عولمة الثقافة المعاصرة

كيف ساهم ”كابتن ماجد“ في جعل كرة القدم رياضة شعبية باليابان؟ لقاء مع مبتكر الأسطورة

ثقافة رياضة مانغا وأنيمي

يُعدّ ”كابتن ماجد“ من أشهر مسلسلات الأنيمي التي اجتاحت الشاشات حول العالم، حيث لم يقتصر تأثيره على تسلية الجماهير فحسب، بل ساهم في تعزيز شعبية كرة القدم داخل اليابان وألهم العديد من نجومها. في هذا المقال، يكشف المؤلف تاكاهاشي يوئيتشي عن قصة ولادة هذه الشخصية الأسطورية، وعن السر الكامن وراء انتشار الثقافة الشعبية اليابانية على نطاق عالمي.

ولد تاكاهاشي عام 1960. و بدأ مهنته كفنان لرسوم المانغا بحلقة واحدة من مانغا ”الكابتن توباسا (ماجد)“ والتي تم نشرها في ويكلي شونن جامب (Weekly Shonen Jump) عام 1980. وفي عام 1981 بدأ نشرها في نفس المجلة على شكل مسلسل اسبوعي. وتم بث الرسوم المتحركة عام 1983 و أدى إلى انتشار شعبية كرة القدم وظهور عدد من اللاعبين الشباب في اليابان. وبعد ذلك تم بث البرنامج عالميا ليؤثر في قلوب المعجبين حول العالم و حتى أن تأثيره و صل إلى العديد من المشاهدين الأجانب الذين أصبحوا من نجوم هذه الرياضة. ويستمرهذا المسلسل ليعرض نمو وتطور شخصية ماجد.

يُعد تاكاهاشي يوئيتشي (Takahashi Yōichi) مؤلف المانغا والأنيمي الشهير «الكابتن تسوباسا» – أو كما عُرف في العالم العربي باسم الكابتن ماجد – وهي السلسلة التي حققت شعبية جارفة داخل اليابان وخارجها، وأصبحت رمزًا ثقافيًا عالميًا.

لم يكن «الكابتن تسوباسا» مجرد عمل ترفيهي، بل ساهم بشكل مباشر في زيادة شعبية كرة القدم في اليابان، وساعد على تطوير هذه الرياضة في البلاد. كما ألهمت شخصية تسوباسا العديد من نجوم كرة القدم العالميين مثل ليونيل ميسي، وزين الدين زيدان، وأليساندرو ديل بييرو، وفرناندو توريس.

وفي السنوات الأخيرة، أضاف تاكاهاشي شخصية جديدة إلى القصة هي اللاعبة «كائيدا» (Kaeda)، ليعبر من خلالها عن دعمه الخاص لمنتخب السيدات الوطني، الذي حقق إنجازًا تاريخيًا بفوزه ببطولة كأس العالم في ألمانيا عام 2011.

في هذا المقال، سيتناول تاكاهاشي أسرار ولادة شخصية الكابتن تسوباسا، ورأيه في كرة القدم، ومشاعره تجاه انتصار المنتخب النسائي. كما سيقدم تحليلًا دقيقًا لانتشار الثقافة الشعبية اليابانية حول العالم وكيف تمكنت أعمال مثل «الكابتن تسوباسا» من تجاوز الحدود الثقافية لتصبح مصدر إلهام عالمي.

البداية في كأس العالم في الأرجنتين

المحاور: لماذا اخترت كرة القدم موضوعًا لعملك بدلًا من البيسبول الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في اليابان آنذاك؟
تاكاهاشي: في عام 1978، عندما كنت في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية، تابعت بطولة كأس العالم التي أُقيمت في الأرجنتين. كانت تجربة مثيرة للغاية، إذ فتحت عيني على متعة هذه الرياضة وأثارت فضولي. قمت بعدها ببحث بسيط، فاكتشفت أن كرة القدم في أوروبا أكثر شعبية من البيسبول، وأن عدد لاعبيها حول العالم يفوق أضعاف لاعبي البيسبول. عندها أدركت أن كرة القدم هي اللعبة رقم واحد عالميًا.

في البداية كنت أفكر في كتابة مانغا عن البيسبول، لكنني وجدت أن السوق مزدحم بهذا النوع من الأعمال. لذلك قررت أن أطرق بابًا جديدًا باختيار كرة القدم، الرياضة التي لم يكتشفها اليابانيون بعد.

المحاور: هل كان من الصعب تقديم فكرة كرة القدم للجمهور الياباني آنذاك؟
تاكاهاشي: نعم. في الحقيقة لم يكن هناك وعي واسع بكرة القدم في اليابان، حتى إن عبارة ”كأس العالم“ لم تكن مألوفة. لهذا السبب اضطررت أن أوضح في القصة نفسها أن كأس العالم هو حدث عالمي وأهم بطولة تُقام كل أربع سنوات.

المحاور: مرت ثلاثون سنة على إطلاق «كابتن تسوباسا»، وخلال هذه الفترة شهدت كرة القدم اليابانية تطورًا كبيرًا. كثيرون يرون أن هذا التقدم لم يكن ليحدث لولا هذه السلسلة. ما تعليقك؟
تاكاهاشي: برأيي، أن الفضل الأكبر يعود إلى جاذبية كرة القدم نفسها، فهي لعبة تحمل عناصر إبداعية وحماسية جعلتها تنتشر بطبيعتها. لكني أشعر بالامتنان عندما يقول الناس إن «كابتن تسوباسا» كان له دور في هذا التطور. وبصراحة، أشعر بسعادة كبيرة عندما أفكر أن عملي ساهم – ولو بجزء بسيط – في رفع مستوى كرة القدم في اليابان.

تاكاهاشي (الصف الأمامي) يقوم بزيارة تشجيعية لمنتخب السيدات الوطني في 17 يوليو (تموز) عام 2011. وهو اليوم الذي سبق نهائي كأس العالم. الكابتن سوا هوماري الحاملة للقب أفضل لاعبة و هدافة البطولة تمسك بالعلم من الزاوية اليسرى. (الصور:World Soccer King/”تشيبا إيتارو“).

يدعم تاكاهاشي جهود إعادة البناء بعد كارثة 11 مارس / آذار عام 2011. وقد تبرع بمزاد خيري الرسمة الأصلية لغلاف الكتاب الخيري. و قد تم بيعها بسعر مرتفع. (الصورة  : We‘ll Never Walk Alone من From One Co ©Takahashi Yōichi/Shūeisha).

المفاجأة! تسوباسا في الواقع… هي «سوا هوماري»

المحاور: في يوليو/تموز 2011، حقق المنتخب النسائي الياباني «ناديشكو اليابان» إنجازًا تاريخيًا بفوزه بكأس العالم في ألمانيا. كنت حاضرًا في المباراة النهائية، وشخصيتك «كائيدا» في المانغا كانت بمثابة دعم مباشر للمنتخب النسائي. كيف عشت لحظة التتويج؟


تاكاهاشي يوئيتشي: بصراحة، قبل انطلاق البطولة لم أكن أظن أن اليابان قادرة على الظفر بالكأس. مجرد وصولهن إلى النهائي كان حدثًا استثنائيًا بحد ذاته. الاستاد كان مكتظًا بالجماهير الأمريكية لدرجة أنني شعرت وكأن المباراة تُقام في الولايات المتحدة، وكنت أتساءل: كيف يمكن لفتيات اليابان أن يتغلبن على فريق لم ينتصرن عليه من قبل؟

كنا قد خططنا لمشروع «كائيدا» ونحن نضع نصب أعيننا أولمبياد لندن، ولم أتوقع أن يأتي النصر بهذه السرعة. لذلك، عندما تمكن الفريق من معادلة النتيجة مرتين أمام الولايات المتحدة، وصمد طوال 120 دقيقة، ثم حسم الأمر بركلات الترجيح… لم أصدق عيني. كان فوزًا مذهلًا بكل معنى الكلمة.

المحاور: قائدة الفريق، «سوا هوماري»، التي استلهمت منها شخصية «كائيدا»، خطفت الأضواء بحصولها على جائزة أفضل لاعبة ولقب هدافة البطولة. ما الذي مثّلته لك تلك اللحظة؟
تاكاهاشي: لطالما اعتدت عند مشاهدة مباريات الرجال أن أربط اللاعبين بشخصيات من «كابتن تسوباسا»: هذا يشبه تسوباسا، وذاك يذكرني بهيوغا، وهكذا. لكن مع سوا كان الأمر مختلفًا تمامًا. شعرت حقًا أنها تجسيد حي لشخصية تسوباسا.

هي قائدة الفريق، ترتدي القميص رقم عشرة، قادت اليابان إلى الفوز بكأس العالم، وحصدت الجوائز الفردية الكبرى. طوال هذه السنين كنت أتساءل إن كنت سأرى لاعبًا يجسد تسوباسا في الواقع، ولم يخطر ببالي يومًا أن يكون هذا اللاعب امرأة. سوا تشبه تسوباسا في عشقها لكرة القدم، وفي البهجة التي تملأ وجهها حين تركل الكرة مع زميلاتها.

المحاور: أداء المنتخب النسائي في تلك البطولة منح اليابانيين، وخاصة المتضررين من زلزال وتسونامي شرق اليابان، الأمل والشجاعة. كيف ترى هذه الرمزية؟
تاكاهاشي: أتفق تمامًا. النصر لم يكن مجرد بطولة كروية، بل كان رسالة أمل. بعد كارثة مروعة كهذه، أن يتمكّن الفريق من التغلب على منتخب مصنّف أعلى، بعد صراع طويل ومرهق، هو إنجاز يرقى إلى مرتبة التكريم الوطني. لقد منحوا المتضررين شعورًا بالفخر والقوة. أعتبر أن هذا الانتصار كان بمثابة جائزة شرف للشعب الياباني كله.

لماذا تحظى المانغا والأنيمي الياباني بشعبية عالمية؟

المحاور: كابتن تسوباسا استطاع أن يعبر الحدود ويصل إلى قلوب الجماهير حول العالم. وبالمثل، هناك الكثير من أعمال المانغا والأنيمي اليابانية التي تأسر المشاهدين عالميًا. برأيك، ما السر وراء هذا الانجذاب العالمي؟
تاكاهاشي: أعتقد أن البيئة الفريدة في اليابان لعبت دورًا أساسيًا في تطوير صناعة المانغا والوصول بها إلى هذا المستوى من الجودة. إذا عدنا إلى البداية، فإن أول مانغا حقيقية بالمعنى الحديث—ذات قصص مترابطة وأطوال محددة—كانت من أعمال تيزوكا أوسامو. ومنذ ذلك الحين، تطورت هذه الأعمال لتأخذ شكل مجلات تُنشر أولًا شهريًا، ثم بشكل أسبوعي، الأمر الذي دفع المؤلفين إلى إنتاج نحو 20 صفحة أسبوعيًا.

هذا الإيقاع السريع أوجد منافسة كبيرة ورفع مستوى الجودة. وخير مثال على ذلك مجلة شونن جامب، التي كانت في ذروة نجاحها تُوزع أكثر من خمسة ملايين نسخة. ومع هذا العدد الضخم من القراء، من الطبيعي أن يظهر جيل جديد من الشباب الحالمين بأن يصبحوا رسامي مانغا. أعتقد أن هذا النظام، الفريد من نوعه، هو ما جعل المانغا والأنيمي الياباني يسيطران عالميًا.

المحاور: إذن يمكن القول إن هذا النظام خلق منافسة بيئية جعلت من اليابان مركزًا عالميًا للمانغا والأنيمي؟
تاكاهاشي: نعم، بالتأكيد. الأهم من ذلك أن المجتمع الياباني بأسره يتفهم ويحتضن ثقافة المانغا، ما يمنح المبدعين ميزة إضافية منذ الصغر. تمامًا كما في كرة القدم: الإسبان محظوظون لأنهم يولدون في بلد يضم «الليغا»، أحد أقوى الدوريات في العالم، بما يوفره من نظام تدريبي متكامل. الوضع مشابه في اليابان، حيث تُنشر أعداد هائلة من المجلات الأسبوعية، الأمر الذي يُتيح للأطفال أن يبدأوا بكتابة ورسم المانغا منذ المرحلة الابتدائية تقريبًا.

هذه الظروف الاستثنائية لا تتوافر في أي مكان آخر. وبالطريقة ذاتها، فإن صناعة الأنيمي تستفيد من البيئة نفسها، وهذا ما يجعل اليابان قادرة على إنتاج أنيمي ومانغا بمستويات عالية من الجودة والجاذبية يصعب تقليدها.

التلهف لرؤية كابتن تسوباسا يرفع كأس العالم

بعد العديد من الحلقات مايزال تسوباسا (ماجد) في رحلة للوصول إلى النضج. النسخة الحالية هي الخامسة من هذه السلسلة وهي بعنوان اللعبة الصعبة التي يواجهها الكابتن تسوباسا في بلاد الغربة: في الليغا (Captain Tsubasa kaigai gekito hen: En La Liga.

تاكاهاشي: حلم تسوباسا في الفوز بكأس العالم وأن يصبح أفضل لاعب في العالم لم يتغير منذ طفولته، وما زلت متمسكًا به كخط رئيسي للقصة. نراه الآن يكمل موسمه الأول مع نادي برشلونة، وسأواصل كتابة هذا الجزء، ثم أنتقل إلى حبكة أخرى كنت أفكر بها بالتوازي، وهي قصة الأولمبياد. وفي النهاية، أريد أن أقوده إلى اللحظة الكبرى: كأس العالم.

المحاور: يبدو أن أمامك طريقًا طويلاً إذن؟
تاكاهاشي: طويل جدًا… آمل أن أعيش لأرى اليوم الذي يصل فيه كابتن تسوباسا إلى هدفه برفع كأس العالم، وسأستمر في الكتابة ما دمت أتمتع بالصحة والحيوية.

(المقابلة الأصلية باللغة اليابانية في أغسطس / آب 2011، الترجمة من الإنكليزية)

ثقافة البوب مانغا كأس العالم الكابتن ماجد الرياضة أنيمي