الروبوت الياباني يقترب من الإنسان

اليابان وصناعة روبوت ذو صفات بشرية

علوم تكنولوجيا مجتمع لايف ستايل

تعد تكنولوجيا الروبوت في اليابان الأكثر تقدما على مستوى العالم. وبشكل عام تعد اليابان الرائدة عالميا في مجال تطوير الروبوت. يحدثنا السيد "تاكانيشى اتسو" الأستاذ بجامعة واسيدا عن آخر التطورات والآفاق المستقبلية في هذا المجال.

 كان أول من استخدم مصطلح ”روبوت“ الكاتب المسرحي التشيكي كاريل كابيك في مسرحيته universal robots) Rossum) وفقا للسيد ”اتسو تاكانيشى“ (Atsuo Takanishi) الأستاذ بجامعة واسيدا. كلمة روبوت  تعني ”عمل العبيد“، أو بالمعنى المجازي ”الكدح“ أو ”العمل الشاق“ في جمهورية التشيك، وكذلك ”العمل“ أو ”العمل الشاق“ في العديد من اللغات القديمة.أما في هذه الأيام فمن الشائع اطلاق اسم الإنسان الآلي أو الروبوت على الآلة التي تحاكي شكل الإنسان وتقوم بوظائفه. وقد أوضحت الجمعية الخاصة بالروبوت في اليابان عام  ٢٠١٠ أن مجموع أعداد الروبوت الذي تم استخدامه في اليابان فى مجال الصناعة يبلغ حوالي ٢٨٦ ألف. وهو ما يعادل ٢٧٪ من الرقم العالمي البالغ مليون وخمس وثلاثون ألفاً، مما يجعل اليابان الدولة الرائدة في العالم فى هذا المجال بلا منازع. تحدثنا إلى الأستاذ تاكانيشي عن الإنسان الآلي في اليابان وحول العالم.

ولد الأستاذ تاكانيشى عام ١٩٥٦. حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة. مدير معهد الإنسان الآلي، وأستاذ في قسم الهندسة الميكانيكية الحديثة في جامعة واسيدا.

اتسو تاكانيشى:  لقد بدأ ”كاتو ايتشيرو“ (Katō Ichirō) المشرف الأكاديمي في وقت مبكر الأبحاث في مجال الروبوتات كأستاذ في جامعة واسيدا، وكان جزءاً من مجموعة مشتركة بدأت بتطوير أول إنسان آلي في العالم أطلق عليه WABOT-1. في ذلك الوقت، كانت صناعة تكنولوجيا الحاسب الألكتروني في أوجها. وظهرت الآلات المستخدمة داخل المصانع التي تعرف باسم الروبوتات الصناعية وبيعت في الولايات المتحدة وحققت نجاحاً كبيراً. لكن مصطلح الروبوت (الإنسان الآلي) أطلق في الأصل على الآلة التي تشبه الإنسان، وبعد نجاح الآلات في الصناعة أصبح لهذا المصطلح  مجموعة أوسع وأعمق من المعاني والدلالات.  لهذا شدد كاتو على صفة ”الروبوت الشبيه بالإنسان“ عندما بدأ بالأبحاث الخاص به.

كان من الصعب في البداية تأمين التمويل اللازم لأن كلمة ”روبوت“ بدت وكأنها شيء أقرب للخيال العلمي أكثر منها للبحث الأكاديمي الجاد. ودائمآ كان يميل مؤيدو الفكرة والداعمون المحتملون لها إلى الإعتقاد بأن آلالات التي يطورونها ما هي الا هراء صبياني. وإذا اطلعنا على الوثائق القديمة، يمكنك أن ترى أن في طلباتهم للحصول على التمويل اللازم كتبوا أن الهدف هو  إجراء أبحاث على ”يد اصطناعية“ أو ”ساقين اصطناعيتين“ بدلا من ذكر كلمة ”روبوت“ بشكل واضح وصريح.

الشبه بالإنسان بعيد المنال

السؤال: لماذا يريد الباحثون اليابانيون صناعة ”روبوت“ له مواصفات بشرية ؟

اتسو تاكانيشى: الهدف الرئيسي في مجال أبحاث علوم الإنسان الآلي، أو مصيره إذا صح التعبير، هو ليتناسب مع شكل الإنسان. هدفنا هو صنع روبوت قادر على أن يفعل أي شيئ يمكن لعينة ممتازة من الجنس البشري أن تفعله مثل المشي بخفة، الجرى، أو حتى التنافس في الألعاب الأولمبية أو بطولة كأس العالم لكرة القدم. والهدف يشمل أيضا قدراته العقلية لمحاكاة البشر في التحدث بحرية، وكذلك ابتكار أشكال جديدة من الاتصال الكتابي، والتي تحتاج بشكل عام إلى درجة عالية من الذكاء. ومع ذلك، فإنه كلما حاولنا أكثر في جعل الروبوت يقلد البشر، كلما أصبحنا ندرك بشكل مؤلم انه لن يمكن تحقيق هذا الهدف.

وعلى الرغم من ذلك، فإننا نشهد تقدما ملموساً إلى حد كبير.فعندما صنع كاتو الروبوت WABOT-1  استغرق ٤٥ ثانية لاتخاذ خطوة واحدة عوضاً على ذلك لم يتعدى طول الخطوة الـ ١٠ سنتيمترا. أما الآن فهناك روبوت ذو ساقين يمكنه حتى الجرى. الروبوت KOBIAN الذي بني في مختبر تاكانيشى يمشي أكثر من خطوة واحدة في الثانية والتي تعد قريبة جداً من حركة الإنسان التي يصل طول الحد الأقصى للخطوة الواحدة لـ٤٠ سنتيمترا. أعتقد أنه بوسعنا أن نقول أن هذا الروبوت قادر على السير تماماً مثل الإنسان، والانحناء وثنى الركبتين قبل تحريك ساقيه تعد طفرة كبيرة عن سابقاتها من المحاولات.

و بفضل تطورتكنولوجيا الحواسيب أصبح الروبوت في الآونة الأخيرة قادراً على القيام بوظائف ذات مستوى متقدم مثل التعرف على الصور و التواصل مع الناس. وأعتقد أن هذا الاتجاه سيستمر و يتطور في المستقبل.

الروبوت عازف الساكسفون WAS-2RII. تاكانيشى: "إنه يسيطر على قوة الصوت بتحريك الشفة العلوية للأعلى والأسفل.و من خلال تعديل الشفة السفلى يسيطر على النغمات. "

الروبوت KOBIAN-R. يمكن للروبوت المشي وهو قادر أيضا على إظهار تعابير الوجه (انظر الصور في نهاية المقال). الصورة أعلاه توضح الروبوت فى "حالة الإندهاش."

 

السؤال: هل الاتجاهات والمواقف في مجال الأبحاث المتعلقة بـ ”روبوت“ تختلف بين اليابان والغرب؟

اتسو تاكانيشى: لقد ذهبت العام الماضي إلى ألمانيا وهولندا للتحدث حول الروبوت. ولقد طلب مني قضاء نصف الوقت فى مناقشة التكنولوجيا والوقت المتبقي لشرح لماذا لدى اليابان فقط العديد من الروبوتات. وقد خرجت من هذا اللقاء بإنطباع بأن الديانة المسيحية تؤثرعلى مناقشة مثل هذا الموضوع. حيث تقول المسيحيه أنه يجب عدم خلق إنسان حيث أن هذا أمر يختص به الله وحده. لذلك أعتقد أنه لا تزال هناك اعتراضات جوهرية لصناعة روبوت على شكل إنسان في أوروبا.

لكن على الرغم من هذا، تمول أبحاث الإنسان الآلي في أوروبا إذا كان له تطبيقات مفيدة أو إذا كان يمكن استخدامه لشرح بعض الجوانب الافضل للبشرية. لذلك أعتقد أنه لا يزال من الصعب من الناحية التقنيه والفنية في أوروبا صنع إنسان آلي بنفس حجم الإنسان الطبيعى ويمكنه المشى على ساقين. ولكن في ذات الوقت  يتعاون باحثون اوروبيون مع جامعة واسيدا لصنع هذا النوع من الإنسان الآلي، ونحن نعمل معا الآن.

صناعة روبوت مفيد حقاً

السؤال: ما هي أهدافك بالنسبه للأبحاث التى تقوم بها في مجال تطوير الروبوت؟ وهل يمكن أن تساعد على تحسين وتطوير المجتمع؟

اتسو تاكانيشى: لا أعتقد أن الروبوت يستخدم بالمعنى الحقيقى في أي مكان في العالم على الرغم من إنقضاء نصف قرن منذ بدء كاتو أبحاثه. وعلى عكس العلم الذي يسعى لشرح وتوضيح  كل ما هو غير معروف، فإن الهدف من الهندسة فى الأساس هو العمل على كيفية تصميم الأشياء التي هي مفيدة من أجل سعادة وراحة البشرية. بالنسبة لي كشخص يسير على خطى كاتو أعتقد أن تكنولوجيا الروبوت الآلي لديها الحق والإمكانية الآن في الوصول إلى مرحلة بحيث يكون لها تطبيقات مفيدة. أما الآن فبالإضافة إلى البحوث في مجال الروبوت ذو الساقين أضع كل طاقتي وجهدي في تطوير تقنية من شأنها أن تحدث فرقاً على مستوى العالم.

(في الأعلى) جهاز محاكاة لتقييم مهارة الخياطة. تظهر النتيجة على شاشة الكمبيوتر الموصل به.

على سبيل المثال، أصبح من الواضح بشكل متزايد من أن استخدام تقنية الروبوت يمكنها تحسين كفاءة العاملين في المجال الطبي. من أجل ذلك وعلى مدار السنوات القليلة الماضية تم العمل مع عدد من رجال الأعمال في كيوتو لتطوير جهاز محاكاة يستخدم للتدريب الطبي. كذلك قمنا سويآ بتطويرمنتجات عديدة ومختلفة.

واحد من هذه الأمثله هو جهاز تقييم مهارة الخياطة، وهو عباره عن جلد إصطناعي يقيس مدى مهارة الجراح فى خياطة الغرز باستخدام نظام يقوم على أجهزة الاستشعار، وتكون درجة القياس بين ٠ و ١٠٠. تم صنع الجهاز ويباع منذ عامين من الآن.

وهناك مثال آخر. من المتعارف عليه أن المخدر يمكن أن يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي خلال العمليات الجراحية، حيث يتم إدخال أنبوب إلى الرئتين سلفا وهي عمليه شديدة التعقيد لذلك يقوم الجراحون في اليابان وجميع أنحاء العالم بتجربتها في البداية على الدمى. ومع ذلك، لا توجد وسيلة لمعرفة ما إذا كانت القوة التي تستخدم  قد تمزق الحبال الصوتية من عدمه باستخدام هذه الدمى. كل ما يمكنا التأكد منه فقط هو ما إذا كان قد تم بنجاح إدخال الأنبوب للرئتين أم لا.

لذلك فقد شرعنا مؤخرآ فى التطوير المشترك وذلك بهدف صنع جهاز يمكن أن يقدم تقييم عن طريق الأرقام بطريقة مشابهة لجهاز تقييم محاكاة مهارة الخياطة. سنقوم على الارجح بإطلاق هذا المنتج قبل نهاية عام ٢٠١٢. وهناك جهاز آخر مماثل من شأنه أن يساعد على تدريب أطباء الأسنان.

وأتوقع أن الآلات الطبية ستحظى بالمقام الأول من الاهتمام حيث ستكون تكنولوجيا الروبوت مفيدة للغاية في العديد من النواحي.

اكتشاف طبيعة جسم الإنسان

السؤال: هل كان هناك نتائج غير متوقعة في أبحاثك الخاصة في مجال تطوير الروبوت ؟

اتسو تاكانيشى: بعد سنوات عديدة من البحوث في مجال الروبوت ذو الساقين، توقفت لوهلة وفكرت ”إن الروبوت يستطيع المشي بشكل جيد، ليتنى أستطيع أن أجعله أكثر فائدة“. في تلك اللحظة الشيء الأول الذي طرأ على ذهنى هو الكراسي المتحركة. للأسف فما يزال من المستحيل للكراسي المتحركة صعود أو هبوط السلالم. والسبب في أن السلالم مصممة بهذا الشكل هو أن الإنسان يمشي على ساقين. أما الخيول وغيرها من الحيوانات التي تمشى على أربع تجد صعوبة في صعود السلالم أو النزول منها. عندما أدركت هذا، خطرت لى فكرة صنع كرسي متحرك له ساقين. ثم أخذت الفكرة للشركة التي وضعت برنامج التدريب لأطباء الأسنان وبدأنا العمل على الروبوت الذي يحمل الناس والذي يمكنه صعود وهبوط السلالم  بسهولة.

كانت المشكلة أن الروبوت لا يملك ما يكفي من القوة لحمل شخص أكثرمن وزنه. عندها فكرنا فى تقليد ومحاكة عضلات الإنسان. حيث تتكون العضلات في الجسم من الألياف المرصوصه بشكل متواز وبفضل هذا الترتيب، يمكننا التحرك بسرعة كبيرة وبقوة، مع وجود قدر كبير من المرونة والدقة. وقد نجحنا عن طريق المحاكاة لبناء جسم الإنسان في جعل الروبوت الذي يزن ٦٥ كيلوجراما والمزود ببطارية قادراً على المشي بينما يحمل شخصا يصل وزنه ٨٠ كيلوجراما كحد أقصى.

ولكن كان هناك مشكلة أخرى واجهتنا وهى ان وزن كل إنسان ومركز الثقل في الجسم  يختلف من شخص لأخر، وتسبب ذلك في اهتزاز الروبوت والتأثير عليه أثناء المشي ويزيد من فرص سقوطه على الأرض بشكل كبير. لذلك قمنا بتطوير تكنولوجيا تسمح للروبوت التكيف مع وزن كل  شخص. وقد أخذنا هذا الكرسي المتحرك لإقامة معرض في لوس انجلوس في عام ٢٠٠٧، ودعونا الناس لتجربته وعلى مدى عدة أيام قام حوالي ١٧٠ شخصا بتجربته دون أن يسقط أي شخص منهم.

يعتقد كاتو أن من وجهة النظر الخاصة بهندسة الروبوت، يجب أن نتفهم جيدآ وظائف الجسم البشري و كيفية حركته حتى نستطيع أن نحاكيه. سأعطيك مثالا على ذلك. من المعتاد أن تجد للروبوت سيقان ملحقة مباشرة بالجسم. ولكن اذا نظرت الى شكل جسم الإنسان ستجد أن لدينا منطقة الحوض التى تفصل بين الجسم والساقين .لذلك عن طريق إلحاق وظائف الحوض في الروبوت، يمكننا بطبيعة الحال أن نجعل الركبتين تعمل بشكل أكثر مرونة. ما يعنيه كاتو بعبارة أخرى، هو ملاحظة العلاقة بين بناء وتركيب جسم الإنسان والطريقة التي يسير بها.

لذلك نحن نضع الجسم البشرى دائماً أمام أعيننا من أجل صنع روبوت مشابه للإنسان أثناء القيام بأبحاثنا. وقد أدركت اثناء البحوث والتجارب الخاصة بالكرسي المتحرك ذو الساقين أن المعلومات والخبرة التي تراكمت عن جسم الإنسان سيكون لها فائدة عظيمة في بناء روبوت يمكن أن يكون مفيدا للإنسان وللبشرية بشكل عام.

(أجرى المقابلة ”هارانو جوجى“ في مايو/ آذار عام ٢٠١٢، الترجمة من اللغة الإنكليزية. المصور ”ماتسودا تادو“)

تاريخ الأبحاث فى مجال الروبوت (أصدره الأستاذ تاكانيشى)

القرن الثالث قبل الميلاد تالوس، رجل عملاق من البرونز، ويظهر في الأساطير اليونانية.
٢٥ قبل الميلاد النظرية التي تقول إن كل الأدوات والآلات هي إنعكاسات لتفاعل أعضاء الجسم البشري مع العالم الخارجي. بداية من التكنولوجيا التي تحاكي شكل الإنسان.
القرن الأول الأبواب الآلية وغيرها من آلات أوتوماتيكية شيدت باستخدام مبدأ السيفونات.
القرن الثانى عشر تقدم تكنولوجيا الساعات و صنع الآلات الدقيقة.
القرن السابع عشر عصرالإنسان الآلي (العرائس المتحركة) في الغرب.
عصر Karakuri (العرائس الخشبية التى تتحرك بنظام ”الزمبرك“ مفتاح التشغيل اللولبي ) فى اليابان.
القرن التاسع عشر ولادة فكرة أنه إذا كان يمكن صناعة الساعة الدقيقة ,اذاً يمكن أن يستخدم نفس المبادئ لصنع إنسان.
اختراع الآلة البخارية، والثورة الصناعية.
ولادة مصطلح الروبوت، وهذا يعني أنها آلة تبدو تماما مثل الإنسان.
القرن العشرين إختراع أجهزة الكمبيوتر.
حصول الروبوت الصناعي على براءة الإختراع (الولايات المتحدة، ١٩٥٤).
اول روبوت فى العالم الروبوتWABOT-1 اليابان، ١٩٧٣.
نمو سوق الروبوتا الصناعية بسرعة. ومن المتعارف عليه أن عام ١٩٨٠ وعرّف أنه "العام رقم واحد" للروبوت في اليابان.

 

انظر إلى الروابط باللغة الانكليزية للاطلاع على مقالات متعلقة بالموضوع

Robot Soccer
Fukushima’s Radioactivity-Proof Cleanup Robot
Training the Next Generation of Japanese Craftsmen


تعبير الإندهاش لـ KOBIAN-R


تعبير طبيعى لـ KOBIAN-R


وجه سعيد لـKOBIAN-R


وجه حزين لـKOBIAN-R


تعبير الاشمئزاز لـ
KOBIAN-R

الروبوت تكنولوجيا