مدير صحة الأونروا الياباني سيتا أكيهيرو يوجه نداء للعالم: لا تتجاهلوا الظلم الذي يعانيه أهل غزة!

سياسة

في ظل استمرار الصراع الدامي الذي اندلع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس في غزة، تتصاعد الأزمة الإنسانية في المنطقة المحاصرة يومًا بعد يوم. ومع مرور أحد عشر شهرًا على بدء القتال، يصبح من الصعب على العالم أن يتجاهل المعاناة التي يعيشها سكان غزة. في مقابلة مؤثرة مع سيتا أكيهيرو، مدير دائرة الصحة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يكشف عن التحديات الهائلة التي تواجهها فرق الإغاثة في تقديم المساعدات وسط أزمة خانقة. قال أكيهيرو: ”يجب على الناس حول العالم ألا يغضوا الطرف عن الظلم المتزايد في غزة“، محذرًا من تفاقم الأوضاع ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة. هذه المقابلة تأخذنا في جولة داخل أروقة العمل الإغاثي في غزة، حيث يحارب العاملون في الميدان من أجل إنقاذ الأرواح في ظل نقص حاد في الإمدادات الطبية والكهرباء، والتحديات التي يفرضها الحصار.

سيتا أكيهيرو SEITA Akihiro

مدير دائرة الصحة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). طبيب. وُلد في عام 1961. تخرج من جامعة كوتشي للطب (حاليًا كلية الطب في جامعة كوتشي). عمل في منظمة الصحة العالمية لمدة 15 عامًا تقريبًا منذ عام 1995، وكان مسؤولًا عن تدابير مكافحة السل والأمراض المعدية. يعمل في منصبه الحالي منذ عام 2010 في مقر وكالة الأونروا في العاصمة الأردنية عمان. من مؤلفاته ”سجن بلا سقف.. استمعوا لصوت غزة!“ (دار شوئيشا شينشو للنشر) وغيره.

فرار الناس إلى مراكز الإيواء

لقد دخلت إلى قطاع غزة في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب قادمًا من العاصمة الأردنية عمان، حيث يقع المقر الرئيسي للأونروا. وهذه هي المرة الثالثة التي أدخل فيها إلى غزة منذ بدء القتال، وما زال الوضع يزداد سوءًا. وتمثل ما تسمى بالمنطقة الإنسانية، والتي لم تتلق مطلقًا أي تحذير بالإخلاء من الجانب الإسرائيلي، أقل من 10% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وقد هرع إليها العديد من سكان جنوب قطاع غزة والبالغ عددهم 1.8 مليون نسمة. وكانت هناك الكثير من الخيام المنصوبة على الشواطئ الرملية على طول الساحل بحيث لا توجد فجوات بينها.

قطاع غزة

وفقًا لمديرية الصحية في غزة، استشهد 40,435 شخصًا في غزة منذ بداية القتال وحتى السادس والعشرين من شهر أغسطس/آب من عام 2024. وتُقدِّر الأونروا عدد النازحين بنحو 1.9 مليون شخص، وهو ما يمثل 90% من سكان غزة.

وفي المتوسط، لدى مراكز إيواء الأونروا مرحاض واحد لكل 470 شخصًا، وحمام استحمام واحد لكل 2,700 شخص، الأمر الذي وصل بمراكز الإيواء إلى نقطة لا يمكن لها استيعاب المزيد من الأشخاص. وتُستخدم المدارس في المقام الأول كمراكز إيواء، ولكن يُسمح للنساء والأطفال فقط بالنوم في الفصول الدراسية، بينما يعيش الرجال في خيام قريبة.

والبنية التحتية لا تؤدي وظيفتها في الأساس، وقد تسبب تدفق الناس في نقص الإمدادات وتدهور الظروف الصحية، مما ترك الناس متعبين ويشعرون باليأس بشأن المستقبل.

إمدادات الأدوية في أدنى مستوياتها، والظروف الصحية تزداد سوءًا

كما أثرت الهجمات على إدارة منشآت الأونروا. وحتى نهاية شهر أغسطس/آب، لم يكن هناك سوى خمسة مراكز صحية تديرها الأونروا في غزة تعمل من أصل 22 مركزًا. ومنذ بدء القتال، قامت الأونروا بافتتاح أربع عيادات جديدة، وأنشأت 54 عيادة مؤقتة في مراكز الإيواء. وهناك العديد من المنظمات الطبية غير الحكومية من مختلف البلدان في غزة، ولكن الأونروا هي أكبر منظمة تقوم بتقديم الإسعافات الأولية. وعلى الرغم من أنها تمكنت من تأمين عدد معين من أطباء الإسعافات الأولية، إلا أن هناك نقصًا في الأطباء المتخصصين الذين تم إجلاؤهم إلى خارج غزة.

الوضع الإنساني في غزة

النازحون 1.9 مليون شخص (90% من السكان)
مراكز الأونروا الصحية 5 منشآت من أصل 22 منشأة قيد التشغيل
الغذاء 2.1 مليون شخص يعانون من نقص الغذاء
التعليم أكثر من 600 ألف طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدارس

*بتاريخ نهاية شهر أغسطس/آب 2024
تم إعداد البيانات بواسطة Nippon.com بناءً على بيانات بواسطة الأونروا وغيرها.

تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تم تبنيه في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1949 بعد حرب النكبة لتقديم الإغاثة للاجئين الفلسطينيين، وبدأت عملياتها في شهر مايو/أيار من عام 1950. وهي تواصل تقديم دعم طويل الأمد لمجموعة واحدة من اللاجئين، وهم اللاجئون الفلسطينيون، مما يجعلها منظمة فريدة من نوعها داخل الأمم المتحدة. وتغطي أنشطتها مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك التعليم والرعاية الطبية والصحية، وتطوير البنية التحتية لمخيمات اللاجئين. واستشهد أكثر من مئتي موظف من موظفيها في القتال الدائر منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

والأمر الخطير هو نفاد الإمدادات الطبية. فعندما اجتاح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح التي تقع جنوب قطاع غزة في شهر مايو/أيار، كان لا بد من إجلاء موظفينا من هناك، وقد تعرضت مستودعات الأدوية الكبيرة التابعة للأونروا للنهب من قبل الحشود. وكانت هناك أدوية بقيمة أربعة ملايين دولار، وقد تم الاستيلاء على نصفها تقريبًا. ونظرًا للقيود التي تفرضها إسرائيل على إدخال الإمدادات والأضرار التي تسببها جماعات النهب المنظمة، فإنه لم تتوفر منذ ذلك الحين سوى حمولة شاحنة واحدة من الإمدادات الطبية. وستنفد تلك الإمدادات الطبية خلال شهر واحد فقط.

طفل يتلقى لقاح شلل الأطفال في الثاني من شهر سبتمبر/أيلول من عام 2024 في دير البلح في قطاع غزة (الصورة مقدمة من مدير دائرة الصحة في الأونروا سيتا أكيهيرو)
طفل يتلقى لقاح شلل الأطفال في الثاني من شهر سبتمبر/أيلول من عام 2024 في دير البلح في قطاع غزة (الصورة مقدمة من مدير دائرة الصحة في الأونروا سيتا أكيهيرو)

في شهر أغسطس/آب، تم التأكد من إصابة طفل رضيع في غزة لم يتلقَ أي لقاح بمرض شلل الأطفال. وهذه أول حالة للإصابة بمرض شلل الأطفال في غزة منذ 25 عامًا. وفي الأول من شهر سبتمبر/أيلول، بدأت الأمم المتحدة بتطعيم الأطفال لمنع انتشار العدوى، ونشرت الأونروا على موقع ”إكس (تويتر سابقًا)“ تغريدة تقول فيها ”يجب علينا أن نفعل كل ما هو ممكن لإنقاذ الأطفال“.

ومع توقف شبكات المياه والصرف الصحي عن العمل، كانت هناك مخاوف بشأن انتشار عدوى فيروس شلل الأطفال، الذي ينتشر عن طريق البراز البشري. كما تساهم الظروف الصحية السيئة، بما في ذلك تلوث المياه الجوفية بالفضلات البشرية، والنقص التام في المنتجات الصحية مثل الصابون والشامبو، في انتشار الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد (أ) والإسهال.

انهيار أسس المجتمع بسبب ”كوارث من صنع الإنسان“

إن غزة ليست أرضًا غنية على الإطلاق. ولكن قبل بدء الحرب، كان سكانها يعيشون بهدوء ولم يكن الوضع سيئًا. وكما هو الحال في ريف اليابان، كان هناك نسيج اجتماعي يساعد فيه الناس بعضهم البعض، ويدعمون بعضهم البعض في أوقات الشدة، ولكنه انهار مع اضطرار الناس إلى النزوح بشكل متكرر. ولم يسبق لي أن رأيت شخصًا بلا مأوى في غزة قبل الحرب.

وهذا كله فشل للسياسات الدولية، والأمم المتحدة غير قادرة على أداء وظيفتها في ظل تغير المصالح الدولية. إن ذلك كله ”كارثة من صنع الإنسان“. وهناك الكثير من الإمدادات في البلدان المجاورة، لكنه لا يمكننا الحصول عليها هنا. وينبغي أن يكون من الممكن حل هذه المشكلة من خلال السياسة، ولكن لا يمكن القيام بذلك. إن ”ظلم العالم“ يتركز هنا.

وفقًا للأمم المتحدة، هناك ما يُقدَّر بنحو 2.1 مليون شخص في غزة يحتاجون إلى مساعدات غذائية، ولكن حتى شهر يوليو/تموز لم يتلقَّ المساعدة سوى 1.1 مليون شخص فقط.

ونحن في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، نواصل العمل الجاد، ولكننا غير قادرين على مواكبة الوضع المتدهور بسرعة، وأشعر بالإحباط من ذلك. وقد بدأ سكان غزة يشعرون بأن ”المجتمع الدولي قد تخلى عنهم“، وهم يعيشون في ظل ظروف حرجة للغاية.

مدير دائرة الصحة في الأونروا سيتا أكيهيرو (أقصى اليمين) يتفقد ظروف التطعيم ضد شلل الأطفال في الأول من شهر سبتمبر/أيلول من عام 2024 في مخيم النصيرات في قطاع غزة (الصورة مقدمة من السيد سيتا)
مدير دائرة الصحة في الأونروا سيتا أكيهيرو (أقصى اليمين) يتفقد ظروف التطعيم ضد شلل الأطفال في الأول من شهر سبتمبر/أيلول من عام 2024 في مخيم النصيرات في قطاع غزة (الصورة مقدمة من السيد سيتا)

ولن أنسى ما قاله لي أحد الأصدقاء بعد نزوحه من رفح عندما قال ”متى سيعاملنا المجتمع الدولي كبشر؟“.

ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال أيضًا، سنستمر في تقديم الدعم لهم دون استسلام. وآمل ألا تغض شعوب العالم أبصارها عن هذا الظلم.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: مدير دائرة الصحة في الأونروا سيتا أكيهيرو محاطًا بأطفال تظهر على أصابع أيديهم علامات الانتهاء من التطعيم ضد شلل الأطفال، 3/9/2024، دير البلح في قطاع غزة (الصورة مقدمة من السيد سيتا)

اليابان غزة الأونروا ظلم