وصفة الطعام الممتع

قصة صعود فنان ”سوشي“ شهير من القاع للقمة

ثقافة

يسعى عشاق السوشي دائما إلى كل ما هو جديد ومميز في مطاعم السوشي المنتشرة في حي جينزا الشهير بطوكيو .ولعل أهم ما يركز عليه الزبائن هو كيفية تعامل صانع السوشي وجديته في العمل والأجواء المعينة بالمكان. وفي هذا الموضوع نَطّلع عن كثب على حياة السيد ”آوكي توشيكاتسو“ صانع السوشي المميز الذي ورث تلك المهنة عن والده ويحافظ عليها للأجيال القادمة.

آوكي توشيكاتسو AOKI Toshikatsu

هو من الجيل الثاني ومالك مطعم ”سوشي آوكي“. مواليد محافظة ”سايتاما“. سافر بعد تخرجه من الجامعة اليابانية للعلوم الرياضية إلى الولايات المتحدة لمدة عام. وبعد عودته إلى اليابان تتلمذ مهنياً في المطعم الشهير ”يوشينو“ في ”كيوباشي“ ثم عمل تحت إشراف والده الشهير ”آوكي يوشي“ حيث أصقل مهاراته كصانع للسوشي. وقد توفى والده فجأة عندما كان ”توشيكاتسو“ في الـ ٢٨. فتولى ”توشيكاتسو“ مطعم ”سوشي آوكي“ بعد والده ولا يزال يديره إلى الآن.

لعل ”آوكي توشيكاتسو“ أنسب شخصٍ يليق بصناعة السوشي. فقد حصل على شكل جسد ممشوق من خلال تدريبات الجودو أيام الدراسة. وبمجرد ارتدائه المعطف الأبيض والوقوف أمام لوح التقطيع يعطي إحساساً بالطمأنينة للزبائن حيث يشعرون أنهم بالتأكيد سيأكلون شيئا لذيذا على يده. فتشعر بالواقعية والجاذبية في وقفته وكأنه أب حنون يطهو شيئا لذيذا لأسرته سيما وأنّ ما يصنعه من سوشي تبدو وكأنها قطع فنية. كما تلاحظ عليه ابتسامة بريئة عذبة كالأطفال وهو يصنع السوشي.

والدي أول من نشر ”إيدوماي سوشي“ في كيوتو

”أيدوماي سوشي“ هو أحد ثقافات الطعام الخاصة بالعاصمة طوكيو (إيدو سابقا) والتي تفخر بها أمام العالم. وقد كان أول سوشي أكله ”آوكي“ من صنع والده ”يوشي“ الذي نشأ وترعرع في حَيّ ”أساكوسا“ بطوكيو، وقد تتلمذ ”آوكي“ وتلقى تعليمه المهني لمدة ناهزت ٢٠ عاماً في مطعم سوشي يُدعى ”ناكاتا“ المشهور بتقديمه وجباتٍ من ”أيدوماي سوشي“، ثم سُمح له بعدئذٍ بفتح محل خاصٍ به وتحت نفس الاسم في كيوتو. وقد حَظى بشعبية كبيرة بين عالم المحترفين في كيوتو سيما وأنه ليس من السهل الأقبال على تذوق أكلات أخرى لم يَعتد المرء عليها هناك كما أنه لم يكن آنذاك أيضاً محل سوشي لـ”أيدوماي سوشي“ في كيوتو، وذلك بالإضافة أنه عدم وجود طريقة للحفاظ على نضارة الأسماك في صناديق ”البليستيرين“ البلاستكية كما هي عليه الحال الآن. حيث كان سمك التونة وهو أهم عنصر من عناصر ”أيدوماي سوشي“ يوضع في صناديق تحتوي على ثلج ونشارة خشبية. وكان نقلها يستغرق يوماً كاملاً من سوق الأسماك ”تسوكيجي“ الشهير بطوكيو بقطار البضائع. لكن ثقافة الأكل في كيوتو تختلف نوعاً ما عن طوكيو، فأهل كيوتو يفضلون لحوم الأسماك ذات اللون الأبيض، مثل سمك ”الأسبوز“ وغيره، عن لحوم سمك التونة ذات اللحم الأحمر.

أربعة أنواع من السوشي بالتونة يفتخر بها آوكي. (يمين أعلى) ”تورو نو جابارا“ أدسم جزء في سمك التونة. (يسار أعلى) ”تورو نو شيموهوري“ الجزء الثاني من حيث الدسم في التونة،. (يمين أسفل) لحم التونا الصافي المنقوع في صلصة الصويا، (يسار أسفل ) ”تشو تورو“ متوسط الدسم.

ويقول آوكي إنه يظن أن والده عانى الكثير من كيفية توفير التونة في كيوتو. فقد كان مطبخ المطعم الذي كان يعمل فيه والده ملعبا لآوكي في طفولته وقد كان يساعد أبيه مع العاملين معه في الإعداد وخلال أيام الإجازة. وكان ذلك عام ١٩٨٩ نقل والده المطعم إلى حَيّ ”كوجي ماتشي“ بطوكيو وغير اسمه إلى ”آوكي“ بعدما حصل على الشهرة في كيوتو. وهذا هو أصل ”سوشي آوكي“ الآن.

لقاءه مع السوشي في خارج البلاد عمّق من مذاقه

ذهب آوكي خارج اليابان بعد التحاقه بالجامعة اليابانية للعلوم الرياضية ولم يكن هدفه الدراسة بقدر ما كان من التمتع بالعيش في خارج البلاد حيث قطع القارتين الأميركية الشمالية والجنوبية كلها في عام واحد. كما تذوق في فترة شبابه صنوفاً مختلف من المأكولات وتحادث باللغة الإنكليزية متفاعلاً بذلك مع أجناس وثقافات مختلفة. وكان السوشي من أشهر الوجبات السريعة في أمريكا ذلك الوقت، ولم يكن يشبه ما هو عليه في اليابان حتى ولو كان كبير صانعي السوشي من أصلٍ ياباني. حيث كان فن الطبخ الفرنسي الحديث هو الغالب في تلك الآونة، فقد اشتهر ”كارفورنيا رول“ المعروف الآن والذي يُلف بأعشاب البحر مع الأفوكادو و”سوشي بالسلطعون طري القشرة“، وكذلك سوشي مركزي حول الشاطئ الشرقي. حيث كان مايونيز وصلصة تيرياكي تُستخدم بدلا من صلصة الصويا، وكوكا كوكا بدلا من الشاي الياباني، إضافةً لوضعِ خل ”البلسميك“على سمك نيء، وهذا كله مما أدهش آوكي ودفعه لإجراء اتصالات دولية مع والده ليخبره عما رآه في أمريكا فقد كان السوشي بالنسبة لآوكي ”أيدوماي سوشي“ الحقيقي الذي يصنعه والده فقط، ولكن أدرك أن السوشي يتحول بشكل متنوع في المجتمع الدولي. فقد لاحظ آوكي وجود إمكانية كبيرة للسوشي في الخارج. ولعل هذه التجربة ساهمت في خلق ”إيدوماي سوشي“ يتماشى مع النبيذ الأحمر متمثلا في سوشي ”أرز ملفوف بأعشاب البحر مع كبدة سمك أبو الشص المُتَّبلَة بصلصة البونز(صلصة الصويا مع حمضيات) ببصل أحضر“.

قصته مع ”جينزا“ بعد وفاة والده

وبعد رجوعه إلى اليابان، تتلمذ ”آوكي“ في مطعم ”يوشينو“ في كيوباشي بطوكيو ثم عمل مع والده في مطعمه الجديد في ”جينزا“ تحقيقا لحلمه أن يعمل مع والده في المطعم. ولكن توفى والده فجأة ودون سابق إنذار عندما كان آوكي في سن الـ ٢٨. وكانت قدرته على صنع السوشي لم تتجاوز بعد المرحلة الأساسية، لذا لم تكن لديه ثقة واسعة في صنع السوشي أمام الزبائن وتكرر فشله وإحراجه أمام الزبائن عدة مرات. ثم لجأ آوكي إلى أشهر صانعي السوشي في جينزا من الذين حققوا نجاحاً في هذا المجال في عصر”شووا“ وكان منهم ”نيتسو تاكياكي“ صاحب مطعم (كيوتا). وكان عامة الزبائن تُشجع آوكي عندما يفشل ومن هنا بدأت مرحلة التدريب الحقيقي بالنسبة لآوكي.

آوكي يذهب إلى سوق تسوكيجي كل صباح للتَسَّوق بنفسه.

وأخيراً، بعد مرور ربع قرن على وفاة والده يدخل آوكي مرحلة الازدهار ويقف على قدميه بكل ثقة وثبات، كواحد من أشهر صانعي السوشي في الوقت الحالي. وتقول والدته التي قامت على إدارة المطعم لمدة طويلة مُوَّجِهَةً كلامها لابنها الذي يقوم بإعداد السوشي ”لقد أصبحتَ ماهرا تماما مثل والدك“. كما يقوم آوكي بنقل الخبرات والمهارات المختلفة في إعداد السوشي التي توارثها عن والده للأجيال الشابة التي تشاركه العمل في نفس المطعم.

يوم تحقق فيه نجاحاً في تجديد التقليد

لا بد وأن تجد في مطعم آوكي أكثر من ٢٠ نوع مختلف من أسماك السوشي على الدوام وحتى في الصيف الذي يقال إنه تندر فيه أنواع الأسماك. وعندما تجلس أمام الطاولة، يصنع لك الأنواع المختلفة من السوشي من سمك موسى، سمك الرنجة، سمك الشيم ومحار أذن البحر المطهي على البخار. أما سمك التونة والذي يقال إن مذاقه يقل في الصيف مقارنة بالشتاء فيشتري آوكي أحسن أنواعه من بعض التجار الوسطاء دائماً. فلديه خبرة كافية حول تقدير درجة نضارة الأسماك وكونها طازجة كما أوجد تقنية صنع السوشي في بعض الحالات بتكديس قطع رقيقة من ”التورو“ على الأرز.

(الصف الأمامي من اليمين) البطلينوس، ”التورو نو جابارا“ أدسم جزء في سمك التونة، (الصف الخلفي من اليمين) لحم التونة الصافي المنقوع بصلصة الصويا، الروبيان، سمك الرنجة.

 

(من اليمين) محار أذن البحر المطهي على البخار، طبق أخطبوط ”ساكوراني“، لحم المحار ”أوياغي“، أسماك شبيهة الأفراخ ، تورو

ولا يزال ”آوكي“ يحافظ على عناصر الأسماك والأطباق التي ورثها عن أبيه مثل طبق ”ساكوراني“ وهو عبارة عن أخطبوط مفروك بالملح ومطهي في مرق حلو وحار ويقدمه دائماً في فصل الصيف. وهذا المرق يتماشى مع لحم الأخطبوط المرن، ويصنع كل من الواسابي والأرز بالخل سيمفونية متناغمة داخل الفم. وكذلك طبق ”روبيان سايماكي“ والذي أعطاه والده هذا الاسم نظرا لأنه يشبه قبعة الصينيين قديما. كما ابتكر ”آوكي“ أيضاً أطباقا أخرى بجانب ما ورثه عن والده حيث يستخدم الروبيان ذا الأيدي الطويلة والذي غالبا لا يستعمل في السوشي فيشويه نصف شواء ويضعه على الرز المخلل. كما يصنع سوشي بمحار ”الأويستر“ المطهو بالبخار ويضع عليه صلصة الصدف بدلا من صلصة الصويا. وعندما تضع القطعة في فمك ينتشر مذاق البحر في فمك أيضا. ويقول ”آوكي“ إنَّ رائحة السمك المعروفة والتي يكرها البعض شيءٌ لا يُسمَحُ به في عالم السوشي ولكن من الممكن من جهة أخرى استخدام تلك الرائحة الخاصة بالمأكولات البحرية كمَّيَزةٍ تُضفي نكهةً خاصة على المذاق أيضاً. وعندما يتوفر لآوكي مُتسعاً من أوقات الفراغ يزور كلاً من نيويورك وباريس ومدن بعض الدول الآسيوية ليتذوق الأطعمة المختلفة. ويحقق إمكانيات جديدة لمطعم ”سوشي آوكي“ وعلى نحو تنعكس فيه التجارب الجديدة التي يحصل عليها من العالم على العالم التقليدي السائد. ويُردف ”آوكي“ بالقول ليس من السهل أن تحقق ”تقليداً جديداً“ يبقى للأجيال القادمة. وإنَّ ”إيدوماي سوشي“ هو طعام متكامل فكر فيه أجدادنا. كما يكنّ هذا التواضع الذي نراه في ”آوكي“ سرور وبهجة الصناع الذين توارثوا تقليد إيدوماي سوشي أباً عن جَدّ إذا صَحَّ هٌنا هَذا التعبير.

Sushi Akoki Ginza
Ginza Takahashi Building, 2nd Floor
7-4, Ginza 6-chome, Chuo-ku, Tokyo, Japan
Tel: 03-3289-1044
Open: Lunch/12:00-14:00 Dinner/17:00-22:00
Closed:Year-end and New Year Holidays
Average price: Lunch/3,000 Yen, Dinner/20,000Yen
http://www.sushiaoki.jp/index_english.html

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ١٨ يوليو/ تموز ٢٠١٤)

سوشي جينزا الأسماك