت أننا يجب أن نتعلم من الشرق. وكنت أعلم أن اليابان هي الدولة الوحيدة في الشرق التي نجحت في التحديث والتنافس مع الدول الغربية، لذلك بعد أن تم افتتاح قسم اللغة اليابانية وآدابها اعتقدت أنها ”فرصة ذهبية“ للقيام بذلك“.
”التحديث“ موضوع متداول حتى في الوقت الحالي
بعد التخرج من جامعة القاهرة، درس في اليابان لمدة 13 عاما، وتخصص في تاريخ الفكر الياباني في جامعة أوساكا، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب في عام 1991 عن رسالته بعنوان ”المفهوم الوطني الجديد لليابان الحديثة“. وهذه الرسالة عبارة عن تحفة فنية يتم فيها توضيح أفكار رجال الإمبراطور مثل فوجيتا توكو وأيزاوا سيشيساي وهما أعمدة ميتوغاكو (مدرسة للدراسات اليابانية والتاريخية اليابانية)، مع الأخذ بعين الاعتبار تسلسل الدراسات الوطنية من موتوؤري نوريناغا إلى هيراتا أتسوتاني، وبلغة يابانية راقية.
”قام ورثة فكر نهاية فترة الحكومة الإقطاعية (عصر إيدو) وبداية عصر النهضة (عصر ميجي) بداية من يوكوي شونان الذي دافع عن ”العلم التطبيقي“، قاموا بتحليل المكانة التي وُضعت فيها اليابان في تلك الفترة بهدوء، وتبنوا الحضارة الغربية المتقدمة. وفي تلك المرحلة، أجادت اليابان التكيف في الحقيقة. فعلى سبيل المثال، قام فوكوزاوا يوكيتشي بكتابة كتاب ”الشؤون الغربية“ استنادا إلى تجربته في السفر إلى الغرب، وذكر مزايا الثقافة الغربية، ولكنه قام بالتعريف بها بعد الأخذ بعين الاعتبار روح الكونفوشيوسية. ومع الحفاظ على الأشياء التقليدية، تكيفت اليابان مع الثقافة المتقدمة، وتولد أسلوب ياباني فريد من نوعه. وينطبق هذا أيضا على شيبوساوا إيئيتشي الذي كان مدركا تماما للحاجة إلى التحديث في فرنسا. إن الجمع بين تعاليم الكونفوشيوسية والرأسمالية هي فكرة رائعة“.
يقول الدكتور عصام إن بعثة إيواكورا كانت لا مثيل لها من حيث التعلم من الغرب. حيث غادرت البعثة التي يرأسها السفير إيواكورا تومومي ميناء يوكوهاما في عام 1871 (السنة الرابعة من عصر ميجي)، وعادت إلى اليابان بعد ذلك بعامين. وشارك ما مجموعه 107 أشخاص في البحث عن ”الشكل المستقبلي لليابان“ إلى جانب شخصيات بارزة ساهمت في نهضة ميجي مثل إيتو هيروبومي وشخصيات متميزة من الحكومة الجديدة. وقامت البعثة بزيارة اثنتي عشرة دولة من بينها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. وفي طريق عودتها عبرت قناة السويس المصرية، ومرت بسنغافورة وسايغون (هو تشي مينه في الوقت الحالي) وهونغ كونغ وشنغهاي، واستطاعت الاطلاع عن قرب على الأوضاع المأساوية التي تعيشها الدول الآسيوية التي يتم إنهاكها بشكل مستمر على يد القوى الغربية.
”قامت دولة صغيرة تتكون من الجزر في أقصى الشرق بتنظيم الشباب الذين سيقودون الجيل القادم في الحكومة الثورية، وانطلقوا في رحلة سبر أغوار الحضارة الغربية. وما كان مذهلا حولهم هو أنهم اعتقدوا أن الأمر سيستغرق ثلاثين عاما على الأقل حتى تلحق اليابان بركب الغرب. وقاموا بمراقبة المجتمع الغربي عن كثب، مع قيامهم على المدى الطويل باستيعاب الأشياء التي يجب تبنيها من أجل تحقيق التحديث. لذلك لم يتأثروا بشكل كامل، بل كانوا ينتقون المنافع الحقيقية. وأود أن أطلق على هذه الفكر اسم ”القومية البراغماتية (pragmatic nationalism)“. حيث كانوا يرسمون في ذلك الوقت سيناريو التحديث = التغريب على الطريقة اليابانية، وليس التحديث = التغريب“.
بدأ التحديث في اليابان بشكل جدي بعد نهضة ميجي (عام 1867)، ولكن في مصر تم تمهيد الطريق للتحديث على يد محمد علي الذي تم تعيينه كحاكم لمصر في عام 1805 بعد إيفاده كقائد للجيش العثماني هناك. إلا أن حفيده إسماعيل باشا الذي حاول مواصلة سياسة التحديث اقترض مبلغا كبيرا من المال من الدول الأجنبية، مما أدى إلى الانهيار المالي ووضع مصر تحت سيطرة الديون البريطانية والفرنسية. فلماذا نجحت اليابان في التحديث وفشلت مصر؟ يقول الأستاذ عصام إنه تم بالفعل إجراء الكثير من الأبحاث حول ”التحديث“، والذي حدث منذ أكثر من 150 عاما، ومن السهل الاعتقاد أنه موضوع قديم، ولكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.
”لا تزال كيفية التعامل مع الغرب قضية مهمة للمجتمعات غير الغربية، وهناك الكثير لنتعلمه من اليابان في ذلك الوقت حتى في هذه النقطة وحدها. فبدلا من التخلي عن تقاليدنا وثقافتنا واقتلاعها من جذورها، سنقوم بتبني أفضل النقاط فقط. وسياسة التحديث في اليابان تشبه القيام باختيار مفتاح البيانو الضروري لنا والعزف به، وليس القيام بالضغط على جميع المفاتيح“.
ويشير الأستاذ عصام إلى أن التعليم في عصر إيدو لعب دورا رئيسيا في تشكل مثل هذا الفكر لدى أعضاء حكومة ميجي الجديدة. حيث درس أبناء مقاتلي الساموراي في مدارس المقاطعات التي تديرها كل مقاطعة، والتي بلغت ما يقرب من ثلاثمئة مدرسة في جميع أنحاء البلاد. وهناك، تم وضع برامج لتحسين التعليم وتنمية الشخصية، وتم القيام بتعليم النخبة المتفوقة. ومن خلال مثل هذا التعليم الأخلاقي المتميز، تم إنشاء عدد كبير من الموارد البشرية ذات الطموح العالي، وقامت بقيادة حكومة ميجي الجديدة. فالقيام بتطوير الموارد البشرية الموهوبة التي يمكنها التفكير في الأمور بشكل صحيح هو أمر مهم على مر كل العصور.
الفكر الذي شكل العمود الفقري للمجتمع الياباني
في عام 2007، تولى الأستاذ عصام منصب رئيس قسم اللغة اليابانية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وبعد توليه منصب نائب عميد نفس الكلية وعميد كلية اللغة اليابانية وآدابها في جامعة قطر، تولى منصب مدير مركز الفنون الحرة والثقافة في ”الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST)“ في منطقة برج العرب بضواحي مدينة الإسكندرية منذ عام 2018. وجامعة E-JUST هي جامعة هندسية تم افتتاحها في عام 2010 بدعم من الحكومة اليابانية، ويتم إرسال محاضرين من 13 جامعة بما في ذلك معهد طوكيو للتكنولوجيا وجامعة كيوشو وجامعة واسيدا. وقامت بقبول عدد كبير من الطلاب الأجانب من الدول الإفريقية، وهي الآن مركز تعليمي وبحثي في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وفي قسم الدراسات العليا، تعتبر المحاضرات بأعداد قليلة وباللغة الإنجليزية أساسية، ولكن طلاب الكليات ملزمون بحضور دروس اللغة اليابانية. ومادة ”اللغة اليابانية“ للأستاذ عصام هي مادة إلزامية.
”في الدراسات اليابانية، نقوم بدراسة مجموعة واسعة من المجالات اليابانية مثل الفكر الذي يدعم التكنولوجيا والصناعة، والسياسة، والاقتصاد، والنظام الإداري، ونستكشف بشكل شامل ماهية الدولة اليابانية. وينصب التركيز على الروحانية التي تُعد العمود الفقري للمجتمع الياباني. فطبقة النخبة المصرية تكره التعرق والعمل، لكن اليابانيين مختلفون. فلماذا يا ترى؟ يعود ذلك إلى روح العمل لدى اليابانيين. ومن خلال الدراسات اليابانية، أود أن أنقل مثل هذه الأفكار إلى الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا“.
تراجع الحضور الياباني
يبلغ عدد سكان مصر أكثر من مئة مليون نسمة، 60% منهم من الشباب. ويبلغ مجموع عدد سكان دول الشرق الأوسط حوالي ستمئة مليون نسمة، لذلك فإن واحد من كل ستة منهم هو مصري. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل العديد من المصريين كمدرسين في دول الشرق الأوسط ولهم تأثير كبير على التعليم.
”أعتقد أن مهمتي هي جعل مصر ”قاعدة للمعرفة“، ونقل ماضي اليابان وحاضرها ومستقبلها إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. لذلك، أريد أن يهتم أكبر عدد ممكن من الطلاب باليابان. ويهتم الكثير من الطلاب باليابان من خلال الرسوم المتحركة والمانغا، لكن جاذبية اليابان لا تقتصر على ذلك. فهناك الكثير من الأشياء الأخرى مثل الأدب الكلاسيكي، والمنتجات الصناعية، والينابيع الساخنة، والطعام الياباني وغير ذلك. إلا أنه لم يتم التعريف بها بشكل جيد“
يشعر الدكتور عصام بعدم الرضا عن عدم معرفة اليابانيين الكبيرة بضعف الدعاية.
”إن الصينيين في الأساس هم من رجال الأعمال، لذلك فهم يحاولون نقل مدى جاذبية منتجاتهم. والبث الخارجي للتلفزيون الصيني المركزي (CCTV) مدروس جيدا، بدءا من كيفية اختيار المواضيع إلى جودة الصورة والإرسال. وبالمقارنة مع ذلك، فإن قناة NHK World مثيرة للشفقة. فعلى الرغم من أن البث يتم باللغة الإنجليزية، إلا أن المحتوى يبدو وكأنه موجه لليابانيين الذين يعيشون في الدول الأجنبية. وأعتقد أن من يقوم بإعداده هم موظفون غير مبالين بالبث إلى الدول الأجنبية. لذلك يجب القيام بدراسة أكبر حول تلفزيون CCTV“.
في الوقت الحالي، يتعلم حوالي أربعة ملايين شخص حول العالم اللغة اليابانية. وتحتل الدول الآسيوية 80% من هذا العدد، بينما تمثل دول الشرق الأوسط وأفريقيا أقل من 1%. ويتناقص عدد متعلمي اللغة اليابانية عاما بعد عام، ولا يمكن إنكار الشعور بالتناقص.
”لقد قامت الصين بإنشاء أكثر من 550 معهد كونفوشيوس حول العالم، وتركز على تعليم اللغة الصينية في الدول الأجنبية. وإذا استمر الأمر على هذا الحال، فلا مفر من ازدياد عدد الشباب الذين سيحاولون تعلم اللغة الصينية بدلا من اللغة اليابانية. وفي الآونة الأخيرة، يزداد عدد الباحثين الذين يقومون بكتابة أبحاث حول الدراسات اليابانية استنادا إلى المراجع المكتوبة باللغة الإنجليزية. وهذا الاتجاه آخذ في الازدياد في عصر الإنترنت، ولكنني أريد منهم الرجوع إلى المراجع المكتوبة باللغة اليابانية أيضا“.
”لماذا تعد الدراسات اليابانية مهمة؟ ذلك ليس لأنني أحب اليابان، بل لأنني أعتقد أن العالم سيكون أكثر ثراء إذا كانت لدينا قيم مختلفة. فالعالم الذي تهيمن عليه قيم بلد معين فقط هو أمر غير مرغوب فيه، لأن العالم قائم على قيم متنوعة. فكما فتح الساموراي باب التحديث الإستراتيجي الناجح للعالم، يجب على اليابان الالتزام بشكل فعال تجاه المجتمع الدولي. أفليس من الضروري إحداث ثغرة في المجتمع الياباني المغلق يا ترى؟“.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، تم إعداد وتحرير المقابلة من قبل كوندو هيساشي من nippon.com، التصوير: محمد أوسام. صورة العنوان الرئيسي: في ”مقهى ريش“ في القاهرة)
اللغة اليابانية الثقافة العلاقات المصرية اليابانية الثقافة التقليدية