وصفة الطعام الممتع

مغامرة يابانية لأفضل مطعم في العالم

ثقافة لايف ستايل

سمي مطعم نوما الدنماركي أفضل مطعم في العالم لأربع مرات في السنوات الخمس الماضية لنهج الطبخ المبتكر الخاص بإشراف رئيس الطهاة رينيه ريدزيبيه. وفي أوائل عام ٢٠١٥، افتتح نوما مطعما لفترة وجيزة في فندق ماندارين أورينتال في العاصمة طوكيو وقدم قائمة جديدة من الأطعمة تقوم حصرا على المكونات اليابانية.

في صباح يوم من شهر فبراير/شباط، وقُبيّلَ لحظات قليلة فقط من إعلان موعد انتهاء المغامرة اليابانية التي استمرت لمدة خمسة أسابيع في العاصمة اليابانية والتي خاضها مطعم نوما الدانماركي الحائز على جوائز عديدة، زار فريق من هيئة التحرير في nippon.com المطبخ الواقع في الطابق السابع والثلاثين من فندق ماندارين أورينتال في طوكيو.

وما أن دخلنا المطبخ، حيث كان جبل فوجي المُغطى بالثلوج واضح الرؤية، أخرج نائب رئيس الطهاة بو كلوغستون من الثلاجة ثَمَرة كيوي برية نضجت في إحدى مزارع ناغانو. وقال: ”هل تريدون تذوق واحدة منها ؟“ وبينما كانت تلك الفاكهة تُرَطِبُ لسان متذوقها، فإنها أضفت نُكهةً غنية أيضا لا سيما أن كامت ممزوجة عند تناولها للتو مع مذاق الحموضة وعلى مقربة من المدخل، كان الطهاة الشباب يفتحون المحار في المياه العذبة وعلى نحو الواحدة تلو الأخرى ويرتبون أوراق السانشو (فاغرة فلفلية) المملحة ويكسرون الجوز. وكان المطبخ أشبه بالمتاهة، حيث ينقسم إلى عدة غرف، بما في ذلك مطبخ الإعداد والتحضير الواقع في القَبوِ الثالث تحت الأرض من نفس المبنى أي تحت أربعين طابقا حيث يُقال. ”إذا نسي أحدهم النمل، فعليه انتظار المصعد والذهاب لجلب النمل، وانتظار المصعد مرة أخرى والعودة للمطبخ“، هذا ما يوضحه أنطوني كوستا، المدير العام للفندق، في إشارة إلى واحدة من مكونات المطعم الأكثر غرابة.

الطهاة على رأس عملهم بالقرب من المدخل (إلى اليسار)؛ يتم وضع أوراق السانشو بعناية (يمين).

تصدر نوما قائمة أفضل ٥٠ مطعم في العالم في مناسبات عديدة كما لديه دائما قائمة انتظار يصل التعداد فيها إلى الآلاف. وهو واحد من المطاعم الأكثر صعوبة في العالم من حيث تأمين حجز فيه. ومما يدعو للإعجاب أن صاحب مطعم نوما وكبير الطهاة رينيه ريدزيبيه قام -ولمدة خمسة أسابيع فقط - بِجَلبِ سبعة وسبعين من موظفيه، من طهاة وحتى المسؤولين عن غسل الأواني إلى اليابان كبادرة تحدٍ تتعلق بأنشطة مطعم جديد.

”ماذا لو ذهبنا جميعا إلى هناك؟“

رينيه ريدزيبيه هو رئيس الطهاة ومالك نوما في كوبنهاغن، الدنمارك. بدأ الطهي عندما كان عمره ١٥ عاما، وشحذ مهاراته في المطاعم الفاخرة مثل إل بولي (El Bulli) في إسبانيا. منذ تأسيس نوما في عام ٢٠٠٣، قام بتحضير الأطباق التي تستند إلى الثقافة الإسكندنافية والمأكولات الموسمية. اسم المطعم مشتق من الكلمات الدنماركية نورديسك (الشمال) وماد (الطعام).

لقد زار ريدزيبيه اليابان ولأولِّ مَرَّة عام ٢٠٠٩ وحصل ذلك بناءً على دعوة من موراتا يوشيهيرو صاحب مطعم كيكونوي الشهير كيوتو. وخلال إقامة دامت أسبوعاً واحداً زار مجموعةً واسعة من الأماكن بما في ذلك مصانع الميسو، ومخمرات الساكي وموردي صلصة الصويا وعشب كومبو البحري (لامينارية) وحمضيات يوزو. ثم قد قرر بعدها زيارة اليابان مرة أخرى لفترة أطول للتعلم ولكي يكون َجزءاً من النظام الياباني حيث كان يشعر أنه مختلف بشكل كبير عن نظيره في الدنمارك. لكن كان لدى ذلك الشاب البالغ من العمر ٣٧ عاماً ثلاثة أطفال صغار، ومسؤوليات عائلية لا يمكن تجاهلها عندما جاءه إلهام مفاجئ. ”ماذا لو ذهبنا جميعا إلى هناك؟ الجميع سينتقل ببساطة.“

وفي سبتمبر/ أيلول عام ٢٠١٣، وبعدما أعلن ريدزيبيه عن خطته لموظفي نوما، أضاف بقوله ”أنهم هللوا وقفزوا في الهواء“. وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام بدأ مراسلة العديد من الفنادق حيث كان ماندارين أورينتال في طوكيو الفندق الوحيد الذي قام بالرد. فقد كان أنطوني كوستا متحمساً للغاية للتعاون الغير مسبوق بين الفندق ومطعم نوما.

وكما هو متوقع، جلبت الأخبار رد فعل واسع النطاق واكتملت قائمة الانتظار بحلول نهاية اليوم الأول من الحجز عبر الإنترنت وذلك في ٢٣ يونيو/ حزيران عام ٢٠١٤، وفي نهاية المطاف وصلت إلى ٦٢ ألف شخص. خلال فترة خمسة أسابيع - من ٩ يناير/كانون الثاني وحتى ١٤ فبراير/ شباط ٢٠١٥ - حيث عمل نوما في طوكيو، واستمتع نحوَ ٣٦٠٠ من الضيوف بالقوائم المبتكرة التي تتكون من ١٥-١٦ قِسماً. وبصرف النظر عن الرواد اليابانيين، تضمنت جنسيات المحظوظين بما فيه الكفاية للفوز بحجوزات من أماكن بعيدة مثل تايوان وسنغافورة وأستراليا وباكستان والإمارات العربية المتحدة.

في الجبال مع الصيادين

أمضى ريدزيبيه في اليابان ما مجموعه خمسة أشهر منذ عام ٢٠٠٩ وقام أعضاء من موظفيه بسبع رحلات تحضيرية للبلاد خلال عام ٢٠١٤ فقط. كما اعترته الدهشة والإعجاب إلى حدٍ كبير من تنوع المناظر الطبيعية في البلاد. وقد اتخذت أسفاره سمات خاصة بعيدا نحو الجنوب حتى جزيرة إشيغاكي شبه الاستوائية في أوكيناوا، حيث سُحر بتنوع الفلفل الطويل الذي نما هناك ليدمجه في طبق ”حمضيات وفلفل طويل“.

حمضيات وفلفل طويل: أربعة أنواع من الحمضيات - هسّاكو وبرتقال ميكان، بونتان وبوميلو - مقطعة ومقدمة مثل الساشيمي، ومزينة بأوراق السانشو المملحة، الفلفل الطويل والملح بنكهة الصنوبر، وزيت ريشيري كومبو.

قضى ريدزيبيه يومين لا يمكن نسيانهما مع صيادي ماتاغي التقليديين في سلسلة جبال شيراكامي في محافظة أوموري شمال اليابان. ”ذهبنا إلى الجبال لتذوق الجذور والأوراق ولحاء الأشجار والأزهار الغريبة. كما تحدثوا عن الطيور ومختلف أنواع الحيوانات التي تعيش هناك، وكيفية الحصول على الأطعمة البرية وتذوق ثمار التوت الجديدة. لقد كانت حقاً تجربة رائعة وغنية.“

ويجدر القول إن ترتيب رحلة الاستكشاف قد تم من قبل ناماي شينوبو، رئيس الطهاة في مطعم (L’Effervescence) وهو مطعم فرنسي يحمل نجمتين ميشلان في طوكيو، وقَدَّم دعما قويا خلال فترة عمل نوما في اليابان.

وكذلك فضلاً عن مفاجأة ناماي، استطاع ريدزيبيه مفاجأة صيادي ماتاغي بخبرته العميقة عن خصائص الحماض البستاني. كما دُهِشَ أولئك عندما بدأ ريدزيبيه فجأة بمضغ فرع للكرز البري. وفي وقت لاحق، استخدم نوما زيتا بنكهة لحاء من نفس نوع الكرز البري في طبق القرع هوكوري الذي وُضِعَ على قائمة نوما الخاصة بطوكيو.

طبق القرع هوكوري، زيت بنكهة خشب الكرز وأزهار الكرز المملحة.

وعندما زار ريدزيبيه محافظة ناغانو، قرأ الكثير عن التقاليد المحلية الخاصة بتناول الحشرات، مثل يرقات الدبابير والنمل بطعم الحمضيات. وكان يريد تحضير قريدس بوتان بالحمضيات، ولكن كان لعصير الليمون رد فعل غير مُستَّحب عند ”طبخ“ اللحم. لذلك قرر ”استخدام حمض الفورميك من النمل تماما مثل الليمون“. وأطلق على طبق القريدس الطازج المجلل بالنمل ”بوتان-إيبي (قريديس بوتان) مع نكهات متنوعة من غابات ناغانو.“ وبالمناسبة، لم يكن استخدام النمل انطلاقة جديدة بالنسبة لنوما، سيما وأن سبق للمطعم أن أضافها إلى عدة أطباق لسنوات عديدة.

ومن بين الأطعمة اليابانية التي أثارت شهية ريدزيبيه الذي تربى على أطباق من شمال أوروبا، المحار في المياه العذبة، وتوت ماتسوبوسا وأصناف أخرى من الحمضيات. ولكنه يحتفظ أي ”ريدزيبيه“ بتقدير بالغ لريشيري كومبو، الأعشاب البحرية من الساحل الشمالي لهوكايدو، وخاصة بالقرب من جزيرة ريشيري. ويقول : ”إنها إحدى المكونات التي لا تصدق.“

كل شيء يتوقف على العلاقات

يقول ريدزيبيه إن ”لدى اليابان واحدة من أغنى الثقافات الغذائية في العالم.“ ”وذلك ليس وَحدّه فحّسب، بل يشمل الشعب أيضا الذي يتمتع بثقافة رفيعة وتقدير للخيارات الطبيعية.“ وبالنسبة لريدزيبيه، فإن سوق تسوكيجي للسمك هو بمثابة برج إيفل الخاص بطوكيو.

بَيَّدَ أن اليابان تبدو وكأنها مثل ”كوكب آخر“ مقارنة مع الدنمارك من نواح عدة. ”ولعل واحداً من الاختلافات الكبيرة هو أن كل شيء هنا يتوقف على العلاقات، بينما في بلدي كل شيء يتوقف على المعاملات وإن لم تستوعب ذلك الاختلاف، فمن المرجح على الأغلب أن تتخذ الأمور مناحٍ صعبة في البداية. وربما لا يمكنك أن تستوعب أنك بحاجة للذهاب وزيارة الشخص الذي يبيع اللفت، وشرب حساء الميسو، وإلقاء التحية، وقضاء بضعة ساعات في الحديث والعودة إلى البيت قبل أن تعاود الاتصال به مرة أخرى. ثم ربما تحصل على اللفت الذي تريد شراءه.“ لقد كان كوستا معجباً جداً بجهود ريدزيبيه للتعرف على كل الموردين ويقول“ لقد قام بعمل رائع.“

كما قال ناماي الذي رافق ريدزيبيه في بحثه عن المكونات عن رئيس طهاة نوما، ”إن المكونات التي يستخدمها في إعداد الطعام في مطبخه صديقة للبيئة وتُظهر احتراماً لسمو ونبل الحياة“ وتحدث ناماي حول ”طبخ بقايا المواد الغذائية“ الخاص بريدزيبيه حيث يستخدم المكونات التي عادة ما يتم التخلص منها، وكذلك طريقة تقديم بطة برية كاملة - عرض تقديمي عن خطورة الحياة. وأضاف ”أنه طاهيا من المستقبل، ويذهب دائما أبعد من أي شخص آخر. ومن خلال النكهات، يعمل على التأثير على قيم المجتمع في نواح كثيرة.“

بسيطة لكنها معقدة

يُعتبر التخمير في الدول الإسكندنافية طريقة تقليدية ضرورية للحفاظ على المكونات اللازمة خلال فصل الشتاء الطويل. ويعتمد ”نوما“ على الأغذية المخمرة. اعتمادا كبيراً كما يستفيد ريدزيبيه أيضا من الكثير من الخضروات. حيث أنه ”بالنسبة لنا، المستقبل هو في الخضروات.“

وفي محاولةٍ لتجسيد طوكيو، استلهم نوما من الطريقة اليابانية في تناول الطعام. نظراُ لأنَّهُ ”في أوروبا، تقدم معظم الأطباق دائما على صحن واحد، ولكن في اليابان لديك أكثر من طبق في كثير من الأحيان. فهناك طبق المخللات إلى جانب، صلصة الصويا لغمس السوشي الخاص بك. مرق بارد لشعرية السوبا الخاص بك.“ وقد تمتع ريدزيبيه بإمكانية التفاعل المتنوع بين رائد المطعم والوجبة، حيث يظهر لهذا تأثير واضح في طبقه Kōika Cuttlefish “Soba” and Roses (حبار كويكا على هيئة الشعرية ”سوبا“ مع الورود).

Kōika Cuttlefish “Soba” and Roses (حبار كويكا على هيئة الشعرية ”سوبا“ مع الورود).
الحبار مقطع إلى شرائح رقيقة في شكل الشعرية سوبا وصفها مع أمعاء الحبار المخمرة، والتوفو المدخن المغطى بصلصة الميسو، ومسحوق من فطر مايتاكي. ثم يتم رش هذا بمرق الصنوبر، مع رش رقائق راوسو كومبو المالحة، ويقدم مع بتلات الورد في زيت السمسم الأبيض.

وبُغية إرضاء الناس وإثارة الدهشة من خلال الطعام واللعب خلال الطهي كانت هناك دائما ميزة مركزية في طبخ ريدزيبيه وتبدو فلسفته قد أصابت فندق ماندارين أورينتال حيث يقول كوستا وقد ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهه ”لقد غير من صورة فندقي.“

ويُضيف :”أولا وقبل كل شيء، يستمع الطهاة إلى موسيقى الروك في مطبخي. في الساعة الثامنة من صباح اليوم! ويمكنك أن تتخيل الطهاة اليابانيين المتقدمين في السن وهم ينظرون إلى هؤلاء الرجال الشباب بأكمام قصيرة مع أوشام على أذرعتهم. لقد تَطَلّب الأمر بعض الوقت لبعض من زملائي اليابانيين للاعتياد على رؤية هذا المنظر. ولكن الآن يغنون معا وبنفس الايقاع مع أغاني فرقة AC/DC.“

ريدزيبيه يترأس اجتماعاً للموظفين قبل فتح المطعم لهذا اليوم.

ويبدو أنه ليس من الواضح حتى الآن معرفة كيف ستؤثر تجربة ريدزيبيه على قوائم الطعام اليابانية في المستقبل. لكنه تأثر كثيرا بما يصفه بـ”البساطة المعقدة“ في الثقافة اليابانية. ”إذا كُنت تَتخيلَ الشاي الأخضر، أنه مجرد كوب من الشاي، ولكنه ليس مجرد كوب من الشاي. إنه حفل وفلسفة بأكملها.“ شرب كوب من الشاي قد يكون شيئا عاديا بالنسبة لمعظم الناس، ولكن ريدزيبيه يعتقد أنه من الممكن أن تجد الكثير من القيم والجمال هناك. ”يمكنك أن تجعل من الواقع تجربة معقدة جدا، غنية، وعميقة“.

(إعداد فريق من قسم التحرير بـ nippon.com حَسبَ مقابلة أُجرِيَت بتاريخ ١٣ فبراير/شباط ٢٠١٥. الصور مقدمة من يامادا شينجي. الترجمة من اللغة الإنكليزية)

طوكيو الطعام الياباني مطاعم