عولمة الثقافة المعاصرة

سحر ألعاب الفيديو اليابانية (الجزء الأول)

اقتصاد ثقافة

نظام ألعاب الفيديو من نينتيندو وسوني كان له أثراً عميقاً في الثقافة العالمية هذا المقال المكون من جزئين يكشف العوامل الثقافية اليابانية التي ساهمت في ولادة تلك الألعاب وأسرار نجاحها، مرفقة بالتسلسل الزمني الذي مر فيه تطور قطاع الألعاب.

العلاقه المدهشه بين الثقافة اليابانيه وبرمجيات الالعاب


(باك-مان (انتاج ١٩٨٠، شركة نامكو (نامكو بانداي حالياً)
(في لعبة الآركيد الشهيرة هذه، يجب على اللاعبون أن يأكلوا كل النقاط الـ ٢٤٠ الموضوعة في متاهة خلال الهروب من الوحوش).

كيف استطاعت ألعاب الفيديو اليابانية إثارة شغف الناس حول العالم؟ يكمن مفتاح حل هذا اللغز في الثقافه اليابانيه ذاتها. عامل اساسي واحد شكّل أساس نشأة اليابان كقوة عظمى في قطاع ألعاب الفيديو وهو القدرة على استحضار صور مثمرة باستخدام مصادر محدودة وهي موهبة تم استعمالها في التسالي الكلاسيكية مثل الهايكو (الشعر الياباني) والحدائق اليابانية التقليدية.

الإستخدام البسيط للتراكيب والألوان في طباعات أوكييو-إي اليابانية، أعطى مثالاً آخر على الدهاء الثقافي. التعبيرات الفنية القوية لتلك الطباعات التي تم صنعها بتقنيات استخدمت قوالب خشبية رخيصة، اذهلت الجميع حول العالم – وخاصةً الرسّامين الإنطباعيين في القرن التاسع عشر في فرنسا. وبعد مرور ١٠٠ سنة، أعطتنا ألعاب الفيديو المثل نفسه الذي قدمته لنا الطباعات للتراكيب البسيطة ذات التأثير العالمي. أغنية الشارة الخاصة بلعبة دراغون كويست على سبيل المثال، قام ”سوغيياما قووإيتشي“ بتلحينها سنة ١٩٨٦ مستخدماً فقط النغمات الثلاثية المتوافرة في النظام الصوتي في نينتيندو العائلة (والمعروفة باسم ”فاميكون“ في اليابان وتم تصديره تحت مسمى نينتيندو إنترتاينمنت سيستم أو نظام نينتيندو الترفيهي) وعلى الرغم من بساطة النظام كانت الموسيقى الناتجة محبوبة على مر الأعوام تباعاً.

وكذلك في الرسوم المتحركة (الأنيمي)، تتبين لنا الموهبة في استعمال الأشياء المحدودة كعتبة للوصول إلى الإبداع. عوضاً عن طريقة ديزني في استخدام ”الرسوم المتحركة الكاملة“ المتميزة بسلاسة الحركة في الإطار، حظي الأنيمي الياباني على قبول عالمي باستخدامه طريقة مغايرة تماما هي ”الرسوم المحدودة“. وسّع الأنيمي من نطاقه الابتكاري مستخدماً مجموعة صور محدودة لوصف القصة.

قوة الإبتكار


سبيس إنفيدورز (إنتاج شركة تايتو ١٩٧٨)
(أحد ألعاب إطلاق النار والتي يقوم اللاعب بالتصويب لتدمير الكائنات الفضائية الغازية. هذه اللعبة ساهمت في جعل ألعاب الآركيد ذات شهرة واسعة).

الغرافيكس في الألعاب القديمة كانت بعيدة عن الواقعية، لكن المصممون استعانوا بما كان متاح لديهم لصنع عوالم رائعة على الشاشة. كان نجاحهم في استغلال أبسط أدوات التعبير مستحضر من القوة الخيالية لـ ميتاتيه – وهو مفهوم  ياباني يصف استخدام شيء ما لكي يستوحوا شيئاً آخر. إن أفضل مثال على هذه الفكرة يمكن رؤيته من خلال أشجار البونساي المصغرة، والذي يوحي بعظمة الطبيعة في شكل أكبر. اللعبة الكلاسيكية باك-مان سنة ١٩٨٠، مثال ممتع على استخدام صور بسيطة تجلب للعقل أشياء أخرى. إستلهم المصمم ”إيواتاني طوورو“ شخصية اللعبة المعروفة بالتهامها للنقط من قرص البيتزا. اكتسحت اللعبة العالمي؛ لبساطتها، واشكالها الحيوية وفتحت المجال لظهور العديد من الألعاب.

كذلك تجلى نهج ميتاتيه في تطوير لعبة سبيس إنفيدورز المنتجة في سنة ١٩٧٨، وهي اللعبة التي اشتهرت بشكل واسع في نهاية العقد. استوحيت فكرة اللعبة من لعبة سابقة شهيرة اسمها بريك آوت إنتاج سنة ١٩٧٦، حيث يقوم فيها اللاعب بمحاولة اختراق الجدار القرميدي مستخدماً كرة وثّابة. استعان صانع لعبة سبيس إنفيدورز، ”نيشيكادو طوموهيرو“، بنفس قطع القرميد الموجودة في اللعبة القديمة لتشكيل الغزاة الفضائيون في اللعبة، ويظهر منهجه في الغرافيكس أيضاً في لعب الآركيد الكلاسيكية ويستيرن غان إنتاج ١٩٧٥، وبالون بومبر إنتاج سنة ١٩٨٠.

لعبت الأفكار والمواهب الفردية لمصممي الألعاب دوراً هاماً في إطار تلك الألعاب القديمة. واحد من هؤلاء الصناع كان ”إندوو ماسانوبو“، الذي صمم لعبة زيفيوس سنة ١٩٨٣. لقد استطاع أن يخلق معارك جوية خيالية علمية برسومات واقعية مستخدماً لوحة ألوان محدودة وأن يصور عالماً بديعاً فيه أساطير عظيمة وعدداً من الشخصيات المتخفّية.

تحويل المحدودية إلى الإمكانية

وصلت برامج أجهزة ألعاب الفيديو المنزلية إلى مستوى جديد في سنة ١٩٨٣، عندما قامت نينتيندو بإصدار جهاز ألعاب كمبيوتر العائلة. وفي البداية، نينتيندو اعتمدت على البرامج المغروسة في ألعاب الآركيد. لكن تلك الألعاب مالت لتكون أقل جودة من ألعاب الآركيد الأصلية نظراً لعدم قدرة أجهزة الألعاب المنزلية الرخيصة على إنتاج الغرافيكس والتأثيرات التي كانت تستطيع أجهزة الآركيد إنتاجها. وللتعامل مع هذه المعضلة، بدأ المطورون بإنتاج برامج أصلية صممت خصيصاً لأجهزة الألعاب المنزلية.

وجاءت ثمرة المجهود، وكانت نينتيندو ١٩٨٥ سوبر ماريو برازرز، التي صنعت من قبل نجم الشركة المصمم ”مياموطو شيغيرو“. أخذ تصميم اللعبة من لعبته الشهيرة القديمة دونكي كونغ المنتجة سنة ١٩٨٣ والتي تتحرك فيها الشخصيات والمناظر بشكل جانبي، كما أنه أخذ طريقة اللعب المتبعة بالقفز والوصول إلى مراحل مختلفة.

كان التحدي بالنسبة لمصممي اللعبة هو كيفية صنع شيء له إمكانات غير محدودة بمصادر محدودة. نتجت عن هذه الجهود ألعاب قادرة على المزج بين كل العناصر والأشكال، مقدمةً للاعبين تجربة فريدة، في مساحة أصغر بكثير من الحياة الواقعية. ويشار إلى تلك الألعاب بمصطلح هاكونيوا أي (الحديقة المصغرة) وذلك بسبب أنهم يعبرون عن عالم كامل مستعينين بمساحة محدودة، مثل الصخور وبرك المياه المستخدمة في الحدائق اليابانية التقليدية التي تستحضر صورة المساحات الواسعة للعالم الطبيعي. وهذا هو الهدف الذي كان يسعى إليه مياموطو في صنع لعبته ذا ليجيند أوف زيلدا سنة ١٩٨٦.


سوبر ماريو برازرز (إنتاج نينتيندو ١٩٨٥)
هذه اللعبة أثارت طفرة هائلة في شعبية ألعاب الفيديو المنزلية.
إنها مسجلة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كاللعبة الأكثر مبيعاً
في العالم.


ذا ليجيند أوف زيلدا (إنتاج نينتيندو ١٩٨٦)
هذه اللعبة وضعت تركيزاً قوياً على الألغاز الغامضة، على العكس ملئها بالحركة مثل سوبر ماريو برازرز، نالت أكبر عدد معجبين وبالأخص في أمريكا الشمالية.

لعبة الآر بي جي الكلاسيكية دراغون كويست


دراغون كويست
(الإصدار الأول سنة ١٩٨٦، شركة انيكس (سكوير انيكس حالياً))
أول لعبة آر بي جي متكاملة لألعاب الفيديو المنزلية، اللاعب يأخذ دور بطل اللعبة، الذي يحل الأحجيات سعياً للقضاء على ملك شرير وإنقاذ الأميرة المسجونة.

مصمم آخر فتح مجالاً جديداً لإمكانات برامج الألعاب، وهو ”هيرو يووجي“، والذي ظهر وللمرة الأولى في سلسلة ألعاب الآر بي جي دراغون كويست سنة ١٩٨٦. العامل الذي كان وراء نجاح هذه اللعبة هو سهولة استخدامها من قبل اللاعبين. تم تصميم اللعبة بحيث يستطيع أي شخص لعبها، ويعود الفضل لبساطة مجموعة الأوامر فيها ولسهولة فهم سيناريوهاتها. حققت سلسلة اللعبة نجاحاً ساحقاً، وبيعت ٥٧ مليون نسخة تراكمياً، كاسبةً لقب لعبة اليابان الآر بي جي الكلاسيكية.

فكرة ”الحديقة المصغّرة“ متأصلة كذلك في دراغون كويست. في أحد الإصدارات الأولى للعبة تبدأ في غرفة في قلعة، حيث الملك الإقطاعي وتابعيه يشرحون للاعب الهدف المراد في مهمة البحث. وفي مجال تلك الغرفة، اللاعب يتعلم أزرار التحكم، مثل كيفية التحدث للشخصيات الأخرى أو البحث عن صناديق الكنز. هذه الغرفة الإبتدائية هي بمثابة ”كتيب إرشادات“ للاعب المبتدئ، ومن غير المسموح له بمغادرة الغرفة إلا بعد إتقان الأوامر.

بمجرد خروج اللاعب من القلعة، تظهر في الصورة قلعة الملك الإقطاعي المستبد المعادي. قد تبدو المسافة قريبة، ولكن في الواقع هي مكان بعيد لا يمكن الوصول إليه إلا بعد أن يكون اللاعب قد أنجز مهام معينة. خريطة اللعبة التي تظهر الهدف المراد تجسّد الرحلة المغامرة الطويلة وهي المثال لمنهج ”الحديقة المصغّرة“  في تصميم اللعبة.

إقرأ أيضا الجزء الثاني لهذه المقالة بعنوان فك رموز سحر ألعاب الفيديو اليابانية

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية)

نينتيندو تكنولوجيا ألعاب الفيديو